دراسة نقدية " دلا لة الحريم في رواية" نساء علىأجنحة الحلم" لفاطمة المرنيسي"

خـــالـــد عبد اللطيف/ المغرب.

يــطرح مؤلــف"نساء على أجنحة الحلـم" باعتباره سيرة ذا تــية با متياز، وإن كــان الغـــلاف يوهمنا بأنها رواية لــمسار الـــطفلة فاطــمة الــتي تربت داخل فـــضاء تــقليدي مغلق هومدينة فاس،حيث تعيش الأســـرة الكبيرة الـمكونة من الأعـــمام وزوجـــاتهم والعــمات والأطفال وكذا المطلقات،وباقي الهوامش الأخرى من الخدم وحارس المنزل الكبير.
تقف السيرة الذاتية المشخصة، عـــلى تقــــنية سردية هي " الرؤية مع" التي دعا غليها جون بويون في كتابه" الزمن والرواية" وهي تقنية تستمد خــــصوصيتها كون السارد يـتساوى مع الشخصية في المعرفة،أي أن معرفة الـــوقائع والأحداث وباقي الـــتجليات الــــــــسوسيولوجية الأخرى التي يحفل بها حقــــل العائلة الكبيرة،فـفاطمة "الطفلة" تتجاذبها عدة أسئلة منها ماهو مرتبط بطفولتهاالمحضة،ومنها ما يتجاوزسنها،كسؤالها عن الحدودوالجنس والحرية،والـرغبة في الإنعتاق من سلـطة الرجــــل المتمثلة في الأب والعــــم والخال والجد،والتـــي تظـــل مرادفة لدكتاتورية المجتمع الذكوري/ الأبيسي،وتسلـــطه عــــلى الـــمجتمع الأميسي/ النسائي الخاضع لنزوات الأ بيسية المهيمنة.
سؤال الطفلة فاطمة الذي تــــتناسل عـــنه عـــــدة أسئلة أخرى حول تجميع أكبرعد د ممكن من المعلومات عن المرأة المضطهدة/ المرأة النمطية/ المستلبة/ المقهورة، متمثلة في حريم المنزل الكبيرالذي تقطنه، فالنساء لا يعـــشن حياتهن الزوجية بالشكل الذي يحلولهن،بل يعانين من من ضغط القهرمانات( عجائز البيت الكبير) الــمكونة من ( الحماة/ أم الزوج/ اخته المطلقة/ عمته/
هـــؤلاء النـــساء اللـــواتي يحتفــظن بطقوس مغلقة،وقوانين صارمةتكمن في ضرورة خضوع الزوجات القديمات والمحدثات في الإذعان للزوج،وتقبــــيل يديه،وغــــسل رجليه،والسهر على راحته،واحترام الحماة وتبجيلها،وعدم رفع الـــــــصوت أوالـغناء،ووضع النقاب على الوجه في حالة الذهاب إلى الحمام بعد أخذ الإذن من الـــبواب ، ومـــــن الزوج وأمه وتحديد زمان ومكان الخروج.
فاطمة الطفلة وابن عمها سميريـــمثلان بطلي / محور هـذه السيرة الذاتية التي تتنامى أحداثها بتزامن مع نموالطفلين اللذين يمتحان معرفتهما الأولى مـــــن مصادر فـــــــقهية والمتمثلة في الفقيهة" لا لة طام" وفتاويها المحدودة، حول ما يدخل الجنة وما يدخل النار،ومصادر المعرفة الأخرى تأتي بالدرجة الثانية من العمة حبيبة التي تحفظ الأ شعاروالروايات، وترى في راويتها شهرزاد نموذج المرأة القوية التي أنقدت أبناء جـــــلدتها مــــن موت محقق،بعدما قتل شهريار
الأ لاف المؤلفة من النساء.
جدات فاطمة( الياسمين / لـلا مهاني) تجــــسدان غرفة المشورة والمرجع الأساسي لباقي نساء المنزل الكبيرمن حيث إمدادهن بكل ما يتعلق بـــــــطقوس التجميل ( الحبق ـ اليا سمين ـ الحناء ـ ماء الورد ـ الغاسول ـ ملح أبيض....إلخ)
للا أم هانئ هي أم أب فاطمة، وياســــــمين هي أم أم فاطمة،وحلم كل نساء الدار الكبيرة الأشبه بالقصر،هوأن تصبح لديهن أجنحة لكي يطرن بها " النساء كن يحلمن بحرية التجول في الأزقة وأشهر حكايات عمتي حبيبة والتي كانت تحتفـــــظ بها للمناسبات الكبيرة،هي حكاية المرأة ذات الأجنحة التي تطير من الدار حين ترغب في ذلك،وكل مرة تحــــــــكي فـــيها القصة تشد النساء تلافيف القفاطين إلى الحزام ويشرعن في الرقص كما لوكن يطرن" ص 30 من الرواية.
