سوريا والسعودية....حدوث المستحيل
نشر بتاريخ: 2014-12-04
بقلم: الدكتور خيام الزعبي*
في غضون أربعة سنوات تدهور مشهد سورية من الإحتجاجات الى حرب أهلية على أرض متفجرة يتواجه فيها الأميركيون والروس ودول الخليج والإيرانيون عن بعد، فمن التسليح الى الدعم المالي والصراعات الدبلوماسية السرية، في هذا الإطار لم تشهد أي بلد من البلدان العربية هذا القدر من العنف المكثف والصراعات المتشابكة على النفوذ في الوقت نفسه بين القوى الإقليمية والدولية، فوسط ألاعيب الدبلوماسية المتغيرة الأبعاد لعب عدد من الدول منذ البدء دوراً ثابتاً على شاكلة ايران، كما كسب البعض الأخر نفوذاً مثل روسيا، فيما خسر أخرون ميدانياً وبدأوا يحاولون فك إرتباطهم وإتجاهاتهم بالملف السوري المعقد، مثل المملكة السعودية التي تحولت من نزعة دعم وتشجيع الضربات العسكرية في سورية الى الإنسحاب التدريجي من المواجهة مع النظام السوري. إن إدراك السعودية إستحالة إسقاط الرئيس الأسد بالحرب، وعجز الإرهاب عن فعل ذلك برغم كل الدعم الذي قدم للجماعات التكفيرية بإختلاف تسمياتها، جعل الرياض تصل إلى قناعة نهائية مفادها، أن لا حل في سورية سوى الحل السياسي، خصوصاً وأن تدخلها في سورية أصبح ورطة لا يمكن الخروج منها إلا بالقضاء على تنظيم داعش في سورية وذلك لتغيير الأوضاع فيها، لأن سقوط الأسد من دون وجود بديل قوي لا يؤمن إستمرار الدولة وإستقرار المنطقة، بمعنى إنفجار الشرق الأوسط برمته ودخوله في فوضى لن تستثني المملكة نفسها، وسيكون من المستحيل عودة الإستقرار والأمن إلى منطقة الشرق الأوسط قبل سنوات إن لم تكن عقود من الدمار والخراب، الأمر الذي ستكون له تداعيات على الأمن والسلم العالمي برمته، هذا ما دفع بالسعودية إلى مراجعة إستراتيجيتها لحماية مصالحها من جهة، وحماية حلفاؤها من جهة ثانية. لكن خطر الإرهاب الذي أصبح يشكل هاجساً في المنطقة، دفع عدد من الدول العربية باتجاه تشجيع التسوية في سورية حتى تتمكّن مجتمعة من مواجهة هذا الخطر العابر لكل الحدود والذي يطال المنطقة بأكملها، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عمل باتجاه حل سلمي في سورية، على قاعدة أن هناك عدواً مشتركاً لكل من مصر وسورية والعراق وغيرها من دول المنطقة، ومن هذا المنطلق يسعى الرئيس المصري إلى تأمين عقد لقاء ثلاثي في القاهرة بين مصر والسعودية وسورية، هدفه التمهيد لإنهاء القطيعة مع سورية تدريجياً وإعادتها الى الجامعة العربية، لمواجهة الحلف الذي لا يزال يدعم الإخوان المسلمين والقوى التكفيرية المتطرفة، وعلى اعتبار أن العدو أصبح واحداً من القاهرة الى بغداد وصولاً الى دمشق . في سياق متصل أصبح هناك حالة من التناغم بين السعودية ونظام الأسد عبر طرح الرياض حلولاً للأزمة السورية، من خلال مبادرات لعودة العلاقات بين السعودية والنظام الحاكم، عقب فترة من التوتر السياسي الذي شهدته العلاقات بين البلدين وأدت إلى سحب سفراء الأسد من دول الخليج عقب الأزمة السورية، في هذا الصدد يرى مراقبون إن هناك محاولات سعودية كويتية لإعادة العلاقات مع النظام السوري، بعد سنوات من القطيعة، التي جاءت إستجابة لقرار مجلس التعاون الخليجي الصادر في 2012، والذي قضى بإغلاق كافة دول