محاكمة الجندي القاتل لا حدود للصورة/ مصطفى إبراهيم
21/2/2017


تُطوّع إسرائيل الصورة لتشكيل الوعي الزائف، فهي تدرك تأثير ذلك للتحكم في سلوك الآخرين ليس من باب الفرجة، إنما لإنتاج الوعي الزائف الذي تمارسه في حربها المستمرة ضد الفلسطينيين، الذين أصبحوا فرجة بفعل سلوكهم التدميري تجاه قضيتهم وينتجون صوراً تشكل وعيا زائفاً من خلال نظام سياسي يمارس القيادة المتفردة وتأخذهم في طريق واحد ولا تنتج سوى مزيد من الإنتظار والفرجة على جرائم الإحتلال.


في إسرائيل المعركة ليست في الميدان فقط، إنما المعركة على الصورة كما في حالة الشهيد عبد الفتاح الشريف، فهم ينطلقون من قاعدة من يأتي لقتلك سارع بقتله، وإقتل ولا تدع أحد يراك، ولولا الصورة التي إنتشرت في جميع أنحاء العالم لما ردت إسرائيل بإظهار صورة محاكمة الجندي القاتل والمسرحية الهزلية.
إسرائيل تعمل دوماً على تغيير الصورة ونجحت في حالات كثيرة في تغيير الصورة، والهدف إظهار نفسها الدولة الديمقراطية التي تحاكم جنودها الذين يطلقون النار من دون إذن القيادة، وأن هذا الجندي لا يمثل الجيش الإسرائيلي الأكثر أخلاقية في العالم حسب إدعاءهم.
وتغاضت قيادة الجيش مؤقتاً عن النقد الذي وجه ضدها في محاكمة الجندي، وهي تدرك أنها محاكمة صورية لأن الضحية فلسطيني، فالكل في إسرائيل تجند للدفاع عن الجندي القاتل، وتشكل إجماع صهيوني ومن يخالف هذا الإجماع فهو خائن ويتم مقاطعته، والإعلام الإسرائيلي هو رأس الحربة في كل المعارك ضد الفلسطينيين.
في حين أن الكل الإسرائيلي وفي مقدمتهم رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزراء حكومته تسابقوا في منح الحصانة والغطاء القانوني والأخلاقي للجندي وللجنود الذين قتلوا ألاف الفلسطينيين منهم من صورتهم الكاميرات ومنهم من لم تصورهم، وفي كل جريمة ترتكب بحق الفلسطينيين يكال المديح والثناء على عمليات القتل والإعدام الميداني خارج إطار القانون كما حدث في هبة القدس ويحدث في كل حين، ومن دون أي تناسب او تشكيل خطر حقيقي على الجنود.
فهي تقوم وعبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، ووسائل الإعلام الدولية بنشر صورة الجندي في المحكمة، مع أن الحكم لا يعبر عن حقيقة الجريمة والقتل العمد، فالهدف هو تغيير الصورة الحقيقية لهذه الدولة لتزييف الحقائق ونشر الأكاذيب، وتشويه نضال الفلسطينيين، والاثبات للعالم أنها تحاكم جنودها وتعتقد أنها قد تفلت من العقاب.
لم تكن المحاكمة مفاجأة، بعد سنة من الجدل والخلاف، وبعض المسؤولين الإسرائيليين وصفوا يوم المحاكمة بأنه يوم غير سعيد وحزين يحاكم فيه جندي مقاتل في الجيش الإسرائيلي ويدافع عن الإسرائيليين.
هذا ما أرادته إسرائيل خاصة الجيش الذي أصدر الحكم وأصر على محاكمة الجندي الإسرائيلي القاتل وأخرج هذه المسرحية وأراد أن يوضح أن القتل يجب أن يكون بأوامره وحسب سياسته، ويجب أن تظهر صورة إسرائيل الديمقراطية والجيش الأكثر اخلاقية، هكذا أرادوا من المحكمة، وهكذا صدر الحكم المخفف وقد يتم العفو عنه والإكتفاء بمدة محكوميته. المهم صورة إسرائيل، وما الحكم المخفف إلا دليل على المسرحية، وبالرغم من أن هذه الصورة هي للإستهلاك المحلي، والصورة في الأصل هي الدلالة وإحداث التواصل وتحويله الى عنصر مؤثر بردود فعل تضامنية مع إسرائيل.
هي صورة ليست للفرجة بل هي صورة بلا حدود لتشكيل وعي المجتمع الدولي، يبقى أن ندرك نحن حقيقة صورتنا المعروضة للفرجة، وتغييب عدالة قضيتنا وما أصابها من ضرر كبير بسبب سياسات النظام السياسي الفلسطيني الحمقاء.