البهاجافادجيتا ((أنشودة الإله))
د.علي حسون
منذ حوالي الثلاثين قرناً، والهندوس يستقون تاريخهم وفلسفتهم وأساطيرهم من المهابهاراتا ((أنشودة النصر)) ذلك الكتاب الملحمي الذي تشكل أنشودة الإله جزءاً منه، والذي يعتبر السفر الخامس من أسفار الفيدات الحكمية المقدسة ومصدراً عظيماً من مصادر تصوفهم وأداة القسم في المحاكم.
تقول الأساطير الهندية إن البهاجافيتا أهداها الله سبحانه لإله الشمس الذي أهداها للجنس البشري أثناء المعركة التي جرت بين الباندافيين والكوريين على شكل إيحاء من كرشنا الذات الإلهية المتعالية إلى أرجونا من طبقة الكشاترة أثناء الحوار الذي جرى بينهما أثناء المعركة.
ويقول فون همبولت إنها اجمل أنشودة فلسفية موجودة في لغة من لغات العالم. وتتألف من 700 بيت من الشعر باللغة السنسكريتية مجزأة على 18 فصل موضوع أنشودة المولى الأساسي يبحث في عالم ما وراء الطبيعة بدءاً من الألوهية وانتهاء بالروح.فالحقيقة القصوى المتشخصة لدى الهندوس بـ ((كرشنا )) تشير أحياناً إلى الروح المتعالي باعتبارها الروح الفائضة وباعتبارها المطلق المتعالي. وهذه الذات الإلهية المتعالية لا تدرك حقيقتها بالأبصار أو الحواس بل تجلي نفسها لأنصار كرشنا عن طريق حلولها وإظهار قدرتها من العناصر المادية والأثيرية.
ويرد وصف كرشنا في الملحمة بأنه الأول والآخر والظاهر والباطن وأنه طعم الماء ونور الشمس والقمر والصوت في الأثير. وأن هذه الذات في قلب كل فرد كروح عليا.
من المعروف أن النظام الطبقي أساسي في الهند، لكن الجيتا أكدت على أن من يعي كرشنا فوق الطبقات، لأنه بهذا الوعي يصل إلى معرفة هذه الذات، وبذلك يتحرر أيضاً من قانون كارما وينجو من عقدة التناسخ.
وهكذا فالمعرفة الإلهية فوق العمل رغم التأكيد عليه لكن دون انتظار نيل الجزاء بل الإخلاص أثناء القيام به، وتبقى العبادة القانته أهم من ممارسة اليوغا تؤكد الجيتا على سلامة الأسرة وأتباع الأخلاق السامية وعلى جميع الخصال الحميدة والطهارة الجسمية والمعنوية حتى تسلم روح الإنسان في هذه الحياة وبعد الممات ومنه فانا نجد بعض الأبيات عن الموت وعملية الخلق وإنصاف الألهه التي يمكن أن تعد بمثابة الملائكة. فعلى المرء عند اقتراب الموت أن يلهج بذكر الله ويديم التفكر فيه حتى يخرج من هذه الدنيا بسلام. هذه الدنيا تشرح الجيتا كيف نشأت فبها الكائنات الحية وكيف تمر بادوار وحقب متلاحقة وكيف يتجلى الحق عز وجل فيها. وكيف توجد في العالم طبيعتين إلهية وشيطانية. وتحذرنا من إتباع الشياطين ومنهم شياطين الإنس ومن أعمالهم الرهيبة التي قد تدمر العالم وربما هذه إشارة إلى العالم وكيف يجول الشيطان فيه ويصول في وقتنا الحاضر بعد أن أوحى الشيطان لأتباعه من الإنس باختراع الأسلحة الرهيبة الفتاكة كما ورد في البيت التاسع من الفصل السادس عشر .
إنها أنشودة المولى، ما أجمل ما تنطق به وما أسمى ما تعبر عنه وتدعو إليه من إيمان ونكران للذات وتهذيب للأخلاق والمعرفة .