أين تكمن الفكرة في معارضة الرئيس مرسي على وجه الحقيقة؟!
بقلم أسامة عكنان


ArabNyheter | 2013/06/27لا
في البداية كان الاعتراض على الرئيس مرسي يكمن في أنه أصدر إعلانا دستوريا فرعونيا مستبدا، وأن عليه أن يلغيه أو يعدله، وأكد هؤلاء على أن ليس عيبا في الرئيس أن يغير رأيه وموقفه لأجل شعبه..
وعندما عدله أو ألغاه وأفقده قيمته، وقف المعترضون أنفسهم ليقولوا: "مرسي رئيس ضعيف" قراراته غير مدروسة، لذلك هو يقرر اليوم ويغير غدا..هؤلاء المعارضون أنفسهم كشفوا في مسيرة معارضتهم لمرسي عن أن مصر في عهد حكمه الذي مر عليه قرابة "المائة عام"، خَرِبَ فيها كل شيء، كهرباء، وقود، غلاء،.. إلخ..وعندما كشف مرسي لهؤلاء عمن يقف وراء التخريب ومن يعرقل الإصلاح.. إلخ، لم يجد المعارضون له سوى القول بأن خطابه لا يليق بالرؤساء، فالحديث عن قاضي، أو عن نقيب صحفيين، أو عن مرتشي، في معرض كشف الحقائق، صَغَّرَ من شأن الرئيس..الرئيس مرسي يتخبط، وجماعة الإخوان المسلمين تتخبط، والمعارضة تتخبط..أين تكمن الفكرة في معارضة الرئيس مرسي على وجه الحقيقة؟!
هل في أنه رئيس ضعيف لا تصدر قراراته عن دراسة وتمحيص فيضطر إلى التراجع عنها؟!
أم في أنه رئيس لا يملك كاريزما الزعماء فيتدخل في تفاصيل تقلل من قيمته أمام شعبه ومستمعيه؟!
أم في أنه يخضع لمكتب الإرشاد التابع لجماعة الإخوان المسلمين؟!
أم في أنه عاجز عن مواجهة قوى الشد العكسي التي تعرقل إرادته ونواياه ورؤاه الإصلاحية الحقيقية والجادة إن سلمنا بوجودها؟!أم في أنه رئيس فاشل لا يملك رؤية أصلا ولا يعرف كيف يتعاطى مع مشكلات بلده وشعبه، فيتخبط، وبالتالي فكل ما تعاني منه البلاد هو بسبب تخبطه وجهله وفشله ذاك؟!فإذا كانت المعارضة قائمة على واحد من السببين الأول والثاني، فهي معارضة معنوية تجعل المصريين يشعرون بالخجل من رئيسهم دون أن يفكروا في إسقاطه، فلا يوجد شعب في العالم ولا معارضة في الدنيا طالبت بإسقاط رئيس بُسُبُلٍ فيها تعريض الاستقرار الوطني للهزات والقلاقل، لأيٍّ من هذين السببين إذا كان يقوم بمهماته على نحو مقبول دستوريا.وإذ كانت المعارضة قائمة على السبب الثالث وهو التبعية الكاملة لـ "مكتب الإرشاد"، فمع أن هذه مشكلة حقيقية إن صحَّت، إلا أنها تتطلب أدلة واضحة أولا، وهي تشبه المعارضة للسببين الأول والثاني ليس إلا، وبالتالي فلا توجب إسقاط الرئيس وعزله مادام ملتزما بالدستور ولا يدفع بالبلاد إلى الكارثة.أما إذا كان السبب الرابع هو الذي يدعو إلى معارضة الرئيس، فهذا يعني أن المعارضة نفسها هي من قوى الشد العكسي، فإن لم تكن كذلك فعليها أن تقف إلى جانب الرئيس وتسانده لا أن تساند تلك القوى بالإمعان في عرقلته. لأنها هي ذاتها إن لم تكن متحالفة مع تلك القوى المضادة للثورة، فسوف تعاني منها لاحقا مثلما عانى الرئيس مرسي نفسه، فإن كانت تملك طرقا لمواجهتها، فعليها أن تطرحها على مؤسسة الرئاسة لدعمها من أجل مصر، لا أن تحتفظ بها لنفسها إلى أن تصل إلى السلطة بهزة كبرى كالتي نرى الإعداد لها في مصر يجري على قدم وساق.
