إقامة الجامعة الشعبية العربية لمواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد
د . غازي حسين
تشهد منطقة الشرق الأوسط إعادة بناء علاقات بين القوى الإقليمية والدولية تحمل في طياتها تداعيات جذرية على الأنظمة القائمة وعلى قضية فلسطين بشكل خاص وحركة التحررالوطني العربية بشكل عام .
يتميّزالوضع الراهن في المنطقة بانتشارالفوضى الخلاقة التي خطّطت لها إدارة بوش الابن وبشّرت بها كونداليسا رايس وبالتدخل الخارجي المسلّح في سورية والمساعي الأمريكية والإسرائيلية لكسرمحورالمقاومة ولإقامة محورمن أسمتهم رايس وأسماهم أولمرت بالمعتدلين العرب وإسرائيل وتركيا بزعامة الولايات المتحدة .
ويدورالصراع الدموي على السلطة في البلدان العربية لإحلال أنظمة جماعات الإخوان المسلمين على أنقاض التيارات الوطنية والقومية واليسارية , وبإشعال إسرائيل والسعودية نيران الطائفية لتفتيت البلدان العربية وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه برنارد لويس وشمعون بيريزوتبنتّه إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ووافق عليه الكونغرس الامريكي.
وأعادت إدارة الرئيس أوباما في ولايتها الثانية إحياء التحالف الأمريكي – التركي – الإسرائيلي كنواة صلبة لخدمة مصالح الأطراف الثلاثة وتوسيعه ليشمل أدوات الولايات المتحدة الأمريكية من الشيوخ والملوك والرؤساء العرب.
وتأتي محاولات هذا التحالف لتدميرسورية والإطاحة بقيادتها الوطنية وتفتيتها على أسس طائفية وعرقية في مقدمة أهداف هذا التحالف الجديد القديم بين الصهيونية والإمبريالية والرجعية وأنظمة الإخوان المسلمين لبيع فلسطين وتهويدها بما فيها القدس مدينة الإسراء والمعراج لنيل رضى الولايات المتحدة والصهيونية العالمية .
وأدّى تسعيرشيوخ الفتنة وعلى رأسهم القرضاوي وآل سعود وآل ثاني ونهيان للطائفية إلى تصعيد توترالوضع في المنطقة وتصاعد الاستيطان في القدس والاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية لسورية ولبنان ومحاولة بندربن سلطان الحريري تفجير لبنان واشعال الفتنة الطائفية فيه .
وتصعّد أطماع العدوالإسرائيلي بالسيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتهويد القدس وفلسطين من حدة الصراع الجاري فيها ضد سورية , وحزب الله وإيران للحفاظ على احتكارالعدولأسلحة الدمارالشامل وعلى تفوقه العسكري التقليدي لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد أوالكبير.
وجاء مؤتمرهرتسليا في آذار 2013والذي يرسم ويوجّه السياسات المستقبلية للكيان الصهيوني ويشترك فيه قادة من السياسيين والأمنيين ومن الخبراء المختصصين في الصراع في الشرق الأوسط وأوصى بتأجيج وتكريس الصراع بين السنة والشيعة من خلال تشكيل محورسني من دول المنطقة أساسه دول الخليج العربية والأردن ومصروتركيا أي من أمراء وملوك النفط وأنظمة الإخوان المسلمين في المنطقة ضد ماأسموه بمحور"الشر"الذي يضم سورية والمقاومة الإسلامية في لبنان وبقية حركات المقاومة وإيران .
وأطلقت إسرائيل على المحورلقب المحورالشيعي الذي يتحدث عنه آل سعود وآل ثاني ونهيان وسعد الحريري وجعجع واللوبي اللبناني واللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة .
وخلص تقرير مؤتمرهرتسليا في الشأن السوري إلى القول :" إنَّ سورية هي المحورالأهم هذه الأيام " . مؤكداً أنَّ تفكك وانهياربلاد الشام والانقسام الطائفي والجغرافي الواضحين فيها , سيؤثرعلى الأمن الإقليمي لكل من لبنان والعراق.
علاوة على ذلك تتزايد بحسب التقريرالصهيوني احتمالات تقسيم سورية , وتنسّق الدول الغربية وشركاؤها الإقليميين خاصة تركيا والأردن وإسرائيل والسعودية فيما بينهم لإضعاف الدولة السورية وتغييرتوجهاتها السياسية وطالب التقريرقادة إسرائيل ببلورة صفقة شاملة للشرق الأوسط تساعدها على التقدم في مسارالتسوية مع تمكينها لعب دورإقليمي " بناء" انطلاقاً من أنَّ إسرائيل هي الكنز الاستراتيجي لأمريكا.
واختتم تقريرهرتسليا لهذا العام بالقول :" إنَّ أمام إسرائيل فرصة تاريخية كي تدفع باتجاه تشكيل ائتلاف إقليمي للسلام والأمن والاستقرارفي المنطقة , وذلك لتثبيت مكانة إسرائيل كذخراستراتيجي لأمريكا ".
