من معاناة أسر شهداء غزة " الجزء الأول أسرة الشهيدة يسرى باسل الشوا "
كتبه : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب مستقل – في ( 10 - 1 – 2014 م )
= = = = = = = = = = = = = = = = = =
طلب مني بعض أسر الشهداء أن أخاطب الإعلام بشأن معاناتهم ، مع العلم أن كثيرا من كتاباتي التي تثير قضايا وطنية حساسة لا تنشرها بعض وكالات الأنباء والصحف والمواقع ، ربما لهدف مخفي لديها يعرفه الكثير ، فالنفاق لا فائدة من ورائه ، ولا بد من قول الحقيقة حتى لو كانت مؤلمة... ومن هنا أخاطب كل من يملك ضميرا وطنيا ، مستشعرا معاناة تلك الأسر ، لعل هذا الخطاب يعيد لهم الكرامة الوطنية التي هدرها قادة شعبنا ، أولئك القادة الذين لا زالوا يرددون الاسطوانة المشروخة التي تتعلق بضرورة صمود وثبات شعبنا ، الذي يدفع من قوت أطفاله ومن دمائه ومعاناته ضريبة الصمود ، استمرارا لشريان الدم المتدفق في قلب القرار الفلسطيني ، ودعما لأجندة القوى والتنظيمات الفلسطينية ، وفي نهاية كل ذلك لا كرامة للشهيد الفلسطيني تارة بحجة انتمائه السياسي ، وتارة أخرى بحجة عدم توفير أموال وهكذا ، وذلك وفقا لجميع المعطيات المعطاة في غزة والتي شهد عليها كافة وسائل الإعلام ، وهتفت بها الألسن والحناجر ، وكتبت بشأنها الأقلام ، وتحدثت حولها الفضائيات ، وأجرى قادتنا بشأنها اتصالاتهم ، وأصدروا بحقها قراراتهم ، وظهروا على شاشات الفضائيات وأوراق الصحف وأماكن الاعتصام بالحلل وربطات الأعناق ؛ للحصول على صورا تذكارية ؛ لعلهم يبنون لهم مزيدا من المجد الزائف ، من خلال آهات ودموع تلك الأسر المغلوبة على أمرها .. فلم يُجد لتلك الأسر اعتصاما دام شهورا ، ولا محاولاتهم للانتحار شنقا ، ولم تنفع كل الاتصالات والتصريحات والوعود والهتافات وأشكال الاحتجاجات ، ولا بكاء النساء ومناشدة الشيوخ ، وكأن أولئك الشهداء تم التنكر لدمائهم ولأرواحهم ولمعاناة ذويهم ؛ بسبب جرم كبير اقترفوه ألا وهو الصمود والثبات على أرض وطنهم ، وقد تحولت مشكلتهم مع الأسف إلى مشكلة إنسانية ، بدلا من أن تكون مشكلة وطنية بامتياز تحتل أولويات العمل الوطني لدى قادتنا ، وإلا ما معنى صمت قادتنا لسنوات بشأن هذا الملف ؟ وما معنى الوعود ثم الوعود ثم الوعود وكأن قادتنا لا يبالون بدماء الشهيد الفلسطيني ؟. مستذكرين بذلك عبارة يتم كتابتها وترديدها في كل المناسبات الوطنية " عاش شعبنا الفلسطيني البطل والرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار " وكأن شهداءنا لا يحتاجون منا غير الكذب والنفاق والمتاجرة بدمائهم وبمعاناة أهلهم ؛ ليجد القادة لهم مادة يضللون من خلالها السطحيين ، ويدغدغون مشاعر البسطاء من الناس ... والحقيقة يدركها أهلها ...

أعتذر لكل صاحب ضمير وطني حر عن قسوة عباراتي ، فلا خير فينا إن لم نجأر بالحق عاليا مدويا ، ولا خير فينا إن لم نسمع لبعضنا بعضا ، فأن نقسوا على أنفسنا خير من أن يقسو علينا الآخرون ، وأن نلقي ولو بحجر واحد في تلك المياه الراكدة ، فذلك خير لنا من أن نخرج بمظاهرة قرع الطناجر من بعد أن أصاب قادتنا الصمم .

