منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 21 إلى 25 من 25
  1. #21

    رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل

    ليلة تسليم جلجامش لليهود (١٧)

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيليلة تسليم جلجامش لليهود (١٧)



    الخميس ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن


    تأويلات وتحليلات مُضافة ينبغي أن تؤخذ بعين الإعتبار:


    هناك الكثير من المسائل والمفاهيم التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار عند تحليل الأدب المصري القديم بشكل عام، وحكاية الأخوين هذه بشكل خاص. ويجب ملاحظة أن واحدة من الصعوبات الكبرى التي تواجه تحليل أدب مصر القديمة هو أن ندرة المصادر تمنح المراقب لأي نوع من التطورات التاريخية في أدب مصر القديمة حالة نظرية عالية وتجعل إعادة بناء أي شبكة تناصّية أمرا شبه مستحيل. وقد أشار بعض الباحثين إلى أن ("النظرية اليوهيميرية – euhemeristic" من الممكن أن تُستخدم بنجاح في تحليل نصوص أدب مصر القديمة، ويُقصد بالنظرية اليوهيميرية هو الاتجاه العقلاني في التأويل الذي يعامل النصوص الميثولوجية كانعكاس للحوادث التاريخية الفعلية، ويعتبر الشخصيات الميثولوجية شخصيات تاريخية حقيقية ولكنّها صُوّرت وضُخّمت أو تغيّرت من خلال إعادة السرد وتأثيرات التغيرات القيمية. وقد سُمّيت هذه النظرية نسبة إلى الفيلسوف اليوناني "يوهيميروس القورينائي" (القرن الرابع الميلادي) الذي قام بعقلنة الأساطير اليونانية في أشهر كتبه وهو كتاب "التاريخ المقدّس") (110).


    وبالعلاقة مع "حكاية الأخوين"، فقد استخدمت الباحثة "سوزان توير هوليس" هذا المنهج في كتابها "الحكاية المصرية القديمة عن الأخوين: أقدم حكاية خرافية في العالم - The Ancient Egyptian Tale of Two Brothers: The Oldest Fairy Tale in the World" (أوكلاهوما – 1996) حيث اشارت إلى أن الحكاية هذه قد تتضمن انعكاسات عن واقع تاريخي فعلي. وقد رأت هذه الباحثة أن هذه الحكاية قد تعود جذورها إلى النزاع على الإرث والعرش الذي أعقب وفاة الفرعون "مرنبتاح" في بداية القرن الثالث عشر قبل الميلاد. فعندما مات مرنبتاح كان "سيتي الثاني" هو الوريث الشرعي للعرش بلا أدنى شك، ولكن أخاه غير الشقيق "أمون مس" نازعه السلطة واغتصب العرش وحكم لعدة سنوات في مصر العليا، بالرغم من أن سيتي الثاني حكم في النهاية ست سنوات كاملة.


    لقد قام سيتي الثاني بترقية "المستشار باي" ليصبح المسؤول الأكثر أهمية في الدولة، وأنشأ ثلاث مقابر في وادي الملوك: واحده له، والثانية لزوجته الملكة "أوزوريت"، والثالثة لباي. وإنشاء مقبرة للأخير هو فعل غير مسبوق في مصر القديمة، لأن باي لا يحمل الدم الملوكي المصري وهو ذو أصل سوري ولا يرتبط، لا بالزواج ولا بالدم، بالعائلة المالكة. وهنا علينا أن نلتفت إلى معلومة شديدة الخطورة وقد تقلب كلّ ما قدمناه وتتمثل في ما يعتقده بعض الشرّاح مثل السيّد (بيتري) من أن المقصود بوادي الطلح هو وادي سوري أو كنعاني، ورأى آخرون أنّه وادي الصنوبر الذي تشتهر لبنان بأشجاره. وما يسند ذلك نسبيّاً هو قول جنود الفرعون أن باتا موجود في أرض غريبة سمّوها "الأرض البعيدة"! وبذلك – وهذا رأي يتطلب بحثاً أوسع – يكون البحر ليس النيل كما ورد في التحليل، بل البحر الذي يفصل مصر عن لبنان!! علماً أنني أشرتُ سابقاً إلى ظاهرة أن المصريين حتى يومنا هذا يسمّون النيل بـ "البحر" بصورة عاديّة.


    وهناك ترجمة أخرى للحكاية تقول: "واتفقوا معه على الحكم (أي الحكم الذي أصدره عليها) (111). ولكن لا توجد أي ترجمة تشير إلى النهاية التراجيدية التي يحكم فيها الفرعون (باتا) على الملكة - زوجته السابقة وأمّه الحاليّة - بالقتل. ويعتقد بيتري أنّ الحكاية قد صمتت عن نهاية الزوجة الخائنة إذ كيف يذبح باتا المخلوقة المقدّسة (وهي زوجته وأمّه)؟! لقد اكتفت الحكاية بالقول أن باتا حاكمها أمامه وأن النبلاء الكبار اتفقوا معه، فتركت الحكم غير مكتوب ومسكوتاً عنه. ولاحظ أن هذه النهاية صاغها كاتب "ذكر" من السلطة الذكوريّة القديمة، في حين أن نهاية القتل المتشفّي (الذبح بالسيف) صاغها محلّلون "ذكور" هم ممثلون للسلطة الذكورية في العصر الحديث!!


    وحتى عندما ابتلعت الأميرة/ الزوجة الخائنة قطعة الخشب، وحبلت، ثم ولدت لم تكن هناك أدنى إشارة في النص الأصلي الذي بين ايدينا، إلى أن الطفل المولود يشبه باتا. يبدو أن شيئا من "الحداثة" كان في بنية الحكاية السردية بحيث راهنت على ذكاء القاريء في عملية تصوّر ناتج عمليّة الإنجاب حيث لابدّ أن يكون المولود باتا نفسه أو مشابهاً له مادام التخصيب قد جاء منه (من شجرته، ولاحظ هنا أن الشجرة رمز ذكوري في هذا "السياق"، وليست رمزا للإلهة الأم كما دوخّنا الباحثون في كل حالة) أي أننا نحتاج – من وجهة نظري – إلى شيء من "المرونة الرمزية" إذا جاز الوصف، حيث من الممكن أن تحمل الرموز الأنثوية دلالات ذكورية، وبالعكس، اعتمادا على السياقات التي تأتي ضمنها، وليس مثل الأفعى رمزا ذكورياً في سياقات معيّنة، وهي الرمز الأنثوي الأصيل، مثالاً أكثر دلالة. والمشكلة أن ناجح - وقبله فراس السواح - يعتبرون حمل الإلهة سيبيل، وهي تمسك غصن شجرة رمّان، علامة على الإخصاب الذاتي، والغصن كما يصرّون هو رمز قضيبي أصيل يوفّر "الإتصال الإدخالي".


