السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اشتهرت قصة في الوسط التاريخي والادبي وتدرس للاجيال في كتب المناهج الدراسية الى حد الان
وهي قصة الهشام بن عبد الملك بن مروان ومعه الشاعر الفرزدق ولم يستطيع تقبيل الحجر الاسود فوقف الطواف واذا برجل ينشق له الصف ويدخل ويقبل الحجر على مهله فهشام بن عبد الملك قال من هذا فأجابه الفرزدق بقصيدة قائلا

هذا ابن خير عباد الله كلهــم
هذا التقي النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلهــا
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمي إلى ذروة العز التي قصرت
عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحتـه
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

في كفه خيزران ريحه عبـق
من كف إروع في عرنينه شمم

يغضي حياءاً ويغضى من مهابته
فما يكلم إلا حين يبتسم

ينشق نور الهدى عن نور غــرته
كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم

منشقة عن رسول الله نبعتـه
طابت عناصره والخيم والشيم
-----------------------------------
فبعد التحقيق والاعدا لهذه الحادثة تبين انها محض كذب على الاطلاق اتيك بالاسانيد والدلائل والقرائن

ومما يدل على اضطراب هذه القصيدة وقصتها الخلاف الحاصل في الشخص الذي قيلت فيه ففي الحماسة والعمدة والأغاني أنها للحزين الكناني في عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وفي الأمالي وغيره أنها في قثم ابن العباس أو لكثير السهمي في محمد بن علي بن الحسين كما في المؤتلف.
وإذا أتيتنا إلى من نسبها للفرزدق نجد خلافا آخر حول من قيلت فيه فالمشهور أنها قيلت في زين العابدين علي بن الحسين بن علي المتوفى سنة 95هـ ، وفي الطبراني 3/101 أن الفرزدق قالها في الحسين بن علي رضي الله عنه وكذلك في الحلية لأبي نعيم 3/139.
وقد تعقب ابن كثير في البداية والنهاية 8/208 الطبراني في ذلك وكان مما قاله : (هكذا أوردها الطبرانى فى ترجمة الحسين فى معجمه الكبير، وهو غريب فان المشهور أنها من قيل الفرزدق فى على بن الحسين لا فى أبيه، وهو أشبه فإن الفرزدق لم ير الحسين إلا وهو مقبل إلى الحج والحسين ذاهب إلى العراق، فسأل الحسين الفرزدق عن الناس فذكر له ما تقدم، ثم أن الحسين قتل بعد مفارقته له بأيام يسيرة، فمتى رآه يطوف بالبيت والله أعلم).
وذكر الفاكهي في أخبار مكة 2/179 أنها للفرزدق يمدح علىّ بن عبيد اللّه بن جعفر ثم قال وقيل إنها في محمد بن علي بن الحسين ثم ساق سندا آخر أنها في من قول بعض أهل المدينة في قثم بن العباس.
وفي البداية والنهاية 9/108 أنها في علي بن الحسين وأنه قد ذكر الصولي والجريري طرقا، ومدار كل الروايات الموجودة على رجل يدعى محمد بن زكريا الغلابي وهو ساقط عند أهل الرواية وممن يضع الحديث قاله غير واحد وانظر الكشف الحثيث 1/230.
وبسبب كثرة الذين نقلوها ظن بعض الفضلاء صحتها ولكن لا عبرة بهذه الكثرة مهما بلغت إذا كان مدارها على شخص واحد تؤول إليه، وهناك من يرويها غيره بطريقة أخرى، فكيف إذا اجتمع أن هذا الشخص الذي تدور عليه الرواية هو من الكذابين ..!
وأمام هذا التضارب يقول ابن عبد البر كما في بهجة المجالس 1/112: (وقول من قال : إن هذا الشّعر قيل في علىّ بن عبيد اللّه بن جعفر ، أو في محمد بن علي بن حسين أصح عندي من قول من قال : إنه في علىّ بن حسين؛ لأن على بن حسين توفي سنة ثلاث أو أربع وتسعين ، وهشام بن عبد الملك إنما ولى الخلافة سنة خمس ومائة، وعاش خليفةً عشرين سنة، وجائز أن يكون الشعر للحر بن عبد اللّه في محمد بن علي بن حسين ، وممكن أن يكون للفرزدق في محمد ابن علي بن حسين بن أبي جعفر - وإن كان له في أبيه علي بن حسين - فلم يكن هشام يومئذ خليفةً كما قال أبو علي في روايته، وأما قول الزبير : إنه قيل في قثم ابن عباس ، فليس بشئ، وإنما ذاك شعر قيل في قثم على قافية هذا الشعر وعروضه ليس هو هذا).
وقد وهم بعضهم حين علم أن البيهقي روى هذه القصة ظانا منه أنه الإمام البيهقي صاحب السنن فتعجل في الحكم !
قلت: البيهقي الذي ذكرها هو بيهقي آخر ذكرها في كتابه المعروف: (المحاسن والمساوئ) 103 ، وبطريقة مختلفة، وفيها أن الخليفة هو عبدالملك بن مروان وأن عبدالله بن جعفر هو من كافأ الفرزدق !!
وإذا تأملنا كل هذا تبين لنا أن أول ذكر لهذه القصة ورد في كتابين:
- الأول الطبراني وتوفي صاحبه في حدود سنة 360.
- الثاني أبو الفرج الأصفهاني وتوفي في حدود سنة 356.
وهما متقاربان جدا ولكن رواية الطبراني بسند مختلف وأنها في الحسين بن علي، وروايته فيها مجهول ويضعفها كون الفرزدق لم يلق الحسين بن علي على الصحيح.
أما رواية الأغاني فهي التي أخذ عنها كثير من المتأخرين وفيها علتان:
الأولى: أن جميع الروايات مدارها على محمد بن زكريا الغلابي، وهو كذوب يضع الأحاديث كما مر آنفا.
الثانية: أن صاحب الأغاني نفسه فيه مقال عند أهل الرواية، أضف إلى أنه مضطرب في نسبة القصيدة وبعض أبياتها كما مر سابقا

اعداد عثمان ال غفار الصيادي الحسيني
مشرف قسم التراث والعوائل الشامية