مصير الكيان الصهيوني إلى الزوال
د. غازي حسين
نشأ الكيان الصهيوني في فلسطين قلب الوطن العربي نشأة غير طبيعية، غير شرعية وغير قانونية، اعتمدت على وعد بلفور غير القانوني ونظام الانتداب الاستعماري وقرار التقسيم غير الشرعي. نشأ الكيان الصهيوني جراء استجلاب قطعان المستعمرين اليهود وزرعهم في فلسطين، وترحيل سكانها الشرعيين وأصحابها الأصليين بمساعدة الدول الغربية واستخدام القوة لكسر إرادات بعض الحكام العرب ودعم يهود العالم.
ونشهد اليوم بداية الثورة العربية الشاملة، المعادية للامبريالية والصهيونية والاستبداد والفساد والتبعية للولايات المتحدة العدو الأول للعروبة والإسلام وقضية فلسطين. وبالتالي يتحول الوضع في الوطن العربي لصالح الوحدة الوطنية وحركات المقاومة ضد الاستبداد والفساد وحق المواطن بالحرية والديموقراطية، ولصالح شعوب المنطقة التي تتخذ الولايات المتحدة تجاهها ممارسات وسياسات تتناقض مع مبادئ القانون الدولي وجميع العهود والمواثيق الدولية.
لقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية مصداقيتها لدى جميع الشعوب والأمم في منطقة الشرق الأوسط لأنها منحازة انحيازاً أعمى لـ (اسرائيل) وتقف بجانب الأنظمة الفاسدة والمستبدة كنظام مبارك في مصر وزين العابدين في تونس.
يريد الشعب والأمة وضع حد للإذلال وكسر الإرادات والاحتلال والاستيطان الذي تولده سياسة اسرائيل والدعم الأمريكي والأوروبي المطلق لها ولحروبها العدوانية واحتلالها للأراضي العربية. وتدميرها للمنجزات ونهب المياه والثروات، وقيام بعض الأنظمة بتقديم التنازلات على حساب الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين.
لقد أقر الجنرال جيمس جونز، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس أوباما (أن النزاع الاسرائيلي مع الفلسطينيين هو المسبب لكل المشاكل في الشرق الأوسط بشكل عام ولمشاكل الولايات المتحدة بشكل خاص).
لقد أدى تراجع دور مصر عام 1978 بسبب اتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة الصلح عام 1979، معاهدة الذل والهوان إلى شلها وشل النظام العربي الرسمي. فاجتاحت اسرائيل لبنان عام 1982، ووقّع عرفات بضغط قوي وخديعة كبرى من حسني مبارك اتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993، ودمر بوش العراق وجيشه ومنجزاته عام 2003، مما فرض هيمنة الولايات المتحدة والعدو الاسرائيلي على النظام العربي الرسمي من خلال اتفاقات الإذعان الموقعة وحلف المعتدلين العرب.
إن الثورة الشعبية العربية والتطورات في الوطن العربي في الوقت الراهن لا تسير في صالح الولايات المتحدة و(اسرائيل)، وإنما خلقت مناخاً عربياً تجلت فيه روح الوحدة العربية والأفكار القومية ووجوب مواجهة الأنظمة البائدة والمستبدة والمساندة للكيان الصهيوني ومن أجل الحرية والعدالة الاجتماعية وضد الاحتلال والتبعية.
إن رفع الثورة الشعبية العربية شعار: (الشعب يريد تحرير فلسطين) يعني أن مصير الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني وكنظام عنصري إلى الزوال.
تساءل الكاتب الأمريكي اليهودي بنيامين شفارتس في مجلة أتلانتيك الأمريكية حول مستقبل (اسرائيل) ومصيرها وكتب بمرارة يقول:
(هل سيقدّر لدولة اسرائيل أن تحتفل بعيد ميلادها المئة)؟ وأجاب على تساؤله في نهاية المقال إجابة متشائمة استبعد فيها أن تعمّر (اسرائيل) إلى ذلك الوقت، والسبب في رأيه هو أن المشروع الصهيوني لم يتمكن أبداً من التغلب على العائق الديمغرافي الذي أقلقه منذ تأسيسه.
واتفق رئيس أركان الجيش الاسرائيلي السابق موشي يعالون إلى حد ما مع بنيامين شفارتس بانهيار (اسرائيل) وزوالها بسبب العامل الديمغرافي وخيار المقاومة وعقلية "اسرائيل" (الاستعمارية والإرهابية والعنصرية). ويعتقد يعالون «أن التهديد الوجودي الخارجي هو التهديد الفلسطيني... المزيج بين "الإرهاب" (المقاومة) والديمغرافيا مع وجود علامات استفهام لدينا بالنسبة لمصداقيتنا هي الوصفة التي ستقضي على وجود الدولة اليهودية».
