تنازل المفاوض الفلسطيني عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم
د.غازي حسين
تنازل المفاوض الفلسطيني عن حق العودة في المفاوضات التي جرت بين قريع وعريقات مع ليفني مقابل دويلة الوهم المنقوصة السيادة، والأرض، والسكان، والمياه، والمعابر، والأجواء، والأغوار، وشرعنة الاستيطان، والاعتراف بالقدس بشطريها المحتلين عاصمة أبدية لإسرائيل، ولترسيخها ككيان استعمار استيطاني وعنصري وإرهابي، والاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة كأكبر غيتو يهودي في قلب المنطقة العربية والإسلامية، وكمركز للصهيونية العالمية معادٍ لشعوبها، وقاعدة ثابتة للإمبريالية الأمريكية.
زرع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية السابق والحالي أوهاماً كثيرةً حول المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل في نفوس أوساطهما في الضفة والقطاع.
وعاش ولا يزال يعيش الشعب الفلسطيني كارثة النكبة المستمرة منذ عام 1948 وحتى المفاوضات التي يجريها جون كيري لحل مشكلة إسرائيل، وليس لإيجاد حل لقضية فلسطين وبدعم وتأييد كاملين من رئيس السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية.
وأظهرت الوثائق المسرّبة من مكتب عريقات والمعلومات التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية، والكتاب الذي نشره زياد كولت عضو الوفد الفلسطيني المفاوض بعنوان "يوميات مفاوض في فلسطين" عام 2010، والتي نقل فيها الكاتب بدقة المقترحات والمبادئ التي ناقشها الطاقم المفاوض الفلسطيني مع الوفد الإسرائيلي حول حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم والذي هو جوهر قضية فلسطين والصراع العربي- الصهيوني.
وظهر بمنتهى الوضوح أن إسرائيل رفضت الاعتراف بالمسؤولية التاريخية عن نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ورفضت تقديم أي تعهّد بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصاب ولا يزال يصيب سبعة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين الذين رحّلتهم إسرائيل، جراء المجازر الجماعية التي ارتكبتها العصابات الإرهابية اليهودية المسلحة ومنها مجزرة دير ياسين في التاسع من نيسان عام 1948، والنكبة التي سببتها بالحرب التي أشعلتها في 15 أيار 1948 تنفيذاً لمخططات الترحيل التي وضعتها الوكالة اليهودية عام 1938، ووافق عليها المؤتمر الصهيوني في زيوريخ في العام نفسه وخطة دالت التي وضعتها عصابة الهاغاناه الإرهابية عام 1944 وبدأت إسرائيل بتنفيذها في الحرب التي أشعلتها واحتلت فيها بالإضافة إلى يافا وحيفا واللد والرملة 540 قرية فلسطينية وأكثر من 600 خربة صغيرة، واقتسمت إسرائيل مع ملك الأردن أراضي الدولة الفلسطينية. ويورد زياد كولت في كتابه أن عريقات عقد عام 2008 مع نظيره الإسرائيلي أكثر من (200) اجتماع أجرى خلالها الاثنان مناقشات لحل مشكلة اللاجئين، وقد تركزت الخلافات بين الطرفين على المسائل التالية:
1-المسؤولية عن نشوء مشكلة اللاجئين.
2-حق العودة وإعادة إسرائيل الأملاك التي صادرتها إلى الفلسطينيين.
3-التعويضات عن الخسائر والأضرار وريع الممتلكات.
وعرض عضو الوفد الفلسطيني المفاوض في كتابه الوثيقة التي قدّمها الوفد الإسرائيلي إلى الفلسطينيين، والتي تعكس رؤية إسرائيل لتصفية حق العودة. وظهرت في الوثيقة النقاط التالية:
أولاً: تعتبر إسرائيل حرب عام 1948 التي شنتها لاحتلال القرى والمدن الفلسطينية تطبيقاً لمخططاتها حرباً شنّتها الجيوش العربية عليها عام 1948، وذلك كعادة اليهود في الكذب والتضليل والخداع، وبالتالي حمّلت الدول العربية مسؤولية نشوء مشكلة اللاجئين.
