أصدقائي :
ضمن سلسة مقالات ( ظرفاء دمشق في القرن العشرين ) كتبت مقالاً عن أحد الظرفاء القدامى ، واسمه ( رجا الشربجي ) ، وأنشره هنا كاملاً مع الرابط . . .
أرجو أن ينال إعجابكم .
Waddah Rajab Basha
من ظرفاء دمشق في القرن العشرين
رجا الشربجي
رجا الشربجي ظاهرة فريدة نادرة في عالم الظرافة والطرافة .
رجل عاش بين الظرفاء فتميز بينهم بنكهة نادرة عجيبة تسبق جميع الظرفاء ، ألا وهي أنه قد جمع بين موهبتين اثنتين ؛ فكان قمة شاهقة من قمم التقليد وآية بديعة من آيات الابتكار .
شكل لطيف ومبسم جميل ، وضحكة عريضة مؤثرة في أعصاب كل من يسمعه .
رجا الشربجي رحمه الله رجل وهبه الله ذاكرة قوية جداً تجعله يعي أدق التفاصيل عن أولائك الظرفاء القدامى الذين عاصرهم . . . ورث ظرافته عن أبيه رضى الشربجي الصحفي القديم ، وأورثها إلى ابنه البكر عامر الشربجي حفظه الله .
كانت ذاكرة رجا الشربجي الحادة وموهبته الفنية الرائقة تتجليان في كل مجلس ، فإذا ما سأله أحدهم عن طرفة من تلك الطرف القديمة التي مات أصحابها أعادها أمامه بكامل تفاصيلها ، وصوَّر الموقف تصويراً عجيباً ، وأخرجه بإتقان تام مبدع تجعل الناظر إليه يظن أن ذلك الظريف القديم قد بعث إلى الحياة ، وأنه ماثل أمامه الآن .
ومن غرائب رجا الشربجي ( أبو عامر ) أنه كان إذا غضب من أحد ما انهمر عليه بالكلام مدراراً ، حتى إذا ما احتدم النقاش أكثر احتدَّ أبو عامر وكال لمحدثه سيلاً جارفاً من الشتائم الضاحكة والجارحة في آن معاً . . . إنه مخترع عظيم للسخرية الواعظة ، يثور ويثور ويشتم بألم ، ثم يعود إلى مرحه السابق بضحكته المجلجلة ، مما يدل على قوة الشخصية ورجاحة الفكر .
وهذه السخرية النادرة الناقدة جعلت رجاء الشربجي يخفف عن نفسه وعن غيره الكثير الكثير من المتاعب والمشاكل ، وقد حدثني مرة قائلاً : إن هذه السخرية الضاحكة هي سياسة مثالية لإراحة الأعصاب من العناء ، وأن الناس باتوا يتهافتون على عمليات تبديل شرايين القلب لكثرة الضغوط والمشاكل . . .
وكثيراً ما كان الناس يستعينون برجا الشربجي لفض المشاكل وحل النزاعات الزوجية والخلافات العائلية .
في عيادة الدكتور صبري القباني
من طرائف رجا الشربجي أنه كان يتردد كثيراً على عيادة الدكتور صبري القباني ، والدكتور القباني كان يطلب إلى مرضاه ـــ نظراً لكثرتهم ـــ ، أن يخلعوا ثيابهم سلفاً استعداداً للمعاينة ، وذات يوم دخل رجا العيادة فرأى هذا المنظر . . . المرضى في غرفة الانتظار شبه عراة ينتظرون دورهم للمعاينة ، فتعجب جداً ، وصاح بصوت عال جعل الدكتور يخرج من عيادته ليستطلع الأمر ، فلما نظر إليه صاح الشربجي موجهاً كلامه للدكتور :
ـــ لك يخرب بيت قلبك ، العمى ، لك إذا واحد عم توجعه عينه أو أذنه . . . كمان لازم يشلح ؟ . . . وإذا إجى موزع البريد ومعه رسالة ، كمان لازم يشلح ؟ . . . . إي شو فاتح أنت عيادة ولا . . .
فخرج الطبيب القباني عن وقاره المعروف ولم يتمالك نفسه من الضحك . . . وعمَّ الضحك المرضى جميعاً ، ونسي بعضهم ألمه من فرط الضحك الشديد . . .
