للأجيال القادمة كي لا تنسى

((إسرائيل)) وترحيل الشعب الفلسطيني

د.غازي حسين

خططت الحركة الصهيونية لترحيل الشعب العربي الفلسطيني من وطنه فلسطين وتفريغ الأراضي الفلسطينية منه وتهجير يهود العالم إليها وإحلالهم محله لتهويدها وإقامة دولة اليهود على أساس عنصري كمرتكز ونقطة انطلاق لإقامة إسرائيل العظمى والهيمنة على البلدان العربية كمقدمة لهيمنة اليهودية العالمية على العالم.
ووضعت خطط ومشاريع ولجان الترانسفير (الترحيل) لإقامة "دولة اليهود" ولتغيير الوضعين الديمغرافي والجغرافي في فلسطين العربية. وبالتالي إقامة دولة نقية خالية من غير اليهود. واتخذت من الإرهاب والعنصرية والإبادة وبالتحديد المجازر الجماعية للترحيل الجماعي للعرب الفلسطينيين خارج وطنهم فلسطين.
وبالفعل نجحت عن طريق المجازر وحرب عام 1948 التي أشعلتها في ترحيل نصف الشعب الفلسطيني خارج وطنه. واستخدمت نفس الأسلوب، أسلوب الحروب في عام 1967 لترحيل جزء كبير منه من الضفة الغربية وقطاع غزة وفرض توطينهم على الدول العربية المجاورة لفلسطين.
ووضعت مخططات جديدة للتخلص من "الخطر الديمغرافي العربي" ولتهويد الأراضي والمقدسات العربية. ونادى حزب العمل في بادئ الأمر بالتنازل عن القرى والمدن الكثيفة السكان وضم الأراضي القليلة السكان. ونادى الليكود بحكم ذاتي إداري للسكان وليس للأرض وبقاء الأراضي المحتلة تحت السيادة الإسرائيلية، وتفريغ الأراضي المحتلة من المواطنين بترحيلهم وحل المشكلة الديمغرافية والاستيطان في كل مكان من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وطالب المؤسسون الصهاينة وعلى رأسهم تيودور هرتسل وجابوتنسكي وبن غوريون بترحيل العرب من فلسطين إلى الدول العربية المجاورة وتوطينهم فيها.
وبدأ الترحيل الجماعي الأول في حرب عام 1948، بينما جاء الترحيل الجماعي الثاني في أعقاب حرب حزيران العدوانية عام 1967. وجرى في الترحيلين الأول والثاني تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين لاستيعاب المهاجرين اليهود الجدد محلهم بدعم وتأييد كاملين من الولايات المتحدة وبتمويل من ألمانيا.
ووافقت الحكومة الإسرائيلية على مشروع اقتراح يغال ألون نائب رئيس الوزراء بنقل اللاجئين الفلسطينيين إلى سيناء وتوطينهم فيها، ومحاولة إقناع سكان الضفة والقطاع بالهجرة إلى الخارج.
وشكل مجلس الوزراء وحدة سرية تعمل في الأوساط الفلسطينية لإقناعهم بالهجرة إلى أميركا وكندا وبعض البلدان الأوروبية. وأكد مجرم الحرب شارون ذلك في محاضرة ألقاها في تشرين الثاني 1987 وقال: "بأن السلطات الإسرائيلية عملت طوال السنين الماضية على تقديم التسهيلات للعرب الذين رغبوا في الهجرة وأنه كان هناك منظمة خاصة لذلك الغرض".(56)
وسخرت إسرائيل الحروب العدوانية والمجازر الجماعية والإرهاب والعنصرية في القوانين الإسرائيلية لترحيل الشعب الفلسطيني. ويعترف البريجادير شلومو لاهط أنه "كان مسؤولاً عن عملية طرد (وترحيل) العائلات الفلسطينية المقيمة في حي المغاربة في البلدة القديمة من القدس".
وأمر الجنرال عوزي نركيس، قائد المنطقة الوسطى بنسف وتدمير ثلاث قرى عربية وهي: يالو ونوبا وزيتا قرب اللطرون وترحيل سكانها.
