الشعور بالتعب.. قد يحدث من كثرة الراحة

أسبابه عضوية ونفسية وسلوكية والمعاناة منه تستدعي مراجعة الطبيب


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

الرياض: الدكتورة عبير مبارك
إن كنت تشعر بالتعب غالب الوقت أو كله، فلست الوحيد الذي يُعاني من ذلك، حيث يُشكل شعور البالغين بالتعب، أحد أشهر دواعي زيارتهم عيادات الأطباء، وهم في هذا غالباً ما يتأخرون، إذ تقول العديد من الدراسات الطبية صراحة إن كثيراً ممن يطلبون من الأطباء مساعدتهم على فهم سبب الشعور بالتعب والإجهاد والإرهاق الذي يُلازمهم طوال أو غالب أو أكثر الأوقات، وبالتالي معالجتهم منه، هم في الواقع يُعانونه منذ مدة تتراوح بين عدة أشهر إلى عدة سنوات قبل زيارتهم للطبيب.
* علامات التعب حالات التعب غير حالات الخمول والكسل والرغبة في النوم، لأن أهم علامات التعب هو فقدان الطاقة المحركة للقيام بالمزيد من الإنجاز، بينما أهم ما يميز الخمول والكسل والنعاس، هو الرغبة في نيل الراحة والنوم. وقد يكون التعب نتيجة طبيعية للقيام بمجهود بدني منهك، أو التعرض لإجهاد عاطفي يستهلك مخزون الدوافع في النفس والبدن، أو أنها نتيجة سيطرة الشعور بالملل والضجر أو ببساطة كنتيجة حتمية لقلة النوم.

الشعور بالتعب والإرهاق والإنهاك وفقدان الطاقة على إنجاز الأعمال، حالة يصعب على الكثيرين تحديد إصابتهم بها، أو وصفها بدقة كي يمكن التعرف على مدى سيطرتها على الإنسان، أو إعطاء مُؤشرات واضحة على معاناتهم منها، لكنها مفهومة من عبارات يقول الإنسان الذي يُعاني منها، وهي بهذا تصف حالة من تدني القدرات، بالرغم من وجود الرغبة، على أداء الواجبات أو تحقيق ما يود المرء القيام به.

* حالات طبية وسلوكية وفي بعض الأحيان، فان لهذه الحالة أسبابا طبية مرضية معروفة، ومفهومة آليات حصول الشعور بالتعب والإرهاق لدى منْ هم مُصابون بها، سواء كانت أمراضاً عضوية في الجسم أو أمراضاً نفسية. وفي أحيان أخرى كثيرة، تُشكل سلوكات نمط الحياة، وكيفية العيش فيها، الأسباب الرئيسة في شعور الكثيرين بتلك الحالة المزعجة والمعطلة لقدرات الإنسان على القيام بواجباته الحياتية وما يتطلع إلى إنجازه خلال الأيام والشهور والسنوات، بدون أن تكون ثمة أمراض بالمعنى الطبي لوصف حالة المرض.

إن ثمة اعتقادا طبيا مفاده أن الشعور بحالة من التعب والإجهاد التي لا تزول بتعديل سلوكات الحياة نحو النط الصحي، أي بأخذ قسط كاف من النوم وتعديل نظامه، وبالتغذية الجيدة، وبخفض مستوى التوتر في البيئة والمحيط الذي يعيش المرء فيه، إنما هي حالة تُوجب مراجعة الطبيب. وما يزيد المشكلة تعقيداً هي أن عدم إقبال الكثيرين على طلب المعونة الطبية سببه هو علمهم بأن ثمة كثيرا من الناس يُعاني من الشعور بالتعب والإرهاق، ومع ذلك لا يراجعون الأطباء، وعليه فلا داعي أن يُراجع ذلك الإنسان الطبيب طالما الكل لا يفعل ذلك، وطالما أن الأمر ربما شائع وطبيعي. وهناك سبب آخر ايضا لزيادة تعقيد المشكلة، وهو عدم تدقيق بعض الأطباء في تلك الشكوى متى ما حضر مُراجع إليهم يُعاني منها. وبالتالي لا يُحاول البعض من الأطباء معرفة أسباب نشوئها لدى إنسان ما، خصوصاً حينما يذكر المرء الذي يُعاني منها أسباباً منطقية لظهور الشعور بها مثل تراكم متطلبات العمل أو قلة النوم أو المشاكل الأسرية أو غيرها.