    ويكون ختام الأسطورة بجلب الأخ الأكبر أنبو، الذي يعيّنه باتا أميرا ووصيّا على كل البلاد. حكم باتا كفرعون ثلاثين عاما (وفي نسخة أخرى عشرين عاما)، وبعد أن رحل إلى السماء، خلفه أخوه في حكم مصر.


    (الآن انتهت الحكاية).


    والآن – يا ناجح – هل هذه المرأة أنموذج للإلهة الأم؟:


    نعم. إنتهت الحكاية ودعوني أعود أولا إلى ما قاله ناجح من أن زوجة باتا التي خلقتها الآلهة هي إلهة أمّ، الإلهة إيزيس، ورمزها الشجرة. الآن نجد ناجح يقول:


    (استعاد بايتي الاله الشاب / القتيل كامل حيويته وعزمه على الانتقام من المرأة / زوجته التي صارت نموذجا للنساء المعروفات بالمكر والدهاء - ص 148) (112).


    إنها الآن من النساء، وليست من الإلهات الأمّهات اللائي عُرفن بكونهن نماذج للخصب وتجدّد الطبيعة، ورموزاً للعطاء والولادة.


    أعطني يا ناجح تصرّفا واحداً أسطورياً لهذه المرأة التي تعتبرها إلهة غير أن خلقها تم من قبل إله؟؟


    إن كل ما قامت به لا يزيد على سلسلة من المؤامرات والدسائس "البشرية" لغرض قتل زوجها السابق باتا وإفنائه ؛ من قتله بقطع الأكاسيا التي وضع قلبه على زهرتها، مرورا بقتله كثور، إلى اجتثاث وجوده كشجرتي لبخ. وكل الأعمال المدمّرة هذه تمّت عن طريق جعلها الفرعون يقسم لها بالإله رع بأنه سوف يُنفّذ كلّ ما تقوله له.


    إنّها منذ أن نزلت في بيت باتا وحتى نهايتها ونهاية الحكاية لم تقم بأي عمل على الإطلاق يشير إلى كونها إلهة أمّ. فكيف اعتبرها ناجح – وبكل بساطة وبشروحات مكررة – أنها أنموذج للإلهة الأم ؛ مثل إنانا وعشتار وعشتروت، وأنها مثل إيزيس.. إلخ.


    مقاربات تلفيقية!:


    وهناك مقاربات تشبه التلفيق السريع الذي لا يحكمه منطق ولا أسس تحليل. يقول ناجح:
    (وكان لحكاية الشاب بايتي تاثير واضح على اسطورة الاله الاغريقي الشاب "ديونيسس" الذي كان على هيئة خنزير (لم يكن باتا على هيئة خنزير)، فهجمت عليه مردة من جنس الالهة Titans (لم تهجم على باتا مردة من الآلهة بل جنود مكلّفون من الفرعون)، وفسخت جسمه واكلت اطرافه ولم يبق منه الا القلب (قام الجنود بقطع ساق شجرة الاكاسيا ومات قلب بايتي في حين بقي قلب ديونيسس حيّاً يخفق) فاستنقذته الآلهة اثينا وحملته الى كبير الالهة زفس (لم تقم إلهة بانقاذ بايتي بل أخوه الأكبر البشري) فجعل منه الها جديدا هو ديونيسيس زكوس، ثم انثنى واوقع اشد العقاب بالمردة الالهة وحرقهم بنيران البرق، ومن رماد اجسادهم خلق الانسان (لم يحرق بايتي أحدا من الآلهة وكانت مشكلته مع زوجته ولم تتطور مأساته إلى أسطورة خليقة)!! - ص 143) (113).


    وسأحاول تنظيم الفروقات الفادحة بين الإله ديونيسيس وباتا من جديد ووفق رأي ناجح فقط، علماً أن هناك العديد من الفروقات التي لم أذكرها لأنني تقيّدت بقول ناجح فقط:


    - ديونيسيس كان على هيئة خنزير، وباتا لم يكن على هيئة خنزير.


    - هجم على ديونيسيس مردة من آلهة التيتانس، في حين هجم على باتا جنود بشريون من الفرعون.


    - فسخ المهاجمون جسم ديونيسيس وأكلوا أطرافه ولم يبق منه سوى القلب، في حين أن المهاجمين لم يقطّعوا أطراف باتا ولم يفسخوا جسمه ولكن هاجموا قلبه وأماتوه ثم احياه الأخ الأكبر.


    - قامت الآلهة أثينا بإنقاذ ديونيسيس وسلّمته للإله زفس، في حين قام الأخ الأكبر بإنقاذ باتا وأوصله كثور مقدّس للفرعون.


    - أحرق الإله زفس قتلة ديونيسيس وخلق من رمادهم الإنسان (أسطورة خليقة)، لم يحرق الفرعون قتلة باتا ولم تتحوّل قصته إلى أسطورة خليقة.


    هذه التناقضات من مقطع قصير قاله ناجح.. فكيف إذا أخذنا الأسطورتين كاملتين وقارنّا بينهما تفصيلياً وضمن سياقاتهما؟!.. هل سيبقى هناك دليل شافٍ وكافٍ على "التناص" المزعوم؟
    وكما يرى السيّد القارىء فلا علاقة لباتا بديونيسيس، وكل ما في الأمر تلفيق التشابهات، ولو اعترضت على هذه الطروحات، فسيكون الردّ عليك جاهزاّ: هذا تناص!! في حين أنّه، ومع احترامي لاختنا الغالية "جوليا كريستيفا": (تلاصّ) كما يقول الكاتب "يوسف يوسف" في تعليقه الذي سنذكره قريباً.


    وفي القسم الرابع (موت بايتي وانبعاثه) يستهل ناجح بحثه بالقول:


    (تقترب شخصية الإله الشاب "بايتي" في حكاية الأخوين كثرا من الاسطورة الخاصة بالاله ديونيسس وهذا ما ستضيئه الدراسة من خلال الطقوس الدينية/ الشعائر السحرية - ص 169) (114).