ويعترف ضابط الاحتياط والصحفي عاموس كينان بتدمير القرى الثلاث وترحيل سكانها ويقول: (57)
"تسلمت أمراً بحراسة الجرافات ومنع أية محاولة من قبل القرويين العرب للعودة إلى بيوتهم".
وقام عدد كبير من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي بترحيل 60 ألف فلسطيني من مخيم عقبة جبر وبقية مخيمات أريحا إلى الأردن تنفيذاً لمخططات الترحيل في أعقاب الحروب الإسرائيلية.
وأدت ممارسات إسرائيل الإرهابية والهولوكوست الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني وقتل البشر والشجر والحجر، وتدمير المنجزات الصناعية والزراعية والعمرانية والتعليمية والصحية وحتى المحاصيل الزراعية وقلع الأشجار والعقوبات الجماعية وتصعيد الاستيطان إلى دفع بعض الفلسطينيين إلى مغادرة الضفة والقطاع سعياً وراء مصادر الرزق، ولكن الشعب الفلسطيني أدرك أبعاد مخطط الترحيل فازداد تمسكاً بأرضه وممتلكاته وأشعل الانتفاضتين، الانتفاضة الأولى عام 1987 وانتفاضة الأقصى الثانية عام
2000.
ويقوم الجيش الإسرائيلي باستمرار بنسف المنازل والأحياء الفلسطينية لإجبارهم على الرحيل، كما لا تسمح إسرائيل للفلسطينيين بالتوسع العمراني في أراضيهم على الرغم من التزايد السكاني الكبير في أوساطهم.
ووضعت إسرائيل مخططات لترحيل البقية الباقية من العرب في عكا وحيفا ويافا والناصرة، والطيبة والبدو في النقب. وظهرت في السابع من أيلول 1976 وثيقة يسرائيل كينغ، متصرف اللواء الشمالي، أي الحاكم اليهودي على منطقة الجليل وطالب فيها "محاصرة السكان الفلسطينيين في مدنهم وقراهم وتجريدهم من أراضيهم وممتلكاتهم وإغلاق فرص العمل والتحصيل العلمي أمامهم، والسعي الجاد من أجل إجبارهم على الرحيل".(58)
ودعا الوزير "جوزيف شابيرا" إلى إعطاء مبلغ من المال لكل فلسطيني يوافق على الرحيل. وحذر تقرير وضعه موشي آرنز، وزير الحرب الإسرائيلي من "التكاثر السكاني والتوسع العمراني الفلسطيني ودعا إلى اتخاذ الإجراءات العاجلة اللازمة لوضع حد لهما.(59).
وتحاول "إسرائيل" ترحيل (7000) عربي بقوا في مدينة اللد فتهدم منازلهم بشكل فجائي كما حدث في حي القطار وترفض منحهم رخصاً للبناء. وصرح رئيس بلدية اللد مكسيم ليفي مبرراً هدم المنازل قائلاً: "إن سكان حي القطار هم غزاة دنسوا المكان كما أنهم يشكلون خطراً أمنياً".(60)

تهيمن إبادة غير اليهود في فلسطين على التاريخ التوراتي. وتختار وزارة المعارف الإسرائيلية المقتطفات التوراتية التي تأمر بقتل الأطفال الصغار حتى لو كانوا أسرى حرب في المناهج الدراسية، ومنها على سبيل المثال تقول التوراة على لسان موسى: "إن موسى أنّب جيش إسرائيل لأنه لم يقتل الأطفال الذكور، ثم أعطاه الأمر: اقتلوا إذن كل ذكر من بين الأطفال الصغار".(61)
ويؤكد د. إسرائيل شاحاك "بأنه في سياق تاريخ الشعب اليهودي، كانت للإبادة الجماعية قيمة تصل إلى الأسطورة المقدسة، وقد تم احترام قدسيتها بولهٍ، كحقيقة".
ويدعم المتدينون، والتقليديون والعلمانيون فكرة ترحيل وإبادة العرب استجابة لتعاليمهم الدينية وانطلاقاً من مصالحهم الاقتصادية وأطماعهم في الأرض والمياه والثروات العربية. ويعتبر حاخامات اليهود والصهاينة في الطليعة المعادية للعرب، إذ يؤكد شاحاك ذلك ويقول: "من الصعب جداً وجود حاخام إسرائيلي يقول ولو كلمة واحدة يوصي بها بالعدالة أو الرأفة تجاه العرب".
