المفاوضات وزوال إسرائيل
د. غازي حسين
أدّت جولات كيري المكوكية إلى المنطقة العودة إلى طاولة المفاوضات وإلى خيبة أمل لدى منظمة التحريرالفلسطينية حيث وافق كيري على استمراردولة الاحتلال في بناء الأحياء , والمستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكانت مراكزالبحوث والدراسات اليهودية قد درست وحلّلت وجود الصليبين , وزوالهم في المنطقة , واستخلصت منها الدروس والعبر, ومنها التغلغل في النسيج الاقتصادي للبلدان العربية عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية.
واستخلصت منها أيضاً أنَّ إسرائيل كيان استيطاني يخضع في مخططاته وخصائصه وتصوراته , للدروس المستخلصة من تجارب الكيانات المشابهة له في التاريخ وأهمها الاعتماد على القوة ووضعها فوق الحق وخلق الحقوق جرّاء استخدام القوة والاحتلال والضم والاستعمارالاستيطاني وممارسة الإرهاب والعنصرية والتمييزالعنصري لتخليد الأمرالواقع الناتج عن استخدام القوة , والاعتماد في مسألة الأمن على الذات والتفوق في القوة على جميع البلدان العربية.
لذلك اتخذت في عام 1949 قراراً استراتيجياً جلب وسيجلب المزيد من الكوارث والويلات للشعوب والحكومات العربية والإسلامية , وهو امتلاكها للسلاح النووي , وحصولها فيما بعد على جميع أنواع اسلحة الدمارالشامل بما فيها الكيمائية والبيولوجية.
وأدّى رفضها التوقيع على معاهدة حظراستخدام السلاح الكيمائي ومعاهدة حظرالسلاح النووي في الشرق الأوسط إلى محاولة بعض البلدان العربية الحصول عليها وامتلاك سلاح ردع للحيلولة دون إقامة إسرائيل الكبرى أوالعظمى الاقتصادية , مما يلحق أفدح الأضراربمصالح جميع شعوب المنطقة.
وتكمن خطوة امتلاك إسرائيل لجميع أسلحة الدمارالشامل في أنَّها هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تضع لها دستوراً , ولم تقرربعد حدودها , وتؤمن بأنَّ القدس بشطريها المحتلَيْن وبقية الضفة الغربية أراضٍ محررة , وليست محتلة وهي أرض التوراة وأرض جميع اليهود في العالم خلافاً للحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين ولمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها .
واستخدمت الصهيونية العالمية التوراة كورقة طابومنحها يهوة لأتباعة اليهود
لاحتلال فلسطين من سكانها الأصليين وأصحابها الشرعيين وترحيلهم منها , وإحلال قطعان المستعمرين اليهود من ألمانيا وبولندا وغيرها محلهم ,لإقامة أكبرغيتويهودي عنصري واستعماري وإرهابي في قلب المنطقة العربية والإسلامية.
وأصبحت إسرائيل دولة لجميع اليهود في العالم ولاتشمل مواطنيها الأصليين العرب من مسلمين ومسحيين . وتتجلى خطورة إسرائيل في أنَّها تمتلك جميع أسلحة الدمارالشامل والتفوق العسكري في الأسلحة التقليدية على جميع الدول العربية .
إنَّ نظرية الأمن الإسرائيلي تنطلق من أنَّ جميع بلدان الشرق الأوسط الكبير هي المجال الحيوي لإسرائيل , وأنَّها لاتعتمد في موضوع الأمن على مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق وقرارات الشرعية الدولية وإنَّما على قوتها العسكرية , ودعم الولايات المتحدة الأمريكية لحروبها العداونية والدفاع عن احتلالها للأراضي العربية , وفرض الاستسلام العربي الرسمي للمخططات الإسرائيلية عن طريق المفاوضات الجارية برعاية الولايات المتحدة ممثلة بيهود الإدارة الأمريكية , ومنهم حالياً مارتن أنديك والخطة الإسرائيلية التي وضعها معهد الأمن القومي اليهودي في تل أبيب في نيسان 2013وتبناها جون كيري ويعمل على تحقيقها خلال تسعة أشهرلتوقيع عباس ونتنياهواتفاق الحل النهائي لتصفية قضية فلسطين وأكد في 6/11/2013 لتنياهو وقوف الولايات المتحدة في المفاوضات بجانب إسرائيل .
أقنع دهاقنة الاستعمارالاستيطاني اليهودي " المهاجرين اليهود " أنَّ فلسطين العربية وطن جميع اليهود في العالم , وأنَّ الفلسطينيين يقطنون في بلاد ليست لهم وإنَّما لليهود شعب الله المختار.