* أسباب مرضية إن إشارة المصادر الطبية إلى قائمة طويلة من الحالات المرضية التي قد تتسبب في شعور المُصاب بها بحالة التعب والإجهاد والإرهاق، يجب أن يجعل من المفهوم ضرورة أن يأخذ الإنسان الأمر على محمل الجد متى ما أُصيب بها واستمرت حالتها لديه. وتشير تلك المصادر إلى أن أهم الأسباب المرضية العضوية والنفسية لحالات الشعور بالتعب تشمل فقر الدم أو الأنيميا، واضطرابات النوم، والألم العضوي المزمن، وحالات الحساسة، وكسل الغدة الدرقية عن أداء وظائفها، والاكتئاب. واضطرابات النوم المقصودة، ليست مقتصرة على الأرق الذي يحرم الجسم من الراحة بنيل قسط من النوم الطبيعي لعدة ساعات متواصلة، بل إن حالات اضطراب التنفس والشخير وقلة تزويد الرئتين بالهواء المحمل بالأوكسجين، هي من الحالات التي قد لا يعلم المرء أنه مُصاب بها، والتي تتسبب في كثير من حالات الشعور بالتعب طوال النهار. كما أن تأثير الحساسية على مدى نشاط الإنسان وبدء شعوره بالتعب ليس مرتبطا بمدى حدة مظاهر الحساسية على الجلد أو الأنف أو الرئتين، بل إن وجود حالة غير مستقرة من الحساسة في الجسم وتفاعلاتها، بكل ما يعني هذا من اضطرابات في عمل جهاز مناعة الجسم، هو سبب في شعور عام بالتعب والإجهاد. ولعل من أقرب الأمثلة على تداعيات الحساسية الغريبة هي حالات البرود الجنسي المُصاحبة لها، ووجود إصابة مزمنة بالألم في المفاصل أو أجزاء أخرى من الجسم، تُؤدي بذاتها إلى نشوء حالة من الشعور بالإعياء والتعب.

ليس هذا فحسب في الجانب المرضي، بل إن ثمة حالات مرضية يصطحبها ذلك الشعور بالتعب والإرهاق إلى حد الإعياء لدى البعض، مثل حالات الالتهابات الميكروبية المزمنة، كالتي في صمامات القلب أو نتيجة للفيروسات كالآيدز، أو الطفيليات كالبلهارسيا، أو البكتيريا كالدرن، ومثل حالات هبوط أو فشل القلب بدرجاته المتفاوتة، أو فشل الكبد والكلى كذلك، إضافة إلي حالات ضعف أداء بعض الغدد، كالغدة فوق الكلوية، أو اضطرابات قلة الأكل أو سوء التغذية أو مرض السكري أو أمراض اضطرابات جهاز مناعة الجسم، أو السرطان. وهناك قائمة من الأدوية التي يظهر على متناولها شعور الإرهاق والتعب كأحد الآثار الجانبية لها.

* الإرهاق المزمن هذا كله غير الحالة الطبية المعروفة بمتلازمة الإرهاق المزمن Chronic fatigue syndrome (CFS). وهي حالة ربما يتيسر لاحقاً عرضها بالتفصيل في ملحق الصحة بـ«الشرق الأوسط».

والتي أهم ما يُميزها بأنها حالة من التعب الذي يستمر بالمرء لمدة أكثر من ستة أشهر، ولا تتسبب بها الحالات المرضية المتقدمة الذكر والمعروفة. كما أن الراحة لا تُشكل وسيلة فاعلة في التخفيف من الشعور بها.

إن من أسباب الشعور بالتعب ما هو واضح وجلي، كقلة النوم أو الأمراض العضوية المتقدمة الذكر، لكن أسبابا أخرى من الصعب تحديدها كالقلق والاكتئاب والعمل الوظيفي فوق الطاقة والقدرة أو نوعية التغذية أو تناول بعض الأدوية، بل الأغرب والأصعب في الأسباب هو حقيقي، كما تُؤكده نشرات كلية الطب بجامعة هارفارد، تأثير عيش البعض لحياة الرفاهية والدعة والكسل على نشوء حالة الشعور بالتعب والإرهاق لديهم. وهو ما يفسره باحثو «مايو كلينك» بالقول إن المرء حينما لا يُمارس الحياة وأنشطتها بشكل طبيعي فإن جسمه يتعود على أداء مقدار ضئيل من المجهود البدني. وحينما يحاول أن يقوم بالمجهود الذي يصنف بأنه عادي فإنه لن يستطيع القيام به، بل تصيبه حالة الإرهاق والإعياء. وكذلك الأمر مع عدم التعود على نمط صحي في التغذية، لأن الجسم لن يحصل على ما يحتاجه من المواد الغذائية والعناصر المهمة فيها والسوائل اللازمة لإنتاج الطاقة.