وطالب الحاخام العنصري عوفيديا يوسيف بطرد كل المسيحيين من فلسطين وبالأخص من القدس، وبإبادة العرب بالصواريخ.
وتنص تعاليم اليهودية وبشكل خاص في سفر يوشع قبل دخوله إلى فلسطين أنه وجّه إنذاراً للسكان قال فيه: "إما أن تستسلموا وترضوا أن تكونوا عبيداً تقطعون الخشب وتحملون الماء، وإما أن تهاجروا إرادياً، وإذا واصلوا الحرب فإنهم سيبادون".(62)
وتناول إسرائيل شاحاك سيطرة الترحيل والإبادة على الشعب الإسرائيلي وقال: "وهناك نكتة إسرائيلية معاصرة، تتحدث عن هؤلاء اليهود الذين لا يؤمنون بوجود الله، ومع ذلك يؤمنون بأنه أعطى أرض "إسرائيل" (من النيل إلى الفرات) لليهود، وأمرهم الله بإبادة أو على الأقل بترحيل غير اليهود إلى خارج أرض "إسرائيل".
وأما بالنسبة لأرض إسرائيل فحددها سفر التكوين من النيل حتى الفرات. ويتخذ اليهود من التوراة تبريراً دينياً مقدساً للتوسع الإقليمي والمجال الحيوي، وبالتالي ارتبطت "إسرائيل" بمشاريع التوراة التوسعية. ويحددها بعض الصهاينة والكيان الصهيوني بأن "الحدود الجنوبية تصل إلى القرب من القاهرة، وتقع الحدود الشرقية داخل السعودية، بحيث تصبح الأردن في قلب أرض "إسرائيل"، وغالباً جداً ما تأخذ الحدود الشمالية الشرقية جزءاً من العراق، وفي بعض الأحيان تمتص الكويت وتتضمن الحدود الشمالية كل الجزيرة السورية، وتتقدم بعيداً في تركيا وتالياً تشمل كل لبنان وسورية والأردن".(63)
وطالب البروفسور أرنون سوفر في بداية كانون الأول عام 1989 بضرورة ترحيل العرب من المثلث والجليل مبرراً فكرته العنصرية والإرهابية بقوله: "إن التاريخ يعلمنا أن فكرة الترانسفير والطرد والقتل هي أمور قائمة وقد يكون هذا خياراً قائماً أمامنا".(64)
وطالب الحاخام العنصري والإرهابي مائير كاهانا بفكرة الترانسفير بالقوة وبواسطة الشاحنات ونقلهم إلى خارج الحدود.

ووصلت وحشية البروفسور أرنون سوفر حداً أعلن فيه قائلاً: "إني أصف الإبعاد (الترحيل) في كل تفاصيله، كم سيكلف ذلك؟ كم من الشاحنات ستكون ضرورية؟ على طريق الإبعاد هل سيتم إقامة مخيمات الترانزيت؟ كم من الأشخاص نستطيع أن نبعد قبل أن تتدخل القوى العظمى".
وكان من أبرز الوزراء في إسرائيل الذين طالبوا بترحيل العرب بالإضافة إلى الحاخام كاهانا، الحاخام عوفيديا يوسيف، ومجرم الحرب أريئيل شارون ويوفال نئمان ورحبعام زئيفي وغيئولا كوهين.
ويتزعم الليكود قائمة الأحزاب والمنظمات الإسرائيلية التي تطالب بالترحيل الجماعي للفلسطينيين ومنها: هتحيا، كاخ، موليدت، غوش إيمونيم، التنظيم الإرهابي اليهودي السري والأحزاب الدينية.
وترتفع باستمرار الأصوات الرسمية والشعبية في المجتمع الإسرائيلي لتحقيق الترحيل الجماعي للشعب الفلسطيني لإحلال المزيد من المهاجرين اليهود محله.
