[الغربي عمران : لحظة ترويض الجسد في مكان معهود بالوشايات الغادرة .. دراسة لـ مبارك الحمادي
مبارك الحمادي : حقيقة اعترتني نشوة الولوج في مضمون نص ((غلمة الماء)) للغربي عمران الذي نشر في ملحق الثقافية العدد((380)) وسرعان خالجت ذاكرتي مدى طهارة نفس القاص فضلا عن امتلاكه قلبا نصوحا يزهو كالبنفسج وذلك من خلال تقننه في أساسيات السرد.

مدخل
غالبا ما تكون الصرخات حتى لو كان عمرها ثوان ذات دلالات تشد الاستماع وهذا ما جعل القاص يفند حالة ذهول ركاب الحافلة إزاء تلك الصرخات, فيما ظهرت شرارة متابعة السائق من خلال المرآة لعدم ألفة الشباب الجلوس بمحاذاة امرأة حسب التقاليد ,والسيناريو الذي أتقنه الغربي عمران حين جعل القارئ كأنه أمام مشهد مسرحي يستحوذ انتباهه للمتابعة من خلال الأتي:
(( صرخة كتومة تلتها ثوان صامتة أنظار مقاعد الحافلة تتجه الى المقعد الخلفي حين يجلس شاب جوار إمرأة مقنعة تفحص الشاب مرتبكا يبحث عن مقعد أخر ...سائق الحافلة يراقب كل ما يدور من خلال مرآة فوق رأسه ...))

وصف
حين يصف القاص كل ما يحيط ببناء النص يجعل الصورة آخذة دهشتها حد الإعجاب, لما من شأن تلك التوصيفات الدقيقة , إضفاء صفة البهاء على النص وهذا معهود في مجموعة ((حريم أعزكم الله)) للقاص, تتأطر الوصفة ليكن القارئ غاية الترقب حال اراد زيارة المكان وذلك عبر التالي :ـ
(( وفي الاتجاه الاخر (جبل حديد) وقد اصطبغ بدم غزال سماء داكنة فوق ( قلعة صيرة) انحرف السائق عن دوار طاحونة الهواء بتجاه الكرنيش
المباني تجب البحر خلفها عاد يراقب المقاعد المرأة اكثر التصاقا بالشاب عجوز مكشوفة الرأس تتأفف عيون تلتصق ارتفع كف من مقعد مجاور ليهوي على وجه المرأة المقنعة نهضت صارخة تداخلت الاصوات تشابكت الاذرع تزاحمت الاقدام على سلم الحافلة قفز البعض من النوافذ يلاحقهم ابتعدت المرأة المقنعة يتبعها الشاب باتجاه البحر شمس باهتة البحر ثائر رياح تنفث رذاذ البحر واكواخ الكرنيش تهز اطرافها اطفال ينبشون الرمال الرطبة نساء يتشحن بالسواد ذكور يمضغون القات على الارصفة )).

أدلجة
تتسم جل نتاجات الغربي القصصية بأدلجة الحوار السردي, أملاً في تشخيص ظواهر لا زالت عالقة في الاذهان ,تدعك تنظر حيال كل جديد متأففا من جرأة المرأة في الحديث, لطالما تأججت غريزتك وسرعان ما تطالها أحكام العامة بالمروق إن لم يكن بالشذوذ وفي الحوار نظرة الرجل للمرأة جلية وذلك من خلال التالي :ـ
(( ياالهي ماهذا المكان ؟! سالها الشاب مذهولا
- هذا هو ساحل أبين وذاك الكرنيش ،
- اذا هو ذا ساحل أبين أتعرفين أن اسم إحدى شقيقاتي أبين
- أبين! وأنت مااسمك ؟!
- انا حاشد وانت؟!
- أنا اسمي ((سيسبان ))
- كثيرا ما سمعت عن جمال عدن لكنني لم اتوقع ما اشاهده ،
- أنت من أين ؟!
- انا من بلاد الجبال الباردة من خلف صنعاء ،
- اتعرف انك فاتن ! ،
- لايقال هذا الا للنساء
- لاكنك تحمل اجمل عيون رأتها عيناي
- ارجوكي اصمتي
- تقاطيع وجهك ، شفتاك الكرزيتان
- ايعقل ان يكون هذا كلام امرأة ولم لا اتحدث بما احس به؟!
- اني اشعر بالخجل من هذه الكلمات!
- لماذا تخجل؟! انت فاتن اراك هكذا
- ولكن حديثك يربكني
- انت حلو وبداخلي هاتف يدفعني الى مغازلتك الا يحق لي ذلك؟!
- أنت مثلا حين تجالس فتاة حلوة ألا تغازلها؟!
- بلا
- إذاً لم تحرم علي ما تحلله لنفسك ؟!
- لأنك امرأة
- نعم أنا كذلك ولي مشاعر مثلك........

