المفاوضات وتصفية قضية فلسطين (1/2)
د.غازي حسين
تسير المفاوضات منذ البداية وحتى اليوم بحسب المخططات الاسرائيلية ولخدمة المصالح الأمريكية ومصالح الكيان الصهيوني وتخليد وجوده في قلب الوطن العربي. وليس لإيجاد حل عادل لقضية فلسطين، وبرعاية وتسويق الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني، وبدعم ممن أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب وعلى رأسهم حسني مبارك.
ويجري حالياً تحقيق رؤية الدولتين التي أخذها بوش من مشروع شارون للتسوية، وضمّنها خارطة الطريق، التي تبنتها الرباعية الدولية، ووافق عليها رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته.
قيادة فتح والكفاح المسلح
ساد في حركة فتح في وقت مبكر اتجاهان:
الأول: يؤمن بالكفاح المسلح من أجل التحرير وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
والثاني: تبنى الكفاح المسلح من أجل التحريك للتوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات المباشرة، وبرعاية الولايات المتحدة ودعم دول النفط العربية ونظام كامب ديفيد في القاهرة.
نجح الرئيس كارتر بحمل السادات على توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد عام 1978، ثم معاهدة السلام المصرية- الاسرائيلية عام 1979. وبذلك تحقق حلم بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني بإخراج النظام المصري من المواجهة وتحويله للقيام بدور العرّاب لتسويق التسوية الصهيونية- الأمريكية على حساب الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا العربي الفلسطيني.
وبدأت مرحلة تجزئة الصراع العربي- الصهيوني إلى نزاعات اسرائيلية- مصرية، واسرائيلية- فلسطينية، واسرائيلية- أردنية، واسرائيلية- سورية، واسرائيلية- لبنانية.
رفع ياسر عرفات شعارات: القرار الفلسطيني المستقل، وفلسطنة قضية فلسطين، وفصلها عن بعديها العربي والإسلامي، وبدأ التشكيك في جبهة الصمود والتصدي، والحديث عن الواقعية والعقلانية، والتشكيك بالثوابت الوطنية والقومية والتاريخية والفكرية والسياسية لقضية فلسطين.
وأدى الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 إلى إخراج منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها من لبنان بموجب الاتفاقات التي وقعها فيليب حبيب مع ياسر عرفات وتحويل منظمة التحرير من مقاتلة إلى سياسية ومقرها تونس العاصمة.
طرح ريغان مبادرته بعد يومين من خروج آخر المقاتلين الفلسطينيين من بيروت وقبل انعقاد قمة فاس الثانية في الخامس من أيلول 1982، والتي أقرت مشروع الأمير فهد. وأصبح يعرف بمشروع السلام العربي. ووقع عرفات مع الملك حسين اتفاق عمان في 11 شباط 1985، ونص على الكونفدرالية. وحمل مبارك عرفات على توقيع إعلان القاهرة في 7 تشرين الثاني 1985، متضمناً شجب منظمة التحرير وإدانتها لجميع العمليات الإرهابية ووقف عمليات المقاومة داخل الكيان الصهيوني.
المجلس الوطني في الجزائر عام 1988 والموافقة على الشروط الأمريكية
اشتعلت الانتفاضة الأولى بعفوية شعبية في أواخر عام 1987، وفاجأت القيادة الفلسطينية، وفشل العدو الصهيوني بالقضاء عليها. وشكّل لها عرفات قيادة تابعة لمنظمة التحرير. وأخذ يعلن استعداده لإلغاء الميثاق والتخلي عن الكفاح المسلح، والدخول في مفاوضات مباشرة مع العدو، والتفاوض على أساس مبادرة ريغان واتفاق عمان وإعلان القاهرة. وعقد دورة المجلس الوطني التاسع عشر في الجزائر بتاريخ 12/11/1988 لحمل المجلس الوطني الموافقة على الشروط التي وضعها كيسنجر على منظمة التحرير لبدء الحوار الأمريكي معها.
وقرأ عرفات في ختام دورة الجزائر بتاريخ 15/11/1988 إعلان الاستقلال وقيام دولة فلسطين وتشكيل حكومة مؤقتة.
وتضمن البيان السياسي التوجه السلمي لمنظمة التحرير لتسوية قضية فلسطين، وضرورة انعقاد المؤتمر الدولي على قاعدة قراري مجلس الأمن الدولي 242و 338 وبإشراف الأمم المتحدة، وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. وربط البيان السياسي العلاقة مع الأردن بالكونفدرالية بين دولتي الأردن وفلسطين، وتضمن البيان رفضاً "للإرهاب" بكل أنواعه، والالتزام بإعلان القاهرة عام 1985.
انعقدت دورة المجلس الوطني في الجزائر لتقديم استحقاقات سياسية للإدارة الأمريكية لبدء الحوار الأمريكي الفلسطيني، كمقدمة لبدء الحوار الفلسطيني- الاسرائيلي فيما بعد.