    ويبدو أن ناجح ينسى كثيراً لأن الموضوع متشابك. فقد كان عليه أن يشرح لنا التشابهات بين شخصية باتا وشخصية الإله ديونيسس، وأوجه التطابق بين أسطورتيهما. لكنه عاد بعد عشر صفحات ليتحدث عن ديونيسس بخمسة اسطر ضمن سياق عام تحدث فيه أيضا عن أدونيس بخمسة عشر سطرا. ولم نشعر بوجود وقفة خاصة يفي بها بما وعدنا به في الاستهلال.






    الخميس ٦ نيسان (أي

  2. #22

    رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل

    ليلة تسليم جلجامش لليهود (١٨)


    الخميس ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن


    استسهال استخدام اللغة والمصطلحات طامّة كبرى:


    وأعتقد أن هناك سببا آخر مهما وراء هذا الخطأ والأخطاء الأخر، وهو استسهال استخدام اللغة خصوصا بعد موجة حداثوية غربية (فرنسية أصلا) سامة فُهمت خطأ – من قبل الكثير من النقّاد العرب - عن أهمية اللغة الشعرية في النص النقدي والبحثي من ناحية، والتباس المصطلحات وعدم تحديد معانيها حتى صار لمصطلح مثل"الشعرية (بكسر الشين) – poetics" سبعة عشر تعريفا أحصاها الناقد الراحل د. عبد العزيز حمودة في كتابه (المرايا المحدّبة). فالفعل"ارتحل" مثلا، معانيه القاموسية والدلالية واضحة: انتقل من مكان إلى آخر (طبعا هناك معانٍ أخر لكنها تدور حول نفس الدلالة). ولكن حين نستخدم هذا الفعل بكثرة لا نستغرب ما يقوله ناجح مثلا عن"ارتحال" الزهرة من مكان إلى آخر وكأن العالم لم تكن فيه زهور وظل ينتظر أن تأتيه من العراق أو مصر !!:


    (ووحدت الزهرة رمزيا بين الشاب بايتي وعدد من الالهة الشباب. وهذا ما ستحاول الدراسة الاشارة له لأن الزهرة، اختصرت كثيرا من العقائد و(ارتحلت) (التقويس منّي) الى مناطق جديدة لتوميء للخصوبة حينا، وللانبعاث حينا آخر - ص 147) (115).


    والصحيح أن الزهور موجودة في كل مكان. ولكن مفاهيم الخصب والانبعاث التي ارتبطت بها هي التي ارتحلت من حضارة إلى أخرى بالرغم من وجود مبالغات كبيرة في هذا الشأن، فمن الصعب أن نقرأ ونستوعب معلومة تقول إن الإنسان القديم كان يقدّم زهرة للإنسان الآخر كرمز للكره والموت والقتال. قبل 21000 سنة وضع العراقي القديم باقة زهور على ضريح ابنته، وهي أول باقة زهور تُستخدم لهذا الغرض في تاريخ البشرية (116)، ولكن هذا لا يعني أن الشعوب – وكحالة عامة قد يكون لها اسثناءات بسيطة - التي جاءت بعده قد استخدمت الزهور في غير مجالات الحب والإلفة والسلام.


    ثم ينطلق ناجح – وكعادته في نقل الإقتباسات الأسطورية التي تظهر تعلّق مفاهيم وعقائد الخصب والانبعاث وطقوسها بالزهور - من آتيس مرورا بالمندالا اليابانية وزهرة اللوتس (ص 147 و148)، معتقدا أن الزهور (ترتحل) في حين أن المفاهيم والعقائد هي التي ترتحل.


    وفي موضع آخر يقول ناجح معلّقاً على ذبح الثور باتا وتحوّل قطرتين من دمه إلى شجرتين بالقول:


    (وتتبدّى الفعالية السحرية من خلال قوة الارتحال والتحوّل قوة الارتحال المتمثلة بتحول الكائن الحي/الحيواني/ الثور الى كائن حي اخر - ص 176 و177) (117).


    فهل هذا هو الإرتحال؟؟


    هل تحوّل الثور الى كائن حي آخر هو ارتحال؟؟ أم هو"تحوّل" و"تغيّر" لا علاقة له بالإنتقال في المكان؟


    وإذ تحدّث ناجح عن قوّة الإرتحال (ولاحظ صياغة الجملة رجاءً)، فأين قوّة التحوّل؟


    آراء أُخر غريبة ومتناقضة:


    من الآراء الأخر الغريبة هو ما يطرحه ناجح في تفسير طقس الإخصاء الذاتي الذي يقوم به مريدو الإله الشاب القتيل، حيث يقول:


    (والتضحية بالذكورة في واحدة من مستوياتها العميقة هي محاولة للفداء نيابة عن الاله، والالهة الشباب كثر في كل ديانة من ديانات الشرق لان تضحية الاله بذكورته يعني موته المؤقت ونزوله الى العالم الاسفل وصعوده ثانية وما بين النزول والصعود / الانبعاث يقتضي الطقس، استمرار الندب والحزن والتجريح، وحتى لا تتكرر هذه الطقوس يقوم فرد او مجاميع من الشباب باخصاء ذكورتهم - ص 91) (118).


    ولا أعلم – ابتداءً – هل هذا الرأي لناجح أم لروبرت سمث الذي اقتبس منه الآراء السابقة على هذا الرأي لأن طريقة ناجح في الإقتباس والتضمين – كما قلت – هو أن لا يضعها بين أقواس فلا يعرف القارىء أين يبدأ المقبوس وأين ينتهي ـ وهل هو له أم لغيره. وحتى لو كان هذا الرأي لروبرت سمث من كتابه (محاضرات في ديانة الساميين)، فهو رأي خاطىء، ويناقض الجوهر الأساسي لديانة الإله القتيل. فجوهر هذه الديانة يقوم على طقس مركزي هو الإحتفاء بالتجدّد والخصب والإنبعاث، كوسيلة لمقاومة الفناء والجدب والموت، فإذا كان المُريد مؤمناً بهذه الديانة فكيف يريد من خلال إخصائه لذاته – كما يقول ناجح – أن يضع حدّاً لتكرار طقوسها السنوية؟!


    هل كان الأخ الأكبر ممثلا للسلطة الذكورية العنيفة؟:


    يقول ناجح:


    (ان الجماعات الباحثة عن ابنة رع حورس والتي ارسلها فرعون الى هناك / اكدت التوازي القائم بين السلطات الذكورية المتعددة ونظائرها في الحق الممنوح لها، مع ملاحظة التفاوت القائم بين سلطة واخرى بسبب عناصرها ووظائفها. والجماعات المُرسلة هي امتداد للسلطة الفرعونية وتجسيد للقوة الملكية، كما انها نمط من السلطة الذكورية القادرة على ممارسة العنف/ والقتل باعتبارها رأسمالا رمزيا لها، وهي امتداد بشكل ما لسلطة انوبو / الاخ الاكبر - ص 127) (119).


