بمناسبة الذكرى الخامسة والستين للنكبة
الولايات المتحدة وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم

د. غازي حسين


تؤكد الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والعهود والمواثيق والقرارات الدولية والقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني، والمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والذي أكدت عليه الأمم المتحدة 135 مرة في قراراتها عبر ستة عقود من الزمن، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 237، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2252 لعام 1967، وقرارها رقم 2236 لعام 1974، والتعامل الدولي على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم.
وتتحمل «إسرائيل» المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية عن تهجير يهود العالم إلى فلسطين وترحيل العرب منها، وعن المآسي والويلات والآلام والظلم المستمر الذي أنزلته بالشعب العربي الفلسطيني منذ تأسيسها وحتى اليوم.
ويتحمل أيضاً المجتمع الدولي وبالتحديد مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقرت تقسيم فلسطين بالقرار 181، وبالتالي أقرت تأسيس «إسرائيل» في فلسطين العربية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا مسؤولية عدم تنفيذ حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والمسؤولية عن الهولوكوست (المحرقة) الإسرائيلي الذي بدأ مع بداية عام 1948 ولا يزال مستمراً حتى اليوم بحق الشعب الفلسطيني.
وتتحمل الولايات المتحدة القسم الأكبر من المسؤولية الدولية عن نكبة فلسطين وترحيل الفلسطينيين منها وتهجير يهود العالم إليها، وعن الإبادة الجماعية التي لا تزال تمارسها «إسرائيل» بحق الشعب الفلسطيني.
وتتحمل اليهودية العالمية مسؤولية استمرار معاناة الشعب الفلسطيني وترحيله من وطنه وممارسة «إسرائيل» سياسة التطهير العرقي تجاهه، لأنها تحمل رؤساء الولايات المتحدة على دعم حروب «إسرائيل» والمجازر الجماعية التي ترتكبها وممارستها للإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية، وذلك بسبب ازدواجية ولاء اليهود مع أولوية ولائهم لإسرائيل، وتسخيرهم إمكانيات الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية في خدمة «إسرائيل» ومخططاتها لتهويد فلسطين والقدس مدينة الإسراء والمعراج والحيلولة دون توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من ذلك يستخف قادة إسرائيل بقادة الولايات المتحدة الذين وضعوا «إسرائيل» فوق القانون الدولي وفوق الأمم المتحدة، وقدموا لها الدعم المطلق والانحياز الأعمى داخل الأمم المتحدة وخارجها.
لا أزال أذكر أنه عندما اختلف الرئيس كلنتون مع نتنياهو في التسعينات من القرن الماضي حول التسوية وقال له كلنتون سأحملك مسؤولية عرقلة التسوية السياسية مع الفلسطينيين، فأجابه نتنياهو علناً: «سأحرق البيت الأبيض»، وفجّر له بعد أسبوع واحد من هذا التصريح فضيحة «مونيكا لوفينسكي» الشابة اليهودية التي كانت تعمل متدربة في البيت الأبيض.
ولا أزال أذكر أيضاً عشيقة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون عميلة الموساد «ماتيلدا كريم» الذي توجه إلى شقتها في الصباح الباكر من الخامس من حزيران عام 1967، وكانت لا تزال في فراشها وقال لها: «بدأت الحرب في الشرق الأوسط، ولا أحد يعرف من بدأها ولكن أنا وأنت نعرف ذلك»، ولا أزال أذكر خطاب الرئيس جورج بوش الابن في احتفالات الذكرى الخمسين لتأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين العربية والذي اعتبره الصهاينة أهم خطاب صهيوني ألقي في الكنيست، كما لا أزال أذكر تسويق الموساد لأكذوبة «امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل» للرئيس بوش الذي غزا العراق وأطاح بنظامه، ودمر جيشه ومنجزاته، ونهب أمواله ونفطه خدمة لإسرائيل، والمصالح الأمريكية.
ولا أزال أذكر كيف فجّر يهود أمريكا للرئيس نيكسون فضيحة «ووترجيت»، مما أدى عملياً إلى تولي اليهودي هنري كيسنجر الذي كان وزيراً للخارجية آنذاك صلاحيات الرئيس ووزير الدفاع.