تتذكر فاطمة زيارتها كل سنة لجدتها ( أم أمها) مرة في السنة في ضيعتـــــها الـتي تتوفر على أبقاروخراف على بعد مائة كيلومتر شرق فاس، وحديثها عن زوجة جـــــــــدها التازي المسماة
" للا طهور"
" طابت من الياسمين أن تشرح لي ما تقصده بقولها " في حريم" فقدمت لـــــي عدة أجوبة لم تشف غليلي، كانت تقول أحيانا بأن المرأة تكون معاصرة في حريم عندما تفقـــد حرية التحرك، أو أن الحريم مرادف للشقاء،لأن المرأة تقتسم فيه زوجها مع أخريات" ص 41 .
البحث عن دلالة الحريم ظلت بؤرة الصراع النفسي لفاطمة الصغيرة،والحلم هــــوالملجأ الوحيد لكل النساء الضعيفات من أجل تحقيق رغــــبتهن في التحرر من قــــــيود الأبــــيسية والأعراف والتقاليد" إن الحلم أساسي بالنسبة للذين لا يــــتوفرون على السلطة... والواقع أن الحلم وحده مجرد من قدرة التحقق لايغير العالم ولا يخترق الأسوار،ولكنه يساعـــــد الإنسان على الإحتفاظ بكرامته" ص 227
مخاطبة العمة حبيبة لا بنة أخيها فاطمة بعدة صيغ للحريم المأســـــور باللا مبالاة والــــتهميش وعدم الإهتمام به من طرف الآخرين.
تقول الراوية" تكونيـــن في حريم حيــــــن لا يحتاج الـــــعالم إليك،تكـونين في حريم حين تهمل مساهمتك ولا أحد يطلب منك شيئا،تكونين في حريم حين يغــــدو كـــــــل ما تقومين به غير ذي فائدة،تكونين في حريم حين تدور الأرض وأنــــت غارقـــــة في الإحتــــضار واللامبالاة،شخص واحد يملك سلطة تغيير الواقع وجعل الأرض تدورفي النهر المــــعاكس وهذا الشخص هوأنت"
ص227.
للا طام بالرغم ثقا فتها الدينية فهي تــــفتح بصيرة الأطفال في الكتــــــــاب( المسيد) على العالم الــخارجي، وعلى الفطرة البشرية" وكيـــــف سيغدو الأطفال رجالا،وسيغلظ صوتهم في الثانية أوالثــــالثة عـــــشرة كما سنمو لهم شارب، أما الطفلات فسينمو لهما ثديان،وسيحضن مرة في الشهروأن الفــــقيه أي زوج للا طام الوطني الغيورالذي يقضي وقته في القرويين قال بأن على المسلمين أن يتقنوا العلوم ليهزموا الفرنسيين" ص204.
صورت الرواية/ السيرة الذاتية مـــظاهر تـــــــقاليد الـــــــفرنسييـــــ ن كـــمستعمرللمغرب،حيث السجائرالأمريكية ومضغ "علك الشوينكوم" الذي كان من الأمور الدخيلة على المغاربة،وكيف سعى البعض منهم الى مضغ وتدخين هذا النوع من السجائر.
رصدت الرواية لبعض الوقائع الأخرى فـــشخصية" مينة" الـــمنحدرة من الــــــسودان تشارك في عملية الشطح مرة في السنة بمنا سبة المولدالنبوي" فتشارك في حفلة كنـــاوة الذي يــنظم بدار سيدي بلال وهومن أشهرمن يخلص الإنسان من إصابات الجن في منطقة فاس" ص173
تضمنت الرواية أيضا عدة مقارنات بين الحريم في عصور تاريخية مختلفة، إذ أن حريم هارون الرشيد الخليفة العباسي لا يشبه حريم المغرب في القرن العشرين،فجـــــواري هـــارون الرشيد وحريمه كن مثقفات يروين الأشعار ويحفظن القرآن ويدرسن كتـــــب الـــــتاريخ وخطط الحرب ويناقشن الرجال في الأمور العقلية من فلسفة وأصول الفقه وفتاوى الدين.
ف"كلمة الحريم تقود إلى لفظة الحرام الذي تتعارض مع الحـــــلال،إن الحـــريم هوالمكان الذي يضع فيه الرجل أسرته ليدرأ عنها الخطرسواء تعلق الأمربزوجة واحدة أوعدة زوجات بأطفاله أو قريباته،قد يكون في بيت أو خيمة لا أهمية لذلك فالحريم يعني المكان ،وكـــــــذلك الأشخاص الذي يسكوننه" ص71.
فالحريم في الرواية إذن متعدد الدلالا ت مختلف المضامين من عصر لآخرفهوالمكان/ والخيمة
إن الحريم له طقوسه المميزة وحدوده المنصوص عليها بتــشريعات أبيسة/ ذكورية، إنه( أي الحريم) محكوم بعقلية الملكية الخاصة الممزوجة بالتسلط،فهـــــــومك ان يخضع لحراسة خاصة وصارمة،فالمجتمع المغربي اتلتقليدي الذي تؤرخ له الروائية المغربية فاطمة المرنيسي يــضع نصب عينيه رجالا قبل النساء أن الحريم راسخ في مخيلة وذاكرة الجمــــيع بدون استثناء،فلكل رجل محميته،والآخرون يقدرون ويحترمون هذه المحميات،لأنها في نظرهم تشبه الضيعة التي لا تخلو من حارس أوبواب أوقيم يتفقد أمور الحريم في العشي والأبكار.