    وحين نعود إلى قراءة الحكاية وتأمّلها بهدوء نستطيع القول وبثقة أنّ ما يقوله ناجح هنا من استنتاج عن أن انبو هو نمط من أنماط السلطة الذكورية ؛ سلطة قادرة على ممارسة العنف والقتل باعتباره رأسمال رمزي لها، هو استنتاج غير صحيح ولا محل له، ولا يوجد أي دليل عليه في الحكاية.


    لقد كان أنبو بمثابة الأب لباتا، وباتا نفسه كان يقول ذلك، ويعمل مع أخيه بصفاء. وفي موسم الحراثة والبذار – وكما رأينا من مجريات الحكاية – كان أنبو يعمل مع أخيه سواء بسواء. وحينما خدعت الزوجة الغادرة الفاسدة أنبو وصوّرت له الأمر على عكس حقيقته، واشتعل غيضا ولحق أخاه الأصغر بالخنجر ليقتله، شاهدنا ردود فعله النادمة بصورة شديدة جدا من بكاء وأسف ورثاء ودعوة لأخيه للعودة.


    وقد صحح أنبو موقفه هذا فور عودته إلى بيته، عندما قام بقتل الزوجة الغادرة ورمي جثتها إلى الكلاب.. وبقائه حزينا على فراق أخيه.


    ومن هو الذي أنقذ باتا، في محاولة مستميتة ومرهقة استمرت ثلاث سنوات قضاها في البحث عن"بذرة" قلب أخيه الميّت، ليجدها في بداية السنة الرابعة بعد أن يئس، ويعيده إلى الحياة؟! أليس هو الأخ الأكبر؟!


    ومن كان معاون باتا الرئيسي في تنفيذ خطّته في الثأر من الزوجة الخائنة عندما تحوّل إلى ثور مقدّس؟ أليس هو أخوه الأكبر؟


    كان أنبو في الواقع إنساناً صالحا ومسالماً ومحبا لأخيه، وبعيدا عن العنف والدمويّة كما قال ناجح.


    افتراض غريب آخر:


    يقول ناجح:


    (كان الاختطاف الذي حصل للزوجة سحريا، لانها لم تستطع مقاومة له، بحيث عطّلت قدرات الجماعة السحرية امكاناتها على الرفض والتحدي ورضخت للامر الواقع - ص 129) (120).


    ولا أعلم من أين يأتي ناجح بهذا الكلام وهذه التصوّرات التي لا أساس لها. حتى سليمان مظهر في صياغته الأدبية لم يقل أن الجماعة التي أرسلها الفرعون لجلب الفتاة قد استخدمت السحر!


    لقد أرسل الفرعون مجموعة من الجنود المسلّحين إلى"الأرض البعيدة" – أرض باتا كما سمّوها - حسب استشارة مستشاريه، لغرض اختطاف الفتاة التي فتنه عطرها، وإحضارها إليه كي يتزوجها. لكن باتا قتلهم جميعا عدا شخص واحد عاد ليخبر الفرعون بما جرى. هنا قرّر الفرعون أن يرسل مجموعة كبيرة من الرجال والجنود ومعهم امرأة. هذه المرأة زوّدها بهدايا وحلى نسوية ثمينة جدا لتغري الفتاة وليست لتزيينها كما يرى ناجح. وهذه الهدايا وفعل المرأة – وليس السحر - هي التي أثرت في الفتاة المتعطّشة للحركة والحرية والإنطلاق والهيبة والإشباع الجنسي بعد سنوات العزلة في بيت باتا الذي لم يشبعها نفسياً وجسديا وجنسيا لأنه"مثلها امرأة" كما قال لها. لقد تمت دغدغة مواضع نرجسية هذه الفتاة واستثارتها من خلال الإغواء المادي الذي هو بالنسبة للفتاة إغواء نفسي وعميق، والوعد بإرواء طموحاتها نحو السلطان والثراء والعيش مع ملك إله، فقد خلقتها الآلهة ومن الصعب أن تقنع بالإنزواء في بيت منعزل في وادٍ عميق.

  3. #23

    رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل


    يوسف !ليلة تسليم جلجامش لليهود (٢٠)


    الثلاثاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن


    وقفة: استيلاء على آراء الباحث الفرنسي "جورج رو":


    على الصفحة 139 يقوم ناجح بتصحيح ما يراه فكرة خاطئة وقع فيها الدكتور أحمد كمال زكي في كتابه (الأسطورة) حين شبّه باتا، بموته وانبعاثه، بموت وانبعاث الإله دموزي، معتبرا إياه انسياقا وراء الدراسات الغربية عن الديانة في العراق القديم. ويقول ناجح إن الباحث "نائل حنون" قد اثبت – واعتمادا على النصوص المسمارية – بأن الإله دوموزي / تموز نزل إلى العالم الأسفل ولم يغادره (ص 139) (127).


    وكملاحظة سريعة - لأن المجال ليس مناسباً هنا للرد على هذا الرأي المعقّد بصورة تفصيلية - أقول إن بعض الباحثين العرب قد استولوا على فكرتين طرحهما الباحث الآثاري الثقة، الطبيب الفرنسي (جورج رو) في كتابه (العراق القديم)، وهما:


    - أن تموز ليس إلها للخصب وأن إنانا/ عشتار هي الأولى بهذا اللقب


    - وأن الإله تموز من آلهة العالم الأسفل.


    ولكن لا أحد منهم أشار إلى ملاحظتي هذا الباحث الفرنسي المسكين.


    كما وجدتُ إشارة واضحة من المؤرخ المعروف "ول ديورانت" إلى كون الإله تموز هو من آلهة العالم الأسفل في الجزء الأول من كتابه "قصّة الحضارة". وسوف تكون لنا وقفة طويلة مستقلة مع هذه الأطروحات في مستقبل قريب بإذن الله.


