خطة كيري لتصفية قضية فلسطين
الدكتور غازي حسين

أهملت الدول العربية قضية فلسطين في ظل الأوضاع السائدة في المنطقة وبالأخص التدخل الخارجي في سورية وتحالف الرجعية العربية والإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية للقضاء على حركات المقاومة و إضعاف سورية وإيران لتصفية قضية فلسطين .
أكدت ليفني مسؤولة ملف المفاوضات الإسرائيلية مع الفلسطينيين في 29/9/2013 أن حل الدولتين لشعبين يصب في مصلحة إسرائيل ، وواشنطن تعي أنه إذا لم يتم حسم المفاوضات في عهد أوباما فلن تنجح هذه المحاولات . وتسعى ليفني إلى إبرام اتفاق الوضع النهائي الذي يقضي بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإحلال السلام الإسرائيلي .الأمريكي في المنطقة .
وأكد أيضاً الجنرال " يوفال ديسكن " رئيس الشاباك على حل الدولتين وأن عدم تبني هذا الحل سيفرض تهديداً وجودياً يتمثل في محو هوية إسرائيل .
فرضت إدارة أوباما على الطرفين العودة إلى المفاوضات لحل مشكلة إسرائيل ولتكريس وجودها كقوة إقليمية عظمى من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد وخدمة مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية والنفطية في المنطقة وإثارة النعرات الطائفية .
ويشير الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل وغطرسه وعنجهية وأطماع إسرائيل وضعف وهزالة وترويض وتبعية المفاوض الفلسطيني إلى أن المفاوضات الجارية حالياً ستنتهي بكارثة مرعبة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .
تنازل المفاوض الفلسطيني عن شروطه لاستئناف المفاوضات ، وهي وقف الاستيطان ودولة على حدود عام 1967 ومرجعيته للمفاوضات ، بينما تصر إسرائيل الدخيلة على المنطقة والغربية عنها والمغتصبة للأرض والمقدسات والحقوق والثروات على البتَّ في موضوع ما تسميه متطلباتها الأرضية أولاً.
ظهر في إسرائيل خلاف حول المفاوضات بين مسؤولة ملف المفاوضات الوزيرة ليفني وبين ممثل نتنياهو" إسحق مولخو" عضو الوفد الإسرائيلي للمفاوضات : لفني تريد التوصل إلى اتفاق سلام شامل ويجري التوقيع عليه نهاية الأشهر التسعة التي حددها كيري ، أما " مولخو " فهو لا يريد السير نحو تسوية دائمة بل التوصل إلى مبادئ في المسائل الجوهرية فقط .
واعتقد انطلاقاً من عادة اليهود في الخداع والتضليل أن اصطناع الخلاف بينهما عملية متعمدة لممارسة المزيد من الضغط والابتزاز على المفاوض الفلسطيني لحمله على تقديم المزيد من التنازلات.
ويسعى نتنياهو عن طريق " كيري " التوصل إلى اتفاق جديد على نمط اتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 أي اتفاق مرحلي جديد ، على نمط اتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 .
بينما يصر المفاوض الفلسطيني على التوصل إلى اتفاق دائم في هذه الظروف السيئة جداً فلسطينياً وعربياً ودولياً واختلال موازين القوى لصالح العدو الصهيوني .