أبدأ الكتابة بأسرة الشهيدة يسرى باسل مرتضى سعيد الشوا ، ابنة الثمانية عشر ربيعا ونصف ، والتي سقطت شهيدة في 20/11/2012م بصاروخين من طائرة صهيونية أتت على المنزل بشكل شبه كامل ، وإصابة أمها إصابة بالغة .. تواصل والدها البالغ من العمر سبعة وخمسين عاما ، والمريض بالغضروف ، والعاطل عن العمل ، والذي يعيل الآن أسرة تتكون من خمسة أفراد ، ويعيش في بيت بالإيجار ( 250 دولارا شهريا ) ولا دخل له مطلقا ومهدد بالطرد من المنزل الذي يؤويه في كل لحظة ، فقد باع ما كل ما يملك من أجل علاج نفسه وعلاج زوجته المصابة ، ولا يزال يئن بصمت شأنه بذلك شأن كافة أسر الشهداء من دون أن يستجيب لأنينهم أحد ، علما بأنه قابل الرئيس محمود عباس في السفارة التركيا بتاريخ 11/12/2012م وطلب منه الرئيس اسمه الكامل ورقم جواله ، وفي النهاية النتيجة صفرا ...!! . والتقت به كثير من وسائل الإعلام ، والمؤسسات الإنسانية والمدنية والحكومية ، منها مؤسسة أسر الشهداء والجرحى ، ومؤسسة الضمير ، ومؤسسة الأورو متوسط ، ومؤسسة الميزان ، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ، وجمعية شرق غزة ، ووفود دول إسلامية ، وزاره في بيته سفير تركيا في إسرائيل برفقة عقيلته بعد عودة باسل من رحلة علاج زوجته في تركيا ، كما قابله ووزراء الخارجة العرب على رأسهم وزير خارجية تركيا ، ورئيس الوزراء التركي ، وكان مطلبه الوحيد هو لا للاحتلال ونعم للدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف ، رافضا التسول بدافع من كرامته الوطنية ، وكان بمقدوره أن يطلب مساعدات مالية ، أو راتيا شهريا ، أو وظيفة ما ، أو إقامة في تركيا ، ولكنه لم يحصل إلا على مكرمة من رئيس حكومة غزة قيمتها ألفي دولارا أمريكيا ، وألف دولار أخرى من السفارة الفلسطينية في تركيا ، وألف دولار من وزير الخارجية التركي ، وثمانين دولارا شهريا من جمعية "ياردملي" التركية لأسر شهداء حرب 2012م ، ومساعدة لمرة واحدة فقط من جمعية أنصار في غزة في يوليو 2013م قيمتها مائة وخمسون دولارا أمريكيا ، وأثاثا متواضعا من جمعية خيرية فلسطينية بمساعدة وفد ماليزي ... فهل هؤلاء جميعا أولى بأسر الشهداء من منظمة التحرير الفلسطينية ؟ .


