تاريخ القصر العدلي بدمشقدار المشيرية العسكرية هو رابع المشيدات التي أقيمت على شارع النصر، والذي كان يسمى شارع جمال باشا، واكتسب هذا الشارع اسمه عند وصول السفاح إلى دمشق وتحديداً عام 1914 عندما قام بتوسعة الطريق وضم إليه المباني والبيوت القائمة على طرفيه، وأزال قسماً من الملعب الكبير في الشمال وضمه إلى الشارع، فصار أول شارع رسمي تم شقه في دمشق وأخذ صبغة رسمية عندما تمت تسميته باسم والي الشام وقائد الجيش الرابع التركي جمال باشا. تبدل اسم هذا الشارع من شارع جمال باشا إلى اسم شارع النصر وذلك إبان عهد الحكومة العربية الفيصلية سنة 1919 للميلاد، وهناك روايتان حول هذا الاسم، إحداها تقول أنه سمي نسبة إلى باب النصر الذي كان متواجداً على تخوم سوق الحميدية وهُدَمَ على يد الوالي العثماني محمد رشدي باشا الشرواني سنة 1864 للميلاد، أما الرواية الأخرى فتقول أنه سمي شارع النصر لانتصار الثورة العربية على جمال باشا السفاح وعلى الحكومة التركية.يعد دار المشيرية العسكرية من أقدم الأبنية التي شـيدت في تلك المنطقة أيام الوجود العثماني في بلاد الشام، وكان اسمها سابقاً دار السعادة ثم تحولت فيما بعد لدار المشيرية العسكرية العثمانية.بنيت دار السعادة على شكل قصر جميل في بداية القرن السادس عشر وقبل دخول العثمانيين بلاد الشام عام 1516 للميلاد، ضمن محلة كانت تُدعى سابقاً بـ “محلة الأخصاصي أو سوق الأخصاصيين” وذلك نسبة للتجار الذين كانوا يبيعون الأخصاص والأقفاص، ثم ما لبث أن تبدل اسم المحلة تدريجياً “للدرويشية” عند بناء جامع درويش باشا (مكان مبنى القصر العدلي اليوم). وظلت هذه الدار قائمة في محلة الدرويشية إلى أن احترقت.وفي بداية عام 1573 للميلاد تغير اسمها من دار السعادة إلى سراي الحكومة، والجدير بالذكر أن دار السعادة هذه غير دار السعادة المملوكية جانب باب النصر عند أكناف سوق الحميدية.كان سراي الحكومة فعلياً داراً للحكومة كونها المقر الرسمي والفعلي لجلوس الوالي العثماني، كما جاء في التقرير الذي كانت ترسله الهيئات العليا بالبلاد للباب العالي في الأستانة عن التنظيم الإداري في الدولة.أما أول من اتخذها مقراً لسلطته وممارسة صلاحيته فكان والي الشام العثماني شعبان أحمد شمسي باشا (عام 1554 للميلاد إلى عام 1561 للميلاد)، وهو صاحب المدرسة الأحمدية التي تسمى اليوم بجامع شمسي أحمد باشا في سوق الحميدية. تبعه في ذلك الوالي عيسى باشا صاحب المسجد قرب السرايا على ناصية جادة الدرويشية، وكذلك الوالي محمد باشا العظم. وآخر الولاة العثمانيين الذين اتخذوا السراي مقراً لهم كان الوالي حسن إبراهيم باشا.كما استقر بها ابراهيم باشا بن محمد علي عام 1831 عندما دخل قائداً للجيش المصري إلى بر الشام (بر الشام يشمل حلب وبيروت ومتصرفية دير الزور والقدس الشريف علاوة عن ولاية أضنة)، وبقي فيها مدة ست سنوات وأطلق عليها اسم السرايا العسكرية. وعند انسحابه دمر قسمها الجنوبي “الحرملك” وتركها تحترق كي لا يترك وراءه ما يفيد الدولة العثمانية من معلومات هامة قد تضر بجيشه المنسحب.