الورد لا يبتسم لموته
إسقاطات واقع المقاومة.. والتمسك بالالتزام الأخلاقي

اتسمت المجموعة القصصية الجديدة للكاتب (نادر الفاعوري) بالصدق والشفافية والواقعية، وقد تجلى ذلك بالسرد الحكائي الإبداعي، وقدرة الكاتب على اختزال الواقع السياسي،حيث استمد واقع أبطاله وشخوصه من أفراد المقاومة الذين يضحون بأنفسهم في سبيل قضيتهم... وأوضح الكاتب عبر السرد قدرتهم على التحدي، فتميّزوا بالحيوية والنشاط والعمل على اتخاذ القرار الحاسم، والتنقُل من حدث إلى آخر.... وقد شكلت القصة الفلسطينية والجولانية والعراقية -إن صح التعبير- جلّ قصص المجموعة التي ضمتها، متوغلاً بعمق الحالة النفسية للأبطال، فجاءت إسقاطات الواقع السياسي المحور الأساسي فيها، عارضاً كل أساليب الاستعمار الهمجية والقتل والسطو.. تاركاً وميض الإحساس بالظلم وآلام الفقد.. وليس هذا المحور الوحيد، بل تطرق إلى صور واقعية اجتماعية حية اقتبسها من دائرة الحياة الصاخبة، عالجها الكاتب عبر محاور الالتزام بالمبادىء الأخلاقية والدفاع عنها والتمسك بالحق وحب العطاء. وقد تباينت البيئات المكانية والزمانية في القصص التي دارت أحداثها في قرى الجولان، وحول بحيرة طبريا، وسجون العراق وبلاد الاغتراب عبر عشر قصص، منها ( أم عزت - العيد والمدينة - الهزاز- الورد لايبتسم لموته- جفت محسن..)
في حين اتخذت القصص الاجتماعية دائرة الحياة العامة مثل المنزل - المدرسة - الشارع - المخفر.. حيث اعتمد الكاتب على لغة السرد التقليدي في عرض الأحداث ، وتمازج العرض مع حوار بين الشخصيات الرئيسية في بعض القصص، واستخدم اللغة الواقعية والجنوح عن الخيالات والاستطرادات.. والتداعيات، فكانت لغتها قويةً وتميزت بجمالية المفردة الشعرية، والأسلوب القوي في عرض التراكيب المتينة والعبارات المتسلسلة والألفاظ المناسبة للحدث، فأخذت طابع الجزالة الممهور بأسلوب البلاغة في السرد الطاغي، واستخدام الاستعارات النثرية وأسلوب التورية في أكثر من قصة لبيان الصورة الخفية للاستعمار، لا سيما في ( الورد لا يبتسم لموته- بيدر بلا عصافير - الهزاز) فكانت اللغة التعبيرية الرمزية باديةً تماماً على أسطر المجموعة... مما أضفى عليها سمة الصعوبة وضرورة القراءة بتمعن وتيقظ، دارت الأحداث بصورة واضحة بين الشخصيات الرئيسية بمساندة الثانوية والهامشية لإظهار المغامرة الحدثية، وكان الرجل صاحب حضور فعّال في أغلب القصص والبطل الحقيقي اتسم بالإيجابية، القوة، المقاومة، التضحية، وكذلك المرأة التي ساندت الرجل، ووقفت إلى جابنه وكانت لها بطولات فردية مثل ( أم عزت - وقفة مستحيل - العمشة) باستثناء قصة مهماز العزائم، إذ بدت سلبيةً معاكسة لتيار الرجل الإيجابي.. تناوبت الحبكة بين مفككة قائمة، على أكثر من مسار، وأكثر من حدث ومحكمة مضت في مسار واحد وحدث واحد، إذ بدأ عرضه السردي الحكائي بالتمهيد... ثم تتابع الأحداث وصولاً إلى ذروة العقدة، ثم تلاشيها وصولاً إلى النهاية التي تركها الكاتب في بعض القصص مفتوحةً، ليترك العنان لخيال القارئ في استنباطها من خفايا السطور مثل (بيدر بلا عصافير).. وتدور أحداثها حول امرأة تعيش في قصر كبير مع زوجها، ولا يوجد لديها أولاد، فتراقب أطفال المدرسة من نافذتها، فيستحوذ على تفكيرها طفل صغير يلعب بالحصى، تهرع إليه، تدخله إلى القصر الذي انبهر بما في داخله من لعب دون أطفاله، تقدم له الطعام وتعطيه كيساً لإخوته.. تمر السنوات يعود ذاك الطفل إلى المكان ليزورها بعد سنوات، فيجد أن القصر قد تغيّرت ملامحه ، ولا يلمح الورود ، يطرق الباب... فإذا برجل عنيف يفتح له، يسأله عن المرأة وزوجها،"فيخبره أنهما مضيا وابتلعهما الليل "حفرا نفقاً ، ابتلعهما الليل ومحتهما السنون.." ص101... ربما أراد الكاتب أن يصوّر صور المستوطنات التي تكثر وتأخذ مكان أصحابها الحقيقيين..