وتطالب الوثيقة باعتراف الفلسطينيين بالضرر الذي لحق باليهود أي دفع تعويضات لليهود عن الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل.
ثانياً: تتضمن الوثيقة إمكان مشاركة إسرائيل في تقديم تعويضات مالية لحل مشكلة اللاجئين، إلا أنها لم تحدد قيمة التعويضات وتطالب بإشراك المجتمع الدولي (ودول النفط العربية) في تحمّل مسؤولية التعويضات للفلسطينيين ويهود البلدان العربية، وتتهرّب من مسؤوليتها ومما هو مطلوب منها بحسب القانون الدولي.
ثالثاً: ترفض حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، كما ترفض تنفيذ قرار الجمعية العامة رقم 194، وقرار مجلس الأمن رقم 237. وتعتبر الدويلة الفلسطينية هي الحل لمشكلة اللاجئين.
وقام الطاقم الفلسطيني بالردّ على الموقف الإسرائيلي ولكننا لم نسمع عن هذا الرد وبالتالي تتهرب إسرائيل من مسؤوليتها التاريخية والقانونية والمادية والمعنوية عن نشوء مشكلة اللاجئين، وتلقي المسؤولية كذباً وبهتاناً كعادة اليهود بالكذب على عاتق الدول العربية.. وهنا يتجلّى الكذب والخداع الإسرائيلي بأجلى مظاهره، فإذا كانت مشكلة اللاجئين قد تسببت بها الدول العربية فلماذا ترفض تنفيذ القرار رقم 194 الذي أكدت عليه المنظمة الدولية 135 مرة في قراراتها؟ وأصدرت إسرائيل العديد من القوانين التي تمنع اللاجئين من العودة إلى ديارهم، ويُعتبر ذلك انتهاكاً فظاً لمبادئ القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتعامل الدولي.
وتالياً تتعارض القوانين التي أصدرتها إسرائيل وأهمها قانون أملاك الغائبين ومجموعة قوانين الأراضي التي صبغت القوانين الإسرائيلية بالعنصرية والتمييز العنصري، لأنها تطبق على الفلسطينيين ولا تطبق على اليهود مع الأعراف ومبادئ القانون الدولي.
حاول المفاوض الفلسطيني المروّض والمخصي والهزيل الحصول على إقرار إسرائيلي يقضي بمعالجة موضوع الأراضي والأملاك الفلسطينية المصادرة قبل البحث بعملية التعويضات المالية والتمسك بالقرار رقم 194. وبيّن زياد كولت تخاذل محمود عباس وأتباعه في موضوع حق العودة حيث أورد في الصفحة 159 من كتابه مايلي:
"منذ بدء عملي، وأنا عاجز عن تحديد الخطوط الحمر لأبي مازن ورجاله في الموضوع (حق عودة اللاجئين) فلم أكن أعرف إلى أي حد هم مستعدون لتقديم تنازلات في موضوع اللاجئين" وأضاف قائلاً:
"وأصبحت قضية اللاجئين ورقة مقايضة سياسية للفلسطينيين في مفاوضاتهم للتسوية السلمية، وأنهم مستعدون للتخلي عن حق عودة اللاجئين مقابل الحصول على الدولة الفلسطينية".
وأكّدت صائدة الموساد ليفني أن الدولة الفلسطينية هي مقابل شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وأضافت إمكانية ترحيل الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 إلى دولتهم الفلسطينية.
ويؤكّد عضو الوفد الفلسطيني المفاوض أنه كان على عريقات رفض الوثيقة الإسرائيلية المتعلقة بموضوع اللاجئين وعدم الرد عليها، لأنها تتجاهل القسم الأكبر من القوانين المعترف بها دولياً بشأن حقوق اللاجئين. ويتجلى استسلام المفاوض الفلسطيني أمام المفاوض الإسرائيلي عندما قال عريقات لزياد كولت: "بأن الفلسطينيين لا يملكون القدرة على مواجهة إسرائيل" وقال له حرفياً: "زياد لا توهم نفسك. نحن لا نملك الوسائل التي تمكننا من مقاومة إسرائيل. إنهم أقوياء وشرسون.