في مجلس عزاء عدنان تللو
وأذكر أنه في عام 2009 حين توفي الرحالة العربي الدكتور عدنان تللو أراد رجا الشربجي المشاركة بالعزاء ، وكانت قد تقدمت به السن فأوصلته إلى حمل العكاز ، وطلب مني أن أحضر إليه لأصطحبه إلى بيت العزاء ، ولما وصلنا ودخلنا معاً ـــ وكان هناك ممر طويل قبل الوصول إلى الساحة التي يعقد فيها العزاء ــــ تصادف أن الشيخ الذي كان يقرأ القرآن كان قد توقف لبرهة عن التلاوة وبدأ يقدم المواعظ للمستمعين ويحدثهم عن مآثر الموت وفضائل الانتقال إلى الملأ الأعلى ، وقد كان السيد شربجي يتوقع أن يسمع صوت الذكر الحكيم فإذا به يسمع صوتاً أجشاً ينصح ويعظ ، فما كان منه ــ رحمه الله ــ إلا أن أخذ يزيد في خبط عكازه على الأرض ، وأخذ يصيح :
ـــ لك مين هادا الذي يتكلم مين هاد .
فحاولت أن أخفف من روعه فلم أفلح ، وما زال يصيح حتى كدنا نصل إلى مجموعة الأشخاص الذين يقفون لاستقبال المعزين ، فلما رأوا الشربجي يتقدم نحوهم وهو يلوح بالعصا نحو الأعلى يرفعها تارة ثم يخبط بها على الأرض تارة أخرى ، وهو يرغي ويزبد وينهال بشتائم عجيبة غريبة لم يسمعوا بها من قبل ، بدلاً من أن يدخل خاشعاً متبتلاً كما يدخل المعزُّون ، أوجسوا منه خيفة وتراجعوا إلى الخلف ، في حين كان هو يتجه نحوهم مسرعاً وهو يقول :
ـــ لك شو هادا يا جماعة والله صرنا بالقرن الواحد والعشرين شبكم أنتوا .
وبعد أن دخلنا حاولت أن أشده من يده إلى الجلوس لكنه توجه بعصاه المرفوعة نحو المجلس وصاح بوجه الشيخ :
ـــ لماذا لا تقرأ القرآن . . . شو جايبينك مشان تنصحنا . . . مو حاجتنا وعظ العمى بقلبكم العمى .
وبعد أن جلسنا أخذ بعض الأشخاص ينظرون إلينا بعيون ملؤها التعجب . . . وبعضهم يسألني بنظرات تستفسر وتتساءل من هذا الإنسان الذي جئت به . . . وقد كنت لا أستطيع أن أتمالك نفسي من شدة الضحك ، لكني كنت أشيح بوجهي عنهم إلى مكان آخر ، وأنا أضغط على نفَسي من شدة الحالة التي وصلت إليها ، لأن رجا الشربجي قد استمر بالحديث ( الواعظ ) ، ولكن عن طريق الشتائم الضاحكة ، مما أدى إلى أن الجميع قد خرجوا من حزنهم واندفعوا وراء كلماته بموجة من الضحك الشديد جعلت رجل الدين يخرج من وقاره المعتاد ويغشى عليه من كثرة الضحك . . . ثم وبعد دقائق سكت الشربجي فسكت الناس فخبط بعكازه خبطة قوية على الأرض أذهلت الجميع وقال : يا الله يا ابني انتهت الزيارة . . . وخرج من مجلس العزاء وهو يقول : التعزية تسرية . . . والهدف منها إزالة الحزن عن الحاضرين ، وليس تكريسه وتثبيته .
في مجلس فخري البارودي
ومن مآثر ظرافته أنه قد حدث خلاف بينه وبين حسني تللو ، واستمر الخلاف لمدة محدودة ، ثم حدث أن توجه حسني تللو إلى الندوة اليومية التي كانت تعقد في بيت البارودي من اجل السمر والضحك . . .
دخل حسني تللو فوجد رجا الشربجي جالساً في صدر المكان ، فاغتاظ تللو لهذا المنظر وأمال تللو رأسه وفتح فمه بنزق كبير يريد أن يكيل الشتائم للشربجي ، ففاجأ الشربجي الجميع بأنه قد سبقه ووقف بشكل سريع وأشار بيده إلى تللو وهو يقول : أبوك أنت . . . ردَّ له الشتيمة قبل أن ينطق ذاك بها ، فتعجب حسني تللو من سرعة بديهته وأقبل عليه يقبِّله ويعانقة عناق الأحبة .
