“الحدث السياسي” مشهد في فيلم، أما “القصة السياسية” فسيناريو فيلم (!!) بقلم اسامة عكنان

ArabNyheter | 2013/09/21
الفرق بين "الحدث السياسي" و"القصة السياسية" (!!)"الحدث السياسي" مشهد في فيلم، أما "القصة السياسية" فسيناريو فيلم (!!)النموذج الجزائري بين "الحدث" و"القصة" في لعبة السياسة (!!)عندما نعتبر أن "الحدثَ السياسي" هو ذاته القصة السياسية، وننطلق منه وحده فنحوله هو ذاته إلى سيناريو، بينما نختزل "القصة السياسية" المتكاملة، في حدث سياسي مبتور ومزيَّف، فإننا نثبت أننا جهلة بالسياسة بمنتهى الجدارة (!!)فلنبَسِّط المسألة (!!)* أن يتمَّ تعرُّض مئات الفلاحين الجزائريين في قرى الريف الزراعي وعائلاتهم نساء وشيوخا وأطفالا للذبح على أيدي الإرهابيين خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، في أكثر من مكان، وفي أكثر من تاريخ، وبأكثر من طريقة، ولأكثر من سبب مباشر، فإننا نشير إلى "أحداث سياسية" (!!)* أن تحدثَ هجرة هائلة لمئات آلاف الأسر الجزائرية من الريف الجزائري وقراه الزراعية، باتجاه المدن الكبرى في الساحل، وبالأخص إلى "الجزائر العاصمة"، و"وهران"، و"قسنطينة"، و"عنابة"، و"سكيكدة"، و"بجاية"، و"مستغانم"، و"بومرداس"، و"تبازا"، و"شرشال".. إلخ، خلال الفترة الممتدة من منتصف تسعينيات القرن الماضي، وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي، في ترافقٍ تامٍّ مع حالةِ الهلع والرعب التي أصابت الفلاحين بسبب الأعمال الإرهابية المجنونة التي لم تستثنِ منهم أحدا، حتى وهو يصلي في المسجد، فنحن نشير إلى "أحداث سياسية" (!!)* أن تُظْهِرَ التقارير والإحصائيات الجزائرية الرسمية أن الفلاحين الذين حصلوا على أراضيهم الزراعية بموجب "الثورة الزراعية" التي قضت على كلِّ مظاهر الإقطاع في عهد الرئيس الراحل "هواري بومدين" من خلال مشروع "الألف قرية زراعية"، مستفيدين من العدالة، وعائشين بكرامة المالك للأرض التي يزرعها، ومسهمين في استكمال تحويل "الريف الجزائري" إلى سلة غذاء للجزائر.. نقول.. أن تُظْهِرَ التقارير أن هؤلاء الفلاحين قد اضطروا وهم يحزمون حقائبَهم للهجرة إلى الشمال باتجاه مدن البحر وغيرها، هربا من الموت العبثي الأسود الذي لم يفهموه، إلى بيع أراضيهم تلك، بأسعارٍ بخسة لتجار وسماسرة أراضٍ مليارديرات، معظمهم ضباط جيش كبار أو يوصلون إليهم، ظهروا فجأة ليستثمروا رعب الفلاحين بمنطق مرتزقة الموت، فنحن ما نزال في دائرة "الأحداث سياسية" (!!)* أن تُظْهِرَ التقارير الاقتصادية الجزائرية والعالمية انخفاض الإنتاج الجزائري من المواد الزراعية والحيوانية الأساسية التي كانت تمثل روافد الأمن القومي الغذائي للجزائريين مثل "القمح"، و"الشعير"، و"الحَلفا/المصدر الأهم لصناعة الورق في العالم"، و"الذرة"، و"اللحوم الحمراء"، و"البرسيم"، و"الزيوت النباتية".. إلخ، ولجوء الحكومة الجزائرية إلى فتح باب استيراد تلك المواد بعطاءات تُمْنَحُ لتجارٍ ثبت أن معظمهم من هؤلاء الذين اشتروا تلك الأراضي من الفلاحين المرعوبين الهاربين نجاةً بحياتهم من الموت المحقق، بعد أن حولوها من أراض تنتج للجزائريين غذاءَهم، إلى أراض تُنْتِج للأوربيين والأميركان ولغيرهم "أزهارهم"، و"فراولتهم"، وفواكهم النفيسة"، و"متطلبات رفاهيتهم هم وحيواناتهم".. إلخ، فتلك أيضا "أحداث سياسية" (!!)