ووضع البروفسور العنصري أرنون سوفر، المحاضر في جامعة حيفا مخططاً جديداً لترحيل العرب إبان انتفاضة الأقصى إلى جهات رسمية إسرائيلية ولجعل "إسرائيل" دولة لليهود نقية تماماً وخالية من العرب. واقترح فيها توطين نصف مليون مهاجر يهودي في منطقة الجليل شمال فلسطين ومحاصرة التكاثر السكاني للعرب في الجليل والنقب، حيث أكد البروفسور العنصري في وثيقته "أن التكاثر السكاني لدى الفلسطينيين في المناطق المحتلة من شأنه أن يخل بالمعادلة الديمغرافية".(65)
وتوقع أرنون سوفر أن زيادة عدد العرب في فلسطين ستؤثر على قرارات الدولة مستقبلاً وعلى موقفها السياسي، ويخشى إن تسبب هذه الأمور بالهجرة المعاكسة (هجرة المستوطنين اليهود إلى أوروبا وأميركا). وطالب بالفصل التام بين دولة اليهود ومناطق السلطة الفلسطينية.
وقام جوهر وثيقته العنصرية على ترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الشرق، أي إلى الأردن، كما حصل في عام 1948. ووصل إلى النتيجة الصهيونية التي غرستها التعاليم التوراتية والتلمودية والأيديولوجية الصهيونية ورفعتها إلى مستوى القداسة الدينية "إنه ليس أمام "إسرائيل" إلاّ ترحيل الفلسطينيين لضمان وجودها"، والتخلص من (400) ألف مواطن عربي ومسلم في الكيان الصهيوني و(210) آلاف في القدس الشرقية و(190) ألفاً في المثلث، وجعل مدينة عكا والنقب الشمالي، والمناطق المحاذية للحدود مناطق ذات أغلبية يهودية، والاهتمام بفرض السيادة الصهيونية على كل قرية ومدينة عربية.
تعود جذور فكرة الترحيل إلى الفكر اليهودي، فالصهيونية حركة يهودية ولا يمكن فهم جوهرها بدون دراسة التاريخ اليهودي، وبالتالي تدقيق وتحليل فكرة ترحيل غير اليهود في ضوء النصوص والتعاليم التوراتية والتلمودية والتي انغرست وتنغرس في المجتمع الإسرائيلي والأوساط اليهودية في العالم.
يورد د. إسرائيل شاحاك موقف التوراة في إبادة غير اليهود ويقول: "إن الله يفرض على أطفال إسرائيل ألاّ يدعوا أي شخص غير يهودي يعيش على أرض إسرائيل وإنما يجب إبادته".
وبالتالي فإن واجب أطفال اليهود الديني إبادة غير اليهود الذين يعيشون في الأرض المقدسة.
وتغلغلت فكرة الترانسفير داخل أوساط الشعب الإسرائيلي وعلى الصعيدين الرسمي والشعبي. وبالتالي يدعم الشعب الإسرائيلي واليهودية العالمية مساعي سلطات الاحتلال الإسرائيلي باغتصاب الأرض والحقوق العربية وتهويدها وترحيل الشعب الفلسطيني وتوطينه خارج وطنه.
ولكن العقبات الأساسية التي تواجه مخطط الترحيل اليهودي تتجسد في تحديد المكان وكيف ومتى يتم الترانسفير؟ ويطرح اليهود عدة طرق لترحيل الفلسطينيين العرب ومنها:
ـ ترحيل العرب الفلسطينيين بنقلهم بشكل جماعي إلى خارج فلسطين باستغلال الفرص الملائمة.
ـ ترحيل العرب الفلسطينيين من القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية وتجميعهم في كنتونات معزولة بغية تسهيل إخضاعهم والقضاء على مقاومتهم والسيطرة عليهم.
ـ إقناع الفلسطينيين بالترانسفير بالاغراءات المالية والإقامة في البلدان الأوروبية وكندا.
