المفاوضات وتصفية قضية فلسطين
د.غازي حسين

استؤنفت المفاوضات بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية برعاية واشنطون وإشراف الصهيوني المتطرف مارتن أنديك على عملية المفاوضات .
وأصرت الولايات المتحدة على إبقاء المفاوضات سرية تماماً كما فعل العدو الصهيوني في مفاوضات الإذعان في دهاليز أوسلو المظلمة والظالمة ، حيث تولى الموساد الحفاظ على سريتها .
عاد محمود عباس إلى المفاوضات نتيجة للضغط الأمريكي والأوربي وخشية من انفجار انتفاضة ثالثة تضاف إلى سلسة الانفجارات التي تشهدها المنطقة .
وأدت عودته إلى ضمان عدم تعرضه إلى عقوبات اقتصادية وغيرها بقطع تمويل الدول المانحة للسلطة الفلسطينية
على الرغم من أنه فشل في حمل المحتل الإسرائيلي على وقف الاستيطان والحصول على اعتراف إسرائيلي واضح وصريح ومعلن بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 وحصل فقط على بيان أمريكي يدعو الجانبين العودة إلى المفاوضات والحصول على مساعدات اقتصادية أمريكية لتحقيق السلام الاقتصادي الذي طرحه نتنياهو.
تشمل خطة كيري ثلاثة مسارات : سياسية وأمنية واقتصادية .
ويتضمن المسار الاقتصادي توفير مساعدات اقتصادية عاجلة والسماح للسلطة بإقامة مشاريع اقتصادية في المنطقة (ج) الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي الكامل .
تعارض أكثرية الشعب الفلسطيني العودة إلى المفاوضات بسبب القناعة بأن دولة الاحتلال تعارض الانسحاب من القدس وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود /1967/ وعودة اللاجئين إلى ديارهم وتعمل على المماطلة وكسب الوقت لتخليد بقاء المستعمرات اليهودية وابتزاز المفاوضات الفلسطينية والاعتراف بيهودية الدولة .
وتقوم خطة كيري على التفاوض على أرضية حدود /1967/ وتبادل الأراضي وعدم تجميد الاستيطان وتستمر المفاوضات مابين /6-9 / أشهر وتتناول موضوعي الحدود والأمن ثم القضايا الأخرى مثل اللاجئين والقدس والمياه عند ما يتم التوصل إلى اتفاق على الحدود والأمن فالمستفيد من العودة إلى المفاوضات هي تل أبيب وواشنطن .
وظهر بجلاء أن إدارة أوباما تبنت مطالب نتنياهو وألبستها بلباس ولسان أمريكي وحملت عباس وجامعة الدول العربية الموافقة عليها .
وكان كيري قد نجح بالحصول على غطاء عربي عن طريق حمد بن جاسم, باسم جامعة الدول العربية لتبادل الأراضي.
ويعني تبادل الأراضي ضم أكثر من 85% من المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى الكيان الصهيوني مقابل أراضي قاحلة في النقب .
وتؤدي الموافقة على تبادل الأراضي إلى شرعنة كتل المستعمرات الكبيرة في الضفة الغربية المحتلة والموافقة على عدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، وسابقة خطيرة في المفاوضات مع العدو الذي سيحاول تكريسها على شاطئ بحيرة طبريا وفي سيناء .
بدأ توجه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية نحو التسوية الأمريكية بموافقته على الشروط التي وضعها كيسنجر
في دورة المجلس الوطن في الجزائر عام /1988/ وفي بيان جنيف الذي ألقاه في 14/12/1988 .
وأعلن على أثره الرئيس ريغان بدأ الحوار الفلسطيني – الأمريكي ، وأن الهدف منه هو مساعدة إسرائيل على تحقيق الاعتراف بها والأمن لها وجعلها جزءاً لا يتجزأ من المنطقة .
وقع رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بتاريخ 9/8/1993 – اتفاق الإذعان في أوسلو ووقعه عباس بتاريخ 13/9/1993 في البيت الأبيض ، وخلى اتفاق الإذعان من الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني والانسحاب من القدس وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة .
وأنهى اتفاق الإذعان في أوسلو انتفاضة الحجارة التي عجز العدو عن إنهائها .
وأدانت منظمة التحرير المقاومة الفلسطينية البطولية ونعتها بالإرهاب ، والتزمت بالتخلي عنها ومعاقبة رجالها .
وأقامت دولة الاحتلال سلطة الحكم الذاتي ، كما ألغى المجلس الوطني الفلسطيني الميثاق الوطني في غزة عام 1988 وبحضور الرئيس الأمريكي كلنتون.
وطرح ولي العهد السعودي الأمير عبد الله المبادرة التي وضع أسسها الصحفي الأمريكي توماس فريدمان ووافقت عليها القمة العربية في بيروت عام 2002 وتضمنت شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم .
وتضمن التعديل الذي أجراه حمد بن جاسم على المبادرة العربية وأعلن عنه باسم جامعة الدول العربية بواشنطن في أواخر نيسان الماضي (2013) ، موافقة الجامعة العربية على تبادل الأراضي استجابة لطلب العدو الإسرائيلي
وكان مؤتمر أنا بولس الذي عقده الرئيس بوش تلبية لطلب إسرائيل للتحقيق الجماعي العربي عام (2007).
قد تحول إلى لقاء عربي دولي للتغطية على تنازلات عباس ودفع عملية التسوية الأمريكية إلى الأمام .
وتسير التسوية الأمريكية حالياً إلى الأمام لتصفية قضية فلسطين بتوقيع اتفاق الحل النهائي والاعتراف الفلسطيني والغربي بإسرائيل وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد ومحاولة تغيير الهوية العربية الإسلامية للقدس وفلسطين .
إن شعبنا العربي الفلسطيني يدين بأشد العبارات العودة إلى المفاوضات ويعتبره قراراً سياسياً خطيراً ويتنافى مع رغبات وطموحات وحقوق شعبنا وأمتنا ، ويشكل خروجاً على الإجماع الوطني للفصائل والقوى والشخصيات الفلسطينية التي أعلنت رفضها القاطع العودة إلى المفاوضات في ظل تصاعد الاستيطان وتهويد القدس وسياسة التطهير العرقي التي تطبقها إسرائيل في النقب .
ويرفض شعبنا وأمتنا التوطين والوطن العربي البديل ويتمسك بعودة اللاجئين إلى ديارهم وبخيار المقاومة المسلحة لتحرير القدس وفلسطين كل فلسطين من رأس الناقورة حتى رفح ، وزوال كيان الاستعمار الاستيطاني كغدة سرطانية خبيثة في قلب المنطقة العربية والإسلامية .