مخاطر المفاوضات على قضية فلسطين
دراسات
السبت 11-1-2014
الدكتور غازي حسين
رأت إدارة أوباما والصهيونية العالمية وأوساط إسرائيلية أن المرحلة السيئة التي تمر بها الحكومات العربية وجامعة الدول العربية، وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ووصول المفاوض الفلسطيني و«إسرائيل» إلى الطريق المسدود، أن مصلحة «إسرائيل»
والولايات المتحدة تتطلب تحقيق صناعة التسوية الأميركية في أقل من عام لإنقاذ «إسرائيل» من نفسها وتوقيع نتنياهو وعباس على اتفاق الحل النهائي لحل مشكلات «إسرائيل» وليس لحل قضية فلسطين أعدل قضية في تاريح البشرية حلاً عادلاً، وإنهاء الصراع العربي- الصهيوني.‏
ويسرع جون كيري الذي فشل في انتخابات الرئاسة الأميركية إلى تحقيق إنجاز له وللرئيس أوباما في ولايته الثانية.‏
ولخص الرئيس الأميركي الأسبق «جيمي كارتر» رأيه في المفاوضات الجارية:‏
«إن نتنياهو على وشك أن يدخل التاريخ باعتباره البطل التاريخي الذي جاء بالسلام الكامل والنهائي» وقال كارتر: إن «خطة كيري» تستحق الإعجاب للأسباب التالية:‏
1- إصرار عنيد للتمسك بها.‏
2- فرض كيري مبدأ السرية المطلقة على المفاوضات وعدم إدلاء المفاوضين بتصريحات إلا بموافقة الأطراف الثلاثة.‏
3- تسخير الجامعة العربية لشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتبادل الأراضي والتغطية والدعم لعباس والتطبيع الجماعي العربي مع «إسرائيل».‏
4- مناشدة كيري للجاليات اليهودية في أميركا في دعم المساعي الأميركية لخدمة مصالح «إسرائيل» و(الأمن القومي الأميركي).‏
وعاد عباس إلى المفاوضات تلبية للضغوط الأميركية وفي ظل:‏
1- الأوضاع السيئة السائدة بين فتح وحماس وفشل تحقيق الوحدة الفلسطينية والمصالحة والتخلي عن المقاومة المسلحة.‏
2- الأوضاع السيئة السائدة في البلدان العربية والمنطقة وتداعيات ما سمي «بالربيع العربي» وتدخل آل سعود وثاني ونهيان والدول العربية في الحرب الكونية ضد سورية لإضعافها وإضعاف إيران وحزب الله وتمرير تصفية قضية فلسطين، حيث رفع الليكوديون اليهود في الولايات عام 2003 مقولة: «اضعفوا سورية وإيران فيركع الفلسطينيون».‏
3- وقوف «إسرائيل» والدول الغربية وراء تأجيج الفتن والطائفية والمذهبية والعرقية في البلدان العربية والإسلامية وهرولة آل سعود لإشعالها واستبدال العدو الصهيوني بعدو مزعوم وهو إيران الشقيقة والصديقة والتي تدعم حركات المقاومة لتحرير القدس (أوصى مؤتمر هرتسليا في بيانه الختامي في أواخر آذار 2013 «إسرائيل» بالعمل على تأجيج نيران الطائفية بين السنة والشيعة).‏
وتعمل «إسرائيل» على اقتناص هذه الفرصة الذهبية لتحقيق تسوية بصناعة أميركية تسعى إليها منذ حرب حزيران التي أشعلتها عام (1967) وستتوصل عن طريق الراعي الأميركي إلى إقرار إطار يصعب بعده لأي مفروضات مقبلة التراجع عنه في ظل وجود محمود عباس الذي جلبه إلى هذا المنصب بوش وشارون وفرضاه فرضاً على ياسر عرفات، لأنه مشبوه ومروضَّ. وأكدت الصحافية الإسرائيلية أن إيهود أولمرت رئيس وزراء العدو السابق نجح بإجراء عملية غسيل دماغ لعباس. ويؤمن عباس بخيار المفاوضات فقط، وأن البديل عن فشل المفاوضات هو العودة إلى المفاوضات، والتخلي عن المقاومة المسلحة ونعت عملياتها البطولية بالقذرة.‏
استؤنفت المفاوضات في 30/7/2013 والوضع الفلسطيني في أسوأ أحواله، حيث تعاني الحالة الفلسطينية من الضعف والانقسام السياسي والجغرافي وتحجُّر معظم قيادات منظمة التحرير وبعض فصائل المقاومة وفشلها وإهتراء سفارات ومؤسسات المنظمة والاتحادات المهنية والمنظمات الشعبية، وضعف الحالة الوطنية في الضفة الغربية بسبب اتفاق الإذعان في أوسلو وأجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية وأموال الدول المانحة ومنها دول الاتحاد الأوروبي والمخابرات المركزية.‏