ـ التبادل السكاني القاضي بترحيل الفلسطينيين إلى الدول العربية مقابل استيعاب يهود الدول العربية وإخراج عرب الجليل إلى الضفة الغربية والأردن مقابل نقل بعض المستوطنين من الضفة الغربية إلى الجليل لتهويده. وبالتالي ترحيل الشعب الفلسطيني من وطنه بالتطهير العرقي وبجعل "إسرائيل" دولة نقية لليهود والاستمرار في الاستيطان والعدوان والتوسع لمسح الشعب الفلسطيني من الوجود وتحقيق المشروع الصهيوني بالهيمنة على البلدان العربية.
ونادى الأديب الصهيوني د. ابراهام شارون في رواياته بترحيل يهودي بالإكراه إلى فلسطين وترحيل عرب فلسطين بالإكراه خارج وطنهم. وتوقع د. شارون أن النزاع بين العرب واليهود يمكن حله فقط عن طريق ترحيل منظم للعرب إلى دولة أخرى، لضمان استيعاب اليهود بشكل منظم في فلسطين. واستمر شارون يطالب بترحيل العرب حتى مماته في عام 1957.
وكان الروائي شارون من أبرز الصهاينة الذين طالبوا بالترحيل المزدوج بالإكراه إلى فلسطين ومنها لليهود والعرب. وبالتالي احتل تهجير اليهود إلى فلسطين وترحيل العرب منها مكان الصدارة في البرنامج الصهيوني الفكري والأدبي والعملي.
ينص القانون الديني اليهودي المسمى (الهالاخا) على أنه:
1ـ ليس لليهود الحق في بيع أو المشاركة في منزل إلى غير اليهود في إسرائيل، وعلى العكس من ذلك إن بيع كل ممتلكات غير اليهود إلى اليهود موصى به.
2ـ من غير المسموح تأجير منازل لغير اليهود.
3ـ من غير المسموح لليهود أن يسمحوا للآخرين بالعيش في الأرض المقدسة إلاّ وفق شروط دينية وسياسية قاهرة جداً.
إن خطة الترحيل التي وضعتها الحركة الصهيونية وينفذها الكيان الصهيوني مستوحاة من مصدرين أساسيين: الأول: التعاليم والنصوص التوراتية والتلمودية التي رفعت الترحيل والإبادة إلى مستوى القداسة الدينية.
والثاني: الفكر والممارسة النازية في الطرد الجماعي لليهود من ألمانيا.
تنطلق "إسرائيل" في ترحيل العرب من التعاليم التلمودية والتوراتية ومن الأيديولوجية الصهيونية بجعل فلسطين العربية دولة يهودية خالصة وإقامة "إسرائيل العظمى" من النيل إلى الفرات تماماً كألمانيا النازية التي أرادت أن تقيم "الرايخ الألماني" على أساس العرق الآري النقي والمتفوق. والتقت مصالح ألمانيا النازية مع مصالح الحركة الصهيونية بتنظيف ألمانيا من اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين. وبالتالي تجسد فكرة طرد (ترحيل) شعب بأسره من وطنه الأصلي جوهر الأيديولوجيتين العنصريتين النازية والصهيونية لتحقيق هذا الهدف الإرهابي والوحشي وغير الإنساني.
برر النازيون سياساتهم الاستعمارية وممارساتهم الإرهابية والعنصرية بالدفاع عن الحضارة الغربية ضد الشيوعية تماماً كما تعلن "إسرائيل" بأنها تدافع عن الحضارة الغربية وتقف في وجه العرب والمسلمين، الذين يمارسون "الإرهاب" ضد الولايات المتحدة الأميركية ويحاربون "الإرهاب العالمي"، لتبرير الاستعمار الاستيطاني اليهودي وإبادة وترحيل العرب.
قارن د. إسرائيل شاحاك خطة الترانسفير بالخطة النازية تجاه اليهود وقال: "من أجل معرفة وزن هذا المشروع، فإنه يجب مقارنته بالخطة الرسمية للحزب النازي، الخطة من أجل حل نهائي للمسألة اليهودية، المعروضة حتى قبل استيلائه على السلطة في 1933 والتي حملت اسم الترحيل حتى عام
1939، ثم أصبحت إبادة اليهود".
