يا شامُ


--------------------------------------------------------------------------------






رَاقَ ابْنُ مَائِكِ بَينَ الخَلْقِ ثُـمَّ رَقَـى
وَسَاقَ مَا بِكِ عَذْبَ الشَّوقِ ثُـمَّ سَقَـى
وَعَانَقَتْـكِ رُؤَى الأَحْــلامِ وَالِـهَـةً
تَبُثُّ حُسْنَكِ فِي القَلْـبِ الـذِي خَفَقَـا
يَا شَامُ يَـا أَكْـرَمَ الأَوْطَـانِ مَنْزِلَـةً
يَا جَنَّةَ اللهِ فِـي الأَرْضِ التِـي خَلَقَـا
تَبَارَكَ اسْمُـكِ جَـلَّ اللهُ أَكْـرَمَ مَـنْ
فِيهَا أَقَامَ ، وَأَغْلَـى الأَرْضَ وَالأُفُقَـا
وَزَادَ قَدْرَكِ أَنَّ النَّصْـرَ فِيـكِ غَـدا
وَالحَشْرَ وَالنَّشْرَ وَالإِيمَـانَ وَالخُلُقَـا
وَخَصَّ دَارَكِ جُـلَّ الخَيـرِ مَكْرمَـةً
وَخَصَّ غَيرَكِ مِعْشَـارَ الـذِي رَزَقَـا
لأْلاءُ سِحْرِكِ فِـي الآفَـاقِ مُنْبَسِـطٌ
عَلَى جَنَـاحِ مَصَابِيـحِ الدُّنَـى أَلَقَـا
وَفَجْرُ مَجْـدِكِ فِـي الأَيَّـامِ مَطْلعُـهُ
عَلَى جَبِيـنِ تَوَارِيـخِ المَـدَى فَلَقَـا
أَنَا المُتَيَّـمُ يَـا شَـامَ العُـلا فَدَعِـي
مِنْ طِيبِ رُوحِكِ فِي رُوحِي الذِي عَلِقَا
أَتَيتُ أَحْمِلُ مَبْسُـوطَ اليَدَيـنِ غَـدِي
وَفِي الشِّغَافِ زَرَعْتُ الفُـلَّ وَالحَبَقَـا
نَادَيتُ رَوضَكِ لا أَنْهَـارُكِ اقْتَرَبَـتْ
مِنَ الصَّـدِيِّ وَلا زَهْـرُ اللِقَـا عَبِقَـا
هَاجَتْ شُؤُونِي تُنَاجِيكِ الهَـوَى أَمَـلا
وَتَذْبَـحُ الصَّبْـرَ قُرْبَانًـا لِيَـومٍ لِقَـا
وَحَامَ نُورُكِ فِي الإِحْسَـاسِ مُحْتَدِمًـا
فَهَامَ فِيـهِ فَـرَاشُ التَّـوْقِ وَاحْتَرَقَـا
مَا أَحْوَجَ النَّفْسَ فِـي تَأْنِيـسِ خَافِقَـةٍ
فَرَّتْ إِلَيكِ لِعَطْـفٍ مِنـكِ قَـدْ رَفَقَـا
يَا شَامُ فِيكِ صَبَابَاتِـي فَـلا اخْتَلَفَـتْ
وَفِيـكِ بَـابُ مَسَرَّاتِـي فَـلا انْغَلَقَـا
مَتَى ذَكَرْتُكِ فِي نَفْسِي جَلَوتُ جَـوَى
وَإِنْ ذَكَرْتُكِ فِي قَـوْمٍ تَلَـوتُ رُقَـى
لِي مِنْكِ صَمْتُ حَدِيثٍ كُلَّمَا اقْتَرَبَـتْ
مِنِّي الدِّيَارُ وَإِنْ ذُقْتُ النَّـوَى انْدَفَقَـا
أَلَيسَ أَصْدَقُ أَهْـلِ العِشْـقِ أَخْفَرَهُـمْ
عِنْـدَ اللِقَـاءِ وَأَضْنَاهُـمْ إِذَا افْتَرَقَـا
