قبل أن أبدأ لنقرأ القصة الطريفة التالية:


روى المبرِّد عن شيخه بكر المازني‏:


"‏ غنت جارية في حضرة الواثق‏:‏


أظلومُ إن مصابَكم رجلاً
رد السلام تحيةً ظلم
فاختلف من بحضرة الواثق في إعراب هذا البيت، وهل يكون (رجلاً) مرفوعًا أو منصوبًا، وبم نصب‏؟‏
وأصرت الجارية على أن المازني حفّظها هذا هكذا‏.‏


لندع تتمة الرواية على لسان المازني:


"فأرسل الخليفة إلي، فلما مثَـلت بين يديه قال لي‏:‏ أنت المازني‏؟‏


قلت‏:‏ نعم‏!‏


قال‏:‏ من مازن تميم، أم من مازن ربيعة، أم مازن قيس‏؟‏


فقلت‏:‏ من مازن ربيعة‏.‏


فأخذ يكلمني بلغتي، فقال‏:‏ بَا اسمك؟‏


بلغة مازن ربيعة- وهم يقلبون الباء ميمًا والميم باء، فكرهت أن أقول (مكر) فقلت‏:‏ بكر‏.‏
فأعجبه إعراضي عن المكر إلى البكر، وعرف ما أردت‏.‏


فقال‏:‏ علام انتصب رجلاً‏ في البيت؟‏


فقلت‏:‏ لأنه معمول المصدر "مصابكم‏".


يقول المبرد: ‏


فأخذ اليزيدي (وفي روايات أخرى- هو أبو محمد التوزي) يعارضه، فعلاه المازني بالحجة، فقال له: هو كقولك:


"إن ضربَـك زيدًا ظلمٌ"
فسكت اليزيدي.
استحسن الواثق ذلك، فأجازه، ورده إلى أهله مكرمًا.


المصدر:


ابن حجة الحموي- (ثمرات الأوراق)، ص 4-5، وكذلك (درّة الغواص) للحريري ص 96- 97، وقد ورد البيت في (ديوان العَرجيّ)، بينما أورده البغدادي في (خزانة الأدب- ج1، ص 454) على أنه للحارث بن خالد بن العاص، والعجز ورد: "أهدى السلامَ تحيةً ظلمُ"، كما أكّد نسبة الشعر لخالد كتاب (الاشتقاق) لابن دُرَيد، ص 99 ومرة أخرى ص 151، والبيت في (الاشتقاق)، وفي (مجالس ثعلب)، ج1 فقرة 270 ورد باختلاف في المنادى:


أظُليمُ إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام إليكم ظُلمُ


أما الحارث بن خالد فهو من الشعراء الغزِلين في قريش، وقد ولاه عبد الملك بن مروان مكة، و ظُليم ترخيم ظُليمة، وقد تزوجها. (انظر كذلك "الأغاني" دار الفكر، مادة – الحارث بن خالد، ج9، ص 270 وهو يورد الرواية على لسان الأخفش.


فائدة:


في بيت الشعر الذي ورد في القصة:


(مصاب) هو اسم مصدر بمعنى إصابة، واسم المصدر هو المصدر الذي تنقص حروفه عن المصدر القياسي، فكلمة (نباتًا ) مثلاً اسم مصدر، لأن مصدر (أنبت) القياسي هو إنبات، وتكلم كلامًا، فكلام اسم مصدر.


رأينا أن (رجلاً) في بيت الشعر هو مفعول به لاسم المصدر، والفاعل هو الضمير (الكاف) من باب إضافة الفاعل للمصدر، و (ظلمُ) خبر إن مرفوع.


متى يعمل المصدر عمل فعله؟


يعمل المصدر عمل فعله سواءٌ أكان محلًّـى بلام التعريف، نحو: أبوك كثير الإتقانِ عملَه، وهذا نادر الاستعمال.


أو يكون المصدر مضافًا: تسرني مساعدتُكَ المحتاجَ، عقابك المذنبَ ردعٌ له.


وهذا أكثر ما يرد، فالمصدر هنا مضاف إلى فاعله.


وقد يُضاف المصدر إلى مفعوله، كقول الشاعر:


أفنى تلادي وما جمّعت من نشب
قرعُ القواريرِ أفواهُ الأباريقِ
(تروى أيضًا- القوازيز).


يعمل المصدر كذلك إذا كان منونًا: أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة* يتيمًا ذا مقربة- البلد، 14.


يُشترط في عمل المصدر أننا نستطيع أن نقدّر (أن والفعل) أو (ما والفعل) في كل جملة من الجمل السابقة، ففي قولنا: يعجبني احترامك الحقَّ- نستطيع أن نقدّر: يعجبني أن تحترم الحق، أو يعجبني ما تحترم الحق اليوم.


كما يشترط في عمل المصدر عمل فعله- أن يكون هذا المصدر نائبًا عن فعله، نحو: تركًا التدخينَ! سقيًا الزرعَ!
ديوان العرب