وفي قصص أخرى كانت النهاية تأتي مغايرة لمسار الحدث كما في قصة ( عرس في المجدل) وهي من أجمل قصص المجموعة، تمضي أحداثها في قرن الجولان المحتل، عندما يأتي شاب يدرس في الجامعة لزيارة الأقارب في دمشق وليُطمئِن عمه بأن الجولان صامد والمقاومة مستمرة، وفي الوقت نفسه يطلب ابنته، كي تُزف عروساً إلى المجدل، وهذا يعني مفارقة أهلها وصديقاتها وذهابها إلى الجولان المحتل، في البداية تعترض، لكن حب الوطن الذي يعيش في عروقها يجعلها سعيدةً لأنها عائدة إليه، فيمضي موكب العروس، لكن الوجوه حزينة مكفهرة، وهنا تقع ذروة الحدث، والنهاية غير المتوقعة، إذ استشهد العريس، وسبقها إلى عالم الحرية.. " هايل تحدى السجان، بصق في وجهه، دقوا المسامير في يديه..مرروا الكهرباء على جسده..حشروه في زنازين مظلمة.. وعندما أرادوا انتزاع اعترافاته بالقوة، قبل أن يستشهد كتب بدمه على جدار زنزانته (عشب الحرية لا يرويه إلا الدم) ص 94
وهذه النهايات أضفت عنصر التشويق والإثارة، كما نجد ذلك في القصة (العراقية نخلة بحد السيف) التي تروي حكاية فتاة عراقية، تعيش مع أمها .. وجدها المسن المريض، حيثيتعرضون لاقتحام العدو بذريعة البحث عن الأب الذي يشترك مع أفراد المقاومة، يأمر الضابط باقتحام غرفة المسن، فتمنعه نخلة، فيأخذونها إلى السيارة، رغم توسلات الأم التي تعاني هناك من تجربة الاعتقال، وتتعرض للاغتصاب فتدافع عن نفسها بشدة، فيأمر الضابط بالتعذيب للجميع وتعرية النساء والرجال، وهنا يتفجر الحدث وتصل الحبكة إلى ذروتها عندما يقع انفجار يهز الجدران ويحطم كل شيء، وتخرج نخلة منتصرة.. " تغرس أصابعها سيفاً في عنقه، يستغيث .. وغد مثلك لا يغاث، تنطلق الزغاريد أيتها السجينات أعراضنا حرام عليكم ، كرامتنا لن تهدر نموت وشرفنا أبيض.. بغضب يقول: التعذيب بشد القيود ونهش الكلاب لم يعد له وجود... عرّوا الرجال والنساء.. جنود صرعى والنخلة خارج المكان.." ص 75-76
وفي منحى آخر اتخذ الكاتب منهجاً جديداً في عرضه القصصي إذ وضعنا أمام الحدث مباشرة دون تمهيد مثل ( العيد والمدينة - مهماز العزائم - العمشة..) ثم تتوالى الأحداث التفسيرية، وتبدأ خيوط الحبكة.. أما قصصه الاجتماعية الثلاث ( وقفة مستحيل - مهماز العزائم - العمشة) فتمحورت حول الالتزام والتمسك بالمبادئ... بقصة وقفة مستحيل، عندما يرفض الأستاذ في بلاد الغربة تغيير علامة أحد الطلاب الذي لا يستحق النجاح رغم تدخلات المدير خوفاً من والده، لكن المفاجأة غير المتوقعة تحدث حين يأتي المدير مع والد التلميذ إلى منزله، ليشجعه المسؤول على التزامه بالعمل، وحرصه على المصلحة العامة " أعتذر بالنيابة عن ابني، وأعدك أن يكون في العام القادم من المتفوقين سعادتي بك كبيرة، كم نحن بحاجة إلى أمثالك.. وتطغى ضجة العجلات على آخر كلمات الوداع.." ص85.
أما قصته مهماز العزائم، فتظهر إيجابية الرجل الشريف وسلبية المرأة التي تدعوه إلى الانحراف والاختلاس، فيهرع إلى القراءة التي يجد لديها الأمان والحماية ، وفي «العمشة» تكريم للمرأة المحسنة التي ولّدت نساء القرية، ومبادلتها حباً بحب لقاء عطائها الكبير..
نقرأ بين سطورها أيضاً إضافة إلى التحدي والإصرار والمقاومة والمغامرة والالتزام الحضارة والعودة إلى التراث والأصالة والثقافة.. جاءت المجموعة في (108) صفحات من القطع المتوسط، وصدرت عن دار حوران 2007 قدّم لها الدكتور خليل موسى:
" تهيمن القصة الجولانية على صفحات المجموعة بقوة / فنادر / الفاعوري ابن الجولان، ولذلك كان الجولان حاضراً بقوة.. حاضراً بالمكان والتضاريس والقرى والنكبة..." الغلاف..
وعلى الرغم من اهتمام الكاتب باللغة .. إلا أن هناك بعض الهنات مثل
هل ظلمت أحد والصواب أحداً ص 83
إذن لا نصيب لنا والصواب إذاً ص83
كما تكونوا يولّى عليكم والصواب يولَّ عليكم ص60


مِلده شويكاني