بمناسبة رحيل غابرييل غارثيا ماركيز نقدم للقاريء الكريم ترجمة لمقابلة معه
غابرييل غارثيا ماركيز:
الواقعي الحزين
ترجمة الدكتور حسيب حديد
في كل لقاء صحفي مع الكاتب الشهير غارثيا ماركيز هناك جديد يقوله سواء في ما يعبر به عن نفسه أو عن مواقفه، في الحياة والكتابة ولأجوبة ماركيز، عما يوجه إليه من أسئلة نكهتها الخاصة هي نكهة العطاء هذا الذهن المتحفز والنفس المشتعلة والإحساس..
وفي هذا الحوار معه شيء من هذا كله، وهو حوار أجراه معه مؤخراً مراسل التلفزيون الإيطالي جيوفاني مينولي حيث التقاه في هافانا (كوبا).
-لقد عرفناكم دائما بأنكم كاتب الواقعية السحرية؟ هل تتفقون معنا في هذا التعريف ؟ وهل يروق لكم؟.
-ماركيز ، كلا لا أقبل هذه المصطلحات التي تسمونها الواقعية السحرية، إنني واقعي نقي وخالص، والحقيقة إن واقعة منطقة الكاريبي هي حقيقة كل أمريكا اللاتينية واعتقد أن الحقيقة بصورة عامة أكثر سحراً مما نتصوره.... لقد تأثرنا كثيراً بديكارت.
-إذن كيف تعرفون أنفسكم كواقعي؟
-ماركيز، إنني واقعي وأقول واقعي حزين.
-حزين لماذا؟
-ماركيز: لأننا نحن في منطقة الكاريبي معروف عنا إننا ناس مرحون ومتفتحون ولكننا في الواقع، الأكثر انغلاقاً والأكثر غموضاً والأكثر حزناً مما يكون.
-نقول بأنكم أثناء الكتابة تسلكون منهجاً منظماً كالميكانيكي، هل هذا صحيح؟
-ماركيز: نعم.
-ولأي سبب؟
-ماركيز: بكل بساطة، لأن ذلك ملائم جداً فإنني أنهض صباحاً، وارتدي ملابس العمل وأكون جاهزاً للعمل.
-هل تكتبون بسهولة؟
-ماركيز: إنني أكتب منذ نصف قرن، وقد تعلمت ما فيه الكفاية ما يجعلني أكتب بدون أية صعوبات وهذا لا يعني أننا لا نتعلم شيئاً فهنالك بعض الأمور الواجب تعلمها ففي البداية كنت أجلس وأمامي الصفحة البيضاء وأنه لشيء مرعب حقاً بسبب أنني كنت حينئذٍ لا أعرف ما يمكنني عمله، أما الآن فقد اختلفت الأمور إذ لا أشرع بتأليف أي كتاب إلا بعد أن أفكر فيه ملياً بحيث يكون مكملاً في مخيلتي وكأنني أقرؤه عندئذ ابدأً بالكتابة، ويستغرق تأليف الكتاب عندي عادة فترة طويلة ربما تمتد إلى سنة كاملة ويستغرق الفصل الأول لوحده عدة أشهر، فالفصل الأول يعطي الخلاصة، وعلى ضوئه يمكن تقدير حجم الكتاب بأكمله أما فيما يتعلق بالعمل اليومي فلدي برنامج أسير بموجبه وأقوم بالعمل في أوانه، وقد تعلمنا من هيمنغواي ان يترك جزءا يسيرا من العمل لليوم التالي لذلك عندما أنهض صباحاً لا أجد ثمة صعوبة فيما يمكن أن أبدأ فيه كعمل وهكذا دواليك ولكي أكون صريحاً جداً ليس لدي أية مشكلة في الكتابة، وأقول لكم أن وقت الكتابة أعده لحظات سعادة مطلقة لي.
-منذ عام 1973 ومجيء الحكومة آنذاك صرحتم بالتوقف عن الكتابة ولكنكم استمريتم فيما بعد لماذا؟
-ماركيز: تعد حياة الكاتب مليئة بالمعارك الخاسرة وإنني اعترف بأنني خسرت المعركة وتوصلت إلى استنتاج يقضي بأنني لا أناهض الحكومة طالما أنها لا تعارض كتاباتي علماً أن مؤلفاتي خضعت للرقابة من قبل الحكومة لمدة خمس سنوات.
-هل أن كوبا لا تزال أسطورة في نظركم؟
-ماركيز: كلا، لم تعد أسطورة فهي حقيقة واقعة.
-سبق أن كتبتم مرة: (إنني أتبع الثورة الكوبية، إلا أنني لا أذكرها في مؤلفاتي) لماذا؟
-ماركيز: إنني أتفق مع الثورة الكوبية وأحتفظ بعلاقات طيبة على المستويين الرسمي والشعبي وأن كل ما أقوله من ثناء لها نابع من حماس يتعدى حدود الحقيقة السياسية.
-ما هي الأهمية التي توليها للحب في حياتك؟
-ماركيز: الحب أيديولوجيتي الوحيدة وأن كل ما أقوم به وكل ما هو موجود لا يمكنني فهمه إلا عن طريق الحب، أكرر ثانية إنه أيديولوجيتي الوحيدة.
-أردت أن أقول الحب تجاه المرأة؟
-ماركيز: لا يمكن الفصل بينهما والحب بالنسبة لي شعور مقدس.
-والوفاء، هل يعد مهماً بالنسبة لكم؟
-ماركيز، حسناً يمكن أن نعده (بوليسياً للوفاء) وتساورني الشكوك الكثيرة حول الوفاء، وأعتقد أن ما نسميه تقليدياً بالوفاء أو الخيانة لهما أهمية قليلة لدي إلا أن المهم جداً بالنسبة لي هو الخلاص.
-لقد طرحت هذا السؤال عليكم لأنكم عالجتم في كتابكم (الحب في زمن الكوليرا) الموضوع نفسه وتحدثتم عن حب دام وقتاً طويلاً حتى الشيخوخة هل تخشون الشيخوخة؟
-ماركيز: إنني أخشى بالدرجة الأولى الظلام إلا أن الشيخوخة لا تخيفني ففي عائلتنا نحن نعيش طويلاً ونعمِّر، فقد توفي والدي عن عمر يناهز الرابعة والثمانين وتوفيت والدتي وهي في الثانية والثمانية من العمر، وقد احتفظا بقوتهما حتى النهاية وبعبارة أخرى لي من الحظ من الناحية الوراثية ما يمكنني أن أحتفظ بقواي إذا ما بلغت هذا العمر وأما الباقي فليس مهماً طالما أن الاحتفاظ بالقوة يخدم كثيراً.
-وهل يخيفكم الموت؟
ماركيز: كلا ، ولكن حقيقة الموت نعم وطالماً أنني كاتب فإن ما يشغلني بصورة خاصة هو أن كل ما هو موجود في حياتي له أهميته أما الموت فإنني لم أستطع أن أكتب عنه.