وأما إذا كانت المعارضة قائمة على السبب الأخير وهو افتقار الرئيس ومن يقف وراءَه إلى الرؤية أصلا، وهو المبرر الوحيد المعقول والمنطقي لمعارضةٍ تحترم نفسها، فهذا يتطلب من المعارضة أن تكشف عن رؤيتها وبرنامجها ومشروعها المقابل، وأن تناقش رؤية الرئيس ومشروعه – إن كانت له رؤية وإن كان له مشروع أصلا – وتنتقدهما نقدا علميا وموضوعيا.. إلخ، لتثبت للشعب المصري أنها هي من يملك الحل وليس لا مرسي ولا جماعته ولا مكتب الإرشاد.ولكن مع الأسف أستطيع – من خلال معرفتي بالوضع المصري ومتابعتي له عن قرب ومن الداخل – أن أجزم بأن المعارضة تتجنب الخوص في تفاصيل ومتطلبات هذا السبب، لأنها تفتقر هي أيضا إلى أيِّ مشروع أو برنامج يمثل رافعة للوضع المصري غير الشعارات التي يرفعها كل إنسان على وجه الأرض. فهي تطالب بكذا وكذا وكذا، وتعتقد بأن المطالبة هي ذاتها البرنامج والمشروع، في حين أن المطالبة هي تعبير عن الحاجة مثل: تخفيف حدة الفقر، والتفاوت الطبقي، والبطالة، وتخفيض الأسعار، ورفع الأجور، وتوسيع دائرة التأمين الصحي، ورفع سوية التعليم.. إلخ، وهذه المطالب تحتاج إلى رؤية لتحقيقها، وهذه الرؤية هي المشروع الذي نتحدث عنه، وأما هي في ذاتها فليست مشروعا ولن تكون. ومن يعتقد ذلك فهو جاهل أحمق، فكل المصريين، بل كل شعوب العالم وقواها السياسية تطالب بذلك، والفرق بين سياسي وآخر، أو بين حزب سياسي وآخر، هو في مدى توفر المشروع القادر على تحقيق تلك المطالب. ناهيك عن أن البرامج المبتسَرَة لبعض القوى السياسية المصرية المعارضة، من تلك التي تهِم أنها تملك برنامجا ومشروعا، هي برامج أثبت التاريخ فشلها في كل الدنيا، فكيف يمكنها أن تنجح في مصر؟!فالوفديون القادمون من متاحف التاريخ، ومن دار في فلكهم من القوى الجديدة "عمرو موسى" و"محمد البرادعي"، و"أيمن نور".. إلخ، ليسوا أكثر من ليبيراليين ليس لديهم ما يسوقونه غير الانفتاح على الرأسمالية العالمية، وغير استخدام الليبرالية السياسية لاحتضان الليبرالية الاقتصادية. وبالتالي فهم مجرد لافتات سياسية ستعيد إنتاج النظام السابق والحزب الوطني بمسميات مختلفة قد تكون أقل فسادا قطعا بسبب الشفافية القادمة والقائمة على البيئة الديمقراطية، لكنها لن تكون أقل ظلما وقهرا وإفقارا للشعب المصري بحكم طبيعة "الليبرالية" التي تنادي بها وتقوم عليها.واليساريون، شيوعيون واشتراكيون، لا يملكون إلا مقولات الاشتراكية التي لم تعد تطعم أو تسمن من جوع في زمن يتطلب حلولا من نوع مختلف للعقد الاقتصادية. ولن نناقش المسألة هنا، فقد اقتنع الماركسيون أنفسهم في كل العالم، بأن الإنسانية كلها وعلى رأسها الدول الصناعية الأكثر استعدادا للحرب الطبقية بصفتها البيئة المجتمعية التي تحضن مثل هذه الحرب، ما تزال بعيدة جدا عن أن تكون جاهزة لفرض الاشتراكية عليها فرضا بسياسات فوقية، هذا إن سلمنا بأن الاشتراكية هي حلٌّ أصلا، سواء بفرض فوقي انقلابي أو ثوري، أو بتطور بُنى تحتية عبر الزمن.