كل ما بقي لنا هو عقولنا وقدراتنا على إقناع الإسرائيليين بأهمية التوصل إلى اتفاق حتى بالنسبة إليهم".
كيف يمكن للشعب الفلسطيني أن يتوقع خيراً من رئيس ملف المفاوضات صائب عريقات؟.
إن هذا الموقف من حق عودة اللاجئين إلى ديارهم يظهر بجلاء أن المفاوض الفلسطيني أضعف وأهزل مفاوض في التاريخ البشري، حيث أعلن استسلامه الكامل لعدوه الذي اغتصب أرضه ووطنه ومقدساته ويمارس الإبادة الجماعية وسياسة التطهير العرقي تجاه شعبه.
ويستنتج زياد كولت بعد مدة من التفاوض أن هدف إسرائيل الأساسي هو التوصل مع الفلسطينيين إلى تفاهمات ثنائية عامة وغير ملزمة في موضوع اللاجئين من شأنها تسهيل التوصل إلى تسوية سياسية من خلال التجاهل التام للقرارات الدولية ومبادئ القانون الدولي الملزمة بشأن حق العودة والتعويضات، وتحميل المجتمع الدولي مسألة التعويضات المالية، واعتبار الدويلة الفلسطينية هي الوطن الذي سيستقبل (عدداً محدوداً) من اللاجئين.
وتصرّ إسرائيل إبعاد الأمم المتحدة عن المفاوضات وحصرها بالولايات المتحدة الأمريكية لكي تنسف القرارات الدولية ومبادئ القانون الدولي التي تؤكد على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، واستعادة أرضهم وممتلكاتهم، وتحميل إسرائيل المسؤولية التاريخية والمادية عن نشوء مشكلة اللاجئين وتفاقمها وعدم حلها حتى اليوم.
استقال زياد كولت من الوفد المفاوض لأنه لم يستطع التعامل مع ملف اللاجئين كورقة مقايضة سياسية. فالموضوع بالنسبة إليه ليس مسألة للتفاوض وإنما هو خط أحمر، ومسألة عائلية تتعلق بتسوية الغبن والظلم اللذين لحقا بعائلته وبآلاف العائلات الفلسطينية التي شردها تأسيس إسرائيل وحولها إلى لاجئين.
إن المفاوضات التي يجريها جون كيري وصناعة التسوية الأمريكية لتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع العربي- الصهيوني تخدم إسرائيل ولمصلحتها ولمصلحة الولايات المتحدة ولا تقود أبداً إلى حل عادل لقضية فلسطين. وتحقق مخططاتها في تصفية حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتوطينهم في استراليا. وتكرس الاحتلال الإسرائيلي في الأغوار والوجود العسكري الإسرائيلي أو الأمريكي على طول نهر الأردن، وضم كتل المستعمرات اليهودية الكبيرة الثلاث أي حوالي 85% من المستعمرات اليهودية إلى الكيان الصهيوني، وترحيل فلسطينيي 1948 إلى دولتهم الفلسطينية في الأردن، وتهويد القدس بشطريها المحتلين كعاصمة أبدية للعدو الصهيوني، والاعتراف بيهودية الدولة، واعتراف العرب بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، وتغيير المناهج المدرسية وحذف كل ما يتطرق إلى استعمار وعنصرية وإرهاب إسرائيل واغتصابها للأرض والحقوق والمياه والثروات العربية، وحذف بعض الآيات القرآنية من الكتب وعدم تلاوتها، والتنازل عن حق اللاجئين في ملكية أراضيهم وممتلكاتهم في كل فلسطين التاريخية، وإقامة أكبر غيتو يهودي عنصري استعماري وإرهابي في قلب البلدان العربية والإسلامية، وإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والصراع العربي اليهودي، ودعم آل سعود وثاني ونهيان والأردن لتنازلات المفاوض الفلسطيني والمساهمة في قمع أي مقاومة فلسطينية لتحرير القدس وفلسطين.
إن تحقيق السلام العادل مع إسرائيل الدخيلة على المنطقة والغريبة عنها والتي جاءت من وراء البحار عملية مستحيلة، وإن التسوية الأمريكية مخططات إسرائيلية بلباس أمريكي لحل مشكلة إسرائيل وليس لحل قضية فلسطين وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.