التعاون الخليجي لسفاراتها في سورية وسحب سفرائهم وقطع العلاقات مع نظام الأسد، وبالتالي هناك قرائن عدة بدأت تلوح في الأفق تؤكد عزم السلطات السعودية والكويتية إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري مرة أخرى، حيث أوقفت السعودية في الفترة الأخيرة حدة النقد الدائم لنظام الأسد والذي كانت تحرص عليه دائماً بشكل متكرر في جميع المحافل الدولية، كما إتخذت السعودية مؤخراً قراراً بإغلاق مكتب قناة "وصال" في الرياض، ومنع أي بث لها من المملكة، وهي القناة التي تعمل على جمع تبرعات للقوى المعارضة المسلحة في سورية، ولم تكتف السلطات السعودية بذلك بل قامت بالإطاحة بوزير الثقافة والإعلام السعودي محيي الدين خوجة، وجمدت حسابات الشيخ عدنان العرعور وأولاده في السعودية، ومنعه من جمع التبرعات بعد أن كان مرحباً به في السابق ويحظى بالدعم القوي من وزارة الداخلية السعودية، والكويت كان لها نصيب في إظهار نيتها لعودة العلاقات مع دمشق، حيث أعلن وكيل وزارة الخارجية الكويتية عن منح بلاده تأشيرات دخول لثلاثة دبلوماسيين سوريين للعمل في سفارة بلادهم، وإعادة افتتاحها مرة أخرى، بحجة أنهم سيقومون على رعاية الجالية السورية الموجودة بالكويت، وبالمقابل، قام مجلس الوزراء السوري مؤخرا بالموافقة على السماح بدخول شاحنات نقل تجارية تحمل لوحات سعودية إلى سورية مرت عبر معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وهو ما فسره بعض المراقبين بإحتمالية عودة استئناف العلاقات التجارية بين البلدين مرة أخرى بعد توقفها عدة سنوات. في إطار ذلك يمكنني القول إن الحل السياسي في سورية كان مطلوباً البارحة، وقبل ذلك أيضاً، لذلك فهو اليوم مطلوب أكثر من أي وقت مضى لأن السياسيين الجديين يجب أن ينظروا ويأخذوا بالدرجة الأولى معاناة الشعب السوري التي آن الأوان لإيقافها، وفي نهاية المطاف ستتغلب سورية الدولة على الإرهاب، وكل المعطيات تشير الى صمود النظام وحسمه المعارك الميدانية والدبلوماسية والسياسية، لذلك تبدو السعودية في مأزق كبير، بمعنى إنه بعد الإنفتاح الأميركي للحل السياسي، وصمود النظام السوري أمام الحرب الشرسة عليه، فإن الامور متجهة نحو الحل السياسي للأزمة، وبذلك ستكون الرياض في قمة الإحراج، وعليها أن تبحث عن فرصة لتعيد العلاقات مع سورية، لإنه بدون سورية لا يمكن ان تمر أي ملفات إقليمية تهم المنطقة. وأخيراً أختم بالقول إن إعادة مثلث " سورية ومصر والسعودية" وهو مثلث يمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للأطراف الثلاثة، والتنسيق بينها داخل مثلث إقليمي سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن ومنطلقاً للتأسيس لحال من الإستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً، وبإختصار شديد لقد آن الأوان لنتعاون مع باقي قوى التوازن بالعالم لإنقاذ سورية من الدمار والخراب، وتجاوز أزمتنا والمضي بوطننا نحو المستقبل الزاهر، وبالتالي فإن كل هذه المعطيات تشير الى إن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، خصوصاً إن سيناريو التفاهم الأمريكي الإيراني والروسي التركي قد يعود الى السطح مجدداً، ما يعني نتائج سلبية جديدة لبعض دول الاقليم في المنطقة.