وأكد عرفات ذلك في مؤتمره الصحفي بعد انتهاء دورة الجزائر قائلاً: "إن الكرة الآن في الملعب الأمريكي، وإن دورة الجزائر هي دورة من أجل السلام، إذا كانت الولايات المتحدة واسرائيل ترغبان في السلام".
وأكدت مجلة وول ستريت جورنال "أن الخطوات التي اتخذت في الجزائر كانت موجهة لواشنطن بالدرجة الأولى".
وأكدت مجلة ديرشبيغل الألمانية " إن قبول منظمة التحرير بحق "اسرائيل" في الوجود وبالقرارين 242 و338 ونبذ الإرهاب تكون قد وافقت وأقرت بالشروط الأمريكية الثلاثة التي كان كيسنجر قد فرضها على المنظمة".
قدمت دورة الجزائر تنازلات جوهرية تمس صميم قضية فلسطين، ووضعت استراتيجية جديدة لمنظمة التحرير استجابت فيها للعديد من الشروط الأمريكية والاسرائيلية.
اعتبرت الولايات المتحدة أن قرارات الجزائر غير واضحة وغير مستوفية للشروط الأمريكية، وقال الرئيس ريغان (نحن نريد كلمات أكثر وضوحاً وأكثر تحديداً).
وبتاريخ 14/12/1988 عقد عرفات مؤتمراً صحفياً قرأ فيه بيان جنيف الذي استجاب فيه للصيغة التي طلبتها الإدارة الأمريكية، وكرر فيه إدانته ورفضه للكفاح المسلح والتخلي عنه، وأن الرغبة في السلام استراتيجية وليست تكتيكاً، ولن يتراجع عنها إطلاقاً، وأن تقرير المصير يعني بقاء الفلسطينيين ولا يدمّر بقاء الاسرائيليين، وأن القرار 181 أساس الاستقلال، وأن القبول بالقرارين 242 و338 كأساس للمفاوضات مع (اسرائيل).
أصدر الرئيس ريغان في اليوم نفسه أي في 14/12/1988 قراراً ينص على فتح الحوار الأمريكي مع منظمة التحرير. ووجه وزير الخارجية شولتس في اليوم نفسه أيضاً رسالة إلى بيرس وشامير يقول فيها إن منظمة التحرير قبلت بالقرارين 242 و338، واعترفت بصورة واضحة بحق (اسرائيل) بالوجود ونبذ الإرهاب، لذلك نعتزم بدء الحوار معها.
وأكد الرئيس ريغان أن الهدف من الحوار مع المنظمة هو مساعدة (اسرائيل) على تحقيق الاعتراف بها والأمن لها وجعلها جزءاً لا يتجزأ من المنطقة.
ولادة اتفاق الإذعان في أوسلو
وصلت قيادة عرفات في بداية التسعينات من القرن الماضي إلى حافة السقوط بسبب تنازلات عرفات وفرديته واستبداده وهيمنة اللون الواحد على المنظمة وفقدان القيادة الجماعية والوحدة الوطنية وانتشار الفساد والإفساد في فتح ومنظمة التحرير، وتأييده لاحتلال العراق للكويت وفقدان منظمة التحرير لدولارات دول النفط العربية. وخشي العدو الصهيوني من ضعف مكانته وانهيار زعامته، فأسرع وفتح معه قناة أوسلو السرية، على الرغم من وجود الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن برئاسة د. حيدر عبد الشافي.
بدأت المباحثات بين أحمد قريع ويائير هير شفيلد في لندن في كانون الثاني 1993 خلال اجتماع لجنة المفاوضات المتعددة الأطراف التي انبثقت عن مؤتمر مدريد عام 1991. واقترح هير شفيلد على قريع متابعة المباحثات في النرويج. وطرح قريع الأمر على محمود عباس فوافق وعرض عليه أن يصطحب معه حسن عصفور لتسجيل محضر الاجتماعات.
سافر أبو العلاء (قريع) وحسن عصفور وماهر الكرد في 20/1/1993 إلى أوسلو. ودارت خمس جولات حتى 8/5/1993، وانضم أوروي سافير، المدير العام لوزارة الخارجية الاسرائيلية للوفد الاسرائيلي إلى الجولة السادسة بتاريخ 21/5/1993. والتحق المحامي يوئيل سنجر إلى الجولة السابعة بتاريخ 13/6/1993 لإنجاز الصياغات القانونية للوفد الاسرائيلي. وتوصل الجانبان إلى اتفاق في الجولة الثانية عشرة بتاريخ 17/8/1993، حيث وصل شمعون بيرس وقاد الجولة الختامية للمفاوضات.
كان عرفات وعباس وعبد ربه ومحسن إبراهيم يتابعون المفاوضات في تونس، ورابين في القدس المحتلة، وبيرس والفريق الاسرائيلي المفاوض والفريق النرويجي في أوسلو مع قريع وحسن عصفور. وتوصلوا إلى الاتفاق الذي وقعه عرفات.
وقع عرفات اتفاق أوسلو في 9 أيلول 1993، وجاء فيه تأكيد تعهدات منظمة التحرير الفلسطينية التالية: " إن منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق اسرائيل في العيش في سلام وأمن، وتوافق على القرارين 242 و338 لمجلس الأمن، وتلتزم بمسيرة السلام في الشرق الأوسط، وبالمشاركة في إيجاد حل سلمي ينهي النزاع بين الطرفين، وتعلن أن جميع المسائل المتعلقة التي ترتبط بالوضع الدائم سيتم تسويتها عن طريق التفاوض. وتعتقد م.ت.ف أن توقيع إعلان المبادئ يعد حدثاً تاريخياً ينبئ ببدء عهد جديد من التعايش والاستقرار ومن ثم فإن م.ت.ف تتخلى عن الإرهاب وعن أي عمل من أعمال العنف. وستتحمل المسؤولية بالنسبة لكل عناصر م.ت.ف، وتتعهد بتدارك أي انتهاك لهذه التعهدات، وباتخاذ إجراءات تأديبية ضد أي مخالف لها. وتؤكد أن مواد ونقاط الميثاق الفلسطيني التي تنكر حق اسرائيل في الوجود، وأيضاً نقاط الميثاق التي تتعارض مع التعهدات الواردة في هذه الرسالة عديمة الأثر وغير سارية المفعول".
ورد الجنرال رابين على رسالة عرفات برسالة جاء فيها:
(رداً على رسالتكم المؤرخة في 9/9/1993 أود أن أعلن لكم أنه على ضوء تعهدات م.ت.ف الواردة في هذه الرسالة فقد قررت الحكومة الاسرائيلية الاعتراف بمنظمة التحرير بصفتها الممثل للشعب الفلسطيني وبدء مفاوضات مع م.ت.ف في إطار مسيرة السلام في الشرق الأوسط).
ووقع محمود عباس إعلان المبادئ في البيت الأبيض بتاريخ 13/9/1993 وبحضور الرئيس كلنتون.
(علق الرئيس الخالد حافظ الأسد على اتفاق الإذعان في أوسلو بقوله «إن كل بند من بنوده يحتاج إلى اتفاق»).
وعلق عليه المفكر إدوارد سعيد وقال (إنه لم يسبق لأي حركة تحرر وطني في التاريخ أن باعت نفسها لأعدائها كما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية).
جرى في اتفاق أوسلو تغييب القضايا الأساسية للصراع، حيث لم يعترف الاتفاق بالشعب الفلسطيني وبحقوقه الوطنية. واعترف رئيس منظمة التحرير بالكيان الصهيوني على 78% من مساحة فلسطين، وإبقاء الـ 22% المتبقية ضمن الأراضي المتنازع عليها. وأثبت حصاد أوسلو المر والمرير فشل هذا الاتفاق في تحقيق أية حقوق وطنية للشعب الفلسطيني فلا انسحاب للقوات المحتلة، ولا سيادة وطنية، ولا حق تقرير مصير، ولا أية حقوق دولية أو إنسانية. واستمر العدو الصهيوني بالاستعمار الاستيطاني والتهويد والقتل والتدمير والترحيل والتمرد على القرارات والمرجعيات الدولية.
ولا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من الويلات والمصائب التي جلبها اتفاق أوسلو الذي أنهى الانتفاضة الأولى. وحقق العدو الصهيوني بالمفاوضات السرية والمنفردة من توقيع اتفاق أوسلو عدة أهداف منها:
-إنهاء عرفات للانتفاضة الأولى وإنقاذ قيادته من السقوط والانهيار.
-إدانة المقاومة ونعتها بالإرهاب والتخلي عنها ومعاقبة رجالها.
-الاعتراف بالكيان الصهيوني من دون اعتراف الكيان الصهيوني بالحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني.
-وإقامة سلطة الحكم الذاتي والتعاون بين أجهزتها الأمنية وأجهزة الاحتلال الصهيوني الأمنية.
وكان توقيع اتفاق الإذعان نقطة تحول استراتيجية في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني لصالح العدو. ووصف شمعون بيرس توقيع الاتفاق بـ (ثاني أكبر انتصار في تاريخ الحركة الصهيونية).
عناوين:
(قال الرئيس الخالد حافظ الأسد عن اتفاق الإذعان في أوسلو "إن كل بند من بنوده يحتاج إلى اتفاق").
(جرى في اتفاق أوسلو تغييب القضايا الأساسية للصراع، حيث لم يعترف الاتفاق بالشعب الفلسطيني وبحقوقه الوطنية. واعترف رئيس منظمة التحرير بالكيان الصهيوني على 78% من مساحة فلسطين، وإبقاء الـ 22% المتبقية ضمن الأراضي المتنازع عليها)