* أن تكون الأسباب الحقيقية للانقلاب على شرعية "صندوق الانتخاب" في الجزائر عام 1992 من قبل الجيش، بعد وصول "الإسلام السياسي" إلى السلطة بخيار شعبي ديمقراطي لا غبار عليه، تتمثل – خلاقا لما يُشاع من أن الإسلام السياسي ممثلا هناك في الجبهة الإسلامية للإنقاذ سوف يؤسْلِم الدولة ومؤسساتِها، ويقضي على معالم المدنية والديمقراطية في البلاد – في أن الإسلاميين المنتَخَبين – وإن كانوا قد يسعون إلى بعض ما تمت إخافة العالم منهم بسببه، فنحن لسنا معنيين بتبرئتهم من ذلك الوهم الأرعن الذي يعشِّشُ في أدمغتهم – أظهروا في برامجهم بكل وضوح ضرورةَ إنهاء سيطرة الجنرالات والعسكر على الدولة الجزائرية، وإعادتهم إلى ثكناتهم، وإبعادهم عن السياسية، وتحقيق نماذج من العدالة الاقتصادية تتعارض مع النهج السائد، والذي عمَّقَ الفقر، وفاقم البطالة، ورسَّخَ الفرز الطبقي، وأظهر فئة المليارديرات الطُّفيلية من التجار، على مدى العقد الممتد من وفاة الرئيس بومدين نهاية عام 1978 وحتى ثورة أكتوبر نهاية عام 1988، هو أيضا "أحداث سياسية" (!!)* أن يتم إغلاق آلاف المصانع الجزائرية التي أُنْشِئت في "العهد البومديني" كقاعدة لدولة صناعية كبرى، لمختلف الأسباب، بعد بيعها للسماسرة والطفيليين والتجار الذين اشتروا الأراضي فعرُّوها، ليشتروا المصانع بأثمان بخسة ويُصَفُّوها ويحولوا الجزائر إلى دولة تستورد المسامير، بعد ما كانت قد أصبحت قبل رحيل "بومدين" قاب قوسين أو أدنى من تصدير الصواريخ، "أحداث سياسية" (!!)* أن تظهرَ بين الحين والآخر تقاريرُ صحفية متسرِّبَة تمكنت من اختراق كلِّ حواجز الكذب والاستخبارات والرقابة، تقول بأن المجازر الإرهابية المنسوبة إلى الجماعات الإسلامية، هي أعمال يديرها بعض كبار الضباط في الجيش والمخابرات، هي من أهم "الأحداث سياسية" (!!)* وأن تظهرَ اعترافات هنا وهناك من وقت لآخر في أوربا، على ألسنة جزائريين غير معروفين، يختفون فجأة بعد اعترافاتهم، بأن الكثير جدا من أعمال القتل والترويع خلال تلك الفترة، كانت تشرف عليها أجهزة مخابرات فرنسية بالتنسيق مع ضباط جزائريين، وعملاء فرانكوفونيين، معظمهم من الأقلية الأمازيغية التي لا تعترف لا بعروبة ولا بإسلامية الدولة الجزائرية، وإنما بتبعيتها لفرنسا، من أمثال الدكتور "سعيد سعدي" زعيم حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، والذي يأنف الحديث بالعربية حتى كلغة ثانية، بعد الفرنسية التي يعتبرها لغته الأولى، حتى قبل لغته الأمازيغية التي يريدها لغة ثانية لكل الجزائريين، رغم أنه لفظها هو كلغة أولى لمن يعتبر نفسه يمثلهم، معتبرا أن أكبر إنجاز لحزبه في حال وصوله إلى الحكم في الجزائر هو إعادة العطلة الأسبوعية للجزائريين لتصبح يوم "الأحد"، بعد أن ابتلاهم "بومدين" بجعلها يوم "الجمعة"، رغم أنها كانت في السنوات الأولى للاستقلال يوم "الأحد"، هي من أهم "الأحداث السياسية" لتلك الحقبة من الزمن (!!)* أن يقفز الإعلام الجزائري والأوربي، وبالأخص الفرنسي منه على كلِّ تصريحات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بأنها بريئة من أعمال العنف، وبأنها تُدينها، وبأنها لا تمت إلى الإسلام بصلة، وبأنها أعمال إجرامية يتحمل الجيش الجزائري الذي انقلب على الشرعية وعلى الانتخابات وحده مسؤوليتها، وأن يتغاضى الإعلاميون والصحفيون الجزائريون حتى عن مناقشتها والتلميح باحتمال صحتها فقط ولو نسبيا، هي من أهم "الأحداث السياسية" لتلك الحقبة السوداء من تاريخ الجزائر (!!)