ميس جرجورة : ذكاء وذكاء
المصدر ميس جرجورة
12 / 05 / 2007
تعوَّدنا أن نصنف الناس حسب مستواهم العقلي والسلوكي إلى صنفين، إما أذكياء أو أغبياء، ومنذ الطفولة وفي المدرسة كنا نواجه نوعاً من هذا التصنيف، فأصحاب الدرجات المتفوِّقة "ناجحون"، وأصحاب الدرجات الضعيفة "فاشلون"... ولكن ما كان يثير استغرابي أن أولئك الطلاب الأشقياء ذوي العلامات الضعيفة – والمفروض أنهم أغبياء – كانوا يتلاعبون بزملائهم من ذوي الدرجات العالية، وكانوا يتفوَّقون عليهم في كل شيء ما عدا "العلامات"..



فسقطت لديَّ منذ الصغر الرغبة في تصنيف الناس حسب درجاتهم العلمية، وأدركت أن الذكاء له أنواع عديدة ولا يمكن حصره في نوع واحد، فهناك الذكاء العقلي الأكاديمي، والذي للأسف لا يزال هو المعيار في أغلب الأحيان في نظامنا التعليمي والوظيفي، التربوي والاجتماعي، حيث يكون المتفوِّق دراسياً هو فقط من ينال التميز، والدرجات العلمية.
وهناك نوع آخر من الذكاء، هو الذكاء الاجتماعي. الذي بدأ يأخذ حيزاً من التصنيف حديثاً، حيث يكون من لديه هذا النوع من الذكاء، قادراً على مجاراة جميع الأصناف من الناس، وتحقيق النجومية الاجتماعية، بما يتمتع به من ذكاء اجتماعي يمكنه من كسب ثقة الآخرين وتعاونهم، ومن فرض حضوره في أي مكان وجد فيه، والاعتراف بهذا النوع من الذكاء جاء بعد التغيير في بعض المفاهيم والتنبُّه إلى أهمية مواهب الإنسان الأخرى، التي يمكن ألا تكتسب أهميَّتها بالضرورة من التفوُّق الدراسي أو العبقرية العلمية..

الذكاء الاجتماعي هو أحد أنواع الذكاء العاطفي حسب الدكتور "روبرت ثورنديك" الذي كان أول من اخترع هذا المصطلح وأطلق على هذا النوع من الذكاء EI في مقابل الذكاء العلمي الذي يطلق عليه IQ، وهو قدرة الشخص وإتقانه الخروج من اليأس والإحباط، وقابليته الكبيرة على التحكم في انفعالاته، أي أن يكون قادراً على تأجيل ردَّات فعله أو كبتها لصالح إنجاح موقف ما، وقدرته على إدارة عواطفه بطريقة لا ترتدُّ عليه سلبا، إن كان في العائلة أو في العمل أو في الشارع، إلى جانب قدرته على معرفة عواطف الآخرين والتصرُّف معهم بما يناسبهم، ومن يحمل هذا النوع من الذكاء هو إنسان قادر على التأثير حتماً بمن حوله، وعادة هو واثق من نفسه لأنه يعرف ماذا يريد من الحياة وماذا سيعمل، فهو يستخدم عواطفه في ترشيد سلوكه لزيادة فرص نجاحه في كل مجالات حياته...

في اعتقادي الذكاء الاجتماعي لا يقلُّ أهمية عن الذكاء العلمي، بل إن مساحة الحاجة إلى الذكاء الاجتماعي شاسعة ودائمة في كل مكان، حيث يوجد إنسان، بما في ذلك دور العلم والبحث، شاملة بذلك الحياة الاجتماعية بمعناها العام والخاص، والسؤال هنا: أما آن الأوان أن يؤخذ هذا الذكي بعين الاعتبار وتوكل إليه المهام والمناصب التي تحتاج إلى هكذا نوع من الذكاء؟...

جريدة بلدنا