الحلم .
أغنية عظيمة . . . قدمتها مطربة عظيمة . . . من كلمات وألحان عظيمين كبيرين هما : بيرم التونسي وزكريا أحمذ .
* * *
إن الأصل في الكلام للمقاصد والمعاني لا للكلمات والمباني .
حينما يكتشف الإنسان أسرار العظمة ، وتتبدى أمامه عناصر مكوناتها ، فإنها ستبدو في نظره أعظم . . .
وكم هو الفارق كبير بين من يطرب للألحان وبين من يقف عند الكلمات ؛ لأن الجسد لفظٌ روحه المعنى . . .

في يوم الأربعاء 10 / 6 / 2015 ، وفي تمام الساعة السادسة مساء ، كنتُ على موعد مع شخصيات عظيمة في هذا العالم ؛ وذلك بين جنبات ناد عريق ؛ يستمد عراقته الأصيلة من قِدمِ تاريخ تأسيسه ( 1919 ) ، ومن جلالة أعضائه ، ومن عظمة رواده ، ومن حرفية محاضريه السابقين . . . وهو النادي العربي بدمشق .
وأمام أنظار جمهور سميع راق ؛ أتاح لي القدر أن أتجاسر فأحاول الولوج إلى القلوب الحزينة التي أبدت تعطشها الملح لجرعة طربية بديعة . . .
فقد حاولت أن أخوض في غمار أغنية الحلم التي غنتها أم كلثوم في عام 1947 وكتب كلماتها الشاعر الكبير بيرم التونسي ، الذي امتاز بالتصوير الشعري الدقيق ، فقذ كان يصور صوراً محسوسة خلابة بديعة ومشاعر جياشة عميقة بكلمات بسيطة زاهية ، ولحنها الملحن العظيم زكريا أحمذ الذي امتلك قدرة فائقة على تطويع اللحن بما يناسب المعنى . . . أما أم كلثوم فإن أبدع ما فيها هو ظاهرة التفريد . . .
والتفريد هو خروج المطرب عن اللحن المرسوم له من قبل الملحن لفترة ما . . . وإظهار قدرته على خلق لحن آخر للكلمات نفسها ، من خلال إعادة غنائها بأساليب مختلفة ، لكي يتم عبر ذلك تقذيم معاني جديدة يفهمها المستمعون في لحظة مناسبة . . . وذلك ضمن ظروف معينة لا تتوفر دوماً ، إذ عنذما تحس أم كلثوم أن الجمهور قد أصبح في حالة نشوة كبرى ، وأن معظم الناس قذ تخدروا وبدؤوا يترنحون ، وأصبحوا جاهزين لتلقي الجرعة الطربية الكبرى ، وباتت توسم في نفسها أنها قد غدت قادرة على شرب الخمرة الطربية المعتقة دون مزجها بالماء . . . ترفع يدها إلى العازفين فيتوقفون عن عزف اللحن الأساسي ويبدؤون بالوحدة ، أي بعزف نغمة التفريذة . . . فتتفنن أم كلثوم بترديد الكلمات بألحان شجية مختلفة تعزف فيها على أوتار النفوس ، وتتحكم من خلالها بدقات القلوب . . . فتقدم لهم تلك الدفقة الكبيرة من الطرب الشديد والعشق الوليد .
حاولوا أن تستمعوا إلى هذه التفريدات التي تخرج بها عن اللحن ، وتتفنن في عرض مواهبها الشخصية لتغدو مطربة وملحنة في آن معاً .
من هنا فإن أم كلثوم حينما كانت تدخل إلى المسرح لم تكن تغني فوراً ، وإنما كانت تجلس مطولاً قبل أن تبدأ . . . ولعل قلة الذين يعلمون أنها بهذا الجلوس إنما تكون تستعرض الوجوه لتكتشف أي جمهور ستخاطب اليوم . . . هل يناسبه أن تقوم بالتفريد أم يناسبه الالتزام باللحن الأساسي . . . هل هو أهل للطرب ، أم يكفيه اللحن الخفيف ، تماماً كما ينظر المرء إلى الفرس ، هناك فرس أصيلة تقوم بحركات بهلوانية ممتعة ، وهناك فرس بالكاد تستطيع أن تمشي . . . لذلك عندما تكون الحفلة متميزة ونادرة فإن هذا يعني أن الجمهور آنذاك هو الذي كان متميزاً ، فأوحى إلى المطربة بما أوحى .