كذب المؤسسون الصهاينة على يهود العالم عندما عمموا أكذوبة أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وتصوروا أن بإمكانهم التخلص من الشعب الفلسطيني تماماً كما تخلصت الولايات المتحدة من الهنود الحمر عن طريق الإبادة الجماعية والترحيل واستيطان البيض، وكما فعل المستعمرون الأوروبيون في أمريكا وأفريقيا واستراليا وظهر بعد أكثر من 62 عاماً من تأسيس اسرائيل لبعض النخب اليهودية والأوروبية أنه لا مستقبل لدولة يهودية تعيش على اغتصاب الأرض والحقوق والمياه والمقدسات وإبادة الشعب الفلسطيني وترحيله من وطنه.
ظهر بجلاء بعد سلسلة من الحروب العدوانية التي أشعلتها (اسرائيل) والمجازر الجماعية التي ارتكبتها أن لا مستقبل لدولة يهودية تعيش في حالة عداء دائم مع شعوب البلدان العربية والإسلامية، متحالفة مع الإمبريالية الأميركية، ومعادية للعروبة والإسلام وللتنمية والتطور والاستقرار في المنقطة.
لذلك أخذت تنتشر في بعض الأوساط اليهودية والعالمية أن المشروع الصهيوني أقيم في فلسطين في الزمان الخطأ وفي المكان الخطأ وبالممارسات والأهداف الخاطئة. وأن على (اسرائيل) كما قالت هيلين توماس عميدة الصحفيين في البيت الأبيض أن تحزم حقائبها وتعود من حيث أتت أي إلى ألمانيا وبقية البلدان الأوروبية.
لقد اعترف هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية والمؤسسون الصهاينة أن المشروع الصهيوني في قلب الوطن العربي مشروع استعماري سيقوم بدعم وتأييد كاملين من الدول الاستعمارية لخدمة الأهداف الاستعمارية والصهيونية العالمية، والهيمنة على المنطقة وصهينتها والقضاء على الوحدة العربية والثقافة العربية الإسلامية.
وجاء اعتماد الشعب العربي على خيار المقاومة والانتفاضات والثورات، وإيمان شعوب العالم بأن عصرنا عصر الحرية والتحرر وحق الشعوب والأمم في تقرير المصير، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما جعل الكيان الصهيوني حالة شاذة غير طبيعية في المنطقة وفي العالم بأسره. فالكيان الصهيوني حالة استعمارية إرهابية وعنصرية شاذة في الزمان والمكان، ولا مستقبل له في فلسطين على الإطلاق.
الاستعمار الأوروبي هو الذي نادى وعمل أولاً على إقامة (اسرائيل) في قلب الوطن العربي. وتأسست بعد ذلك الحركة الصهيونية. وارتمت كلية في أحضانه لخدمة مصالحه في المنطقة العربية والإسلامية. والمشروع الصهيوني، مشروع استعمار استيطاني، يهودي، توسعي، عنصري، إرهابي وإجلائي. والصراع معه صراع وطني وقومي وديني وإنساني، لردعه ووقف تمدده وتخليص شعوب المنطقة والعالم من أطماعه وأفكاره وحروبه وتهديده للسلم العالمي.
المشروع الصهيوني امتداد للمشروع الاستعماري للهيمنة على الوطن العربي، فالصراع معه امتداد للصراع مع الاستعمار الأوروبي والإمبريالية الأميركية. وتقوم طبيعته على نظرية المجال الحيوي للصهيونية من النيل إلى الفرات، كمقدمة لهيمنة الصهيونية العالمية على العالم. ويعمل على ديمومة استمرار مواجهة الدول الغربية مع مصالح وطموحات الشعوب العربية والإسلامية لعرقلة التنمية والتطور والاستقرار وخدمة مصالحه ومصالح الإمبريالية الأميركية.
وتقوم استراتيجية (اسرائيل) على استخدام القوة والتهديد باستخدامها للتدخل في الشؤون العربية وللضغط والابتزاز وكسر الإرادات، وإشعال الحروب العدوانية، والقضاء على الوحدة العربية وحركات المقاومة.
لذلك من المستحيل التعايش مع طبيعة المشروع الصهيوني المؤمن بالخرافات والأكاذيب والأطماع التوراتية والتلمودية والصهيونية، والذي يعمل على تسخير اليهودية العالمية والدول الغربية لبث العداء والكراهية للعرب والمسلمين، وإشعال الحروب والفتن الطائفية وتفتيت البلدان العربية، واستغلال معزوفتي المحرقة واللاسامية لتبرير المحرقة الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
فالكيان الصهيوني هو نتاج الاستعمار والأغنياء اليهود والحركة الصهيونية. ويدين بنجاحه إلى الدول الاستعمارية وبعض الحكام العرب. وولّد الخراب والدمار والمآسي والويلات والإبادة والتخلف وعرقلة التنمية والتطور في المنطقة.