    الثور رمز لقوّة الإله الشاب وليس لتجدّده وانبعاثه:


    في الشرح المطوّل عن تجليات العلاقة بين الثور والإله القتيل في الحضارات المختلفة يقول ناجح في أحد المواضع:


    (ينطوي الثور المتناظر مع الالوهة الشابة / القتيلة في ديانات الخصب التي عرفتها بلدان الشرق الأدنى على دلالات عديدة ومتنوعة، ولكنها مع كل التنوع تظل ذات صلة فكرية مباشرة بالإنبعاث / والقوة وتجدد عناصر الحياة - ص 159) (128).


    وفي موضع آخر يقول أيضاً:


    (ويبدو واضحاً (...) الصلة الموجودة بين الاله امون والثور ورمزيته الكاشفة عن الاتساع الدلالي الجنسي والصلة المباشرة مع نظام الخصوبة وعقائد الانبعاث (...) كما يلاحظ في الاحصائية التي اشرنا لها التوزع بين الاشارات والعلامات الدالة على الجنس والعلاقة المباشرة مع التجدد والانبعاث والقوة، ومعاودة الحياة تجددها مرة ثانية - ص 166) (129).


    وفي كلا الموقفين – وهذا ديدن الكثير من الباحثين في مجال الأسطورة – يعتبر ناجح الثور رمزا للإله القتيل ولعملية الموت والانبعاث. وأعتقد أن الثور هو من رموز القوة الجسدية والجنسية للإله الشاب، وليس من رموز موته وانبعاثه، فالإنسان البدائي كان يرى مثلا القمح والزهور والشجر تجف وتموت أو تُحصد وتقطع، ثم تعود للظهور والتجدد، ولكنه لم ير هذه الظاهرة في الثور، وحين ربطه بالإله الشاب فللتعبير عن قوّته الجسدية وكفايته الجنسية.


    الإله تموز ثور أم أنثوي ناعم؟:


    وارتباطا بالإنخصاء والخصيان يقول ناجح:


    (ان الخصيان يكررون امام الام الكبرى دور الاله تموز الذي كان جميلا، غضا مؤنث الصفات، خاضعا لعشتار، مسلما لها قياده – ص 89).


    أي أن الإله تموز – حسب حكم ناجح السابق – كان مؤنّث الصفات، جميلاً وغضّاً. ولكن ناجح سرعان ما يناقض نفسه حين يقول:


    (وعرفت الحضارة العراقية القديمة الثور صفة للالوهة الشابة ورمزا للقوة والشجاعة وجسد نظام الخصب ايضا – ص 168).


    فكيف نستوعب هذا التناقض؟


    من جهة نسمع أن الإله تموز غض ومؤنث الصفات، ومن جهة أخرى هو ثور قوي شجاع بكل ما تعنيه مفردة "ثور" من ذكورة متدفّقة وقدرة إخصابية هائلة!! فكيف يجتمع النقيضان؟


    ثم يمعن ناجح في مناقضة نفسه وأرباك القارىء حين يقول بعظمة لسانه أن الإله تموز كان ثورا قويّاً وفتيّاً:


    (وكان الثور لقباً للإله الشاب السومري دوموزي / تموز، وهو كناية عن قوّته وفتوته – ص 157).
    ولا يكتفي بذلك بل – وإمعاناً في إلغاء اي صفة أنثوية عن الإله تموز - ينقل لنا مقاطع من أناشيد عشتار وهي تتغزل بحبيبها الثور الفحل وتدعوه إلى أن يحرث فرجها:


    (وقد اشارت الكثير من القصائد السومرية للثور دوموزي وخصوصا في نصوص الزواج المقدّس


    تعبيرا عن طاقته الجنسية وقوته الفحولية
    فرجي، انا الصبية من سيحرثه لي؟
    فرجي انا، هذه التلة المنتفخة
    هذه الارض الرطبة التي هي انا
    انا الملكة من ذا الذي سيضع فيّ
    ثيرانه للحراثة؟
    ايها الثور الوحشي "دوموزي"
    في وسط الحظيرة، دفق من اجلي
    لبن ماعزك
    اي دوموزي
    اطلق سراحي ايها الثور الوحشي –ص 157 و158).


    واذا كان الإله تموز أنثوياً غضّاً، فكيف نفسّر استعارة الملوك السومريين والأكاديين لاسمه في طقوص الزواج المقدّس الذي استمر لقرون طويلة؟!

    ليلة تسليم جلجامش لليهود فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (٢١)



    الخميس ١ حزيران (يونيو) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن


    لنمضي الآن مع ناجح في تشابهات أخر مزعومة بين باتا ويوسف :
    يقول ناجح : (حاز باتا بعد أن صار ملكاً على مهام دينية وصارت لديه خصائص الهية وتميز يوسف التوراتي بهذا المجال من خلال علاقته القوية مع فرعون – ص 220 ) (132).
    فما هي المهام الدينية والخصائص الإلهية التي اضطلع بها يوسف بعد أن صار وزيرا لفرعون والتي توازي المهام الدينية والخصائص الإلهية التي حصل عليها باتا ؟ وأعني بالمهام الدينية والخصائص الإلهية على المستويين : التوحيدي بالنسبة للديانة اليهودية ، والوثني بالنسبة للديانة الفرعونية.


    هل قام يوسف بالتبشير بالديانة التوحيدية "الجديدة" التي يحملها في مصر ؟ هل عُومِل كإله أو كممثل للإله أو حتى كنبيّ أو رسول في مصر ؟ هل تصرّف كنبيّ او كرسول من الناحية اليهودية ؟ أو كإله شاب أو ممثل له من الناحية الاسطورية الفرعونية ؟ هل قام بأكثر من واجبات ما يقابل وزير التجارة والميرة أو الإقتصاد في حكومة الفرعون ؟ ألم يقم بانتزاع أراضي الفلاحين المصريين المساكين وتسليمها لفرعون رمز السلطة البطرياركية (يا له من إله شاب منحاز للإلهة الأم حسب تصوّر ناجح ؟) وجعلهم عبيداً أجراء لدى الفرعون ؟ ألم يشتغل (وهو الموحّد) موظّفاً في خدمة الفرعون المُشرك ؟ ألم ينتزع أراضي الفلاحين المصريين كلّهم عدا أراضي الكهنة المشركين ؟ ألم يتزوّج مُشركةً ويُنجب منها (تزوج من أسينات بنت كابوسيس وأنجب منها ابنته مانيسا وابنه إفرايم، وفي رواية اخرى أنجب ولدين منها)؟


    يقول ناجح : (كانت مكافأة فرعون لـ "يوسف" اعترافا بدوره وإخلاصه للملوكية / المؤلّهة – ص 220) (133) . 
وماذا قال ناجح قبل قليل ؟!
    ويقول ناجح هذا ناسياً أن هذا الإخلاص هو بالضد من عقيدة يوسف التوحيدية ، وكانت نتائجها تعزيزاً لسلطة الشِرك.