نشرت الغارديان ويكلي مقالاً عنوانه: "حل نهائي للمشكلة الفلسطينية جاء فيه: "كل واحد يعلم أو يجب أن يعلم، أن الخطة النازية تمثلت أولاً بالترحيل، ثم تلتها تنظيف أوروبا من اليهود".(66)
ويجمع الشعب الإسرائيلي على ترحيل العرب. ويناقش أحياناً كم من الشاحنات تحتاج "إسرائيل" لتحقيق ذلك؟ وما هو العدد الذي ننجح بترحيله قبل تدخل الأمم المتحدة؟
وتعتبر فكرة الترحيل من أكثر الأفكار الصهيونية شعبية لدى المتطرفين الإسرائيليين.
وقال د. إسرائيل شاحاك عن فكرة الترحيل في المذهب الصهيوني "هناك عنصران يجعلان فكرة الترحيل خطرة جداً: تتمتع هذه الفكرة بشعبية وموافقة الشخصيات المؤثرة، أو على الأقل غياب معارضة جوهرية. وفي المقام الثاني ولدت في حضن الجالية اليهودية، وهي ليست أقل من أنظمة استعمارية أخرى".
ويدعو حزب العمل الإسرائيلي إلى دولة نقية لليهود، خالية من العرب للمحافظة على الطابع اليهودي الخالص "لإسرائيل".
رفع رئيس حركة موليدت شعار: "الترانسفير وحده يجلب السلام". ورفع الصهاينة عام 1948 شعار إن قمع الشعب الفلسطيني يعني الحرية والحرب مع العرب تجلب السلام، وإن الكذب يخلق الحقيقة والواقع. وبالتالي الابتعاد عن المعاني الإنسانية والأخلاقية والقانونية لتحقيق الترانسفير وترحيل العرب من وطنهم.
وعملت الصهيونية والكيان الصهيوني على تضليل العرب والعالم وإغفال حقيقة الترانسفير والجرائم والفظائع التي ينطوي عليها تحقيقه.
ويتحدث اليهود عن الترحيل الإرادي، أي نقل الناس (السكان) من مكان إلى آخر بناء على رغبتهم، وذلك إمعاناً في الكذب والتضليل لأن الترانسفير تعني النقل وليس الطرد.
وطالب الإرهابي زئيفي (رحبعام) وبني أيلون بتحقيق الترانسفير بالاتفاق، أي الترحيل بالاتفاق بين "إسرائيل" والدول العربية. ولكن الدول العربية لن توافق أبداً على ترحيل الشعب الفلسطيني من وطنه إلى بلدانها. وبالتالي فإن الترحيل بالاتفاق يعني أنه يأتي بعد حرب وحشية أي بسفك الدماء والإبادة وتدمير المنجزات، كما حدث بعد حروب إسرائيل في عامي 1948 و1967.
إن إسرائيل دولة استعمارية تسعى لتحقيق الانتصارات العسكرية للتوسع بالاستيلاء على الأراضي والمياه والممتلكات العربية أو تدميرها وطرد العرب منها. ويكذبون لتبرير الاستعمار الاستيطاني والإمبريالية الإسرائيلية وإبادة العرب بالزعم أنهم يعملون على تحقيق الأمن لليهود المسالمين. وتصدق دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأكاذيب والمزاعم اليهودية. وتواصل "إسرائيل" ترحيل الفلسطينيين بدعم وتأييد كاملين من الدول الغربية. ويقود تعزيز القوة الإسرائيلية إلى الحروب والترحيل والهجرة والاستيطان.
إن "إسرائيل" مسؤولة مسؤولية قانونية مباشرة عن ترحيل الشعب الفلسطيني واقتلاعه من وطنه، وهي السبب في خلق مشكلة اللاجئين، حيث قررت وخططت ونفذت ترحيلهم بالقوة وبالمجازر الجماعية إلى الأردن وسورية ولبنان.
و"إسرائيل" مسؤولة وملزمة بتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي ينص على عودتهم، وملزمة بتحمل مسؤوليتها التاريخية عن ترحيلهم وتطبيق بنود الإعلان العالمي التي تنص على عودتهم.
ويشكل رفض "إسرائيل" عودة اللاجئين الفلسطينيين انتهاكاً فاضحاً للاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية والتي وقعت عليها "إسرائيل" وتسري على الأوضاع الناشئة قبل سريانها ولا تزال مستمرة بعد دخولها حيز التطبيق.