موقف أوباما من الملفين الفلسطيني والإيراني

اتضحت في 12/12/ 2013 بعض ملامح موقف أوباما في منتدى حاييم سبان من الملفين الفلسطيني والإيراني وبعض ملامح طبيعة التسوية الأمريكية التي يجري التفاوض عليها ، حيث أكد أوباما أن هدف المفاوضات هو التوصل إلى اتفاق إطار يتم تنفيذه على مراحل ، وذلك خلافاً للتأكيدات الأمريكية والفلسطينية بأن المفاوضات تجري للتوصل إلى تسوية دائمة . وتناول : الملف النووي الإيراني في منتدى " حاييم سبان " وأعلن أمام المنتدى في واشنطن بتاريخ 7/12/2013 إطار ينفذ على مراحل وقال المخطط معلوم ، ويقصد رؤية الدولتين وانسحاباً إسرائيلياً إلى خطوط عام 1967 وتبادل أراض ، وإن إسرائيل تخشى على أمنها ونحن نتفهمها ، لذلك أعد الجنرال " جون ألين " )مع طاقم من 160 من الخبراء الأمريكيين ( سلسلة وسائل أمنية تقنية وغيرها تمكّن في رأي الإدارة الأمريكية من ضمن أمن إسرائيل من غير الضفة الغربية . وسيضطر أبو مازن إلى قبول مخطط يكون فيه الانسحاب الإسرائيلي من الغور ) حوالي 30% من مساحة الضفة ( وغيره تدريجياً يمتد زمناً طويلاً.ويعلل أوباما ذلك بالخشية من أن تنتقل الضفة كغزة إلى سيطرة جهات إرهابية . وأكد التزامه بأمن إسرائيل وقال أوباما في منتدى سبان عن الملف النووي الإيراني :
" إن هدفي النهائي بصفتي رئيساً للولايات المتحدة أن أمنع إيران من التوصل إلى سلاح نووي ، لكنني قلت أيضاً أن أفضل طريق لإحراز ذلك هو حل دبلوماسي موثوق به " .
حضر أوباما إلى منتدى حاييم سبان ليدافع عن الاتفاق النووي مع إيران الذي يقلق إسرائيل ، ويطرح وجهة نظّره حول المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية لأنه لا يريد حالياً أن يفتح جبهات قتال . ويرغب في إنجاح المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية وحل دبلوماسي مع إيران وسحب قواته من أفغانستان.. وقال أوباما عن العقوبات الظالمة والمخالفة لمبادئ القانون الدولي على إيران مايلي :
" أنشأنا نظام عقوبات لم يسبق له مثيل جعل الاقتصاد الإيراني في شلل"
وأكد أوباما أنه على اتصال دائم مع نتنياهو بالنسبة لإيران ، وأن التعاون العسكري بين البلدين لم يكن جيداُ قبل اليوم ".
ويعمل يهود الولايات المتحدة على تشديد العقوبات على إيران ، وفي الوقت نفسه يطالبون بتعويض إسرائيل عن الاتفاق بتبني كامل مخططاتها للتسوية .
وتحدث أوباما عن تفاؤل كيري وعن إطار يملأه الطرفان بكل ما يتفقان عليه دون انتظار الاتفاق على جميع التفاصيل الأخرى ، ويعرض جزء فقط في نهاية التسعة أشهر ، أي يتم التوصل إلى شيء يتفق عليه المفاوض الفلسطيني والإسرائيلي .وهذا الاتفاق لا يعتبره أوباما اتفاق إطار ولا اتفاقاً مرحلياً أو دائماً . وأعلن في المنتدى قائلاً : إنني اعتقد أنه بالوسع في الشهور المقبلة التوصل إلى اتفاق إطار لا يصوغ كل التفاصيل ولكن الجميع يعترف به . وأضاف : حل الدولتين ممكن ، وقد كرسنا الكثير من الوقف للعمل مع نتنياهو وطاقمه لفهم ما يلزم أمن إسرائيل من وجهة نظر إسرائيل ، ولكن ليس بوسعنا أن نملي عليها ضرورات أمنها . " وشدد على أن أمريكا تقّف إلى جانب إسرائيل . وأشار أوباما بأن التسوية ستكون تدريجية ، فالإسرائيليون لن يقبلوا بنسخ ما جرى في الضفة الغربية ) الاستيطان ( .وشدد على أن أمريكا تعرف صيغة الاتفاق الممكن ، متسائلاً هل أن الطرفين على استعداد لاتخاذ القرارات الصعبة ؟


خطة كيري
تقوم دبلوماسية كيري وخطته واقتراحاته ورعايته للمفاوضات على استرضاء إسرائيل والوقوف إلى جانبها وخدمة مصالحها والقبول بمخططاتها وتسويقها لرئيس السلطة الفلسطينية .