فالحريم بأي شكل من الأشكال لا يمكن أن يتجــــــاوز الأسوار والجدران ،وإن اقتضى الحال أن تجاوزها أوخرق قوانينها فمجلس الأسرة الموسع كفيل بتأدييبها،وأقـــــــ ــل الأحكام هي الطلاق أوالعزل وهجر النساء في المضاجع وإن اقتضى الحال ضربهن.
" في كل مكان هناك قاعدة،وإذا ماخضعت لها لن يكون هناك سوء إلا أن الـــقاعدة لسوء الحظ غالبا ما تكون ضد النساء" ص 72.
لقد راهنت فاطمة المرنـــــــــيسي ومنذ البداية على القيام بمسح للمرأة المغربية من خلال رسم معاناتها الظاهرة والباطنة وعدم تجاوزها للفــــــضاء المخــصص لها ،فهي لن تفكر في الحرية أوالإحتجاج على الآخربأي طرق من الطرق،فهي محجــــــبة مقنعة وظيفتها الوحيدة هي النسل والمطبخ،فالرجل لوحده هوالذي يفكر نيابة عنها،وهو مستقبلها واقتصادها ،والـويل لمن طلقت من العائلة فالمنزل هوقبرها حتى تلــــقى ربها،فليس لها الحق في الإحـــــتجاج والــــتذمر،فهي ولية/وعورة/ وظاهرها يفضح باطنها،ونظراتها تجلب الشيطان من مكان قصي.
إن فاطمة المرنيس تحاول أن تدافع عن المرأة من خلال مايلي:
" إن النساء مثلا يعملن كالرجال طيلة النهار،ولكن الرجال يحصلون على الأجردون النساء،إنه أحد القوانين اللامرئية،وحين تبذل المرأة مجهـــودا كبيرا دون أن تحصل على أجر، تحاصر في حريم،حتى وإن كانت لاترى أسواره" ص72.
تتشكل الرواية وتنموبمقاربات متعددة منها ماهـــــــوعلمي/ معرفي يؤسس لنظرية علمية كون النساء لا تقل كفاءتهن عن الرجال في القيام بكل الأعـــــمال،ونظريات أخرى تقليدية لا ترى في المرأة غيرصورة صورية قابلة للتشيؤ والتحنيط والتشكل كالعجين.
فاطمة سعت في البيت الكبير إلى خلق تحول وتغيير يــــبدئ من الإستماع للموسيقى في المنزل إلى توسيع النقاش بين أطفال العائلة المتمدرسين،وبـــــــ دأت الثورة من خلال ممارسة المسرح على سطح المنزل،وتتبع أخبار العالم من خلال المذياع،وحيـــــن صرحت فاطمة لأمها بما حكت الفقيهة لها في المسيد عن الثديين اللذين سيبرزان للفتاة عند ســـن الرشد،أصيبت الأم بالرعب مما تفوهت به الطفلة الصغيرة.
داخل الرواية تجسدت أدوار النساء بين المسالمة المطيعة،والمثقفة الحاذقة(حبيية) والمتسلطة
(أم هانئ + ياسمين) والباحثة عن المعرفة(فاطمة)،وظلت طاموهي الــــــقدوة لكــل نساء الدار الكبيرة" جاءت طاموسنة1926 إثرانهزام عبد الكريم الخطابي بعد أن تحالفت ضــــده الجيوش الفرنسية والإسبانية،ظهرت ذات صباح باكرفي أفق سهل الغرب ممتطية فرسا تعـــــــلوه سرج اسبانية، ترتدي سلهاما أيضا فالرجال بعد موت أبيها وزوجها وطفليها ولد وبنت"ص 58 ـ 60
فطاموهي المرأة الوحيدة التي تزوج بها أحد أقارب عائلة فاطمة،وكانت الأنثى الوحيـــــدة التي تحظى بالإحترام والتقدير من طرف زوجها فهي تسيح في الأرض متى عــــــن لها ذلك،ولا أحد يسأل أوله الحق في السؤال عنها أين ذهبت؟ ومن أين أتت؟ كل نساء الدار الكــــــــبيرة يعجـبن بشجاعتها وجرأتها على مواجهة من قتلوا عائلتها وقدرتها على ركوب الخيل.
فاطمة المرنيسي شأنها شأن كل المثقفات في المشرق والمغرب اللواتي يدافعن عن حـــــــــرية المرأة التي صودرت وعن حقها في إثباث ذاتها، والحصول على حقوقها كاملة وبدون استثناء، ورغيتها الأكيدة في إخاج المرأة من معطف الرجل المستبد/ الرجل المتحـــــكم في رقــاب امرأة استطاعت اليوم أن تفرض مكانتها وتصبح وزيرة وشرطية وربان طائرة وطبيبة ومحامية.....

خا لد عبد اللطيف/ المغرب.

· الهوامش:
· رواية" نساء على أجنحة الحلم' فاطمة المرنيسي.