وأدى وجود هذه الصلاحيات في يدي كيسنجر إلى اشتراك الولايات المتحدة في حرب تشرين مع العدو الإسرائيلي، وقاد الانحياز الأمريكي المجنون لإسرائيل إلى تصعيد الفاشية فيها تجاه العرب وتصعيد غطرستها وعنجهيتها وممارستها للإرهاب والإبادة الجماعية والعنصرية والاغتيالات كسياسة رسمية علنية.
ووصل الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل حداً اعتبرت إسرائيل فيه أن جون بولتون ممثل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة العضو الإسرائيلي السادس في الوفد الإسرائيلي للأمم المتحدة.
لقد تحوّل الرئيس كلنتون بعد افتضاح علاقته الغرامية مع مونيكا إلى سمسار لتسويق المخططات الإسرائيلية لتصفية قضية فلسطين، فطرح في مفاوضات كمب ديفيد السرية موضوع السيادة الفلسطينية المؤقتة الجزئية على المسجد الأقصى مقابل تنازل قيادة منظمة التحرير عن حق العودة وتقسيم السيادة على المسجد الأقصى المعارك إلى سيادة فوقية للعرب والمسلمين وتحتية لليهود، وكان كلنتون وراء تسويق صياغات خلاّقة لتصفية حق عودة اللاجئين إلى ديارهم.
طرح الرئيس الأمريكي كلنتون قضية هي من المحرمات لا يجوز مناقشتها أو المساومة عليها وهي قضية المسجد الأقصى المبارك، وشجعه على طرحها بعد أن فرّط رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في اتفاق الإذعان في أوسلو بحائط البراق الشريف وساحة المغاربة والذي هو من أقدس المقدسات الإسلامية لارتباطه المباشر بالرسول (ص) وإسرائه ومعراجه إلى السموات العلا.
وحاول الرئيس كلنتون تسويق الموقف الإسرائيلي من حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم بالتشطيب على هذا الحق غير القابل للتنازل أو التقادم أو التخلي عنه وإقناع العالم بأن تنفيذ حق العودة يعني نهاية «إسرائيل».
إن اللاجئين الفلسطينيين يجيبون على المساعي الأمريكية والصهيونية لتصفية حقهم بالعودة بالتمسك أكثر فأكثر في هذا الحق الشرعي والقانوني والعادل وغير القابل للتصرف.
حقق ملوك وأمراء ورؤساء الخليج والأردن والطاغية حسني مبارك ما أراده الرئيس الأمريكي والصهيونية العالمية وإسرائيل بشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم بالعبارة المخادعة والمضللة والحقيرة التي وردت في مشروع الأمير السعودي عبد الله وأصبحت تعرف «المبادرة العربية للسلام».
وقامت قطر بتعديل المبادرة العربية وأبلغت واشنطن موافقة الجامعة العربية على تبادل الأراضي لتخليد المستعمرات في الضفة الغربية وتصفية قضية فلسطين.
إن الخرافات والأكاذيب والمزاعم والأطماع التوراتية والتلمودية وعنصرية الصهيونية والكيان الصهيوني وتخطيط اليهودية العالمية للسيطرة على الثروات الطبيعية في البلدان العربية وتبني رؤساء الولايات المتحدة لهجره اليهود إلى فلسطين وترحيل الفلسطينيين منها واستيطان اليهود فيها ورفع أمن إسرائيل إلى مستوى القداسة الدينية عند الرئيس أوباما والتنكر لأبسط الحقوق القانونية والإنسانية للشعب الفلسطيني هو الذي جعل إسرائيل تتمرد على تنفيذ المبادئ الواردة في القانون الدولي والعهود والمواثيق والقرارات الدولية حول عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم وتعويضهم عن الخسائر والأضرار التي ألحقتها إسرائيل بهم وبممتلكاتهم.