    (وحاز يوسف على الديني والسياسي . وألبس فرعون يوسف أفخر الثياب وقدم له عطايا الفضة والذهب – ص 220) (134).
فما هو الديني الذي حاز عليه يوسف ؟ وهل في إلباسه أفخر الثياب وحصوله على الفضة والذهب تناصّاً مع باتا أم اختلافاً ؟! وهل كل من يحصل على ثياب جديدة أو قميص جديد (خصوصاً إذا كان ملوّناً) يكون في حالة متناصّة مع يوسف ؟! هل نعيد تساؤلاتنا السابقة؟


    - (تزوّج يوسف وانجب لكن اسطورة الأخوين لم تخبرنا فيما اذا اقترن "بايتي" بامرأة ما . واعتقد بانه لم يتزوج ولو كان لانتقل العرش لواحد من ابنائه – ص 220) (135).
لكنّ هذا اختلاف جوهري ، ويدلّ على انخصاء باتا الفعلي كما قال لزوجته (أنا امرأة مثلك) في حين لم يكن يوسف مخصيّاً . 
وهل سلّم يوسف حكم مصر لواحد من أبنائه أو لأخيه ؟! 
هل الوزير الغير مقدّس والغير إلهي في الديانة المصرية يتناص مع الفرعون المقدّس والإلهي ؟! هل يُقارَن الإلهي المقدّس الأسطوري بالبشري الديني؟


    - (وكان أنوبو عقيما ولم يحقق نسلية له حتى بعد ان صار ملكا وريثاً لاخيه "بايتي" على عرش مصر . وظل فوطيفار خصيا – ص 220) (136).
    ولا أدري لماذا يقارن ناجح أنبو الأخ الأكبر الذي اعتبره بمثابة الأب لباتا بفوطيفار ، ولا يقارنه بيعقوب أبي يوسف الحقيقي . وهل كان فوطيفار أخاً أكبر ليوسف ؟! وهل كان يوسف أخاً أصغر لفوطيفار أم عبداً اشتراه من الإسماعيليين ، ثم تطوّر ليصبح مُدبّر منزل ومدير أعمال ؟! وهل العلاقة الأخوية مثل علاقة السيّد بالعبد التي تتنامى لتحمل بعداً إنسانياً من ثقة السيّد بعبده المؤتمن ثقة مطلقة ؟! وهل هناك إلهٌ شاب تمّ بيعه كعبد واشتغل عبداً لوزير بشري ؟! بل هل هناك نبي موحّد – عدا يوسف – ارتضى بالعبودية والعمل كعبد في بيت أحد المشركين الوثنيين ؟ وهل العمل كعبد يساوي العمل مع أخ بالمساواة ، كما رأينا ، وليس كما عرض سليمان مظهر وتبعه ناجح ومتعب مناف ؟ ثم ما أهمية أن يبقى أنبو عقيما وقد صار فرعوناً ، وما أهمية أن يبقى فوطيفار "خصيّاً" – وهو سوء فهم من ناجح كما بيّنا – وقد خبا دوره في القصّة ولم يعد "متناصّاً" مع أي طرف في حكاية الأخوين ؟! هل يتساوى عقيم يصبح فرعوناً مع عقيم موظّف ينتهي دوره في النصّ ؟! وهل كان لفوطيفار العقيم مثل هذا الدور الكبير والحاسم المساند لأخيه الأصغر في إنقاذه وإعادته إلى الحياة بعد موته حين قطع رجال الفرعون شجرة الأكاسيا التي وضع عليها قلبه ؟! أم أن فوطيفار تحوّل إلى عدوّ ليوسف رماه في السجن ونسيه ؟! وهل مرّ باتا بتجربة السجن مثل يوسف وهي تجربة مفتاحية نقلت يوسف والقصة نقلة حاسمة من عبد سجين مشبوه إلى وزير ومسؤول عن خزائن مصر؟!


    (وهل يجوز لنبي أن يطلب مسؤولية الخزائن والمال الزائل الملوّث بعرق ودم الضحايا من الفلاحين المصريين ؟! أم أنّها خطوة "يهوديّة" ماليّة لتأكيد سطوة اليهود على ثروات مصر متسقة مع الأرض – وليس الجنة الاسطورية أو الدينية – التي يجري فيها اللبن والعسل التي سيعدهم بها إلههم يهوه ؟!).


    - (اشتغل "بايتي" في الزراعة / الرعي وانفرد يوسف بالرعي فقط – ص 221) (137).
    هكذا – بسرعة وببساطة - وكأن الأمر لا يعكس فارقاً هائلاً بين حضارتين وثقافتين متناقضتين (الحضارة الزراعية والحضارة الرعوية) !! حضارتان متناقضتان شكلت خصائصهما الإختلافات الجذرية بين حكاية الأخوين وقصة

  4. #24

    رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل

    ليلة تسليم جلجامش لليهود (٢٠)


    الثلاثاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن


    وقفة: استيلاء على آراء الباحث الفرنسي "جورج رو":


    ليلة تسليم جلجامش لليهود (٢٠)

    على الصفحة 139 يقوم ناجح بتصحيح ما يراه فكرة خاطئة وقع فيها الدكتور أحمد كمال زكي في كتابه (الأسطورة) حين شبّه باتا، بموته وانبعاثه، بموت وانبعاث الإله دموزي، معتبرا إياه انسياقا وراء الدراسات الغربية عن الديانة في العراق القديم. ويقول ناجح إن الباحث "نائل حنون" قد اثبت – واعتمادا على النصوص المسمارية – بأن الإله دوموزي / تموز نزل إلى العالم الأسفل ولم يغادره (ص 139) (127).


    وكملاحظة سريعة - لأن المجال ليس مناسباً هنا للرد على هذا الرأي المعقّد بصورة تفصيلية - أقول إن بعض الباحثين العرب قد استولوا على فكرتين طرحهما الباحث الآثاري الثقة، الطبيب الفرنسي (جورج رو) في كتابه (العراق القديم)، وهما:


    - أن تموز ليس إلها للخصب وأن إنانا/ عشتار هي الأولى بهذا اللقب


    - وأن الإله تموز من آلهة العالم الأسفل.