فَيَا دِمَشْـقُ سَقَـاكِ اللهُ كَـأْسَ هَنَـا
وَلا أَمَضَّكِ فِـي يَـوْمٍ بِكَـأْسِ شَقَـا
كُلُّ العَوَاصِـمِ أَحْنَـتْ رَأْسَهَـا أَدَبَـاً
أَمَـامَ قَـدْرِكِ فِـي الأَيَّـامِ أَنْ بَسَقَـا
إِلامَ لَهْـفَـةُ أَشْـوَاقِـي تُنَازِعُـنِـي
إِلَى ثُـرَاكِ تَبَارِيـحَ الضَّنَـى طُرُقَـا
وَهَلْ سَتَرْسُمُ فِي الأَحْدَاقِ يَـا بَـرَدَى
مَتَى التَّقَينَـا مَسَـارَاتٍ لِمَـنْ عَشِقَـا
وَغُوطَةً هَفْهَفَ الحُسْـنُ البَدِيـعُ بِهَـا
وَزَادَهَا النَشْرُ مِنْ رِيحِ الصّبَـا أَنَقَـا
الطَّيرُ تَصْـدحُ فِـي الأَفْنَـانِ هَانِئَـةً
وَالزَّهْرُ يَنْضَحُ فِـي أَجْوَائِهَـا العَبَقَـا
وَاللَيلُ يَسْبَحُ فِـي الشُّطْـآنِ مُنْتَشِيًـا
وَالسَّيلُ يَمْرَحُ فِـي الودْيَـانِ مُنْطَلِقَـا
وَسَاحِلٌ لَوْ رَأَتْهُ العَيْـنُ فِـي شَفَـقٍ
فِي اللاذِقِيَّـةِ لامْتَاحَـتْ لَـهُ الغَسَقَـا
وَمِنْ حَمَاة إِلَى حِمْـصٍ إِلَـى حَلَـبٍ
رَأَيتُ دَارِي وَفِي حورَان أَهْـلَ نَقَـا
وَلَسْتُ أَنْسَى عَلَى الجُوَلان نَـزْفَ دَمٍ
فَلَيـتَ حُـرَّ لِـوَاءٍ فَوْقَهَـا خَفَـقَـا
صُونِي كَرَامَةَ مَنْ أَقْرَاكِ مِـنْ دَمِـهِ
وَمَـنْ إِبَـاءَكِ يَـا سُورِيَّـة اعْتَنَقَـا
فَأَنْـتِ دَارُ أُبَـاةِ النَّفْـسِ دَارُ هُـدَى
لِمَنْ تَقَـدَّمَ فِـي دَهْـرٍ وَمَـنْ لَحِقَـا
وَفِيكِ شَعْـبٌ عَظِيـمٌ لَـو بِعَزْمَتِـهِ
يُسَابِقُ الكَونَ فِي دَرْبِ العُـلا سَبَقَـا
مَا زَالَ يَشْحَذُ مِـنْ أَسْيَـافِ عِزَّتِـهِ
مَا سَوفَ يَحْشدُ فِـي أَعْدَائِـهِ الفَرَقَـا
هُمْ نَسْلُ خَيرٍ لِمَنْ فَاقَ الوَرَى سُبُـلا
فِي المَشْرِقَينِ وَحَازَ المَجْـدَ وَاغْتَبَقَـا
تَرَى السَّوَابِحَ فِـي أَشْـدَاقِ نَفْرَتِهَـا
تُجَانِبُ الأَرْضَ لا تلْوِي لَهَـا العُنُقَـا
حَتَّى أَدَانَ لَهَا الآفَـاقَ شَـرْعُ هُـدَى
كَأَنَّهُ المِسْكُ فِـي البُلْـدَانِ قَـدْ فُتِقَـا
بَنُـو أُمَيَّـةَ لَـمْ تَفْتَـأْ حَضَارَتُـهُـمْ
تَزِيـدُ تَدْمُـرَ مَجْـدًا فَـاقَ وانْعتَقَـا
فِي عَهْدِهِمْ نَطَقَـتْ بِالفَخْـرِ شَاهِـدَةً