سياحة
تمكن القاص لحصافة ناظريه مما اضفى لجوهر النص ومضات يشاد بها بأن وصف كل الاشياء التي يحتويها احد اكواخ الكرنيش, وحين يكون الزائر كالغريب, يظل يرقب أقبية المكان ساكنا كهدوء الماء وهذه التوصيفات تعد دليلا سياحيا لمن يتطلع لفضاء الكرنيش, وحين تنتابك دهشة المكان سرعان ماتخبر الاصدقاء عن عنفوان المغامرة الشبابية ورقة تعامل المرأة في تلك الاكواخ ,إلا ان وسط هدوء الكوخ يظل المرء متمنيا رؤية وجه المرأة وهذا طابع أي شاب بصفة عامة وذلك من خلال الاتي (( نار جيلة- مساند- متاكي - حصيرة متربة- تلفاز - متافل معدنية- صفوف قصب جدران الكوخ
-مكان ملائم اليس كذلك ؟!
-بالفعل
زمت عباءتها أخذت مكان مواريا دعته للجلوس جوارها وصل النادل بوعاء الجمر أشعل المبخرة رأس النرجيلة أدار الريموت عدة كؤوس وعاء مكعبات الثلج باقة قات سريعا ما تصاعدت الأدخنة وعبق جو الكوخ بروائح زكية تمنى ((حاشد)) لو تنزع قناعها ان يرى وجهها .........

اختبار
حين صار طابع أفيون الفساد مستشر في شتى ربوع الوطن, ظل العرف غاية في الخطورة وهذا ماجعل غالبية أفراد المجتمع يترنمون بقيثارة العزوبية نتيجة غلاء المهور, وان ظل المرء يشتاق لرضاب الشفائف حتى ان كانت المصافحة لثوان, سرعان ما يمطر الفتاة بالاوصاف وكانها سيدة الحور, ودون قصد تشع براءة الرد حين تبادره بالسؤال لعدم التمرس على سماعها المورق في العذوبة كذائقة رحيق النحل من خلال الاتي :ـ
(( ايقظه صوتها – هي المرة الاولى اليس كذلك؟
لم يدر ما تعنيه ولكنه وجد لسانه يرد بنفس السؤال
- هي المرة الاولى لم يدرك ان عبارته صادقة الا بعد ان اعادها على نفسه ليكتشف انها المرة الاولى التي يزور فيها عدن ويجالس امرأة وحيدة وهي المرة الاولى التي سيضاجع امرأة ..
, احتضنت رأسه وارسلت اصابعها تحرث خصلات شعره حملت وجهه بين كفيها تأملت عيناه قبلت شفتيه من خلف قناعها اجتاحته رائحة غريبة انفاس حارة شعر بامواج تطصخب في عروقه لفحات على خدوده حدث نفسه لذيذة هي القبلة الاولى اذا وان كانت من خلف قناع انطلق لسانه يصف اعجابه بها وسعادته بلقياها دهشته لجرأتها حدثها عن خلو قريته من النساء أمثالها .....))


راهبة
ما أراد القاص إيضاحه هو إبداء وجه المقارنة بين ساكني الشمال والجنوب, وما يتمتع به الفرد من حرية الممارسة والخلوة حيث إن تلك الأعمال تقوم بها المرأة بمحض الارادة كقول ((سيبان)) :
(( وحدثته عن إيمانها بالحياة وأنها هبة من الله وعن واجب تذوق ملذاتها وان تستغل ثوانيها كي نصنع السعادة لذواتنا ولمن حولنا عبرت له عن إعجابها به وبوسامته وأنها تتشوق لحلول الليل لم يتمالك نفسه ضمها يعانقها......)


انتهاك
لإتخاذهما الكوخ سكنا صار محرما على الداخل انتهاك حرمة خلوتهما, وما تتقنه رجالات الآداب في بلادنا والمتربصين في أماكن الترفيه وباسم الصفة المخولة لهم يتم استغلال الفرد كونه مذنبا أو وقع في شباك صيدهم, وأجمل صورة نقلها القاص للقارئ تلك العبارات التي تبدو كثيرة التداول ((تحكيم العقل )) فيما تتاطر النظرة إزاء ((سيبان)) بأنها من أرباب الخبرة والتجربة في ردها للحيلولة دون الوصول إلى إدارة البحث التي تبدو وهمية لالشيء بل لكثرة المتطفلين, إلا أن العتاب يظل تجاه القاص لعدم إيضاحه هل اخذ منهما كل ما وقعت عليه عيناه حسب عادته في التعامل أم لا ...وذلك من خلال الأتي :ـ
(( لم يكن الداخل عليهما النادل فهذا شخص ذو ملامح لزجة افتقد الكثير من وسامته تناول بعص اغصان القات سكب لنفسه كأسا ثم أطفأ جهاز التلفاز شعر ((حاشد)) بالخجل تذبذب مشاعره ظن الوافد مالك المكان او ان يكون معتوها وقد يكون شيء اخر راودته شكوكا عديدة استنجد بـ ((سيبان)) ينظر الى عينها خلف القناع علها تقول شيئا لكنها ظلت صامتة
- عفوا هل من الممكن ان ترياني هويتكما ؟! قالها الغريب وهويبتسم بتهكم
- بأي صفة تتطفل علينا!
- شرطة الآداب عندك مانع
- وهل من حقك أن تدخل علينا من دون استئذان ؟ !
- لا أريد فلسفة إما أن ترياني هويتاكما ,أو أن تنهضا معي الى إدارة البحث
- لن نعطيك هويتنا ولن نذهب معك !
- اذا ساضطر الى استدعاءعدد من الجنود صرخت ((سيبان)) مستغيثة
- بلاش فضائح يمكن ان نسوي المسألة عين العقل يمكن ان نسوي المسألة بالتفاهم
- كيف؟!
- ان تعطوني ما معكما !
- لا يوجد ما نعطيك رد ((حاشد)) بصوت منكسر
- وهذه الساعة على معصمك أليست شيئا
- الساعة؟!
- والجنبية والشال والله انك مخبول رجيم وكل مافي جيوبكما من مال وانت بدون عقل حكم عقلك وخليك انت العاقل