إن موافقة ودعم الولايات المتحدة لما يسمى بحق العودة لكل يهودي في العالم إلى فلسطين العربية أدى إلى نكبة عام 1948 وإلى الكوارث والمآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني وبقية العرب في البلدان العربية المجاورة لفلسطين.
جاءت هجرة اليهود ولا تزال مستمرة لزيادة طاقات إسرائيل العسكرية والاقتصادية والاستيطانية وبسبب رغبتهم في تحسين أوضاعهم الاقتصادية بالاستيلاء على الأراضي والعقارات وتدمير المنجزات الفلسطينية وعرقلة التنمية والتطور لإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري وعنصري وفاشي وإرهابي في قلب المنطقة العربية والإسلامية.
ولا يزال الإسرائيليون يعملون على تحسين أوضاعهم الاقتصادية على حساب فلسطين والجولان وسيناء (سابقاً) وعلى حساب دافعي الضرائب في الولايات المتحدة وألمانيا وبقية الدول الغربية.
ويطرح العقل السياسي اليهودي المريض بدعم وتأييد كاملين من البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي مخططات لشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وترحيل فلسطينيي الداخل (عام 1948) إلى دويلتهم الفلسطينية، فأعلن الفاشي ليبرمان في نيويورك عن ما يسمى بقضية اللاجئين اليهود من الدول العربية.
ومن المعروف أن الأيديولوجية الصهيونية تقوم على مقاومة اندماج اليهود في الشعوب التي يعيشون بينها وعزلهم وتهجيرهم إلى فلسطين (وطن جميع اليهود في العالم) لإقامة غيتو يهودي عنصري وإرهابي واستعماري في قلب المنطقة العربية والإسلامية لخدمة مصالح اليهودية العالمية والإمبريالية الأمريكية وبقية الدول الغربية.
إن تهجير الحركة الصهيونية والدول الاستعمارية وألمانيا النازية ليهود أوروبا والعالم إلى فلسطين جاء تنفيذاً للقرارات التي وضعها المؤتمر الصهيوني الأول في بازل وتطبيقاً لكتاب هرتسل «دولة اليهود».
لذلك تختلف قضية ما تسمى بعودة اليهود إلى فلسطين عن قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين أصحاب فلسطين الأصليين وسكانها الشرعيين والذين شردتهم إسرائيل جراء حربي عام 1948 و1967.
وترفض إسرائيل حتى اليوم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تنص على عودتهم إلى ديارهم، ويطالب بعض قادتها بالترحيل الجماعي للفلسطينيين منها عبر عملية تراتسفير دولية تساهم فيها دول الخليج النفطية. وكان مجرم الحرب ديان قد أعلن عام 1969 «أن إسرائيل لن تقبل بعودة اللاجئين لا طوعاً ولا قسراً. وتبرئ «إسرائيل» نفسها من مسؤوليتها القانونية والسياسية والأخلاقية والمعنوية عن تشريد اللاجئين الفلسطينيين وتزعم كذباً وبهتاناً إنها لم تخلق المشكلة التي نشأت نتيجة هجوم الدول العربية على إسرائيل، حيث كان البريطاني غلوب باشا وملك الأردن الملتزم بالتقسيم القائد الأعلى لقوات الجيوش العربية، واقتسم أراضي الدولة الفلسطينية بينه وبين إسرائيل، وضم الضفة الغربية بما فيها القدر إلى مملكته. وضمت إسرائيل ما تبقى منها، ورحلت الفلسطينيين بقوة السلاح منها إلى البلدان العربية المجاورة لفلسطين».
وتمنح إسرائيل حق العودة لليهود فقط، بموجب قوانينها العنصرية، وتحرم الفلسطينيين منه لكونهم ليسوا يهوداً حتى لا تفقد إسرائيل هويتها اليهودية كدولة لجميع اليهود في العالم. وقررت تدمير أكبر المخيمات الفلسطينية في أريحا، فدمرت مخيم عقبة جبر وعين السلطان. وحملت الكتائب على تدمير مخيمات جسر الباشا ومخيم تل الزعتر، وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا.
