نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
بأداة ما تشبه الإبرة لكن بحجم أكبر، وكرة من الخيطان لا نعلم حقيقةً أين بداية الخيط فيها، ويدين كنا نظن أنهما مسحورتان لشدة أناقة ودقة حركتهما، حيكت أجمل الملابس والوشاحات والحقائب، هذا ما رآه أغلبنا يحدث على أريكة في بيت الجدة وهذا فعلياً ما ارتبطت به الحياكة في أذهاننا، إنها مجرد حرفة قديمة ما اختصت بها الجدات، نحبها ونريد أن نتفرج عليها، لكنها ليست لنا... إنها للجدات وحسب.
وكان ظنّي عن الحياكة لا يختلف عن هذا، مع ذلك لم تمنعني هذه الصورة النمطية من أن أطلب من جدتي أن تعلمني هذا "السحر"، وفعلاً قامت بذلك، تعلّمت بعض الأساسيات التي كانت تكفيني في وقتها لأحيك وشاحاً بسيطاً يرضي رغبتي في تجريب هذه الحرفة.
لكن ثمة شيء ما كان يشعرني دوماً بمحدودية هذه الحرفة وأنها لا تصلح فعلاً لتكون متوافقة مع تطور هذا العصر وانسيابيته، خاصةً عندما بدأت بالبحث على الإنترنت عن صور للتصاميم المتنوعة للحياكة، وكان سؤالي الأزلي وقتها: لماذا نتيجة حياكتي لا تتوافق مع الصور التي أراها على الإنترنت؟ مع أنها حيكت من قِبل فتيات مثلي وفي نفس عمري! تلك الصور أجمل بكثير! إنها المثالية بعينها.
وهنا علينا أن نعترف أننا في مجتمعاتنا ولأسباب يطول شرحها لا نهتم حقاً بالتفاصيل، لا نهتم حقاً بالمعطيات، ونكتفي بسقف منخفض جداً من الاتقان والكمال، كأن الزمن توقّف عندنا وتوقف معه كل شيء في كل المجالات، فتلك القطبة الرائعة التي رأيتها على الإنترنت لا وجود لها عندنا، بل كثيراً ما ندّعي أنها "شغل مكنات"،وتلك التقنية التي تسهل علينا الحياكة بمراحل لا نريد أن نعترف حتى أنها ضرورية، أما عن تلك الأداة التي تقوم بتوفير ساعات من العمل وتعطي النتائج الدقيقة والمثالية فنعتبرها ضرباً من الجنون والبذخ اللا داعي له، ودائماً الجواب الذي أسمعه عندما أسأل الحائكين في محيطي هو: "كل حياتنا منشتغل هيك ومو صاير علينا شي"
وهكذا بدأ التغيير في حياتي الحرفيّة، فلم تعد ترضيني تقنيّات الجدّات، بالتحديد أكثر، عندما اكتشفت أن الحرفيين الغربيين خصصوا جزءاً كبيراً من وقتهم وجهدهم لتعليم باقي العالم حرفتهم عن طريق الإنترنت، وأنهم قاموا بما يشبه الثورة في عالم الحياكة، فقد عملوا على تطويرها وتوحيد لغتها وتنظيمها في تصنيفات غاية في الدقة، والأروع هو أن المعلمين لم يكونوا فقط من الكبار بالسن، فتجدون بينهم الكبير والصغير والرجال والنساء، وفعلاً بدأت بالتعلم عن طريقهم بسرعة أكبر وأخطاء أقل بفضل طريقة شرحهم وتحويل الحياكة لعلم متكامل له أسباب ونتائج منطقية، تريد هذا الأثر إذن استخدم هذه التركيبة من الخيطان، تريد هذا الشكل إذن استخدم أداةً مختلفة لتحصل عليه بشكل أفضل.
لكن الفاصل الحقيقي الذي جعلني أنتقل كلياً للتعلم عن طريق الإنترنت هو عندما قررت أن أزور معهداً لتعليم الحياكة في حيي، وهنا كانت الطامة الكبرى، فما قاموا بتقديمه لي كمراحل متقدمة للمحترفين كان لا يرقى لأن يكون مشروعاً غير مثالي للمبتدئين، فقلت في نفسي إذا كان واحد من أشهر معاهد تعليم الحياكة لا يرقى لأعلى من مستوى "هيك علمتني ستي" فما الذي أنتظره منهم حقاً؟
وفعلاً بعد هذه الحادثة اعتمدت كليّاً على الإنترنت، وتعلمت كل ما أردت عن طريقه باللغة الإنكليزية، وأحياناً باللغة الإيطالية والألمانية، لم أكن أفهم كل شيء لكنّي كنت أستوعب ما يريدون قوله عن طريق الصور أو الفيديوهات وحتى عن طريق فهمي العام لما يكتبونه بفضل مسألة توحيد لغة أو صيغة الحياكة في ثقافتهم.
بعد حوالي سنتين كنت قد وصلت تماماً لمرحلة أن أرى نتاجي يطابق الصورة التي أردت أن أحيك مثلها على الإنترنت، ومع مرور وقت أطول ازدادت خبرتي ومحبتي لهذا المجال وازدادت معرفتي بتاريخه واهتمام الشعوب به، وتوسعت أكثر بطريقة تصنيع الخيطان يدوياً وصباغتها صناعياً أو طبيعياً، وأردت بشدة أن أقدّم لعالمنا العربي ما يشبه الصرخة التي تقول: اتركوا حياكة الجدات وتعرفوا على الحياكة الحديثة!
جربت عدّة وسائل لأقدم هذه الصرخة التي تهدف للإيقاظ والنهوض بحياتنا الحرفية ولم أجد وسيلة أفضل من التي تعلمت بها أنا، الإنترنت، وتحديداً قناة تعليمية على اليوتيوب أسميتها شال، تنطق بلغتي وتستهدف مجتمعي وتحاول بكل الوسائل أن ترقى للمستوى الرائع الذي تعلمت منه، اليوم قناتي تجاوزت عدد 50 فيديو تعليمي مع 6000 مشترك، لا يزال مشواري فيها طويلاً على جميع الأصعدة خاصة التقنية، لكني مؤمنة أني أصل كل يوم لمكان أعلى من الذي كنت فيه من قبل، وهدفي أن أكون واحدة من المعلمات الرائدات في هذا المجال الراقي الذي اعتقدنا في يوم من الأيام أننا وصلنا لأعلى ما يمكن أن يصل المرء إليه فيه، دون أن ندرك التطور الهائل الذي أصابه، وجعله من الحرف الأولى في الغرب.

المزيد:

كندة الحملي كيف غيرت يوتيوب حياتي المهنية مدونات