تناول تقرير لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قصة اليهودي الوحيد الذي تلقى حكامًا بالإعدام بعد قيامه بقتل عربي، كما تناول الروايات المختلفة ودوافع القتل التي شهدت جدلًا تاريخيًا حول الأسباب الحقيقية التي دفعته لارتكاب الجريمة.


في 1 سبتمبر(أيلول) من عام 1937، أطلق الشرطي اليهودي مورديشاي شوارتز ثمان رصاصات نحو جسد زميله العربي مصطفى خوري، والذي كان نائمًا في أحد الخيام التابعة لقاعدة بريطانية شمال فلسطين في ذلك الوقت. وفي أغسطس (آب) 1938، وبعد محكامة تسبب في الكثير من الجدل في الأوساط اليهودية، أُعدِم شوارتز صباحًا في سجن عكا بعد عدة محاولات يهودية فاشلة لإثناء بريطانيا عن حكم الإعدام بحسب تقرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية.


يضيف التقرير أن شوارتز كان اليهودي الوحيد الذي يعدم بسبب قتل عربي في فترة الانتداب البريطاني في فلسطين. وعلى الرغم من مرور 78 عامًا على إعدام شوارتز، تظل دوافعه وراء عملية القتل غير واضحة، حيث أشار إلى أن خوري كان يستخدم خطابًا معاديًا لليهود على خلفية الصراع العربي اليهودي الذي احتدم فيما بعد، في حين أشار البعض إلى وجود دوافع إجرامية طبيعية أو دوافع عاطفية، بينما أشارت رواية ثالثة إلى تحرش خوري بشوارتز جنسيًا.


من غير المعلوم أيضًا إذا ما كان شوارتز قد أطلق النار على خوري بعد شجار – في حالة دفاع عن النفس – أو عن طريق الخطأ. السؤال الهام أيضًا: هل كان شوارتز فخورًا بفعلته أم كان يشعر بالخجل مما اقترفه؟ تظهر كتاباته تناقضًا في تلك القضية. هل يجب أن تحتفي به إسرائيل؟ قام الباحث الإسرائيلي يوسي برنيع بعمل بحث تاريخي لوزارة الدفاع الإسرائيلي يسعى فيه للوصول إلى تلك الإجابات، حيث قام بتفحص أرشيفات الدولة، وعثر على بعض الوثائق، كما تحدث مع خطيبة شوارتز، وشقيقه، ومحاميه، وغيرهم من المقربين الذين يمثلون مفتاحًا في تلك القضية.


تقرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 1938 عن إعدام شوارتز
تقرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 1938 عن إعدام شوارتز
يشير التقرير إلى أن بحث برنيع انتهى إلى إصداره كتابًا بالعبرية حول الأمر، إلا أن الكتاب يحمل المزيد من التعقيدات حول القضايا من تلك التي حملتها الرواية الرسمية لوزارة الدفاع الإسرائيلية. ذكر برنيع في كتابه جذور شوارتز ونبذة عن حياته، قبل أن يتحدث عن عمله في الشرطة البريطانية عام 1936م، أنه عمل مع خوري في صيف عام 1937م، حيث كان يشترك كلاهما في تأمين منزل يقضي فيه المندوب السامي البريطاني عطلاته في حيفا.


مزاعم حول معاداة خوري لليهود


تصف الرواية الرسمية للدولة خوري بـ«القومي المتعصب» دون أن تذكر اسمه، أنه كان يسخر من شوارتز، أنه كان يفرح علنًا عند قيام العرب بقتل اليهود، وفي يوم الحادثة، كان شوارتز متأثرًا بشدة بعد أخبار عن قيام العرب بقتل بعض أصدقائه، وعندما عاد إلى خيمته أطلق النار مباشرة على خوري والذي كان نائمًا في ذلك الوقت، كما اقتبست تلك الرواية جزءًا من رسالة كتبها شوارتز قبل إعدامه قال فيها أنه لا يندم على فعلته، وأن الله يعلم كم يستحق أن يقتل العرب. وأضاف شوارتز في رسالته «لقد كان يقفز فرحًا عند حديثه عمن قتلوا في كركور، وقال إنه يريد قتل النساء والأطفال في تل أبيب. لم أتمكن من الاستماع لكلماته وقمت بالانتقال لإخواني الذين قتلوا في ذلك اليوم. هذا ما كان سيفعله أي يهودي يتعرض لهذه الإهانة من العرب».