وبناء على طلب الأخ باسل الشوا " والد الشهيدة " أضع هنا إميله ورقم جواله لمن يرغب في التواصل معه من أصحاب الضمائر الوطنية الحية : اميل : bmw1994@hotmail.com جوال من داخل فلسطين 0599537351 سافر باسل الشوا برفقة زوجته لعلاجها في المستشفيات التركيا على نفقة وزير الخارجية التركي الذي عانقه الأخير باكيا في مستشفى دار الشفاء في مدينة غزة ، واستقبله هناك وزير الخارجية أحسن استقبال ، وأبدى له حفاوة منقطعة النظير ، وبرفقة باسل الشوا أسرتين لجريحين فلسطينيين آخرين خرجوا جميعا بطائرة خاصة تابعة للخارجية التركية من مطار العريش ذهابا وإيابا ، ولم تستقبل السفارة الفلسطينية أسر الجرحى هناك ، بل اتصل بهم الأخ باسل الشوا ليعلمهم أنه بداخل المشفى التركي ، وأن السفارة يجب أن تقوم بواجبها بحق الجرحى وذويهم ، فعرض عليه مسئول أمن السفارة أن يحضر حفل السفارة الفلسطينية ومقابلة السيد رئيس دولة فلسطين ، والذي تم بالفعل كما ذًكر أعلاه . يا قادة شعبنا اقرؤوا ماذا تقول أم الشهيدة : "كلٌ منا ذهب ليصلى صلاة العصر, أبنائي كانوا ما يزالون خارج المنزل ولم يبقى بالمنزل إلا أنا ويسرى حين باغتتنا طائرات الحقد الصهيونية بإطلاق صاروخ غادر على شقتنا المستأجرة في منطقة الشجاعية شرق غزة ليدوي انفجار قوي". ماما.. آخر كلماتها وتنهدت أم محمد بآهات الحسرة:" كنت أمسك بيد ابنتي وحبيبتي يسرى صرخنا معاَ , نادت على بصوتٍ عالٍ "ماما..ماما شو هادا" وتكرر "ماما.. ماما..ماما" ليبقى اسمي آخر ما لفظته أنفاسها الطاهرة وسقطت يدي من يديها لتسقط أرضاً ظننتلحظتها أنه أغمى عليها".
جاء الجيران وسيارة الإسعاف ليخرجوني من المنزل رفضت ذلك وأنا أصرخ وأنادي على ابنتي يسرى يا ماما وينك؟ ". وتكمل لنا سرد تفاصيل الجريمة لتقول:" أدخلوني سيارة الإسعاف والدماء أغرقت جسدي بفعل الصاروخ الذي أحرق شقتنا و تطايرت شظاياه في أنحاء الحي.. كان أحد أبنائي في الشارع فرآني.. أسرع حولي منادياً على "ماما..ماما " لكن الجيران أبعدوه عني".
وتتابع بأسى:" وصلت مستشفى الشفاء وأنا أنتظر أحدًا يخبرني كيف حال ابنتي يسرى؟ متناسية جرحي الغائر في ظهري وقدمي , وبعد دقائق جاءتني والدتي تخبرني أن يسرى بخير وأنها أصيبت؛ لكني كذبت الخبر وقلت يسرى استشهدت , لأني كنت قد رأيتها في المنام قبل استشهادها بأيام تلبس فستاناً أبيض وتطيرُ في السماء, فتيقنت من رؤيتي وكلامي لأن ابنتي فعلاً استشهدت". تقول الأم :"من سيسرح لي شعري بعد أن ذهبت يسرى؟ من سيختار لنا أبهى الملابس؟ من سيبقى بجانبي طيلة الوقت بعد أن فقدتها؟ كانت يسرى مسيرة لأعمال البيت والروح التي تحيي البيت وتنعشه.. من سيعوض لنا ذلك؟ " وكأن دموعها تجيب الموعد الجنة. نفسي أفرح فيكي يا ماما " , ردت على بكل سعادة والابتسامة على محياها " السنة هادي يا ماما إن شاء الله , رأيت رؤية في منامي وستصدقين حين تتحقق" وكأنها تدرك الموعد. شقيق أم محمد يقول :" آخر من لمس جسد يسرى هو خالها حيث أصر الجميع عليه أن يلحدها بنفسه داخل القبر, ضمها إلى صدره ونظر إليها فتبسمت وكأنها تدرك من أمامها وسط تكبيرات جميع من في المقبرة فأوصاها أن تشفع له يوم القيامة ". أتمنى من جميع قادة شعبنا إعادة النظر في هذه المسألة الوطنية الأخلاقية ، فلا قيمة لشعب لا يحترم شهداءه ، ولا انتصار لأمة بدون شهداء ... فإلى متى !؟.
]