لَواعِجُ الصحراءِ
عودي على العُشّاقِ بالسَرّاءِ
أنتِ المُنى يا ليلةَ الإسراءِ
هاجت رِمالُ الشوقِ في صحرائنا
أَوَ تُسكنينَ لواعِجَ الصحراءِ؟
ها قد بكت وجداً وطالَ نحيبُها
شَوقاً إلى لُمَحِ السَنا الغرَّاءِ
نارُ المَحَبَّةِ لا انطفاءَ لِحَرِّها
ما دامَ ذو الأشواقِ في الأحياءِ
ماءُ الوصالِ يَزيدُ في وَقْدِ الجَوى
والهَجرُ يُذْكي حُرقَةَ الأحشاءْ
سِيّانِ عندي ماؤها ولهيبُها
فكلاهما في، الحُبِّ،سِرُّ بقائي
ولنا على دَلِّ الحبيبِ صَبابةٌ
أَندى على قلبي مِنَ الأنداءِ
لله نارُ الشوقِ، كم ذا أحرقتْ
كبدي فبدَّدَ حَرُّها أهوائي
والهجرُ جمرٌ في الضلوع وزفرةٌ
لكنّه، عندي، زلالُ الماءِ
ما دُمتُ في كَنَفِ الحبيب، فهجرُه
كوصالِه، سعدي وسرُّ هَنائي
يكفي المحِبَّ بأنَّ لاسْمِه عندهم
ذِكراً، وإن في آخرِ الأسماءِ
***
حنَّ الحبيبُ إلى الحبيبِ فخَصَّهُ
بالقربِ حتى اجتازَِ كلَّ علاءِ
ناداه والسبْعُ الطِباقُ ملائكٌ
مُتَلَهِّفونَ لوجهِهِ الوضّاءِ
أَحُرِمْتَ في الأرضِ النصيرَ؟ فهاهمُ
جُنْدُ السَما في جملةِ النُصَراءِ
أَعُدِمْتَ في الأرضِ النصيرَ؟ فرُسلُنا
بك مُحْتَفون رِضًا بكلِّ سماءِ
أَخُزلتَ ما بين العبادِ؟ فهذه
رُتَبُ العَلاءِ وسُدَّةُ العَلْياءِ
قَصُرتْ خُطا جبريلَ دون بُلوغِها
ومضيتَ حيثُ بَلغتَ كلَّ سَناءِ
ما ثَمَّ ما بين الحِبيبِ وحِبِّهِ
أحَدٌ فطِبْ نَفْساً أبا الزهراءِ
أُعطيتَ ما لم يُعْطَهُ أحَدٌ ولا
سارت إليه ركائبُ العُظَماءِ
موسى، كليمُ الله خَرَّ بنظرةٍ
صَعِقاً، ودُكَّ الطُورُ في السيناءِ
ودَنَوتَ حتى ليس ثَمَّةَ مَطْمَعٌ
لسواكَ عند السِدرةِ العصماءِ
ولك الشفاعةُ بالخلائقِ جُملةً
من بعدِ ما يئسوا من الشُفَعاءِ
والحوضُ حوضُكَ فاسقِ منهم مَن تَشا
فالكلُّ في ظَمَئٍ وفي وعَثاءِ
يا سيِّدَ الشُفَعاءِ حسْبيَ أَنني
بك مؤمنٌ قلبي وفيكَ وَلائي
لا مِنَّةً منًّي ولكن نِعمةٌ
لكمُ عليَّ كسائرِ النَعْماءِ
وإذا الكريمُ عليك جادَ فلا تَخَفُ
سَلْباً؛ فما هي عادةُ الكرماءِ
بل أوَّلُ الغيثِ العميمِ، فبعدَها
ستَرى تتابُعَ نِعمةٍ وسخاءِ
فالبَرُّ مَن أغنى وأَقْنى بِرُّهُ
وسواكَ مَنْ؟ يا صاحبَ الإسراءِ
قد عاد "كعبٌ" مِن نَداكَ ببُردةٍ
أغلى مِنَ البيضاءِ والصَفراءِ
لو كنتَ تَملُكُ غيرَها لوَهَبْتَهُ
أَعظمْ بها مِنْ سيِّدٍ معطاءِ
أغنيتَ كلَّ المادحين، وها أنا
في باب جودِكَ آخرَ الشعراءِ
***
يا صاحبَ الإسراءِ، أيَّةُ حُجَّةٍ
للقاعدين بِنا، وأيُّ حياءِ؟
والمسجدُ الأقصى يئنُّ ويشتكي
صَلَفَ اليهودِ وذِلَّةَ العَرْباءِ
طالتْ شِكايتُه ولا مِن سامعٍ
نادى .. ولا مَن يَرْعوي لنداءِ
عقَدوا الصليبَ بهيكلٍ زَعَموهُما
وسَرَوا إلى مَسراكَ في خُيَلاءِ
عاد التتارُ؟! فما التتارُ بِلُؤْمهم
فازَّلْزَلي يا قُدسُ باللؤماءِ
واسترجِعي بغدادُ نخوَةَ عامرٍ
وابنِ الوليدِ وسائرِ العظَماءِ
وهم الغُزاةُ فمزّقي أجسادَهم
ما شُيِّدتْ بغدادُ للسفهاءِ
لم تُتَّخَذْ بغدادُ وَكْرَ جَنادبٍ
بل مسرحاً للنُبلِ والنُبَلاءِ
***
يا قُبَّةَ الأقصى وحُرمَةِ مَن سَرى
ليلاً إليكِ، وحُرمَةِ الإسراءِ
ما زِلْتِ مَهْوى القلبِ قِبلَتَنا، وما
زِلْنا غَداةَ الروعِ أهلَ وفاءِ
متَعَطِّشونَ إلى الشهادةِ، إنَّما
مَن ذا يقودُ جَحافِلَ الشُهَداءِ؟
يا ربِّ هَيِّئْنا وهَيِّءْ قادةً
للرافضين تَزَلُّفَ الجُبَناءِ
عبد القادر الأسود