إن أغنية ( حلم ) تحكي بكلمات بسيطة قصة حبيبين التقيا في موعد محدد ومكان جميل ، وبدأا يتبادلان الأحاديث الممتعة الرائعة ؛ ذلك الكلام الذي قد يكون بالنسبة لنا عادياً ، لكنه عندما يخرج من فم الحبيب المشتاق فإنه يغدو أكثر حلاوة ، ويرتدي رداء من الرقة كبيراً . . . كلام يصفه الشاعر بأنه يجعل القلب يرقص . . . كلامٌ مغرٍ جذاً يجعلهما يعيدانه ويعيدانه ولا يملان . . .
يا للمتعة الكبرى . . . يقول الشاعر وتغني أم كلثوم بأنها ( وبقينا نقول ونعيد ، قريب وبعيد . . . ) ماهو الكلام القريب وماهو البعيد . . .

ثم ( وكما تقول أم كلثوم : بقى يقول لي وأنا أقول له وخلصنا الكلام كله ) .
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناكِ . . . ثم ينتهي الكلام فتبدأ لغة العيون ولغة المصافحة . . . وأي لغة ؛ يا لهول ما تحمله لغة العيون من أسرار . . . وكم وكم توحي المصافحة بالعناق الحقيقي . . .
ثم تمكنت لغة العيون من أن تجعل العاشقَين يذخلان في حالة من النشوة العارمة بحيث يطيران في الفضاء وينسيان الذنيا ( نسينا الذنيا ) . . .
لقذ غدونا في عالم آخر ، لقذ انتقلنا إلى عالم آخر ـــ يا سلام ــ لقذ نسينا الدنيا وطرنا . . . لقذ نفضنا أيدينا من كل هذه الدنيا ، نسينا مسراتها ومباهجها ، نسينا همومها وأحزانها . . . نسينا الدنيا وطرنا .
نسينا الدنيا ، وطرنا . . . تخيلوا إنساناً يطير ، هائماً في الفضاء ، متحرراً من كل الذنوب والمسؤوليات والتبعات . . .
كم هو جميل التعبير عن معان عميقة جذاً ، ومواقف هائلة مهولة بكلمات بسيطة .

ثم يصف الشاعر المكان ، المكان ساكن هادئ . . . لاصوت فيه سوى همس الغصون ، ولا رقيب فيه سوى عيون القمر . . . يجلسان وحيدين ، لا يمر من أمامهما إلا نسيم عابر . . . ولا يشعران بالغربة لأن النجوم تؤنسهما . . .
والمفاجأة الكبرى أن كل ما قيل كان حلماً ويا ليته استمر . . . ليته استمر أياماً وأعواما .
وتتمنى أم كلثوم أن تستمر تلك النشوة الكبرى ولو حتى في المنام .
* * *
أصدقائي :
1 ـــــ أتوجه بالشكر الكبير لإدارة النادي العربي العريق . . . وأخص بدلك السيد سمير الجاجة والسيد حسان فضل الله .
2 ـــــ أتوجه بالاعتذار إلى الضيوف الذين لم تتح لي الفرصة التحدث معهم والتعرف إليهم نظرا لضيق الوقت .
3 ــــ ليست هده المحاضرة إلا حزمة نور بسيطة اقتبستها من منبع ضوء كبير ، هو الأستاذ وضاح رجب باشا الموسيقي الفنان الذي استمعت في وقت سابق إلى تحليله لأغنية الحلم ، فاستأذنته باقتباسها ، فبلغ من أخلاقه الطيبة أن وافق على ذلك ، بل وأمدني بكل المعلومات التي رويتها ، وقذم لي المقاطع الغنائية التي قذمتها ، فكل الشكر لصاحب الأخلاق الفاضلة .
4 ـــــ لقد تعمدت ألا أذكر أسماء المقامات الموسيقية التي تعلمت بعضاً منها من الأستاذ الكبير وضاح رجب باشا ، لأنني لست موسيقياً ، إنما اقتصرت على الذائقة الأدبية فقط . . .
وقد كان دوري في ذلك فقط هو أن أحاول الخوض في بعض المعاني ، ولعلي لم أكن موفقاً في هدا .

إلا أنني أستغل هذه الفرصة لأؤكد أن أجمل شيء ؛ أجمل شيء في هذه المحاضرة كان هو عيون المستمعين . . . تلك العيون التي كانت بالنسبة لي اختصاراً مذهلاً واعتصاراً ممتعاً يسوق لي معاني كل الأغاني . . .
الجمهور العظيم هو الطرب الأكبر بالنسبة لي . . . حين كانوا ينظرون إلى صور أم كلثوم وإلى كلمات الأغنية التي كانت تعرض على الشاشة ، كنت أنا أنظر إلى وجوههم لأحتسي طرباً من نوع آخر ، فمنهم المتمايل برأسه ومنهم الخافق قلبه ومنهم المشير بيده . . . تماماً كما في كل الحفلات . . .