وهكذا كان الظرفاء دوماً . . . ضحكة واحدة كفيلة بحل أي نزاع .ي مجلس عزاء عدنان تللو






وأذكر أنه في عام 2009 حين توفي الرحالة العربي الدكتور عدنان تللو أراد رجا الشربجي المشاركة بالعزاء ، وكانت قد تقدمت به السن فأوصلته إلى حمل العكاز ، وطلب مني أن أحضر إليه لأصطحبه إلى بيت العزاء ، ولما وصلنا ودخلنا معاً ـــ وكان هناك ممر طويل قبل الوصول إلى الساحة التي يعقد فيها العزاء ــــ تصادف أن الشيخ الذي كان يقرأ القرآن كان قد توقف لبرهة عن التلاوة وبدأ يقدم المواعظ للمستمعين ويحدثهم عن مآثر الموت وفضائل الانتقال إلى الملأ الأعلى ، وقد كان السيد شربجي يتوقع أن يسمع صوت الذكر الحكيم فإذا به يسمع صوتاً أجشاً ينصح ويعظ ، فما كان منه ــ رحمه الله ــ إلا أن أخذ يزيد في خبط عكازه على الأرض ، وأخذ يصيح :
ـــ لك مين هادا الذي يتكلم مين هاد .
فحاولت أن أخفف من روعه فلم أفلح ، وما زال يصيح حتى كدنا نصل إلى مجموعة الأشخاص الذين يقفون لاستقبال المعزين ، فلما رأوا الشربجي يتقدم نحوهم وهو يلوح بالعصا نحو الأعلى يرفعها تارة ثم يخبط بها على الأرض تارة أخرى ، وهو يرغي ويزبد وينهال بشتائم عجيبة غريبة لم يسمعوا بها من قبل ، بدلاً من أن يدخل خاشعاً متبتلاً كما يدخل المعزُّون ، أوجسوا منه خيفة وتراجعوا إلى الخلف ، في حين كان هو يتجه نحوهم مسرعاً وهو يقول :
ـــ لك شو هادا يا جماعة والله صرنا بالقرن الواحد والعشرين شبكم أنتوا .
وبعد أن دخلنا حاولت أن أشده من يده إلى الجلوس لكنه توجه بعصاه المرفوعة نحو المجلس وصاح بوجه الشيخ :
ـــ لماذا لا تقرأ القرآن . . . شو جايبينك مشان تنصحنا . . . مو حاجتنا وعظ العمى بقلبكم العمى .
وبعد أن جلسنا أخذ بعض الأشخاص ينظرون إلينا بعيون ملؤها التعجب . . . وبعضهم يسألني بنظرات تستفسر وتتساءل من هذا الإنسان الذي جئت به . . . وقد كنت لا أستطيع أن أتمالك نفسي من شدة الضحك ، لكني كنت أشيح بوجهي عنهم إلى مكان آخر ، وأنا أضغط على نفَسي من شدة الحالة التي وصلت إليها ، لأن رجا الشربجي قد استمر بالحديث ( الواعظ ) ، ولكن عن طريق الشتائم الضاحكة ، مما أدى إلى أن الجميع قد خرجوا من حزنهم واندفعوا وراء كلماته بموجة من الضحك الشديد جعلت رجل الدين يخرج من وقاره المعتاد ويغشى عليه من كثرة الضحك . . . ثم وبعد دقائق سكت الشربجي فسكت الناس فخبط بعكازه خبطة قوية على الأرض أذهلت الجميع وقال : يا الله يا ابني انتهت الزيارة . . . وخرج من مجلس العزاء وهو يقول : التعزية تسرية . . . والهدف منها إزالة الحزن عن الحاضرين ، وليس تكريسه وتثبيته .
في مجلس فخري البارودي
ومن مآثر ظرافته أنه قد حدث خلاف بينه وبين حسني تللو ، واستمر الخلاف لمدة محدودة ، ثم حدث أن توجه حسني تللو إلى الندوة اليومية التي كانت تعقد في بيت البارودي من اجل السمر والضحك . . .
دخل حسني تللو فوجد رجا الشربجي جالساً في صدر المكان ، فاغتاظ تللو لهذا المنظر وأمال تللو رأسه وفتح فمه بنزق كبير يريد أن يكيل الشتائم للشربجي ، ففاجأ الشربجي الجميع بأنه قد سبقه ووقف بشكل سريع وأشار بيده إلى تللو وهو يقول : أبوك أنت . . . ردَّ له الشتيمة قبل أن ينطق ذاك بها ، فتعجب حسني تللو من سرعة بديهته وأقبل عليه يقبِّله ويعانقة عناق الأحبة .
وهكذا كان الظرفاء دوماً . . . ضحكة واحدة كفيلة بحل أي نزاع .




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي