قراءة في المجموعة الشعرية ( جـرح الـمحبة )للشاعرة ريمه عبد الإله الخاني




الوحدة
الاثنين23/9/2013
ح.م.الحسن
فالشاعرة تضع بقصائدها المرهفة والمقنعة إصبعا على الجرح , جرح كل عاشق أضنته الدروب والمواعيد وأبكته النهايات المؤلمة .

تقول الشاعرة في قصيدة ( أتسعفني ) ص29 .‏

أتسعفني إذا الأشواق تحرقني وتذكرني إذا نادتك ذاكرتي‏

أيا ضمة الأوراق تحملني ظلال الحب في طيات خارطتي‏

وتحفظني كما الآهات مسألة وتكتب لي زهور الوجد أغنيتي‏

تتزاحم الأشواق في مخيلة الشاعرة ويضج بين ضلوعها الحنين القديم يهدهدها الحب بين يديه تارة وتحرقها الذكريات تارة أخرى , تحاول أن تلوذ وتستنجد بطيف الحبيب من آهات حبيسة ووجد ثائر .‏

ألا يالائمي الأشواق تحكمني لذا ألفيت أشجانا بمملكتي‏

فلا تقتص من أزهار مزرعتي فقد كانت كما الألوان عاشقتي‏

فكم هددت بالإعدام ذاكراتي فما قصرت لكن هكذا سعتي‏

عتاب وشكوى من هجر الحبيب فالصبر على الأشواق طعمه مر كالعلقم والشاعرة يتملكها الحزن ويتحكم بها فهي كانت وفية لهذا الحب بينما الحبيب يكابر ويتقصد البعد والجفاء والنأي والشاعرة معطاءة وتبذل ما تستطيع في درب الهوى مخلصة على الدوم لكن كل هذا الإخلاص والوفاء بالحب محكوم عليه بالفشل مادامت سبل التواصل معدومة وغير ممكنة .‏

تقول في قصيدة سيور الحزن ص35‏

وعمرا أضعناه وعشناه في وجع وسعدا هجرناه كأن الهوى امتنع‏

ننادي وكف الصبر ممدودة لنا فآلامنا قد ضيقت كل ما اتسع‏

ولوم عشقناه فصار الفضا مدى تضج به دمعاتنا للذي استمع‏

هو الوقت الغير محسوب من عمر الشاعرة والذي عاشته في وجع وآلام وضيعته في الحسرات والمرار والبوح هو الآخر غائب في عتمة الدروب وتناءى خلف أبواب موصدة وترك نوافذ الروح تنز بالجراح والعذاب . فالعاشق لا يحسب أيام العذاب والجراح من حياته فقط هي أيام الوصل والمواعيد تبقى عالقة في ذاكرته.‏

تقول في قصيدة ( طال الطريق ) ص44‏

طال الطريق ولست أدري ما جرى عصف الرياح ونزف قلبي قد جرى‏

كنت الدليل وكنت خير قياده والآن صرت بلا دليل لا أرى‏

صار الضياع ظلامة في مهجتي حتى لدمعي أو جراحي أنكرا‏

طال الطريق الشائك والوعر والمحفوف بالمخاطر وكان من قبل تزينه الورود والأزهار , طريق مفروش بالفرح والمحبة وعصفت رياح البعد فجأة فاقتلعت الذكريات الجميلة من ذاكرة الحبيب وتركت الشاعرة لدمعها الملتهب وجراحها النازفة تتخبط في عتمة الدروب بلا دليل وأنيس . تائهة وهائمة على وجهها في وعورة السفوح وظلمة الليالي الموحشة تناجي وتعتب وتبكي وحيدة فقد كان الحبيب هو المؤنس في ساعات الضجر والرفيق في أماسي السمر , من بدل كل هذه الأيام والأحوال ومن سعى لتدمير وقتل الحب القديم .‏

عندما يصبح طيف الحبيب الهاجس الأول والأخير في أحلامنا والمؤرق الوحيد لذواتنا والمحرض لذاكرتنا تصبح الأيام كأوراق الشجر تتساقط في الخريف و تذروها الرياح للبعيد . فحالة الفقد عند الشاعرة مصبوغة بلمسة من الحزن نجدها في أغلب قصائد المجموعة . التأفف من الوحدة والسهر مع النجوم والبكاء الطويل في ساعات الليل الأخيرة وترك الجراح مفتوحة على الذكريات وهمسات العتاب من خافق أضناه الفراق والبعد . كل تلك الحالات تجسد معاني الفقد لدى الشاعرة.‏

تقول في قصيدة (جرح المحبة ) ص 113‏

هذي أنا جرح المحبة في الدنى روح المواجع تستقي مر المنى‏

في خطوتي في مرقدي في ليلتي أطوي الدياجي والهنا خيط السنا‏

لا تسأل الحرف الصريح بما جرى لا تختصر في أسطري طعم الهنا‏

لا جرح في الحياة يضاهي جرح المحب فمهما حاولنا أن نضمد ذلك الجرح تبوء محاولتنا بالفشل الذريع فنمضي في متاهات العمر وتصفر أمانينا ويبقى الجرح على حاله كأنه قد ولد للتو .‏

( جرح المحبة ) مجموعة شعرية حافلة بالحب والجراح غنية بالصور والاحاسيس الصادقة مع لمسات حزينة تجسدها الشاعرة من خلال قصائدها الوجدانية . تقع المجموعة في مئة وستة وعشرون صفحة من القطع الوسط صادرة عن دار أعراف طرطوس عام 2009 وللشاعرة عدة مجموعات شعرية وقصصية نذكر منها ( ذكريات ممنوعة ) (قوس قزح ) ( قلم بلون الطيف ) ( منتدى الخميس ) (باب الخزانة ) .‏
المصدر:http://wehda.alwehda.gov.sy/_kuttab_...20130923075158