أشار تقرير صحيفة هارتس أيضًا إلى رسالة أخرى لم تتناولها وزارة الدفاع الإسرائلية وقد نشرت في أحد الصحف في صباح اليوم التالي لإعدام شوارتز، والتي طلب فيها من الجميع ألا يتبعوا خطواته فيما قام به من إرهاب وسفك للدماء، وأنه نادم على جريمته وأنه يتقبل عقوبته عن طيب خاطر حيث اعتبر أن ما قام به خطئًا شخصيًا في لحظة جنون، كما دعا اليهود إلى عدم القيام بأعمال عنف بسبب إعدامه والتي قد تؤدي إلى سفك دماء الأبرياء.


يقول برنيع أن هذا الخطاب الثاني لا يمكن التأكد من صحته لأنه قد مر على الرقابة البريطانية وكُتِب تحت تأثير شخص آخر، في حين يشير أيضًا إلى زيارة من أحد الأشخاص لشوارتز قبل إعدامه بيوم واحد أقنعه فيها برفض العنف، وأن شوارتز قد اقتنع بالأمر على الرغم من أنه كان عضوًا في ميليشيا انتقامية تدعم تنفيذ الهجمات بحق العرب. يشير التقرير أيضًا إلى خطاب أصلي كُتِب بخط يد شوارتز، ذكر أنه قام بقتل خوري بسبب تعليقات زميله العنصرية بحق اليهود.


حالة اضطراب نفسي


قال شوارتز في خطابه «الحقيقة هي أنني قمت باقتراف ذلك، إلا أنني لا يجب أن أُلام على فعلتي، بل هو من يجب أن يوجه له اللوم على ذلك. كنت دائمًا معارضًا لسفك دماء الأبرياء، إلا أنه أوصلني إلى النقطة التي أفعل فيها ذلك دون أن أدرك». كرر شوارتز وصف خوري بالملعون الذي يهدد اليهود، حيث يقول «لقد قال لي: قتل اليوم أربعة يهود في الخضيرة.. سنقتلكم جميعًا، سنبيد كل اليهود ولن يبقى أحد منكم هنا.. هكذا كان يستفزني ويسخر مني طوال ليلتين كاملتين».


ذكر شوارتز أنه شعر بالذعر من كلمات خوري لدرجة أنه لم يتمكن من النوم في الليلة التي سبقت جريمته، ثم قاله إنه بدأ في استفزازه مجددًا في اليوم التالي، ليسيطر عليه الخوف والارتباك ويقوم بقتل خوري في لحظة فقد فيها عقله على حد وصفه، حيث يقول «إذا كنت أنوي ذلك وفعلته عمدًا كنت لأقوم بإخفاء الجريمة». ينتهي برنيع في حديثه إلى أن شوارتز كان في حالة اضطراب ذهني بسبب عدم نومه على مدار يومين وتعرضه لهجوم لفظي من خوري بلا توقف، كما رفض المزاعم التي ذكرت كون كل من شوارتز وخوري أو أحدهما مثلي الجنس، وأن القتل جاء على خلفية اعتداء جنسي من خوري على شوارتز.


منذ عام 1977، ومع تولي حزب الليكود الحكم لأول مرة، تغيرت نظرة الدولة تجاه شوارتز ليتم الاحتفاء به بعدما كان يعتبر شخصًا عاديًا من بين من تم إعدامهم لارتكاب جرائم ترويعية، إلا أن الكاتب يؤكد أن الاحتفاء به يظل أمرًا مثيرًا للجدل، وأنه لا يذكر في كل المحافل على كونه أحد الذين قتلوا على يد السلطات البريطانية، ويشير إلى أن الأمر ربما يرجع لكونه عضوًا في الهاغاناه، وليس في أرغون أو شتيرن التي تتبع اليمين اليهودي.
ترجمة ساسة بوست