أما القوميون وعلى رأسهم الناصريون، فيثير استغرابي أن يكونوا إطارا سياسيا بهذا المسمى والمعنى، فهل الوفاء والولاء للرئيس الراحل جمال عبد الناصر هو في حد ذاته يمثل فكرة وبرنامجا وأيديولوجية؟! أم أن المطلوب من هؤلاء أن يقدموا برنامجا يعتبرونه برنامج ذلك الرئيس الذي ينتمون إلى تجربته؟! فإذا كانت الإجابة الثانية هي الصحيحة قطعا، فما الذي يملكه هؤلاء غير "الليبرالية" أو "الاشتراكية" أو "الجمع بينهما"؟! وبالتالي فليسوا أكثر من عشيرة سياسية تولول بما يولول به الآخرون، وليسوا حزبا أو مشروعا سياسيا بالمعنى الحقيقي، والانجرار وراءهم ليس سوى انجرار وراء الوهم.وبطبيعة الحال لا يقل الإخوان المسلمون وكافة فصائل الإسلام السياسي عن هؤلاء افتقارا إلى الرؤى والحلول والبرامج والمشاريع، مهما ادعوا غير ذلك.في ضوء ذلك نستطيع التأكيد على أن أزمة مصر لها بعدان "مظهري" و"جوهري". فأما البعد المظهري للأزمة المصرية، فهو الخلاف مع "جماعة الإخوان المسلمين" تحديدا لأسباب تاريخية نستطيع جميعنا أن نتفهمها، ولا علاقة له إلا بالخوف على مدنية الدولة ولا دينيتها وأخونتها، وهو خوف يكتسي بعض الوجاهة من خلال الخبرة الفكرية والتاريخية، خاصة من خلال ما يتبدى من ممارسات هنا أو هناك قد تعطي مشروعية لهذا النوع من المخاوف. وأما البعد الجوهري للأزمة، فهو افتقار الجميع وعلى رأسهم الإخوان المسلمون لأي رؤية اقتصادية لإخراج مصر من مأزقها والدفع بها إلى مصاف الدول الناهضة.مصر لم تعد بحاجة إلى أيٍّ من هؤلاء جميعا، فكلهم من الماضي الذي يجب أن يتحرر الشعب المصري من وطأته، لا أن يبحث عن حلول أزماته في جواربهم المهترئة. فلن ينقذ مصر من أزمتها، بل ولن ينجح أيُّ مشروع تغييري في أيِّ دولة عربية، ما لم يتشكل من قلب حركة شعبية تتولد حركتها مترافقة ترافقا تاما مع تكون المشروع السياسي الجديد والبديل القائم على قراءة موضوعية للحاضر وللماضي وللمستقبل.وهذا المشروع الذي نتحدث عنه، ليس موجودا عند أيٍّ من هؤلاء المتناطحين على السلطة في مصر، بل ولا حتى لدى أيٍّ من المتناطحين عليها في أيِّ دولة عربية، ما يجعلنا لا نرى فيه سوى تناطحا قبليا عشائريا أصوليا يختبئ وراء الواجهة السياسية لإعادة إنتاج وتأهيل الباطل الاقتصادي بكل أشكاله. فما لم يدركه أيٌّ من هؤلاء المتناطحين هو أن الثقافة هي البداية في أيِّ طريق للتغيير. وعندما يففز المغيرون عن البعد الثقافي متخندقين في الحاضنة السياسية فورا وبلا تأسيس ثقافي جديد، فهم إنما يضطرون لإعادة تأهيل "المستحاثات السياسية" التي ليست سوى ذاكرة للماضي، ولن تكون بحال حاضنة لأيِّ مستقبل.