أمرت الأستانة بإعادة إعمار ما تهدم من السرايا ومن البيوت العربية القديمة الملاصقة لها من الناحيتين الغربية والجنوبية، فصار بناء السرايا على شكل مجمع كبير مؤلف من طابقين، وزرعت الحدائق حول المبنى بأجمل الأشجار خصوصاً من الواجهتين الشمالية والجنوبية، كما تم فتح بوابة كبيرة لها من الناحية الشمالية التي حوت على الحدائق والساحة الكبيرة.لم تكن تلك المرة الأخيرة التي أعيد فيها تجديد المبنى، بل في أواخر القرن التاسع عشر أعيد تجديد بنائها مرة أخرى وجُعل الطابق الأرضي منها على شكل أقواس متتالية عالية الارتفاع لسهولة دخول وخروج عربات النقل التي تجرها الخيول. أما الطابق العلوي فأصبح مكاتب لموظفي الحكومة وضباط الجيش وتم تعديل فتحات نوافذ هذه المكاتب لتصبح على طراز هندسة الأبنية العثمانية، وجعل سقفها من القرميد الأحمر.في أواخر العهد العثماني تحولت التسمية رسمياً من اسم السرايا فصارت تعرف باسم “دار المشيرية العسكرية”(مركز قيادة الجيش الهمايوني الخامس)لمكوث المشير العثماني المفوض وقيادة الجيش في ولاية بر الشام فيها بشكل دائم.كما يُذكر أن الإمبراطور الألماني “ويليام الثاني” مكث في الدار لمدة يومين في عام 1898 أثناء زيارته لدمشق لاستقبال قادة الوحدات والجيش العثماني التي وفدت للسلام عليه ومن بعدها غادر الدار لمتابعة زيارته للقدس الشريف، وقد أطلق أهل الشام من شدة إعجابهم بهذا الإمبراطور “الحاج غليوم”.في عام 1920 للميلاد وبعد دخول جيش الانتداب والاحتلال الفرنسي لدمشق أطلق على الدار اسم “المندوبية”نسبة إلى دار الانتداب، وصارت رسمياً مقراً لدوائر المندوب السامي المفوض من فرنسا.كما شغلت عام 1929 في قسم منها دوائر النفوس الشامية بالإضافة إلى دائرة الأمن العام والجوازات.غاب هذا البناء عن التاريخ عندما احترقت المندوبية عام 1945 للميلاد بفعل نار خرجت من الناحية الغربية الجنوبية، وطالت معظم غرفها وجدرانها وأسقفها، مما سبب تداعي المبنى القديم وبات آيلاً للسقوط مما أدى إلى هدمها كلياً بعد أن كانت شاهداً على أحداث كبيرة وهامة في تاريخ دمشق.قامت حكومة الرئيس شكري القوتلي عام 1948 ـ 1952 للميلاد بتشييد مبنى جديد في جزء من أرضها الواسعة والممتدة بين شارع جمال باشا وبين حي القنوات وهو مبنى “القصر العدلي” ونُقلت إليه جميع دوائر العدل الشرعية والمدنية.بني القصر العدلي على طراز فن العمارة الإسلامية المحضة المتمثلة بالواجهات الثلاثة للمبنى وعلى وجه الخصوص الواجهة الرئيسية التي جاءت على طراز القصور الفخمة بقوسها الكبير على شكل محراب، كما هي العمائر العربية الإسلامية الضخمة، بالإضافة إلى النوافذ القوسية المدببة والمحمولة على أعمدة صليبية ومعشقة بخشبيات زجاجية جميلة، فضلاً عن المقرنصات المخففة عند سطح المدخل الرئيسي.
عن شركة الوفاق للمحاماة والاستشارات القانونية والدراسات
وقد اضاف المحامي ع خ:
أن البناء الجديد المسمى وزارة العدل للامور الإدارية، كان مصمما من الثمانينات ، ولكن التنفيذ تأخر، لذا كان من الأفضل تطوير التخديد لزوم الاستفادة، لانه أضاع الآن بتخطيطيه مساحات ولعله لم يعد يلبي مايقدمه الآن.
مقتبس بتصرف.