عاد محمود عباس وانخرط في المفاوضات الكارثية بشكل غير مسؤول وغير شرعي وفي ظل فقدانه للشرعية الدستورية والنضالية وخاوي اليدين، بالاعتماد على الراعي الأميركي الحليف الاستراتيجي والمنحاز كلياً للعدو الصهيوني.‏
تنازل في عودته إلى المفاوضات عن موقف الإجماع الوطني وعن قرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والمجلس المركزي، حيث وضعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والتي يرأسها محمود عباس ثلاثة شروط لاستئناف المفاوضات.‏
أولاً: الوقف الكامل للاستيطان بما يشمل القدس المحتلة.‏
ثانياً: تقام الدولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967.‏
ثالثاً: إطلاق سراح جميع الأسرى ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993.‏
استجاب عباس للضغوط الأميركية بالموافقة على استئناف المفاوضات منتهكاً الأسس التي حددتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والفصائل التي تسمي نفسها بفصائل منظمة التحرير.‏
وجرى استئناف المفاوضات في ظل تصعيد بناء الأحياء والمستعمرات اليهودية وتهويد القدس ومحيط المسجد الأقصى المبارك والتمدد الاستيطاني في قلب الضفة الغربية وحتى منطقة الغور المحاذية لنهر الأردن.‏
وتجمع الأوساط الفلسطينية على عدم وجود أي تقدم وصلت إليه المفاوضات مع «إسرائيل» برعاية أميركا خلال أكثر من /20/ عاماً وانقمست المواقف الفلسطينية المؤيدة لخيار المفاوضات إلى قسمين:‏
الأول: يؤيد استمرار المفاوضات حتى نهاية التسعة أشهر المحددة لها.‏
والثاني: يؤيد ضرورة وقفها وعلى الفور لأن استمرارها يشكل غطاء للاحتلال لممارسة انتهاكاته وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني، وبالتالي لا تخدم المصلحة الفلسطينية، فالاحتلال يوغل في قتل أبناء شعبنا الفلسطيني ونهب أراضيهم وتهويد مقدساتهم وتغيير الوجه الحضاري العربي الإسلامي للقدس وفلسطين.‏
ويؤمن الشعب الفلسطيني أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن العدو الصهيوني لايفهم إلا لغة القوة وأن العودة إلى المقاومة المسلحة وتحديثها هو الطريق الوحيد الذي يحرر القدس أولى القبلتين من براثن أسوأ استعمار استيطاني عرفته البشرية والمخالف لمبادئ القانون الدولي الملزمة ولقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.‏
وكان رئيس السلطة الفلسطينية قد تعهد لأوباما في لقائهما بتاريخ 24/9/2013 عزم الفلسطينيين على خوض المفاوضات حتى نهايتها، وأن الجانب الفلسطيني سيمتنع عن الانسحاب منها بسبب أي استفزازات «إسرائيلية».‏
تمت العودة إلى المفاوضات لأنها خيار عباس الوحيد ونتيجة للجهود والضغوط المستمرة التي بذلها أوباما وكيري والضغوط التي مارستها السعودية وقطر على لجنة الجامعة العربية التي أقرت تبادل الأراضي والدور المشبوه الذي يقوم به الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ولجنة المتابعة العربية التي يرأسها أمير قطر.‏
وأثار استئناف المفاوضات غضب وإدانة شعبية فلسطينية واسعة، وحتى من بعض فصائل منظمة التحرير التي اعتبرتها انتهاكاً للإجماع الوطني.‏
إن استمرار المفاوضات واستمرار العقوبات الجماعية والاستيطان يجعل من عملية المفاوضات عملية كارثية وقاتلة ومدمرة لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية وعلى رأسها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم الذي يمثل جوهر قضية فلسطين وعروبة القدس عاصمة الفلسطينيين والعرب والمسلمين.‏
فرض كيري خطته على المفاوض الفلسطيني بالضغط والتهديد والابتزاز بقطع دولارات الدول المانحة وأجبر عباس على العودة إلى المفاوضات منتهكاً الأسس والمعايير التي وضعتها لجنته التنفيذية وهي وقف الاستيطان وتحديد مرجعية للمفاوضات.‏