إن حق العودة هو ملك لسكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين وليس لليهود الذي جاؤوا من وراء البحار وأقاموا «إسرائيل» ككيان استعمار استيطاني وعنصري معاد لشعوب المنطقة وللعروبة والإسلام، ويشكل أكبر تهديد للسلام في العالم.
حق العودة إلى فلسطين هو للاجئ الفلسطيني الذي لا يزال يحتفظ بأوراق الطابو (كوشان) لأرضه ولمنزله في يافا واللد والرملة وعكا وحيفا وصفد وسلمة.
وتنشط وزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومراكز البحوث والدراسات الأمريكية في العمل مع دول الخليج العربية ونظام كمب ديفيد في القاهرة والنظام الأردني والسلطة الفلسطينية التي انبثقت عن أوسلو في الضفة والقطاع لإيجاد الحلول لتصفية قضية فلسطين من خلال تصفية حق عودة اللاجئين إلى ديارهم.
إن الشعب العربي الفلسطيني ومعه جميع الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم يؤمن إيماناً لا يتزعزع باستحالة التوصل إلى تسوية سياسية عادلة ودائمة إذا لم ينفذَّ حق عودة جميع اللاجئين إلى ديارهم تطبيقاً لمبادئ القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وإسرائيل ككيان صهيوني وكيان استعمار استيطاني عنصري وفاشي وإرهابي وبمثابة الغدة السرطانية الخبيثة التي تقوى وتكبر وتتوسع وترتكب المجازر والحروب العدوانية لا يمكن على الإطلاق التعايش معها والقبول بها، لأنها مغتصبة للأرض والممتلكات والمياه والحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية، ومعادية لمصالح وتطلعات الأمة العربية والإسلامية والحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة.
لقد أكد تقرير لجنة اللاجئين في المجلس التشريعي (في الضفة والقطاع) الذي قدمته للمجلس المركزي الفلسطيني في غزة في شباط عام 2000 على أن «حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى الديار والممتلكات حق ثابت وأصيل، وإرث تتوارثه الأجيال، وحق تؤكده وتعترف به وتقره قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 194، وهو حق غير قابل للتصرف»، وأكد تقرير المجلس التشريعي على رفض ومواجهة كل محاولات التوطين، وأن حق العودة إلى الديار والممتلكات هو خيار واحد ووحيد. ورفض وثيقة جنيف، وأدان التوقيع عليها، ودعا للتراجع عنها.
وكانت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد أكدت في العام 1998 على أن «حق اللاجئين كافة وكذلك المهجَّرين في الداخل في العودة على بيوتهم وأماكن إقامتهم الاعتيادية في بلدهم أو في مكان منشئهم، وأن القوانين الإسرائيلية (العنصرية) عوائق خطيرة أمام عودة اللاجئين وإعادة اندماج المهجرين في الداخل (عام 1948)، وأمام إعادة البناء والمصالحة».
المطلوب إذاً من القيادات الفلسطينية والعربية المحافظة على حق جميع اللاجئين في العودة إلى ديارهم وليس التفتيش عن صيغ خلاّقة كما قال الرئيس الأمريكي بيل كلنتون وحلول مبتكرة للقضاء على هذا الحق الذي يملكه اللاجئ نفسه وليست قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ومؤتمرات القمم العربية وجامعة دول آل سعود وآل ثاني ونهيان، فاللاجئ الفلسطيني نفسه هو صاحب هذا الحق القانوني والطبيعي والشرعي والعادل، كما هو نفسه الذي عانى ويعاني من الذل والتشرد والفقر والحرمان والاضطهاد والعنصرية منذ أكثر من خمسة وستين عاماً من «إسرائيل» والدول العربية.
لتحزم إسرائيل حقائبها وتعود من حيث أتت إلى ألمانيا وبولندا وأوكرانيا لكي يحل السلام في منطقة الشرق الأوسط وتقوم الدولة الديمقراطية العلمانية لكل مواطنيها من العرب واليهود في كل فلسطين التاريخية بدون صهيونية أو رجعية أو عنصرية فمصير إسرائيل إلى الزوال إن عاجلاً أو آجلاً.