* أن يحدث عن طريق خطإ في الطبيعة وفي الطقس، أن يفيض في إحدى السنوات الزراعية إنتاج القمح الجزائري عما اعتادت الحكومة على شرائه من بقايا الفلاحين المحليين، بعد أن تعودت على تمويل استيراده بعطاءاتٍ مُجزية للسماسرة من أموال النفط والغاز الجزائريين، من شركات أجنبية معظمها أميركية وأسترالية وكندية، لتُصِرَّ على عدم استعدادها لشراء ذلك القمح الفائض من الفلاحين، وأن عليهم أن يُتْلِفوه ويتخلصوا منه بأيِّ طريقة، لأنها ملتزمة بعقود مع مستوردين جزائريين رستْ عليهم عطاءات الاستيراد من كندا لذلك الموسم، علما بأن الفلاحين الجزائريين أبدوا استعدادهم لقبول بيع قمحهم لهؤلاء التجار بأقل من أسعار الاستيراد وبالعملة الجزائرية بدلا من العملة الصعبة التي سيدفعونها للشركات الكندية، وعلما بأن الحكومة الجزائرية تستطيع بيع ذلك القمح للشعب الجزائري بنفس أسعار التوافق مع هؤلاء المستوردين.. نقول.. أن يحدث ذلك فإنه "حدث سياسي" بالغ الدلالة والخطور (!!)نعم إن كل تلك الوقائع التاريخية التي ذكرناها "أحداث سياسية" متناثرة، بعضها يعرفه المتابع العادي للأحداث، وبعضها لا يعرفه إلا المتعمق والضليع في الشأن الجزائري والمطل عليه من داخله (!!)ولكن هذه "الأحداث السياسية"/المَشاهِد، تبقى غير قادرة على منحنا "فهما سياسيا"، إذا لم نتمكن من مَنْتَجَتِها وتوليفها بحِرَفِيَّةٍ عالية، لتشكل سيناريو لفيلم يروي لنا "القصة السياسية" الكامنة وراء تلك المشاهد المتناثرة ذاتها (!!)فما هي "القصة السياسية" التي ترويها تلك "الأحداث السياسية" (؟!)– انقلاب مباشر وواضح وسريع على الشرعية الديمقراطية التي أنتجتها ثورة أكتوبر 1988 والتي راح ضحيتها مئات الشهداء بنيران الجيش والشرطة في مختلف مدن الجزائر، لأسباب اقتصادية تتعلق بمصالح العسكر وجنرالات الجيش والشرطة والمخابرات وكل أجهزة الأمن، وكل من ارتبط بهم من الفاسدين والطفيليين الذين استكملوا سرقة الدولة وثرواتها ووجهتها ومستقبلها منذ "ديسمبر" عام 1978، تاريخ وفاة الرئيس بومدين، وحتى "أكتوبر" عام 1988 تاريخ الثورة الشعبية. مع أن الدولة الجزائرية كانت قد بدأت تُسْرَق منذ اليوم الأول للاستقلال، بل ربما قبله، ولكن بشكل لا يمسُّ كرامة الشعور العارم بأمجاد الثورة التي كانت ما تزال طازجة، بعد أن اكتفى اللصوص بالتمهيد لمشروعهم المستقبلي الذي تمكنوا من السيطرة على أدواته ومكوناته وحلقاته بعد رحيل الرئيس بومدين، بأن قفزوا قفزتهم الأولى على الثورة، وبعد تمكنهم من تسليم الكثير من المراكز الأولى في الدولة لنخبة من الفرانكفونيين الذين تربوا في أحضان الثقافة الفرنسية والمخابرات الفرنسية من العائدين من المهجر بعد استقلال الوطن (!!)