إنَّ إسرائيل لاتملك الحق في فعل مافعلته بفلسطين وبالشعب الفلسطيني , وليس هناك أي مبرر لارتكاب المجازر الجماعية والحروب العداونية وحرمان الإنسان الفلسطيني من أبسط حقوقه الإنسانية ومنها حق عودة اللاجئيين إلى ديارهم , واستعادة أرضهم , وممتلكاتهم تطبيقاً للقانون الدولي والقرارات الدولية وأسوةً بالتعامل الدولي.
استباحت إسرائيل دماء وحقوق , وكرامة , ومنجزات , وثروات الشعب الفلسطيني , وتعمل على بث الفتن الطائفية , والمذهبية والعربية في المنطقة لتفكيك الدول العربية الكبيرة وتفتيتها وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
أكَّد ميرون بنفنستي في هآرتس الصادرة في 26/11/2007 أنَّه ليست الدول العربية فقط رفضت الاعتراف بالدولة اليهودية وبالتقسيم بل إنَّ مناحيم بيغن بعد التصويت على قرار التقسيم قال:" بأنَّ شعب إسرائيل سيقاتل لتحريربلاده على جانبي الأردن :أرض إسرائيل ستعاد لشعب إسرائيل كلها وإلى الأبد".
واتخذ بن غوريون مؤسس إسرائيل نفس الموقف مستغلاً قرارالتقسيم ودعم بريطانية وأمريكا الاستعماريتين وصانعيهم من الأمراء والملوك العرب , وأقام إسرائيل , وأخذ يعمل على توسيعها لإقامة إسرائيل الكبرى كغدة سرطانية خبيثة في قلب البلدان العربية ,والإسلامية باستخدام الحروب العداونية والمجازر الجماعية وتهويد الأراضي العربية وبناء المستعمرات اليهودية عليها وعلى أنقاض البلدات والقرى التي دمَّرتها إسرائيل , وقاد اتفاق الإذعان في أوسلوإلى تعزيزالاحتلال والتهويد وبناء المستعمرات في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتعمل إسرائيل حالياً بمساعدة الدول الغربية وآل سعود وثاني ونهيان وملوك آل هاشم على إقصاء فلسطين من الوعي والوجدان والضميرالعربي والعالمي , وعلى تزويرالواقع على الأرض وتزويرالتاريخ والجغرافيا , والديموغرافيا , والتراث , واستكمال مشروعها الاستعماري والعنصري والقائم على الدين اليهودي , والآيديولوجيا الصهيونية , والاستعمارالإسرائيلي , وعلى الانتقاء والاختياروالتفوق اليهودي للهيمنة على الشرق الأوسط , وإلغاء حق العودة وترحيل الفلسطينين , وضم القدس , وكسر إرادات القيادة الفلسطينية والعربية وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية , وفرض التعاون الاقتصادي على أساس إقليمي وليس على أساس عربي .
تبنّي قادة إسرائيل ومنهم شارون وأولمرت وبيريزرؤية الدولتين , وكان أيهود أولمرت يقول :" دولتان وإلاَّ فإسرائيل منتهية " ويريدون أنْ توقّع فتح وحماس على معاهدة الحل النهائي وإنهاء الصراع .
وتقوم عملية التسوية الأمريكية على فرض المخططات الإسرائيلية لتحقيق مصالحها وحل مشاكلها وليس إلى التوصل إلى حل عادل لقضية فلسطين , مما جعل الشعوب العربية الإسلامية تفقد الثقة بالولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للعدوالإسرائيلي وتعتبرها العدوالأول للعروبة والإسلام.
وتتوقع الاستخبارات الأمريكية زوال إسرائيل بحلول عام 2025 جرّاء الهجرة المعاكسة , وكان المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي قد تحدث بعد حرب عام 1967 العداونية عن حتمية زوال إسرائيل , كما تؤكد توقعات نخب عربية , ويهودية وأوربية , وأمريكية حتمية زوال إسرائيل في المستقبل القريب أوالبعيد .
إنّ إسرائيل دولة استعمارية وعنصرية وإرهابية وفاشية حقيرة , تسود فيها التعاليم العنصرية التي رسّخها كتبة التوراة والتلمود والتي تتعارض مع أبسط المفاهيم الحضارية , والقيم والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وبقية العهود والمواثيق الدولية ..... وتتعززيوماً بعد يوم بل ساعة بعد ساعة القناعة والإيمان لدى شعوب المنطقة بعدم التعايش معها وبحتمية زوالها تماماً كما زالت النازية من ألمانيا والفاشية من إيطاليا والعنصرية من روديسيا والبرتغال والاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائروالأبارتايد من جنوب أفريقيا.
إنّ الحل هو في إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية لكل مواطني فلسطين التاريخية , بحيث يتساوى فيها جميع المواطنين بالحقوق والواجبات وتصبح جزءاً لايتجزأ من المنطقة.