وما كان أسعدني إذ أنظر إلى وجوه مجلس إدارة النادي العربي السادة :
السيد سمير الجاجة ، والآنسة لينا الشماع ، والسيد حسان فضل الله ، والسيدة زبيذة الترك ، والسيد جلال جلال هاشم ، والآنسة سلمى أبو طوق والسيد مازن ابراهيم .
كدلك أعضاء النادي السادة :
نجاة العوا . ريما عرابي ذينا شورى . ذ. جمال السطل . غاذة أزهري . سميرة الحوتري .احمذ امام اوغلي . هذى عبذ الرحمن . ريم قوتللي . سمية الشريف . مكية الشريف . محموذ ليلى . سلمى الحفار . هدى عبد الهادي . سعيد الحجار . ثناء عرقسوسي . إلهام ابو السعوذ . ميساء منصور . رانيا دياب . علا صادق . . .

أما الضيوف الأعزاء فقد كان لي معهم شأن آخر . . . ومنهم السادة :
السيد شاكر تللو ( أبي الغالي الدي بات حالياً أغلى ما أملك بعد وفاة أمي ، والذي علمني ودربني ومازال يشملني برعايته أطال الله عمره ) .
الفنان الكبير رفيق سبيعي . . . ومن جميل المصادفات أن زكريا أحمد هو الذي لحن له أغنيته الشهيرة ( يا صلاة الزين ) .
السيد رضا الزيات .
السيد هشام طنطا .
السيد رياض تقي الذين .
السيد مروان مراذ .
السيد نصير تللو .
السيد سالم البكري .
السيد عادل شميس .
السيد لطفي الغميان .
الآنسة ليلى تللو .
السيد عبد الجبار الضحاك .
السيد بسام الأيوبي .
السيد موفق موصللي .
وقد غاب مع الأسف عن حضور هذه المحاضرة السيد وضاح رجب باشا الذي كان خارجاً من وعكة صحية ، عافاه الله .

أصدقائي الأحبة :
إنني أرحب جداً بكل تصحيح وتصويب يقدم لي . . . اما إن كان هناك إعجاب ما ، فإنني أذكركم بأنني قلت الآن في ثنايا الكلام أنه عندما تكون الحفلة مميزة ونادرة فإن هذا يدل على أن الجمهور هو الذي كان نادراً . . . وهذا الكلام ينطبق على هذه المحاضرة أيضاً ، فإن كان فيها أمر مميز ، فإن السر في ذلك هو أن الجمهور هو الذي كان مميزاً . . .
شكراً لكم جميعاً وإلى اللقاء في محاضرة أخرى .

ولا يفوتني أن أترك لكم كلمات الأغنية ورابط الاستماع إليها .
* * *
مونولوج حلم
كلمات : محموذ بيرم التونسي ، وألحان : زكريا أحمذ ، وغناء سيذة الشرق أم كلثوم .
حبيبْ قلبي وافاني بمعاذه
ونوِّل بعذ ما طوِّل بعاذه

حبيب قلبي
قابلني وهو متبسم
وطمني على وصله

وقال لي بعد ما سلِّم
كلام القلب يرقص له

بقى يقول لي وأنا أقول له
وخلصنا الكلام كله

يقول لي قلبي بودك
أقول له قلبي أنا أكتر

يقول لي أد إيه حبك
أقول له فوق ما تتصور

وقول خايف لتنساني
يقول لي : مستحيل أقدر

بقى يقول لي وأنا أقول له
وخلصنا الكلام كله

قريـــــــــــــب وبــــــــــــــــــــــــــــــــعيد
وبقينا نقول ونعيد بعنينا

عيون لعيون بتتكلم
وروح مع روح تتجانس

بسر القلب وتترجم
وإيد على إيد بتسلم

بتسلم سلام مشتاق لمشتاق
نسينا الدنيا ولهينا
في هوانا وطرنا وعلينا

لاعوازل واقفة حوالينا
ولا ذنب يتعدى علينا

ســــــــــــــــكوت وســـــــــــــــــــــكون
وإيه حيكون
مافيش غير الغصون تهمس
ولا غير القمر ناظر

ولا غير النجوم تؤنس
ولا النسيم عابر

وأنا في دي النعيم هايم
لقيتو منام

وحلم وطار
مع الأحلام

يا ريته دام ودام نومي
كده أعوام

وأنا وهو في دي النشوة
نعيش في سلام

ولو ولو ولو حتى في منام .
ط*ظ„ظ… - ط§ظ… ظƒظ„ط«ظˆظ… - MP3

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


+4