قدرنا ان نعيش معاً/ مصطفى ابراهيم

10/5/2013

زيارة الشيخ يوسف القرضاوي الى قطاع غزة كشفت عوراتنا وخيباتنا الدفينة بعد المحاولات الخجولة لسترها، فالمتابع لما يجري في ساحتنا هذه الايام يشعر بإحباط وحزن شديد من ما وصلنا اليه من انحطاط قيمي، وانزلاق في شيطنة وتكفير بعضنا البعض، والهجوم العنيف الذي شن من الكل ضد الكل، وحصر كل مشكلاتنا وقضايانا في زيارة الشيخ القرضاوي الى القطاع، وكأنه السبب في الانقسام وتعميقه.لا أنكر أنني من الذين يحلمون بتحرير فلسطين كل فلسطين، وأصرح بذلك علناً، وأن إقامة الدولة الديمقراطية الحرة التي يسودها القانون واحترام حقوق الانسان هي من امنياتي، ولا اجد حرجا في انتمائي وجدانيا الى ما تمثله منظمة التحرير الفلسطينية من قيمة وطنية وسياسية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. مع اختلافي مع نهجها السياسي و كثير ممن ينضوون تحت جناحيها المكسران منذ فترة طويلة بفعل الزمن والتفرد في قيادتها والإهمال والتهميش.وأدرك ان انتمائي قد يدفعني الى التعاطف من ينتمون اليها، وأنا الناقد لها ولسياساتها وأقوم و كثر من الحريصين على المطالبة بإعادة الاعتبار لها، و لا يدفعني ذلك التعاطف مع من انتمي اليهم عدم فضح ما يقومون به من اخطاء بحقنا وبحق انفسهم.و من فترة طويلة منذ تحررت من انتمائي الضيق، وتشكيل علاقاتي من جديد مع جميع اطياف شعبنا الفلسطيني، علمتني السنين والتجربة رؤية الصورة بجميع تفاصيلها، ما اكره وما أحب، و قمت بتدريب نفسي على رؤية كل الناس باختلافاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية.و منذ انتخابات 2006، وفوز حركة حماس بأغلبية برلمانية، ظهر الفرز في المجتمع الفلسطيني بشكل واضح، كنت اقاوم قناعاتي بان هذا الفوز حتى بالرغم من انه جاء في انتخابات نظيفة، لكن مهما بلغ حجمه فهو لا يعبر عن كافة اطياف الشعب الفلسطيني، ولا يجوز لأي طرف الاستفراد بشعب ما يزال تحت الاحتلال، ومع ذلك دافعت كغيري عن حق حركة حماس في الحكم.لكن الامور لم تسير بشكل طبيعي على إثر سيطرة حركة حماس على القطاع بالقوة المسلحة، وما جرى من انقسام مستمر، سبب هزيمة قاسية لمشروعنا الوطني لا زلنا نعاني منه، ومن ممارسة اقسى درجات العنف بجميع اشكاله ضد ذواتنا، و من تفسخ اجتماعي وسياسي وتشوه في ادارة مشروعنا الوطني والنضال ضد الاحتلال، ومقاومة عدوانه المستمر وسياسته العنصرية وتهويد ما تبقى من وطن مغتصب.سنوات الانقسام اظهرت بشكل فاضح الفجوة بين طرفين، هما حركة فتح وفصائل منظمة التحرير من جهة وان لم يكن بعض منها شريك في السلطة، و مهما انكرت فصائل المنظمة انها ليست جزء من الانقسام فهي شريك اساس في المنظمة، وبين حركة حماس من جهة اخرى ومن يتحالف معها من حركات اسلامية اخرى، وسيطر كل طرف على الاقليم الذي يمتلك القوة فيه وساعدت على ذلك عوامل كثيرة.وارتكبت السلطتان الحاكمتان خطايا وطنية وسياسية بحق ابناء الشعب الفلسطيني، وتغولتا في التفرد والإقصاء والقمع وارتكاب جرائم بحق الناس و انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان من اعتقالات وتعذيب ومعاملة قاسية، والاعتداء على الحريات العامة والشخصية، وحرية الرأي والتعبير والاعتداء على الصحافيين وتقييد حرياتهم، ومنع الاجتماعات السلمية وفضها بالقوة، ولم تتوقف المطالبات من منظمات المجتمع المدني و مؤسسات حقوق الانسان بمحاكمة مرتكبي الجرائم والانتهاكات.ولم تحترم قواعد الديمقراطية التي غابت ولا تزال في ترسيخ اسس العدل والحكم الرشيد، والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والبطالة، فالضحايا من الجانبين ما يزالا يدفعان الثمن، كما يدفع المواطن الثمن جراء استمرار الانقسام، والحديث عن المقارنة في عدد الضحايا والانتهاكات بحقهم يبقى حديث سخيف وغير منصف والنظر الى طرفين واحد منهم من الملائكة، والأخر من الشياطين.وعليه إن التفكير معاً بعقلانية يفرض علي المرء إذا أدان ما ارتكب طرف انتهاكات ان يدين الطرف الاخر، إذا كان من مؤيدي فتح، او من مؤيدي حركة حماس، و التصالح مع النفس والمطالبة بإنزال العقاب القانوني الصارم علي كل من قام بارتكاب اعتداء أياً كان انتماؤه الفكري والسياسي.إن شيطنة صورة حركة حماس و كافة الحركات الإسلامية، لا تقل خطراً وجنوناً عن محاولة شيطنة وتكفير كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والتقليل من شانها ووصفها بأوصاف لا تليق بحجم نضالاتها وشهدائها وأسراها وقياداتها التاريخية. و حتى لو كنا شياطيناً و ملائكة فنحن شعب يرزح تحت الاحتلال وطريقنا طويلة و قدرنا أن نعيش معا.