*صحفي وكاتب أكاديمي
Khaym1979@yahoo.com
*********
أخطر ما قاله جو بايدن ؟
نشر بتاريخ: اليوم
بقلم: مها جميل الباشا*
بدأت تظهر إلى العلن مواقف شاجبة بحق الكيان الصهيوني من الحليف الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية لم نكن قد عهدناها من قبل، انتقد نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل في كلمته الذي ألقاها أمام منتدى سابان من بروكينغز في واشنطن بسبب لجوئها للعقاب الجماعي للفلسطينيين خاصة هدمها منازلهم خلال العدوان الأخير الذي شنته على غزة إضافة إلى هدم منازل أسر المهاجمين على جبل الهيكل في أب /اغسطس/ الماضي والنشاط الاستيطاني الذي لم يتوقف يوماً رغم كل المباحثات التي تجري بينها وبين الفلسطينيين لإحلال السلام المعهود عند أمريكا وأنها كلها تهدد بتأجيج التوترات بالغنى عنها في هذه المرحلة والذي دفع ثمنها اوباما في انتخابات الكونغرس، في الوقت ذاته لم يخف بايدن تحذيره لإسرائيل من تصاعد موجة معاداة السامية في جميع العالم الذي يؤدي إلى نزع الشرعية عنها. هل تمر العلاقة الحميمية الأمريكية الإسرائيلية بفتور صاعد ؟؟ عندما كرر بايدن إدانة الولايات المتحدة الأمريكية إغلاق السلطات الإسرائيلية جبل الهيكل في تشرين الأول /أكتوبر/ فضلاً عن خططها لزيادة بناء المساكن في القدس الشرقية مما يؤكد بأن أمريكا بدأت تشعر بالعبء الكبير الذي بدأت إسرائيل تسببه لها. ما الذي يجعل بايدن يقول في كلمته أمام منتدى سابان بأن هناك خلافات بين إسرائيل وأمريكا؟؟ سرعان ما تكشف تبريراته بأن الخلافات تكتيكية لا تضر بالمنظور الاستراتيجي بين البلدين، لكنه شدد على ضرورة التحرك نحو "حل الدولتين" بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حد زعمه بأن الدولتين تعتقدان أن السلام ممكن وضروري وعادل. كنا قد تساءلنا في الفترة الأخيرة ماالذي آلت إليه الظروف الدولية والإقليمية حتى تقوم بعض الدول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية لو لم تبن على تفاهم مبطن مع أمريكا كما حدث في السويد ولاحقاً فرنسا. الولايات المتحدة الأمريكية تسارع إلى فك الارتباط الذي يربطها مع الكيان الصهيوني وإلا لماذا حذر بايدن بعد كل التناقضات التي وجهها لإسرائيل بأن لديها القبضة الحديدية الملتزمة بأمنها وهذا غير قابل للتفاوض... إذاً ما الذي يجري ؟ هل جو بايدن يودع العالم حتى يكتب وصيته ؟؟ أكمل بايدن كلمته بالدفاع عن اتفاق إسرائيل مع جيرانها العرب مثل مصر والإمارات والسعودية على قضايا مثل مكافحة ما يسمى الدولة الإسلامية (داعش)، موكداً بأن هذا الاتفاق يوثق العلاقات فيما بينهم و يعزز مفاوضات السلام مع الفلسطينيين على حد قوله. لم يخف أسفه لرأي مسؤول حكومي في أمريكا الشمالية بتشبيهه للكيان الصهيوني بأنه الوحش النووي الإرهابي الذي يدمر الكثير من السكان الفلسطينيين وآخرها اشتراكه بالإرهاب الذي تتعرض له سورية والذي يتغذى من آل سعود الوهابي. استياء بايدن بدا واضحاً عندما قال المسؤول الحكومي آنف الذكر بأن سورية بلد يتمتع بسيادة مستقلة وأن الشعب السوري اختار قائده بشار الأسد بنسبة 88.8 من الناخبين الوطنيين وحججكم بأنه ديكتاتوري فقط لإسقاط الدولة السورية. "كمل النقل بالزعرور" عندما اقترح المسؤول الحكومي بإجراء تغييرات جذرية في الحكومة الإسرائيلية لإنهاء العنف في الشرق الأوسط (كفى دماً ودماراً) طالباً في الوقت نفسه بإيقاف توريد الأسلحة إلى المرتزقة والإرهابيين. بعد كل هذا وتسألون لماذا أغار الكيان الصهيوني على سورية ؟؟ الحراك الروسي على الساحة الدولية والإقليمية والصفقات التي قدمها بوتين لاردوغان بشأن حل الأزمة السورية سياسياً والذي اتضحت معالمها خلال مقابلة وليد المعلم ببوتين في سوتشي ومقابلة بوغدانوف السيد حسن نصر الله الذي أرعبت إسرائيل عن بكرة أبيها، كل هذه الأسباب استفزت إسرائيل لتقوم بغارتها والتي حذر محللوها من انعكاساتها السلبية . لا خوف على سورية المهم أنها تمسك زمام القبضة الحديدية التي تواجه بها أدوات الكيان الصهيوني على أرضها.
* اعلامية سورية