بين خطإ الجنوب وخطيئة الشمال، أين يقف الأردنيون؟!

إن ثورةً لم تُسْتَكْمَل خطأٌ فادحٌ، وهذا ما وقع فيه ثوار مصر..

وإن ثورة تمَّت عسكرتُها خطيئةٌ كبرى، وهذا ما وقع فيه ثوار سوريا..

الخطأ الذي وقع فيه المصريون، أتاح للنظام فرصة العمل على إعادة إنتاج نفسه كواحد من منظومةِ المتنافسين على القفز على الثورة واختراقها واستخدامها، ليكون الشعب المصري هو الخاسر الوحيد..

والخطيئة التي وقع فيها السوريون، أتاحت للنظام فرصة إطالة عمره، لإعادة إنتاج نفسه على أشلاء الأبرياء وعلى أنقاض الدولة، بعد أن حاول كلُّ الرعاع والقتلة والوصوليين وشذاذ الآفاق، القفز على دماء السوريين واختراق مطالبهم المشروعة، ليكونَ الشعب السوري هو الخاسر الوحيد أيضا..

وبين خطإِ المصريين وما آل إليه، وخطيئة السوريين وما انزلقت نحوه..

احتار الأردنيون وحُقَّ لهم أن يحتاروا..
من أين يجب أن يبدأوا وينطلقوا، وأين يجب أن ينتهوا ويتوفقوا؟!

وشكُّوا وجاز لهم أن يشكوا..
أربيع ما نحن فيه أم نذير شؤم يُرهصُ بخريفٍ غير معهود؟!

وخافوا وكيف لا يخافون..
وهم يرون حراكهم ومعارضتهم يتخبطان، بين عدم فهم مَواطِنِ خطأِ الجنوبيين، وعدم تلمُّس عناصر خطيئة الشماليين، وهما يتصدران – أي الحراك والمعارضة – العمل على تغيير دولةٍ إن تغيَّرت فستغير كلَّ معالم السيرورة والصراع في الإقليم، إن لم يكن في العالم بأسره..

التغيير في الأردن – أيها السادة – أهم من التغيير في سوريا ومن التغيير في مصر، مهما تصور البعض هنا والبعض هناك غير ذلك..

فكيف يكون الأردنيون في مستوى "مِنْحَةِ القَدَر"، التي جعلتهم يمثلون "رأس الحربة" في مشروعِ تغييرِ وتحريرِ الأمة لإعادة بنائها، بوجودهم على أطول خطِّ مواجهةٍ إستراتيجي مع المشروع الصهيوني، وفي قلب أبشع خندق مواجهة مصيري مع المشروع الوظيفي، في خدمة منظومة العلاقات "الإمبريالية الصهيونية الوظيفية" في المنطقة؟!

هل الحراك الشعبي الأردني في مستوى مشروع التغيير والتحرير والمواجهة هذا؟!

هل المعارضة الأردنية وفصائل العمل السياسي الأردني في مستوى ذلك المشروع هي أيضا؟!

فإن كانا في مستواه، فما الدليل على ذلك؟!

وإن لم يكونا، فما السبيل إلى ذلك؟!

مهما اختلفنا في الإجابة على هذين السؤالين، فلن نستطيع رسم معالم البداية الصحيحة في الأردن إذا لم نقتنع بما يلي..

(إن إنجاحَ مشروع "التغيير و"التحرير" المتماسك والمؤصَّل بشكل علمي وموضوعي في الأردن هو فاتحة الطريق لانطلاق مشروع نهضة هذه الأمة، بالقدر نفسه الذي كان فيه إفشال مشروع "التغيير والتحرير" الذي فجرته وقادته ثورة الأردنيين في الفترة "1965 – 1968" هو فاتحة الطريق لرِدَّة هذه الأمة، بعد أن كان مشروع "التغيير والتحرير" ذاك قد بدأ يمهد آنذاك لنهضتها في حاضنة مقاومة كافة العلاقات "الإمبريالية الصهيونية الوظيفية" في الإقليم).

إذا لم تكن هذه هي البداية، فلن تكون هناك بداية أصلا..

لأن بداية أيِّ مشروع سياسي هي دائما مشروع ثقافة واضحة ومحددة تؤسِّسُ له وتبني قواعدَه..

ولن يكون في واقعنا الأردني مشروع ثقافة للانطلاق السياسي أوضح وأجلى من ذلك الذي يؤسِّس لـ"تغيير النهج السياسي للنظام"، حتى لو أدى ذلك إلى تغيير النظام نفسِه عند الضرورة الناتجة عن تعنته وغطرسته، بالترافق التام مع "تحرير الأرض المحتلة" بمقاومة تنطلق من الأرض الأردنية، على قاعدة أن "مقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي" هي أولا وآخرا، واليوم وغدا، ودائما وأبدا، القاعدة التي يجب أن نتحرك في قلبها كي نغير ونتغير، لأجل أن نحرِّرَ ونتحرَّر..