وتضمن الطلب الذي تقدمت به "إسرائيل" للحصول على عضوية الأمم المتحدة في أيار 1948 التعهد للأمم المتحدة بتطبيق قراراتها بما فيها القرار
(194) ونص قرار القبول رقم 273 التأكيد على التزام "إسرائيل" بتنفيذ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وديارهم.
وانطلاقاً من ذلك فإن "إسرائيل" ملزمة بتطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين اقتلعتهم ورحلتهم من ديارهم لإقامة دولة عنصرية لليهود على حسابهم، وملزمة بدفع التعويضات المادية والمعنوية عن الخسائر التي ألحقتها بهم.

كتب الإرهابي رحبعام زئيفي، الوزير في حكومة شارون (وقد قتلته الجبهة الشعبية انتقاماً لاغتيال "إسرائيل" للشهيد أبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية) مقالاً في هآرتس قال فيه: "حقيقة إنني أدعو إلى فكرة الترحيل لعرب "يهودا والسامرة، (الضفة الغربية) وغزة إلى الدول العربية، لست صاحب الحق في ابتكار هذه الفكرة بل أخذتها عن أساتذتي وقادتي في الحركة الصهيونية مثل دافيد بن غوريون".(67)
ومضى الإرهابي زئيفي في مقاله يقول: "أنا أعتقد بأنه ليست هناك فكرة أكثر أخلاقية منها لأنها ستمنع الحروب وتمنح الحياة لشعب "إسرائيل".
واعترف بالترحيل الذي قامت به "إسرائيل" في الحرب العدوانية التي أشعلتها عام 1948 وقال: "إن المشروع الاستيطاني في أرض إسرائيل و"حرب التحرير" (حرب 1948 العدوانية) التي خضناها مليئة بأعمال نقل العرب (ترحيلهم) من قراهم. هل كان في ذلك الحين أخلاقياً وأصبح الآن غير أخلاقي؟ لقد استوعبنا في "إسرائيل" غالبية يهود الدول الإسلامية، وقد جاء الآن موعد هذه الدول لاستيعاب السكان العرب في مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة. وإن نقل هؤلاء إلى الدول العربية سيوفر علينا وعليهم جزءاً من أسباب الحروب. وكذلك ستوفر من معاناة الفلسطينيين نتيجة هذه الحروب".(68)
وأعلن الإرهابي زئيفي في صحيفة هآرتس عن فكرته في ترحيل الشعب الفلسطيني قائلاً: "أخذتها من أساتذتي وقادتي في الحركة الصهيونية، قبل دافيد بن غوريون، أو بالشكل الذي تعلمتها به من بيرل كاتسنلسون، وآرثر روبين، وجوزيف فايتس وموشي شاريت وغيرهم.(69)
وأكد زئيفي أن جابوتنسكي نادى بترحيل يهود بولندا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين وترحيل العرب وإنشاء قوة يهودية لا يكون في استطاعة السكان الأصليين اختراقها.
وقالت هآرتس "إن دعاية زئيفي للترحيل ليست في حقيقة الأمر إلاّ دعاية من أجل مبادرة حربية".
وقال زئيفي: "كيهودي، كصهيوني، وكجندي أنا مع السلام، كجندي رأى الحروب فإنني مع السلام. ولكنني لا أستطيع قبول الاعتقاد بأن الانسحاب قد يجلب السلام... إن الذين يعتقدون بأن السلام سيتحقق بالتنازل عن أرض لا يفهمون ما يقوله العرب صراحة".
ورد زئيف شيف على مقال زئيفي المنشور في هآرتس بعنوان "الترحيل من أجل السلام" يقول: "إن مقال زئيفي مليء بالتغيرات والتشويهات، فماذا تقول فكرته؟ إنها تقول: إما نحن أو هم، فإن لم نطردهم فسيطردوننا، وذلك بمعنى فلنعجل بقتلهم. وبكلمات أخرى، علينا أن نسرع ونعمل ذلك قبل أن يطردونا، الخيار الوحيد هو فقط طرد أحد الطرفين.(70)

***