توطئة
كي تكون عملية الممارسة في أحسن تصورها لابد ان تسبق بفبركات ,ويجتاز المرء حاجز ,وهذه الاطلالة سابقة مقصودة تؤبجد ضراوة التجربة كالتالي:ـ((بمحاذاة الماء أحس حاشد بنسمات الليل البارد اختفاء رواد الساحل خفوت أصوات الموج ظلام عتمة السماء هدوء البحر سار بمحاذاة الماء وميض الضوء البعيد يتناثر على صفحة الماء صمت إلا من وشوشة الماء وأبواق العربات تأتي من بعيد شاهد عدن نجمة أفقية امتدت ذراعه حول خصر (( سيسبان)) تمنى لو أنها تزيل قناعها رغوة الرغبة تدفعه اخذ الشبق يحاصر تفكيره ظلام ضبابي


اشتهاء
أشهرت رغبتها ولكن بطريقة غير مباشرة, وذلك لملامسته أماكن إثارتها (( دون سابق إنذار – تعبت من السير يا حاشد
- ماذا تقترحين ؟!
- لقد ابتعدنا من الناس ويمكننا الجلوس هنا لم تكمل جملتها حين أخذت تخلع عباءتها أغطية رأسها اندهش حاشد حين أبقت على قناعها وهي تخوض الماء كانت ذرات الضباب تضفي عليها سحرا هلاميا خلع حاشد ملابسه تمدد جوارها بفرح طفولي غمرهماالماء حتى الاعناق .

مداعبة
تشتهيك تلك اللحظة الدنجوانية سرعان ماتتخيل هيئتها لتتكور حمم الرغبة كالأتي:ـ
(( التصق بجسدها مد يده يزيل قناعها زجرته اعتصرته بين ذراعيها الأنفاس تتلاحق أصابعه تتجه إلى الأسفل تزيل أخر المعاقل تلامس سرتها عانتها ملتقى الأفخاذ تبحث أنامله عن مكمن الشهوة اصطدمت كفه بشيء مألوف تناثر تفكيره صرخ مرتبكا كتمت صرخته مد أصابعه مرة أخرى ..........))


الاسلوب
يزهو النص بأسلوب السهل الممتنع كما في حكايات ابن المقفع ولايجيده إلا المايزين الغربي عمران ومحمد عبد الوكيل جازم في قصته الموسومة بعنوان ((ابن الشجرة)).


الزمكانية
المكان ((ساحل أبين )) المألوف بمرفأ الحرية, أما الزمان فهو يوم


شخصنة
كلمة غلمة الماء توحي بشيء قد جربه الأخر, لكنه عانى خلاله مرارات المعاكسة وبهذا يريد القاص من خلال العنوان أن يدعو لمن تسول له نفسه امتشاق طائر الى عشه كونه خبير البناء العائلي ومن سياق النص تتضح رؤية القاص في الحجاب .


خوف

لم يكن من المتوقع أن تأتي النهاية مخيفة, في حين اكتنفها الغموض حيال تلك الأيدي التي أعادت ((حاشد)) بقوة الى قاع البحر وكما يحلو لي هنا ان اعتبرها مجازا عن ((دوامة البحر )) لا أيادي ((سيسبان)) كالأتي:
((انتفض من الماء فكر بالفرار استجمع قواه خطا عدة خطوات خارج الماء أياد قوية تعيده إلى قاع البحر تشبث احتدم الصراع وجد نفسه مشلول الحركة تحت عنف لم يألفه صرخ ملء شدقيه قوة طاغية تشل حركته يغمره الماء عم سواد المكان صمت كل شيء إلا من نسيمات الليل وأمواج صغيرة))