    ولكن لا أحد منهم أشار إلى ملاحظتي هذا الباحث الفرنسي المسكين.


    كما وجدتُ إشارة واضحة من المؤرخ المعروف "ول ديورانت" إلى كون الإله تموز هو من آلهة العالم الأسفل في الجزء الأول من كتابه "قصّة الحضارة". وسوف تكون لنا وقفة طويلة مستقلة مع هذه الأطروحات في مستقبل قريب بإذن الله.


    الثور رمز لقوّة الإله الشاب وليس لتجدّده وانبعاثه:


    في الشرح المطوّل عن تجليات العلاقة بين الثور والإله القتيل في الحضارات المختلفة يقول ناجح في أحد المواضع:


    (ينطوي الثور المتناظر مع الالوهة الشابة / القتيلة في ديانات الخصب التي عرفتها بلدان الشرق الأدنى على دلالات عديدة ومتنوعة، ولكنها مع كل التنوع تظل ذات صلة فكرية مباشرة بالإنبعاث / والقوة وتجدد عناصر الحياة - ص 159) (128).


    وفي موضع آخر يقول أيضاً:


    (ويبدو واضحاً (...) الصلة الموجودة بين الاله امون والثور ورمزيته الكاشفة عن الاتساع الدلالي الجنسي والصلة المباشرة مع نظام الخصوبة وعقائد الانبعاث (...) كما يلاحظ في الاحصائية التي اشرنا لها التوزع بين الاشارات والعلامات الدالة على الجنس والعلاقة المباشرة مع التجدد والانبعاث والقوة، ومعاودة الحياة تجددها مرة ثانية - ص 166) (129).


    وفي كلا الموقفين – وهذا ديدن الكثير من الباحثين في مجال الأسطورة – يعتبر ناجح الثور رمزا للإله القتيل ولعملية الموت والانبعاث. وأعتقد أن الثور هو من رموز القوة الجسدية والجنسية للإله الشاب، وليس من رموز موته وانبعاثه، فالإنسان البدائي كان يرى مثلا القمح والزهور والشجر تجف وتموت أو تُحصد وتقطع، ثم تعود للظهور والتجدد، ولكنه لم ير هذه الظاهرة في الثور، وحين ربطه بالإله الشاب فللتعبير عن قوّته الجسدية وكفايته الجنسية.


    الإله تموز ثور أم أنثوي ناعم؟:


    وارتباطا بالإنخصاء والخصيان يقول ناجح:


    (ان الخصيان يكررون امام الام الكبرى دور الاله تموز الذي كان جميلا، غضا مؤنث الصفات، خاضعا لعشتار، مسلما لها قياده – ص 89).


    أي أن الإله تموز – حسب حكم ناجح السابق – كان مؤنّث الصفات، جميلاً وغضّاً. ولكن ناجح سرعان ما يناقض نفسه حين يقول:


    (وعرفت الحضارة العراقية القديمة الثور صفة للالوهة الشابة ورمزا للقوة والشجاعة وجسد نظام الخصب ايضا – ص 168).


    فكيف نستوعب هذا التناقض؟


    من جهة نسمع أن الإله تموز غض ومؤنث الصفات، ومن جهة أخرى هو ثور قوي شجاع بكل ما تعنيه مفردة "ثور" من ذكورة متدفّقة وقدرة إخصابية هائلة!! فكيف يجتمع النقيضان؟


    ثم يمعن ناجح في مناقضة نفسه وأرباك القارىء حين يقول بعظمة لسانه أن الإله تموز كان ثورا قويّاً وفتيّاً:


    (وكان الثور لقباً للإله الشاب السومري دوموزي / تموز، وهو كناية عن قوّته وفتوته – ص 157).
    ولا يكتفي بذلك بل – وإمعاناً في إلغاء اي صفة أنثوية عن الإله تموز - ينقل لنا مقاطع من أناشيد عشتار وهي تتغزل بحبيبها الثور الفحل وتدعوه إلى أن يحرث فرجها:


    (وقد اشارت الكثير من القصائد السومرية للثور دوموزي وخصوصا في نصوص الزواج المقدّس


    تعبيرا عن طاقته الجنسية وقوته الفحولية
    فرجي، انا الصبية من سيحرثه لي؟
    فرجي انا، هذه التلة المنتفخة
    هذه الارض الرطبة التي هي انا
    انا الملكة من ذا الذي سيضع فيّ
    ثيرانه للحراثة؟
    ايها الثور الوحشي "دوموزي"
    في وسط الحظيرة، دفق من اجلي
    لبن ماعزك
    اي دوموزي
    اطلق سراحي ايها الثور الوحشي –ص 157 و158).


    واذا كان الإله تموز أنثوياً غضّاً، فكيف نفسّر استعارة الملوك السومريين والأكاديين لاسمه في طقوص الزواج المقدّس الذي استمر لقرون طويلة؟!

  5. #25

    رد: نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل

    ليلة تسليم جلجامش لليهود فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (٢١)


    الخميس ١ حزيران (يونيو) ٢٠١٧، بقلم حسين سرمك حسن


    لنمضي الآن مع ناجح في تشابهات أخر مزعومة بين باتا ويوسف :
    يقول ناجح : (حاز باتا بعد أن صار ملكاً على مهام دينية وصارت لديه خصائص الهية وتميز يوسف التوراتي بهذا المجال من خلال علاقته القوية مع فرعون – ص 220 ) (132).
    فما هي المهام الدينية والخصائص الإلهية التي اضطلع بها يوسف بعد أن صار وزيرا لفرعون والتي توازي المهام الدينية والخصائص الإلهية التي حصل عليها باتا ؟ وأعني بالمهام الدينية والخصائص الإلهية على المستويين : التوحيدي بالنسبة للديانة اليهودية ، والوثني بالنسبة للديانة الفرعونية.