يَدُ الفُتُوحَاتِ أَنَّ الوَعْـدَ قَـدْ صَدَقَـا
وَقِفْ عَلَى حَلَبِ الشَّهْبَـاءَ إِذْ رَفَعَـتْ
بِالعِزِّ بَيرَقَ مَنْ لِلسَّيـفِ قَـدْ مَشَقَـا
فِيهَا فَوَارِسُ سَيفِ الدَّولَـةِ ابْتَـدَرَتْ
مَعَاقِلَ الرُّومِ لَمْ تَتْـرُكْ لَهُـمْ رَمَقَـا
وَمَا الفِرِنْجَةُ إِلا بَعْض مَـنْ رَشَقُـوا
فَصَابَهَا الخِزْيُ بِالسَّهْمِ الـذِي رُشِقَـا
لا مَيْسلُونَ عَلَى مَا كَـانَ مِـنْ تَـرَحٍ
أَبْقَتْ عَلَيهِـمْ وَلا مَجْـدًا لَنَـا سُرِقَـا
مَـا المَجْـدُ إِلا دَمُ الأَحْـرَارِ تَبْذُلُـهُ
بِتَضْحِيَـاتٍ وَلَيـسَ الفَخْـرَ وَالأَنَقَـا
وَلَو غَدَا مَجْدُنَـا حِبْـرًا عَلَـى وَرَقٍ
وَلَيسَ إِلا حَرَقْـتُ الحِبْـرَ وَالوَرَقَـا
يَا شَامُ يَا مَعْقِلَ الأَبْـرَارِ مَـا فَتِئَـتْ
دَارَ الصُّمُودِ التِي لا تَعْـرِفُ الفَرَقَـا
يَا دُرَّةً فِي جَبِيـنِ الشَّـرْقِ رَصَّعَهَـا
مِنَ الحَضَارَةِ شَعْبٌ يَهْـرقُ العَرَقَـا
بِالأَمْـسَ كَانَـتْ حِكَايَاتِـي مُبَعْثَـرَةً
وَاليَوْمَ قَدْ أَصْبَحَتْ فِي سِلْكِهَـا نَسَقَـا
وَقَـدْ تَفَرَّقَـتِ الآمَـالُ فِـي حَـزَنٍ
فَهْلْ سَيَجْمَعُ فِيكِ الدَّهْـرُ مَـا افْتَرَقَـا
وَهَلْ سَأَلْمَحُ فِي عَيْنَيـكِ مَجْـدَ أَبِـي
إِنْ كُنْتُ أُنْفِقُ عُمْـرِي كَيفَمَـا اتَّفَقَـا
هَا قَدْ سَكَبْتُ شُعُورِي فِيكِ حَرْفَ رِضَا
مَا دَانَ مِنْـهُ لأَشْعَـارِي وَمَـا أَبِقَـا
خُذِي كَمَا شِئْتِ لا تُبْقِي عَلَـى شَفَتِـي
غَيرَ الحَنِينِ الذِي فِي صَمْتِهَـا نَطَقَـا
أَبُو فِرَاس سَقَاكِ الشِّعْرَ كَـأْسَ عُـلا
وَالبُحْتُـرِيُّ تَغَنَـى فِيـكِ وَانْطَلَـقَـا
وَكَـمْ أَجَـازَ أَبُـو تَـمَّـام قَافِـيَـةً
وَأَبْـدَعَ المُتَنَبِّـي فِـيـكِ وَاسْتَبَـقَـا
وَمَا قَصِيدِي وَقَدْ قَالُـوا سِـوَى أَثَـرٍ
كَالشَّمْسِ غَابَتْ وَأَبْقَتْ بَعْدَهَـا الشَّفَقَـا
هُوَ ابْتِهَـالُ فُـؤَادٍ فِيـكِ ذَابَ هَـوَى
وَبَابَ فَجْرِكِ يَـا لَيـلاهُ قَـدْ طَرَقَـا
فَسَابِقِي الدَّهْـرَ لِلعَلْيَـاءِ فِـي شَمَـمٍ
وَعَانِقِي النَّصْرَ فِي عِزٍّ وَطُـولِ بَقَـا


د.سمير العمري