وطالب سفاح قانا شمعون بيريزورئيس الكيان الصهيوني في 12آذار2013 بتدخل عسكري عربي في سورية لخدمة مصالح إسرائيل , لأنَّ إسرائيل بحسب أقواله على قناعة بأنَّ حسم الوضع لن يحصل إلاّ من خلال تدخل عسكري خارجي.
ودعا بيريزإلى تدخل قوات عربية في سورية بدعم من الأمم المتحدة وشن حملة شعواء على إيران وزعم أنَّها تشكل خطراً على السلام في العالم وعلى استقلال دول عربية وتهدّد وجود إسرائيل , وتهرّب السلاح إلى دول أخرى لتقويض استقرارها .
وربط بيريزبين إقامة تحالف في المنطقة وعملية صناعة التسوية الأمريكية وأكّد أنَّ عملية "السلام" بداية متفقاً عليها وحلاً متفقاً عليه , هودولتان لشعبين . دولة عربية وهي فلسطين , ودولة يهودية وهي إسرائيل , تعيشان بسلام وأمن وتعاون اقتصادي .
وولَّد تدخل آل سعود وآل ثاني وجماعة الإخوان المسلحين في مصروجامعة الدول العربية في سورية البيئة الحاضنة لتصعيد التعرات الطائفية والمذهبية والعرقية في المنطقة لتفتيت سورية وبقية الدول العربية الكبيرة وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي صنعت الولايات المتحدة نواته من تركيا وإسرائيل والأردن وأنظمة الإخوان المسلمين برعاية الولايات المتحدة وبدعم وتأييد كاملين من جامعة الدول العربية لتخليد وجود إسرائيل في فلسطين قلب الوطن العربي .
فالإخوان المسلمون وصلوا إلى السلطة بعد التفاهمات التي عقدوها مع الولايات المتحدة وانخراطهم في الملعبين الفلسطيني والسوري لوصولهم إلى السلطة لخدمة المصالح الأمريكية .
وعقد مايسمى " اتحاد علماء المسلمين " (ورئيسه شيخ الفتنه القرضاوي) اجتماعاً في القاهرة في حزيران 2013طلب فيه دعم " الجهاد " في سورية بالمال والسلاح والرجال.
وحذا حذوه نائبه راشد الغنوشي , مما أغضب آلاف التوانسة الذين فقدوا أبنائهم وأقاربهم جرَّاء التدخل الخارجي في سورية . وأنضم محمد مرسي إلى القرضاوي ودعا مجلس الأمن الدولي إلى فرض حظرجوي على سورية , بينما دعا وزيرالأوقاف المصري (الإخونجي) طلعت عفيفي إلى الجهاد بالمال والنفس لنصرة سورية .
إنّ السعودية وقطرتتآمران مع أنظمة الإخوان المسلمين في مصروتونس وليبيا وتركيا وجامعة الدول العربية من أجل تحويل الجهاد كلّه بالرجال والأموال والأسلحة إلى سورية لقتل المزيد من السوريين من مسلمين ومسيحيين بدلاً من تحويله إلى فلسطين لتحريرالقدس . وهكذا تركوا العدوالصهيوني يكمل تهويد القدس بشطريها المحتليين وبدأ بتهويد المسجد الأقصى واقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية كأكبرغيتو يهودي استعماري عنصري وإرهابي في قلب الوطن العربي والمنطقة العربية والإسلامية .
ويرغب الإسرائيليون ويهود الإدارات الأمريكية في قتل وتدميرالمزيد بسورية دون أن تتحمَّل إسرائيل أي نفقات أوتبعات ....فآل سعود وآل ثاني وجامعة الدول العربية والدول الغربية يقومون في سورية بدورإسرائيل ولحسابها وخدمة القواسم والأهدف المشتركة بين الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية والرجعية العربية.
وحوَّلوا جامعة الدول العربية إلى أداة للقضاء على حركات المقاومة وتصفية قضية فلسطين , وحركات التحررالوطني العربية , وبث النعرات الطائفية وخدمة المصالح الأمريكية على حساب الشعوب العربية والإسلامية .
لايجوزعلى الإطلاق لأمراء وملوك النفط العبث بمصيرومستقبل المنطقة وشعوبها وبيع قضية فلسطين عبرتصعيد الطائفية وخدمة المصالح الأمريكية والصهيونية والاستمراربالتدخل في الشأن الداخلي في سورية لتقويض الإستقرار فيها وفي بقية الوطن العربي وتعطيل مستقبل الأجيال القادمة .
إنَّ موقف دول الخليج العربية المعادي لحركات المقاومة وللتيارات والإتجاهات الوطنية والقومية واليسارية فكرياً , وسياسياً, وعسكرياً , ودعمهم للتدخل الخارجي المسلح في سورية بالسلاح والأموال والرجال وتبنيهم لمشروع الشرق الأوسط الجديد وللمشروع الصهيوأمريكي يتطلب العمل بأسرع وقت ممكن لتوحيد التيارات القومية والوطنية واليسارية والإسلام المقاوم ولتأسيس جامعة شعبية عربية تعبرتعبيراً حقيقياً عن مصالح جماهيرالأمة وتدافع عن القومية العربية والأمن القومي وتعمل على وأد الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية والتمسك بخيارالمقاومة وتعزيزثقافتها لتحريرالقدس والجولان وجنوب لبنان.