وينطلق مفهوم الأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط من دعم وحماية إسرائيل والمشاركة في حروبها العدوانية والدفاع عن نتائج هذه الحروب داخل مجلس الأمن وخارجه وإضعاف سورية وإيران ومحاربة حركات المقاومة في فلسطين ولبنان لتصفية قضية فلسطين وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد ......
وينطلق الكيان الصهيوني أيضاً من إستراتيجيته الدائمة بتفتيت البلدان العربية والإسلامية وإضعافها وإشعال الفتن الطائفية والفوضى وإعادة تركيبها بخدمة مصالحها ومصالح الولايات المتحدة .
طرحت الولايات المتحدة مجموعة مبادرات لتخليد وجود إسرائيل في المنطقة منها: مبادرة " جون فوستر دالاس ، ووليام روجرز ، ودين رسك ، ووليام سكرانتون ، وهنري كيسنجر ، وهارولد ساوندرز ، ورؤية الدولتين للرئيس بوش ) أخذها من مشروع شارون للتسوية ( وأخيراً مبادرة كيري
شدد كيري في جولاته بالمنطقة وبشكل خاص جولاته في شهر كانون أول2013 وشهر كانون ثاني 2014 على عزم إسرائيل والسلطة الفلسطينية التوصل إلى اتفاق حول الوضع النهائي يتناول القضايا الرئيسية : " الأمن ، مصير اللاجئين ، ومستقبل القدس "
وتضمن اقتراح كيري للترتيبات الأمنية مسودة الخطة التي وضعها الجنرال الأمريكي جون آلن وتلبي المطالب الأمنية الإسرائيلية وبحيث تبقى منطقة الغور تحت الاحتلال الإسرائيلي . وتضمن اقتراح كيري بالإضافة إلى مطالب إسرائيل الأمنية إجبار محمود عباس على الاعتراف بيهودية الدولة وشرعنة المستعمرات اليهودية وضم 85% منها إلى إسرائيل بحجة تبادل الأراضي الذي وافق عليه عباس وأقرته جامعة الدول العربية بناء على طلب من إدارة أوباما ، وإقامة دويلة فلسطينية كمصلحة إسرائيلية مجردة من السلاح وبسلطات حكم ذاتي محدود ومنقوصة السيادة والأرض والسكان والمعابر والأجواء والمياه والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ، وإطلاق " القدس " على قرية أبو ديس واعتبارها عاصمة الدولة المسخ.
وظهر بجلاء التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل وليس لإيجاد حل لقضية فلسطين ، حيث أكد أوباما أن أمن إسرائيل مقدس ، كما أعلن كيري أن أمن إسرائيل يشكل أولوية قصوى للولايات المتحدة . وبينت تصريحات أوباما وكيري في منتدى حاييم سبان أن هدف الولايات المتحدة من أي اتفاقات أو تسوية هو التطابق مع المتطلبات الأمنية الإسرائيلية والاعتراف بيهودية الدولة .
تحتوي خطة كيري أيضاً على مسارين : ثنائي ومتعدد ، الثنائي فلسطيني إسرائيلي برعاية اليهودي الأمريكي المتعصب " مارتن أنديك " ، ومتعدد من عدة دول عربية منها الأردن والسعودية وقطر وجامعة الدول العربية لدعم وتغطية ما يوقع عليه عباس من تنازلات ولتحقيق التطبيع الجماعي العربي مع إسرائيل وإنهاء الصراع العربي – الصهيوني وإقامة من أسمتهم رايس بمحور المعتدلين العرب ، أي محور الإمبريالية – والصهيونية والرجعية العربية بزعامة آل سعود وتوجيهه ضد محور المقاومة والممانعة : ضد حركات المقاومة وعلى رأسها حزب الله وضد سورية وإيران .
ومن المؤلم حقاً أن يقول بعض الفلسطينيين من رموز السلطة أن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا ، وأنه ليس أمامنا غير التسليم بذلك والموافقة عليه ، والتصرف وفقاً لمقتضياته .
