لا تلوموا مصر، ولوموا أنفسكم
د. فايز أبو شمالة
البيان الذي صدر عن لقاء الرئيسين المصري والفلسطيني جاء منسجماً مع موقف السلطة الفلسطينية تماماً، وهذا ما عبر عنه المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية السفير علاء يوسف، حين قال: شهد لقاء القاهرة تباحثاً بشأن الأوضاع الإنسانية والأمنية المتدهورة في الأراضي الفلسطينية، والاحتقان المتزايد لدى الشعب الفلسطيني؛ نتيجة انتهاك حُرمة المقدسات الدينية واستمرار الاستيطان"
لقد اختصر المتحدث باسم الرئاسة المصرية قضية فلسطين كلها في وضع إنساني ووضع أمني متدهور، وفي احتقان متزايد نتيجة لانتهاك المقدسات الدينية واستمرار الاستيطان، وهذا الاختصار للقضية الفلسطينية جاء متناغماً مع حديث السيد محمود عباس الذي أكد: إنه يثمن مساعي مصر في التوصل إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية وتهدئة الأجواء المشحونة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة في الوقت الراهن.
إن استخدام السيد محمود عباس لجملة "تهدئة الأجواء المشحونة"، وهروبه من لفظة "الانتفاضة" أو حتى "الهبة الشعبية"، هو الذي وضع الكلام على شفتي المتحدث باسم الرئاسة المصرية، ليصف انتفاضة الشعب الفلسطيني، ومقاومته للاحتلال ب "الاحتقان المتزايد" دون التأكيد على مطالب الشعب الفلسطيني السياسية العادلة.
لم يكن التسطيح السابق لقضية الصراع العربي الإسرائيلي عبثياً، وإنما جاء ليمهد ذهن المستمعين للإعلان عن نقاط الاتفاق بين الرئيسين، والتي جاءت على النحو التالي:
1- أهمية وقف الممارسات التي تؤدى إلى زيادة الاحتقان بالأراضي المحتلة. وأزعم أن هذا البند يهدف إلى تحقيق التهدئة، ولا يرقي إلى حد المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
2- ضرورة وضع حد للاستيطان وتوفير الحماية اللازمة لأبناء الشعب الفلسطيني. وأزعم أن هذا البند لا يرقي إلى مستوى الطلب بإزالة المستوطنات،
3- تهيئة المناخ اللازم لاستئناف مفاوضات السلام بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي. وأزعم أن هذا البند يمثل أقصى مطالب السيد محمود عباس، الذي لم يكتف بدلق إبريق من الإحباط على انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس من خلال التصريحات السابقة، بل أوغل الرجل في حرف الانظار عن الممارسات الصهيونية في الضفة الغربية، وراح يحرض مصر على سكان قطاع غزة، ويدعو لمواصلة حصارهم، وإغراقهم في مياه البحر، وهذا ما أكد عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حين قال: إن الإجراءات التي تتخذها مصر من أجل تأمين حدودها الشرقية تتم بتنسيق كامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية،" ولا يمكن أن تهدف إلى الإضرار بالأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة"، موضحا أن" عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، وتوليها الإشراف على المعابر وفقاً للمقررات الدولية، سيكون له نتائج إيجابية على انتظام فتح المعابر مع قطاع غزة.
كلام الرئيس المصري فيه تبرؤ من المسئولية عن حصار غزة، وبالتالي فلا ملامة على مصر في هذا المجال إلا ضمن حدود التواصل التاريخي بين الشعبين، ومن منطلق الأخوة والجيرة، والمحبة، والقومية، والدين، لتقع الملامة على:
1- السيد محمود عباس بصفته المحرض الأول على حصار غزة.
2- حركة حماس التي لم تحسم أمر الانقسام داخل الساحة الفلسطينية، وتركت قميص عثمان معلقاً على رمح السيد محمود عباس، يطعن فيه حركة حماس في كل العواصم العربية والإسلامية، متهماً إياها بالتآمر على مصر أولاً، وبالخيانة العظمى لفلسطين ثانياً، وذلك من خلال إجرائها مفاوضات سرية مع إسرائيل، تقوم على ضم 1000 كيلو متر مربع من أراضي سيناء إلى قطاع غزة.
وإذا كان الرئيس المصري المعزول محمد مرسي غير قادر على الدفاع عن نفسه أمام اتهامات محمود عباس- الذي يدعي أنه رفض عرضاً من مرسي يقوم على توسيع حدود قطاع غزة على حساب الأراضي المصرية - فإن حركة حماس قادرة من خلال البندقية الفلسطينية على الدفاع عن نفسها، والتأكيد على سيرتها التي اعتمدت المقاومة المسلحة طريقاً لتحرير فلسطين، وقادرة على قذف حجر في فم كل طعان للمقاومة التي أعيت الصهاينة في غزة، وقادرة على مفاجأة المشككين برد ساحق وسريع يتناغم مع عنفوان شباب الضفة الغربية؛ الذين يقتحمون الأهوال، ولسان حالهم يقول لحركة حماس ما قاله الشاعر زهير بن أبي سلمى:
وَمَنْ لَـمْ يَـذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ يُـهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمِ الـنَّاسَ يُظْلَمِ