تحقيق الذات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحب أن أوضح في هذا الموضوع الطريق الموصل لتحقيق الذات على حسب نظرية ابراهام ماسلو Maslow أحد رواد المدرسة الإنسانية التي تهتم بتفسير الدافعية الإنسانية .

يفترض ماسلو أن الدافعية الإنسانية تنمو على شكل هرمي لإنجاز حاجات ذات مستوى مرتفع كحاجات تحقيق الذات غير أن هذه الحاجات لا تتمكن من سلوك الفرد إلا بعد إشباع الحاجات الأدنى كالحاجات البيولوجية والأمنية ، ولقد حدد ماسلو فروق بين الحاجات العليا والحاجات الدنيا فيما يلي :

1. كلما ارتفعت الحاجة كان ظهورها متأخراً في عملية النمو .

2. الحاجات العليا تحدث متأخرة نسبياً في نمو الفرد ، وبعض الحاجات العليا لن تظهر حتى يبلغ الإنسان أواسط عمره وقد لا تظهر لديه على الإطلاق .

3. للحاجات العليا علاقة بالبقاء أقل من تلك الحاجات الدنيا وهذه العلاقة غير مباشرة بدرجة أكبر ، وأقل ارتباطاً بالإشباع لذا فأنها أقل إلحاحاً .

4. على الرغم من الحاجات العليا لا تتصل إتصالاً مباشراً بالبقاء إلا أن إشباعها مرغوب فيه بدرجة أكبر من إشباع الحاجات الدنيا .

5. تتطلب الحاجات العليا شروطاً مسبقة أكثر من الحاجات الدنيا حتى تظهر وتشبع .

وفيما يلي شرح لهذه الحاجات hierarchy of needs :

1. الحاجات الفسيولوجية The physiological needs :

وهي الحاجات التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالبقاء والتي تشارك فيها الحيوانات الآخرى ، وتشتمل هذه الحاجات للطعام والماء والجنس والإخراج والنوم ، وإذا لم تشبع واحدة من هذه الحاجات فأنها تسيطر سيطرة تامة على حياة الفرد .

2. الحاجة إلى الأمن والطمأنينة . The safety and security need :

حين تشبع الحاجات الفسيولوجية بشكل جيد تظهر الحاجة إلى الأمن كدافع مسيطر ، وهذه تشمل على الحاجة إلى النظام والأمن والقوة والقدرة على التنبؤ ، والهدف الأول للشخص الذي يعمل عند هذا المستوى هو أن ينقص الشك ويتخلص من الريبة وعدم اليقين في حياته .

3. حاجة الحب والانتماء The love and belonging needs :

إذا أشبعت الحاجات الفسيولوجية وحاجة الأمن إشباعاً أساسياً ، فأن الفرد ينتقل إلى الحاجة الحب والانتماء ، فالناس في حاجة أن يكونوا موضع للحب وأن يحبوا وفي حاجة إلى إنشاء علاقات وجدانية وعاطفية مع الآخرين ، وإذا لم تشبع هذه الحاجة فإن الفرد سوف يشعر بالعزلة والوحدة والخواء العاطفي .

4. الحاجة إلى التقدير The esteem needs :

الشخص الذي تشبع حاجاته الفسيولوجية وحاجته إلى الأمن وحاجته إلى الحب يعتبر في نظر ماسلو بأنه شخص محظوظ ، وبذلك فهو ينتقل إلى مرحلة الحاجة التي التقدير وتصبح هذه الحاجة هي المسيطرة على حياته ، حيث يصبح الشخص في حاجة إلى أن يكون موضع لتقدير الآخرين وهذا التقدير يؤدي إلى الشعور بالتقبل والقبول الاجتماعي والشعور بالمكانة والشهرة وإلى تقديره لذاته والذي يؤدي بدوره إلى مشاعر الكفاءة والثقة ، وهذه المشاعر تكون نتيجة الانغماس في الأنشطة الاجتماعية النافعة .

5. تحقيق الذات Self-actualization :

إذا أشبعت جميع الحاجات السابقة إشباعاً مناسباً فإن الشخص يصبح في موقف يمكنه من أن يكون أحد الأفراد القلائل الذين يحققون ذواتهم ، ويقصد بتحقيق الذات التحقيق المستمر لإمكانات الفرد وقدراته ومواهبه باعتبار ذلك تحقيقاً لرسالة وأداءً لها ، وكمعرفة تامة بطبيعة الشخص وتقبله لها ، وكاتجاه لا يتوقف نحو الوحدة والتكامل والتعاون داخل الشخص .



صفات الأشخاص الذين حققوا ذواتهم :

1. أنهم يدركون الواقع إدراكاً صحيحاً وتاماً ولا تتأثر إدراكاتهم بحاجات معينة أو حيل دفاعية معينة .
2. أنهم يظهرون تقبلاً أعظم من غيرهم لأنفسهم وللآخرين وللطبيعة بصفة عامة ، ويتقبلون الأشياء على ما فيها من خير أو شر ، ولا ينكرون الجوانب السلبية في أي فرد أو أي شيء ، أنهم أكثر تسامحاً مع الأشياء والأفراد كما هي وكما هم .

3. أنهم يتميزون بالتلقائية والبساطة والطبيعية ، ويتميزون بصدق مشاعرهم وما يشعرون به في الحقيقة يعبرون عنه قولاً وعملاً ولا يتصرفون وفقاً لأدوارهم الاجتماعية ، أنهم صادقون مع أنفسهم .

4. أنهم يميلون إلى الاهتمام بالمشكلات وليس الاهتمام بأنفسهم ، ويلتزمون بإنجاز ما يتصدون له من عمل لتحقيق هدف أو دفاع عن قضية أو خدمة رسالة ، ويوجهون معظم طاقاتهم لهذا .

5. أنهم يتميزون بنوع من الانعزال والحاجة إلى الخصوصية ، فهم لا يحتاجون إلى احتكاك مستمر مع الآخرين ما داموا يعتمدون على قيمهم ومشاعرهم في توجيه حياتهم .

6. أنهم مستقلون ذاتياً وبالتالي يستقلون عن بيئتهم وثقافتهم ، وهم أكثر اعتماداً على عالمهم الداخلي أكثر من اعتمادهم على العالم الخارجي .

7. أنهم يظهرون تذوقاً مستمراً ومتجدداً ، ويجدون متعة متجددة في خبرات الحياة .

8. أنهم يميلون إلى التوحد مع الإنسانية كلها .

9. أنهم ينمون علاقات شخصية عميقة مع عدد قليل من الأفراد .

10. أنهم يميلون إلى تقبل القيم الإنسانية مهما كانت مصدرها وبغض النظر عن الطبقة الاجتماعية والتربية والمعتقد السياسي والجنس واللون والدين ، وهم في الحقيقة ليسوا على وعي بهذه الفروق .

11. أن لديهم إحساس خلقي قوي ، ويعرفون المضامين الخلقية لأفعالهم .

12. أن لديهم روح دعابة نامية وغير عدوانية .

13. أنهم يتميزون بقدرتهم على الابتكار والإبداع في تخصصاتهم .

14. أنهم يتميزون بمقاومة الاجتياح الثقافي ، فهم يميلون إلى المغايرة لا إلى المسايرة لأنهم موجهين من الداخل ، وإذا كان المعيار الثقافي مضاداً لقيمهم الشخصية فانهم لن يلتزموا به .

الخصائص السلبية للذين يحققون ذواتهم :

معظم الناس يرون أن هذه الخصائص إيجابية ، ولكن ماسلو يعتقد أن الذين حققوا أنفسهم لن يبلغوا الكمال ، فهؤلاء الأشخاص هم بشر ولديهم أخطاء ولديهم عادات سخيفة ومملة وقد يثيروا ضيق الآخرين ، وقد يسلكون طريقاً في حياتهم يصل إلى حد الوقاحة ولا يهتمون بمجاملة الآخرين في سلوكهم .

لماذا لا ينتشر تحقيق الذات بين الناس ؟

مادام أن الميل إلى تحقيق الذات فطرياً ، لماذا لا يحقق كل راشد ناضج ذاته ؟ إن ماسلو يعتقد أن الذين يحققون ذواتهم من الراشدين الناضجين يقدرون بـ 1% ، ويفسر هذه الحقيقة على النحو التالي :

1. لما كان تحقيق الذات على رأس التنظيم الهرمي للحاجات فهو أضعف هذه الحاجات ويسهل إعاقته .

2. معظم الناس يخافون التوصل إلى معرفة النفس التي يتطلبها تحقيق الذات ، إن هذه المعرفة تتطلب الاستغناء عما هو معروف والدخول إلى الشك وما ليس يقينياً .

3. يمكن أن تعيق البيئة الثقافية ميل الفرد إلى تحقيق ذاته لأنها تفرض معايير معينة وصارمة على المجتمع .

4. ظروف الطفولة وخبرات الطفولة السيئة قد تؤثر في إمكانية الفرد في تحقيق ذاته .

الظروف الضرورية لتحقيق الذات :

يجب أن تتميز البيئة التي ينشأ فيها الفرد بخصائص تساعد على تحقيق ذاته ومن هذه الخصائص : إشباع الحاجات الفسيولوجية وحاجات الأمن والحب والانتماء ، حرية التعبير ، الحرية في أن يعمل الفرد ما يريده طالما أنه لا يؤذي أحداً آخر ، حرية الدفاع عن النفس ، حرية الاكتشاف والبحث ، والنظام والعدالة والاستقامة والأمانة ، والتحدي والإثارة .

يقول ماسلو : إذا أدركنا أهمية هذه المتطلبات البيئية ، وفهمنا الأسباب الأربعة التي تحول دون أن يحقق مزيد من البشر ذواتهم ، سهل علينا أن نفهم لماذا لا يحقق أكثر من 1% من البشر الناضجين ذواتهم ، ومعظمنا يعيش بقية حياته في موضع ما بين حاجات الحب والانتماء وتقدير الذات .


تحياتي
عن واتا