وزعم مصدر فلسطيني أن الأفكار الأمنية تتضمن بقاء الاحتلال الإسرائيلي في منطقة الغور لعدة سنوات بعد قيامة الدولة واشتراك إسرائيل معها في إدارة المعابر على طول نهر الأردن وتضّمن رفض أيضاً الاعتراف بيهودية الدولة ، ورفض وجود الجيش الإسرائيلي على الحدود الشرقية مع الأردن وتمسك بوجود طرف ثالث أي الولايات المتحدة بدلاً من إسرائيل .وكان المبعوث الأمريكي الجنرال " جيمس جونز " قد وضع خطة تتضمن وجود طرف ثالث أي الولايات المتحدة الأمريكية .
تحمل خطة كيري مخاطر كبيرة منها منح الشرعية للكتل الاستيطانية الكبرى الثلاث في الضفة الغربية واستثنائها من عملية تجميد الاستيطان والتي ستضم لإسرائيل بذريعة تبادل الأراضي وموافقة عباس عليها ودعم جامعة الدول العربية لتنازلاته الخطيرة .
إن خطة كيري تعتمد الحل الذي يرغب فيه الإسرائيليون . وتتضمن خطته تهديداً للفلسطينيين عندما أعلن أن هذا الاقتراح هو الفرصة الأخيرة لإعادة إحياء العملية السلمية وأن أحداً لن يتدخل بعد ذلك ، وإن المطلوب من الطرفين تقديم تنازلات في هذا الشأن وإلاّ فإن الوضع سيكون مرشحاً للانفجار والتدهور .
وتتضمن خطة كيري في الشق الاقتصادي تنمية الاقتصاد الفلسطيني عبر مشاريع في المنطقة //ج// في الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي بالكامل ، وبذلك انطلاقاً من مشروع السلام الاقتصادي الذي طرحه نتنياهو وتبناه رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض السيئ الصيت .
وهكذا توضحت معالم خطة كيري وعملية صناعة التسوية الأمريكية والتي هي في الواقع مخططات إسرائيلية ألبسها جون كيري لباساً أمريكياً لحمل محمود عباس وجامعة الدول العربية الموافقة عليها .
وتنص الخطة على بناء جدار عازل على طول نهر الأردن يضاهي جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية ، بحيث يصبح الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية محاصراً بين جدارين ، إضافة إلى تحليق الطائرات الإسرائيلية بدون طيار بحرية كاملة لأجواء الضفة للمراقبة ، وتبادل الأراضي والاعتراف بيهودية الدولة ، وبالقدس بشطريها المحتلين عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ، وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم .
ويركز الخبراء والباحثون الإسرائيليون على التطبيع مع دول الخليخ وعلى رأسها السعودية فأكد الباحثان " ديكل وغوزنسكي " من مركز الأمن القومي الإسرائيلي في 12/12/2013 أن للطرفين السعودي والإسرائيلي مصالح حقيقية مشتركة في منع إيران من الحصول على قدرة نووية عسكرية ، وفي كبح محاولتها من أجل تحقيق الهيمنة الإقليمية . يضاف إلى ذلك الشعور بالقلق لدى الطرفين من السياسة الأمريكية التي تتجنب استخدام القوة ضد إيران وسورية .
جسّد الرئيس الإسرائيلي "شمعون بيرس " الموقف الحقيقي لإسرائيل من خطة كيري عندما قال كيري : " إذا نجحتم سيكون نجاحاً لنا ، وإذا فشلتم سيكون فشلاً لنا .سنكون إلى جانبكم . إن مهمتكم من أجل السلام تعنينا جميعاً " .
إن خطة كيري خطة إسرائيلية كارثية ومرعبة ولا يجوز لدي مواطن فلسطيني القبول بها والموافقة عليها وهي الأخطر في تاريخ المفاوضات في المنطقة وأوباما ونتنياهو مصممان على إنجاحها وصناعة التسوية الأمريكية وفرض الحل النهائي وتصفية قضية فلسطين وإنهاء والصراع العربي – الصهيوني ، وتخليد الكيان الصهيوني ككيان استعمار استيطاني عنصري وإرهابي وإقامة إسرائيل العظمة والاقتصادية ممن خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد. وذلك يجب منع تحقيقها حفاظاً على الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .