من الطبيعي أن يشكّل العمل الدرامي الوطني الهادف، من خلال المسلسلات الرمضانية، وغيرها، مادّة توثيقية عن مسار أحداث في تاريخ وطن، سنجد أن الدراما السورية الهادفة قد شكّلت بالتقادم إرثاً معرفيّاً وتوثيقياً عالج الكثير من الموضوعات الاجتماعية والوطنية والتاريخية، والعلاقات الإنسانية في نسيج المجتمع الواحد.


ونستطيع أن نقول إن أيّ إنتاج أو مشروع إنتاج لعمل دراميّ يحاكي مشاكل الوطن بكل مناحيه، يعدّ أمانة أدبية، ومصداقية نقل أحداث واقعية ولو كانت مشحونة بمواقف نقد اجتماعي أو سياسي فلا بأس، فنحن بأمسّ الحاجة إلى مثل هذا النقد البنّاء وليس الهادم والمدمّر.
«المعارضة» ضرورة، من المفترض أن تكون معارضة وطنية لا تسكت عن ظلم، ولا تتماشى مع فساد، وتشير إلى مواطن الخلل، تساهم بالبناء وليست معول هدم، فالكل مهموم بشؤون الوطن وتقدمه ورفعته، وتخلّصه من مواطن الخلل، والأعمال الدرامية بمجموعها ومضامينها هي أيضاً في هذا المسار.
ولأن مثل هذه الأعمال، هي الأكثر انتشاراً، وتأثيراً، فهي لذلك أكثر خطورة، ويتحمّل كل من يساهم في أعمال كهذه المسؤولية، فالأمر لا تقتصر تداعياته الإيجابية أو السلبية على جهات وأشخاص بعينهم، بل يخصّ الأمّة والوطن.
لقد جرت محاولات في بعض الأعمال الدرامية، قديماً وحديثاً، زوّرت وزيّفت مسار أحداث وتاريخ وذاكرة، وأساءت لصور بعض رموزنا الوطنيين والتاريخيين والقادة، ومن بعض السلف الصالح الذين نعتزّ بهم، فمن قال ومن تقوّل على هذا وذاك دون تأصيل معلومة، أو شفافية في الطرح، والغاية واحدة وواضحة تكمن في محاولة تشويه ما يمكن تشويهه من ماضينا وحاضرنا لكي نبدو أننا أمّة لا نستحق الحياة، لكن تلك المحاولات ذهبت جفاءً، لأن الوعي المتأصّل في صدور وضمائر الناس يرفض هذا العبث الرخيص.
وحتى يكون الحديث عن الأعمال الدرامية حديثاً عامّاً، لا أتحدث عن عمل بعينه، ولا عن شخص بعينه، ولا عن فريق عمل بعينه، بل أعود إلى المسلمات المفترضة، وهي بداية فيمن يكتب هذا العمل ومستوى علمه وفهمه وإدراكه لتفاصيل ما يكتب ومن مراجع موثّقة، وصادقة، ومن أفواه وذاكرة ناس عاشوا الأحداث وسمعوا وشاهدوا، كي يقدّم مادّة محايدة ومقبولة ومحترمة، وليست محشوّة بالتزييف والتزوير والكذب والمبالغات غير المعقولة.
لا بأس من نقد مهما كانت شدّته، ولكن من أرض حياد مطلق أساسه مصلحة الوطن.
كما أن إنتاج مثل هذه الأعمال، من المفترض أن يكون وطنيّاً، أو من جهات محايدة تسعى إلى التوثيق الصادق، وليست من جهات شريكة بالمعاداة، «تتصيّد» نصوصاً من أجل تمرير مكاسب سياسية ولو كانت محمولة على كمّ كبير وهائل من المبالغات والكذب والفبركة واللامعقول.
أن يحمل الكاتب نصّاً يدرك تماماً أنه لا ينتمي لقيمة الوطن أرضاً وتراثاً وتاريخاً، ويخرج به إلى دول يعرف أيضاً أنها معادية وفي مسار المخطط البشع الذي يستهدف دولنا العربية بالتفتيت والتدمير وقتل الحياة، ثم يجد في تلك الدول سخاءً وبذلاً منقطع النظير في إنتاج عمله المبنيّ أساساً على سخافة وكذب وضحالة فكر، يمكن للمواطن العادي «المحايد» في أيّ مكان في الوطن العربي أن يتساءل ويبحث عن الحقيقة.. ولن يجد لها في مسار هذه الأعمال أجوبة.
إن مثل هذه الأعمال الدرامية، ليست للاستهلاك المحلي الوطني الذي يدرك مدى التدجيل فيها، ويعرف أنها الأبعد عن التأصيل والتوثيق والشفافية، فهي حصراً للاستهلاك الخارجي لاجترار المزيد من الدعم والتمويل لأعداء الحريّة، وقتلة الحياة، لكن مصيرها كما كلّ عمل تافه ومفبرك.. النسيان.