– لأجل مسح آثار جريمة الانقلاب على الشرعية الديمقراطية ومنحه شرعية إصلاحية، كان من الضروري أن يظهر الانقلابيون وكأنهم يخوضون حربا شرسة على الإرهاب وضد الفاشيستية الدينية الإسلامية، التي أصبحت الحرب عليها هي موضة العصر لمن أراد استحلابَ رعب الشعوب وتسليمها زمام أمورها لكل من هبَّ ودبَّ ممن يستطيع خداعَها بأنه يدافع عنها وعن مستقبلها ومصير أبنائها. وهو ما يمهد لهم الأرضية الخصبة لتشكيل الرأي العام الجزائري على نحو يسهل لهم مهمة القضاء على "الإسلام السياسي" الذي أثبت أنه وحده الخطر الحقيقي على مشروع استكمال عسكرة الدولة في إطارها الوظيفي المتماهي مع الرأسمالية العالمية واقتصاد السوق، عبر تحويل الدولة الجزائرية إلى دولة تجارية ريعية مثل دول الخليج العربي، بعد أن كانت تحث الخطى قبل رحيل الرئيس بومدين نحو أن تصبح "يابان العرب وإفريقيا" بكل ما للكلمة من معنى (!!)– ولكي تتاح فرصة استكمال مشروع "الجزائر الريعية الوظيفية"، التي يحكمها "العسكر بواجهة التجار والطفيليين"، كان لابد من أن تخاضَ الحرب على الإرهاب على نحو يحقِّقُ الغاية منها بشكل تلقائي غير مصطنع. فالإنتاج الزراعي المحلي كي يتوقف متيحا الفرصة للزراعة التصديرية وللغذاء المستورد، يجب أن يترك الفلاحون أراضيهم لأرباب الثروة والمال الجدد، الذي سيتولون القيام بالمهمة في بعدها الاقتصادي. وكي يتم ذلك يجب أن يُروَّع الفلاحون ويتركوا أراضيهم ويبيعوها بأبخس الأثمان. وهذا يحتاج إلى جرائم قتل وذبح مستمرة ضد الفلاحين في كل مكان تُنْسَب إلى "الإسلام السياسي" يتعاون على تنفيذها كل من له مصلحة في ذلك، وقد يكون من بينهم بعض الفئات الإسلامية مغسولة الأدمغة قطعا من تلك التي أُحْسِنَ اختيارُها وأُحْسِنَت تربيتُها بشكل مدروس لإتمام مهماتها على النحو المطلوب. وكل ذلك سيُرْفَقُ بعملية دهورَةٍ للصناعة عبر استكمال بيع المصانع كما سبق وأن أشرنا (!!)وبالتالي، أليست محاربة سنبلة القمح الجزائرية التي اختبرت بها الطبيعة سياسة نظام العسكر هناك، عندما جاءت فائضة عن الحاجة في عام من الأعوام السوداء، دليلا قاطعا على أن "القصة السياسية" لكل "الأحداث السياسية" التي شهدتها تلك الدولة المنهكة منذ عام 1992 وحتى الآن، هي ذاتها القصة التي رمَّمْنا بناء السيناريو الخاص بها من تلك المشاهد المتناثرة (!!)لن نعلق بأكثر مما قلناه وذكرناه (!!)ولكننا نلفت الانتباه إلى أن سيناريو "القصة السياسية" في جزائر ربع القرن الأخير، يتكرر في أكثر من مكان من الوطن العربي (!!)فلننتبه كي لا ننخدع (!!)فحيثما رأينا ذلك التجاذب بين "ثورة شعبية" و"جنرالات عسكر"، بكبش فداء اسمه "الديمقراطية والمدنية"، على مذبح "محاربة الإرهاب" الذي تقوده "الفاشيستية الدينية"، فلنبحث عن الاقتصاد، في حزمة مصالح بغيض آثم بين "العسكر" و"الكومبرادور" و"البيروقراط" (!!)تذكرت في هذا السياق كلمة شهيرة للرئيس الفرنسي الراحل "فرانسوا ميتران" صرَّح فيها بقوله فور اعتلائه للسلطة في قصر فرساي في ثمانينيات القرن الماضي:"إن الرئيس شارل دوغول تنازل عن الجزائر للجزائريين، وأنا سوف اعيدها للفرنسيين" (!!)كان من الصعب حتى على النابهين أن يفهموا مغزى كلام الرئيس ميتران في ذلك الوقت (!!)لكني بدأت أفهمها مع أحداث عام 1992، واستكملت فهمها مع حلول الألفية الثالثة (!!)وبشيء قريبٍ من هذا المغزى صرح الفريق "سامي عنان" رئيس هيئة الأركان المصرية السابق عندما سألته المذيعة عقب فوز الرئيس "محمد مرسي" بكرسي الرئاسة:"خلاص يا سيادة الفريق، سلمتو الشعب المصري للإخوان المسلمين (؟!)عندما رد عليها قائلا وهو يبتسم ابتسامة ماكرة:"بل قولي خلاص سلمنا الإخوان المسلمين للشعب المصري" (!!)