وفي الوقت نفسه صعدت دولة الاحتلال من تسريع المشاريع الاستيطانية في القدس والقرى المجاورة لها. وأعلنت لجنة وزارية في نهاية كانون الأول عام 2013 ضم منطقة الأغوار للكيان الصهيوني تماماً كما فعلت بقرار ضم القدس والجولان عام 1981.‏
وعبّر «كيري» عن تفهمه لاستمرار حكومة نتنياهو بتصعيد الاستيطان بذريعة أنه يأتي في سياق محافظة نتنياهو على تماسك حكومته واستقرارها، وشدد على أن أمن «إسرائيل» يأتي في مقدمة ثوابت السياسة الأميركية بخصوص مستقبل التسوية.‏
وأوضع «كيري» أن التفاهمات التي توصل إليها مع الفلسطينيين والإسرائيليين لا تتضمن وقف الاستيطان. وأكد أن بلاده تعتبر التوسع الاستيطاني غير شرعي وبالتالي يتبين من هذا التصريح أن قادة الولايات المتحدة الأميركية من أكبر الكذابين في العالم، لذلك فقدت صدقيتها ومصداقيتها وزادت من كراهية الشعوب العربية والإسلامية لها.‏
رفضت الولايات المتحدة ولا تزال ترفض الضغط على «إسرائيل» التي تحتل كل فلسطين لوقف الاستيطان. وتركت الولايات المتحدة (كيري) موضوع الاستيطان لحكومة نتنياهو كي تستمر في بناء الأحياء والمستعمرات اليهودية.‏
وتسريع دولة الاحتلال في تهويد القدس الشرقية تحقيقاً لقرار الكنيست بجعل القدس بشطريها المحتلين (الغربي عام 1948 والشرقي عام 1967) عاصمة الكيان الصهيوني الموحدة.‏
وصلت المفاوضات (وصناعة التسوية الأميركية) قبل استئنافها إلى الطريق المسدود وإلى فشل الولايات المتحدة و«إسرائيل» في مواصلتها. وفشلت أيضاً قيادة منظمة التحرير وفصائلها وحركة حماس وصلوا جميعاً إلى الطريق المسدود. وبالتالي جاء استئناف المفاوضات محاولة لخروج هذه الأطراف من الطريق المسدود على حساب الشعب الفلسطيني. ولجأت «إسرائيل» كعادة اليهود في التضليل والخداع إلى إقناع «كيري» ببلورة اتفاقات انتقالية لتثبيت حل الدولتين الذي أخذه بوش من مشروع شارون للتسوية ووضعه في خريطة الطريق، والمتضمن رؤية «إسرائيل» للتسوية بإقامة دويلة فلسطينية بحدود مؤقتة وعلى أقل من /9?/ من مساحة فلسطين، لكي تتمكن «اسرائيل» على إجبار قيادة منظمة التحرير على الاعتراف بيهودية الدولة، وإقامة سلطة حكم ذاتي محدود ضمن الدولة اليهودية الممتدة من النهر الى البحر، وإقامة كونفدرالية فلسطينية- أردنية واتحاد اقتصادي اسرائيلي- فلسطيني - أردني على غرار اتحاد بنيلوكس (اتحاد اقتصادي بين هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ) وكان عرفات قد أقر على إقامة هذا الاتحاد.‏
وتعمل الولايات المتحدة على تحقيق المخططات «الاسرائيلية» للحل النهائي، حيث أكد«كيري» أن الولايات المتحدة تقف بجانب «إسرائيل» في المفاوضات، وأنه عيّن مارتن أنديك (اليهودي المتطرف) للإشراف عليها.‏
ونجحت الولايات المتحدة في توفير غطاء عربي لدعم تنازلات عباس من خلال مؤتمر أنا بوليس عام 2008 الذي حضرته 54 دولة منها 12 عربية ومن ضمنها المملكة العربية السعودية تلبية لرغبة «إسرائيل» ولضمان نجاح التسوية الأميركية.‏
وتعمل السعوية من خلال جامعة الدول العربية على تمرير التسوية التي يوقع عليها عباس ونتنياهو وبالتالي نجحت الولايات المتحدة بتوفير غطاء عربي لتمرير الحل النهائي وتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع العربي الصهيوني. وتبنت الولايات المتحدة الموقف «الإسرائيلي» من المطالب الأمنية وتبادل الأراضي وضم /85?/ من المستعمرات في الضفة الغربية «لإسرائيل» واعتراف بيهودية الدولة، وتصرّ على استمرار المفاوضات حتى التوصل الى اتفاق.‏
واستجاب مجلس وزراء الخارجية العرب في 21/12/2013 للمطالب الأميركية واتخذ قراراً بدعم المفاوضات واستمرارها، ما يظهر بجلاء دعم جامعة الدول العربية لعملية صناعة التسوية الأميركية.‏