ربطت (اسرائيل) مصيرها منذ التأسيس بالدول الاستعمارية وضد مصالح وأهداف الشعب العربي وشعوب المنطقة. فعندما استعادت مصر سيادتها على قناة السويس وضعت نفسها في خدمة فرنسا وبريطانيا الاستعماريتين وبدأت حرب السويس العدوانية عام 1956 بارتكاب مجزرة كفر قاسم الهمجية.
وزعمت الصهيوينة العالمية والإعلام الغربي المؤيد لها أن (اسرائيل) الاستعمارية والعنصرية والإرهابية واحة من الديمقراطية وسط صحراء الديكتاتوريات العربية. واعتمدت على الحروب كوسيلة لتوسيع رقعتها وإعادة رسم خريطة للمنطقة. فأشعلت حرب حزيران العدوانية عام 1967. وولدت الحرب والاحتلال البغيض العديد من منظمات المقاومة الفلسطينية لكنس الاحتلال واستعادة الأرض والحقوق المغتصبة وعودة اللاجئين. وعادت وغزت لبنان عام 1982. وخططت وأشرفت على تنفيذ القوات اللبنانية لمجازر صبرا وشاتيلا.
واحتلت جنوب لبنان إلى أن أجبرتها المقاومة الإسلامية في لبنان على الهروب في 25 أيار عام 2000. فالحروب العدوانية ونشر الخراب والدمار والقتل والاغتيالات وعرقلة التنمية والتطور من أهداف (اسرائيل) الأساسية في المنطقة. ويظهر التمسك باحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس والجولان ومزارع شبعا وكفر شوبا نوايا (اسرائيل) الحقيقية في استعمار كل فلسطين والهيمنة على الوطن العربي والمنطقة الإسلامية حتى جمهوريات آسيا الوسطى بدعم وتأييد كاملين من اليهودية العالمية والولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وبعض زعماء محور الاعتدال العربي، وكان على رأسهم الطاغية المخلوع حسني مبارك.
وهناك اليوم ثلاث نظريات تعتقد بحتمية زوال (اسرائيل):
النظرية الأولى: حتمية زوال نظم الاستعمار الاستيطاني والنظم العنصرية في العالم، وذلك انطلاقاً من العهود والمواثيق الدولية ومنها العهد الدولي بشأن تحريم العنصرية والتمييز العنصري، والعهود الدولية بتحريم اللاسامية والنازية وجميع الحركات العنصرية وقرارات الأمم المتحدة حول زوال الاستعمار بشكليه القديم والجديد بما فيها نظم الاستعمار الاستيطاني.
النظرية الثانية: تنطلق من الآيات القرآنية الكريمة ومن دعاتها المهندس عدنان الرفاعي والذي يؤكد بحتمية زوال اسرائيل في عام 2025.
والنظرية الثالثة: وضعها أستاذ الرياضيات الفلسطيني محمد جرار ويثبت بنظريته انطلاقاً من الرياضيات بأن (اسرائيل)ستزول في عام 2023.
إن (اسرائيل) كيان غريب عن المنطقة، دخيل عليها، فاليهود جاؤوا من وراء البحار واغتصبوا الأرض والحقوق والثروات بدعم من الدول الاستعمارية والإمبريالية الأميركية واليهودية العالمية. واستغلت الصهيونية الحركات اللاسامية وتعاونت معها ومع النازية في ألمانيا لتهجير يهود أوروبا فقط إلى فلسطين. وسخرت معزوفة المحرقة النازية لإقامة اسرائيل وتبرير حروبها العدوانية على شعبنا العربي وأمتنا العربية. وأشعلت الحروب العدوانية، وارتكبت المجازر الجماعية، وتتآمر مع الإمبريالية الأميركية ضد مصالح شعبنا العربي وبقية شعوب الشرق الأوسط. وتعمل على تهويد فلسطين ومدينة القدس بشطريها المحتلين. وترفض عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم. وتضع القوة واستخدامها واستغلال الأمر الواقع الناتج عن استخدامها فوق مبادئ الحق والعدل والانصاف والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وهي وراء تدمير العراق وتمزيقه، وبث الفتن الطائفية والعرقية والمذهبية في لبنان، وهي وراء فصل جنوب السودان عن شماله بدعم من اللوبي الاسرائيلي الإيباك ويهود الإدارات الأميركية. وهي التي بلورت بمساعدة كونداليسا رايس محور المعتدلين العرب بزعامة الطاغية المخلوع حسني مبارك، من الحكام العرب الفاسدين والمستبدين والمعادين لمصالح شعوبهم وعلى حساب قضية فلسطين وعروبة القدس.
لا يمكن التعايش مع الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني ونظام عنصري، وكقاعدة ثابتة للامبريالية الأميركية، وكأكبر غيتو يهودي عنصري وإرهابي في قلب المنطقة العربية والإسلامية...
زالت النازية من ألمانيا، والفاشية من إيطاليا واسبانيا، والعنصرية من روديسيا والبرتغال، والاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائر، ونظام الأبارتايد من جنوب أفريقيا. وسيكون مصير الكيان الصهيوني الأسوأ من النازية إلى الزوال.