    هل قام يوسف بالتبشير بالديانة التوحيدية "الجديدة" التي يحملها في مصر ؟ هل عُومِل كإله أو كممثل للإله أو حتى كنبيّ أو رسول في مصر ؟ هل تصرّف كنبيّ او كرسول من الناحية اليهودية ؟ أو كإله شاب أو ممثل له من الناحية الاسطورية الفرعونية ؟ هل قام بأكثر من واجبات ما يقابل وزير التجارة والميرة أو الإقتصاد في حكومة الفرعون ؟ ألم يقم بانتزاع أراضي الفلاحين المصريين المساكين وتسليمها لفرعون رمز السلطة البطرياركية (يا له من إله شاب منحاز للإلهة الأم حسب تصوّر ناجح ؟) وجعلهم عبيداً أجراء لدى الفرعون ؟ ألم يشتغل (وهو الموحّد) موظّفاً في خدمة الفرعون المُشرك ؟ ألم ينتزع أراضي الفلاحين المصريين كلّهم عدا أراضي الكهنة المشركين ؟ ألم يتزوّج مُشركةً ويُنجب منها (تزوج من أسينات بنت كابوسيس وأنجب منها ابنته مانيسا وابنه إفرايم، وفي رواية اخرى أنجب ولدين منها)؟


    يقول ناجح : (كانت مكافأة فرعون لـ "يوسف" اعترافا بدوره وإخلاصه للملوكية / المؤلّهة – ص 220) (133) . 
وماذا قال ناجح قبل قليل ؟!
    ويقول ناجح هذا ناسياً أن هذا الإخلاص هو بالضد من عقيدة يوسف التوحيدية ، وكانت نتائجها تعزيزاً لسلطة الشِرك.


    (وحاز يوسف على الديني والسياسي . وألبس فرعون يوسف أفخر الثياب وقدم له عطايا الفضة والذهب – ص 220) (134).
فما هو الديني الذي حاز عليه يوسف ؟ وهل في إلباسه أفخر الثياب وحصوله على الفضة والذهب تناصّاً مع باتا أم اختلافاً ؟! وهل كل من يحصل على ثياب جديدة أو قميص جديد (خصوصاً إذا كان ملوّناً) يكون في حالة متناصّة مع يوسف ؟! هل نعيد تساؤلاتنا السابقة؟


    - (تزوّج يوسف وانجب لكن اسطورة الأخوين لم تخبرنا فيما اذا اقترن "بايتي" بامرأة ما . واعتقد بانه لم يتزوج ولو كان لانتقل العرش لواحد من ابنائه – ص 220) (135).
لكنّ هذا اختلاف جوهري ، ويدلّ على انخصاء باتا الفعلي كما قال لزوجته (أنا امرأة مثلك) في حين لم يكن يوسف مخصيّاً . 
وهل سلّم يوسف حكم مصر لواحد من أبنائه أو لأخيه ؟! 
هل الوزير الغير مقدّس والغير إلهي في الديانة المصرية يتناص مع الفرعون المقدّس والإلهي ؟! هل يُقارَن الإلهي المقدّس الأسطوري بالبشري الديني؟


    - (وكان أنوبو عقيما ولم يحقق نسلية له حتى بعد ان صار ملكا وريثاً لاخيه "بايتي" على عرش مصر . وظل فوطيفار خصيا – ص 220) (136).
    ولا أدري لماذا يقارن ناجح أنبو الأخ الأكبر الذي اعتبره بمثابة الأب لباتا بفوطيفار ، ولا يقارنه بيعقوب أبي يوسف الحقيقي . وهل كان فوطيفار أخاً أكبر ليوسف ؟! وهل كان يوسف أخاً أصغر لفوطيفار أم عبداً اشتراه من الإسماعيليين ، ثم تطوّر ليصبح مُدبّر منزل ومدير أعمال ؟! وهل العلاقة الأخوية مثل علاقة السيّد بالعبد التي تتنامى لتحمل بعداً إنسانياً من ثقة السيّد بعبده المؤتمن ثقة مطلقة ؟! وهل هناك إلهٌ شاب تمّ بيعه كعبد واشتغل عبداً لوزير بشري ؟! بل هل هناك نبي موحّد – عدا يوسف – ارتضى بالعبودية والعمل كعبد في بيت أحد المشركين الوثنيين ؟ وهل العمل كعبد يساوي العمل مع أخ بالمساواة ، كما رأينا ، وليس كما عرض سليمان مظهر وتبعه ناجح ومتعب مناف ؟ ثم ما أهمية أن يبقى أنبو عقيما وقد صار فرعوناً ، وما أهمية أن يبقى فوطيفار "خصيّاً" – وهو سوء فهم من ناجح كما بيّنا – وقد خبا دوره في القصّة ولم يعد "متناصّاً" مع أي طرف في حكاية الأخوين ؟! هل يتساوى عقيم يصبح فرعوناً مع عقيم موظّف ينتهي دوره في النصّ ؟! وهل كان لفوطيفار العقيم مثل هذا الدور الكبير والحاسم المساند لأخيه الأصغر في إنقاذه وإعادته إلى الحياة بعد موته حين قطع رجال الفرعون شجرة الأكاسيا التي وضع عليها قلبه ؟! أم أن فوطيفار تحوّل إلى عدوّ ليوسف رماه في السجن ونسيه ؟! وهل مرّ باتا بتجربة السجن مثل يوسف وهي تجربة مفتاحية نقلت يوسف والقصة نقلة حاسمة من عبد سجين مشبوه إلى وزير ومسؤول عن خزائن مصر؟!


    (وهل يجوز لنبي أن يطلب مسؤولية الخزائن والمال الزائل الملوّث بعرق ودم الضحايا من الفلاحين المصريين ؟! أم أنّها خطوة "يهوديّة" ماليّة لتأكيد سطوة اليهود على ثروات مصر متسقة مع الأرض – وليس الجنة الاسطورية أو الدينية – التي يجري فيها اللبن والعسل التي سيعدهم بها إلههم يهوه ؟!).


    - (اشتغل "بايتي" في الزراعة / الرعي وانفرد يوسف بالرعي فقط – ص 221) (137).
    هكذا – بسرعة وببساطة - وكأن الأمر لا يعكس فارقاً هائلاً بين حضارتين وثقافتين متناقضتين (الحضارة الزراعية والحضارة الرعوية) !! حضارتان متناقضتان شكلت خصائصهما الإختلافات الجذرية بين حكاية الأخوين وقصة يوسف !

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

المواضيع المتشابهه

  1. ليلة تسليم جلجامش لليهود
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-07-2019, 04:49 AM
  2. هنيئاً لليهود بأرض فلسطين!
    بواسطة د. فايز أبو شمالة في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-28-2011, 09:57 PM
  3. لماذا يظن المسلمون أن ليلة القدر هى ليلة 27 رمضان؟
    بواسطة راما في المنتدى فرسان المناسبات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-06-2010, 02:51 AM
  4. ملحمة جلجامش في دمشق، بخطوط وأنفاس سورية
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-03-2010, 02:23 PM
  5. قراءة خلال نصوص ملحمة جلجامش...
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-01-2007, 03:30 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •