للأجيال القادمة كي لا تنسى
نكبة فلسطين
د.غازي حسين
أعلن بن غوريون في 15 أيار 1948 تأسيس إسرائيل استنادا إلى قرار التقسيم رقم 181 كدولة يهودية و صهيونية , وعلى مساحة تجاوزت المساحة التي حددها القرار وهي 54% ووصلت إلى 78% من مساحة فلسطين عن طريق استخدام القوة و المجازر الجماعية ومنها مجزرة دير ياسين .
و ترافق الإعلان باحتلال اليهود لمساحة كبيرة حددها قرار التقسيم للدولة العربية , حيث تقلصت مساحتها من 45 % إلى 22% وجرى ضم الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى الأردن , ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية .
و رافق تأسيس إسرائيل ترحيل حوالي 900 ألف فلسطيني من أراضي الدولة اليهودية و الأراضي العربية الأخرى التي احتلتها إسرائيل 0 وهكذا تسببت إسرائيل بنشوء مشكلة اللاجئين و عدم حلها حتى اليوم , كما احتلت الشطر الغربي من مدينة القدس العربية 0
وهكذا قامت إسرائيل بقوة السلاح , و المجازر الجماعية و الترحيل و بزرع المستعمرين اليهود محل العرب و بالتواطؤ بين الاستعمار و الصهيونية و بعض الحكام العرب .
و بعد التأسيس مباشرة أعلن حاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل قائلا :" اليوم تحقق الصهيونية أول خطوة في برنامجها "0 وأكد بن غوريون اول رئيس وزراء لإسرائيل أن " هذه ليست نهاية كفاحنا , و علينا أن نمضي لتحقيق قيام الدولة التي جاهدنا في سبيلها من النيل إلى الفرات " .
وكتب مناحيم بيغن , زعيم حزب حيروت في كتابه "الثورة "إن تقسيم الوطن عملية غير مشروعة و لن يحظى هذا العمل باعتراف قانوني , وان تواقيع الأفراد و المؤسسات على اتفاقية التقسيم باطلة من أساسها , وسوف تعود ارض إسرائيل إلى شعب إسرائيل بتمامها و إلى الأبد "
و كتب بن غوريون في مقدمة الكتاب القومي لحكومة إسرائيل عام 1952 بان دولة إسرائيل قد قامت فوق جزء من ارض إسرائيل .
وجاء في نشرة الشباب الصهيوني " بيتار" في عام 1953 ما يلي :
" لقد فشل التقسيم , وقد أخطأنا خطأ مميتا بقبوله منذ البداية . إن واجبنا المباشر هو إعادة توحيد القدس و القضاء على أضحوكة الدعاية المسماة المملكة الأردنية , وإعادة الحكم اليهودي إلى إسرائيل الكبرى بكاملها على ضفتي الأردن "وعندما أعلن انطوني إيدن مقترحات التسوية الصراع بين إسرائيل و الدولة العربية وقال أن من الخطأ تجاهل قرارات الأمم المتحدة , أدلى بن غوريون في تشرين الثاني عام 1955 بتصريح أمام الكنيست رفض فيه المقترحات البريطانية , وزعم ( كعادة اليهود في الكذب ) إن دولته هي الدولة الوحيدة التي يحق لها المطالبة بالتعويض عن الحرب التي شنها العرب عام 1948 و قال بعنجهية : " إذا" يجب على مصر مغادرة قطاع غزة في الحال , وعلى الأردن إخلاء فلسطين الغربية ( الضفة ) بكاملها "
و عندما أممت مصر شركة قناة السويس بدأت إسرائيل حرب السويس العدوانية في 29 تشرين الثاني 1956 و احتلت قطاع غزة و صحراء سيناء . و اشتركت معها فيما بعد فرنسا و بريطانيا .
و تابعت إسرائيل سياستها العدوانية , فقامت في مطلع الستينات من القرن العشرين بتحويل نهر الأردن , النهر العربي في منبعه و مجراه و مصبه .
وأشعلت في الخامس من حزيران 1967 حرب حزيران العدوانية و احتلت قطاع غزة و سيناء و الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية و الجولان السوري , وذلك بالتنسيق و التعاون الكاملين مع الولايات المتحدة , ودفاع الولايات المتحدة عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية .
قامت إسرائيل في فلسطين العربية و على أشلاء الشعب الفلسطيني و ترحيله , وتهجير يهود اوربا و إحلالهم محل اللاجئين الفلسطينيين . وأقرت الأمم المتحدة حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم و التعويض عن الخسائر و الأضرار التي لحقت بهم في القرار 194 بتاريخ 11 كانون الأول 1948 .
اشترطت الأمم المتحدة في قرار قبول عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية رقم 273 بتاريخ 11 أيار 1949 تنفيذ قرار التقسيم رقم 181 و قرار حق العودة رقم194 و تعهدت إسرائيل أمام المنظمة الدولية بتنفيذ القرارين , أي الاعتراف بالدولة العربية في الحدود التي رسمها قرار التقسيم و تدويل القدس , وعودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم وتعويضهم عن الخسائر التي ألحقتها "إسرائيل" بهم .
ولكنها كعادتها في الخداع و المراوغة والكذب تنكرت لتنفيذ القرارين بعد أن أصبحت عضوا في المنظمة الدولية و حرمت الشعب العرب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير و السيادة و الاستقلال بالحربين العدوانيتين اللتين أشعلتهما في عامي 1948 و 1967 , وبتكريس الاحتلال و المستعمرات و تهويد القدس و الخليل .
قادت حرب 1948 التي أشعلتها إسرائيل إلى ترحيل نحو ثلثي الشعب العربي الفلسطيني من ديارهم و أراضيهم . وفقدوا أملاكهم و مصادر رزقهم , وتدهور مستوى حياتهم و انتشرت بينهم الأمراض و البطالة و انهارت البني الاجتماعية و الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني 0وأجبرتهم عن طريق استخدام القوة و عشرات المجازر الجماعية على الرحيل من مدنهم و قراهم إلى الضفة الغربية و قطاع غزة و البلدان العربية المجاورة .
واخذوا يعملون بشكل أساسي على توفير المأوى و العمل و الغذاء , حيث تفاقمت مشاكلهم الإنسانية و برزت مشاكل اقتصادية هائلة إلى أن أقرت الأمم المتحدة في الثامن من كانون الأول 1949 استحداث وكالة الأمم المتحدة لإغاثة و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الاونروا ) .
كان لنكبة 1948 أثرها المدمر على المجتمع الفلسطيني بسبب اغتصاب إسرائيل وعصاباتها الإرهابية المسلحة المنازل و الأملاك و الأرض . وأصبح المجتمع الفلسطيني في حالة تفكك , وبدون مؤسسات و قيادة فلسطينية .
و أدت النكبة و الترحيل الإجباري إلى تشتت العائلة الواحدة ( في يافا و نابلس و غزة وعمان وغيرها ) , والى التشتت السكاني , و تفتيت جميع الشرائح الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني .
توجه الفلسطينيون إلى بعض بلدان الخليج للعمل فيها سعيا وراء الرزق . وساهموا بشكل أساسي في تطوير التعليم و الإدارة فيها . و لعب القوميون البعثيون و الناصريون و حركة القوميين العرب و الحزب الشيوعي الأردني دورا كبيرا في إحباط مشاريع التوطين ودخول الأردن في الأحلاف العسكرية كحلف بغداد عام 1955 , وفي طرد رئيس أركان الجيش الأردني الضابط البريطاني كلوب باشا عام 1956 , وإلغاء المعاهدة البريطانية – الأردنية عام 1957
نجح الفلسطينيون في تحسين أوضاعهم الاقتصادية و العلمية و الاجتماعية , وبدأوا منذ مطلع الستينيات من القرن العشرين بتأسيس منظمات فدائية لتحرير أراضيهم و العودة إلى ديارهم و استعادة أملاكهم .
تجلت نكبة فلسطين ليس فقط بالمجازر الجماعية و الترحيل من الأراضي التي احتلتها إسرائيل , و إنما أيضا في انهيار القيادة و المؤسسات , وتفكك المجتمع و العائلة , وتجزئة الشعب فوقع الشعب الفلسطيني و حركته الوطنية و نضاله الوطني في عدة مناطق إقليمية وهي : " إسرائيل , والضفة الغربية ( أي الأردن ) , وقطاع غزة ,ولبنان و, سورية وأدت الحواجز الإقليمية السياسية إلى تجزئة الحركة الوطنية الفلسطينية و عزلها عن بعضها البعض و إضعافها , كما عرقلت بلورة برنامج وطني موحد وقيادة موحدة للشعب كله .
اتخذت معظم الأنظمة العربية موقفا مزدوجا من قضية فلسطين , فكانت تعلن تمسكها بعروبتها ووجوب تحريرها , انطلاقا من عدالة القضية وخوفا من غضب الجماهير عليها و لاعتقادها بخطورة إسرائيل على البلدان العربية .
وكانت بعض النظم ترى في القضية عقبة تحول دون إقامة العلاقات الجيدة مع دول الغرب الاستعمارية .
وعملت بعض الأنظمة على قمع الحركة الوطنية الفلسطينية و شل حركتها , بينما عمل آخرون على احتوائها . فارتبط العمل الفلسطيني بالعمل العربي بسبب عروبة فلسطين , و إيمان العرب بالأمة الواحدة و الوحدة العربية و خطورة المشروع الصهيوني على الوطن العربي و على العروبة و الإسلام و مجمل حركة التحرر الوطني العربية .
و لعب المد القومي و الخطر الصهيوني دورا أساسيا في بروز العمل الفدائي . وبدأ العمل الفدائي في أعوام 1954 و 1955 و 1956 انطلاقا من قطاع غزة و بدعم من مصر .و توقف بعد حرب السويس العدوانية عام 1956 0
وشكل عبد الكريم قاسم في آذار 1960 فوج جيش لتحرير الفلسطيني في العراق كنواة لجيش التحرير الفلسطيني .
وقامت شعبة فلسطين في المخابرات السورية بتنظيم عمليات و اشتباكات مع القوات الإسرائيلية , و تحولت إلى كتيبة مقاتلة بعد الوحدة بين مصر و سورية و إلى لواء حطين في جيش التحرير الفلسطيني بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية .
و انتسب الفلسطينيون إلى الأحزاب و التنظيمات القومية و الإسلامية و اليسارية لخدمة قضيتهم و بقية قضايا الأمة , و لعبوا دورا بارزا فيها .
أدت النجاحات التي أحرزتها الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر إلى اعتقاد بعض النخب الفلسطينية و العربية إلى اخذ التجربة الجزائرية بعين الاعتبار .
دعا الرئيس جمال عبد الناصر إلى عقد مؤتمر القمة العربي الأول في 13 كانون الثاني 1964 في القاهرة لمواجهة تحويل إسرائيل لمجرى نهر الأردن . و اسند المؤتمر إلى الشقيري مهمة إظهار كيان سياسي فلسطيني .فقام بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية .
تأسست منظمة التحرير الفلسطينية في 28 أيار 1964 في مدينة القدس . و أعلنت أن الهدف هو تحرير الوطن السليب و عودة اللاجئين إلى ديارهم . وأقرت الميثاق القومي ، و النظام الأساسي .
و انبثقت عن المؤتمر اللجنة التنفيذية , و الصندوق القومي و جيش التحرير الفلسطيني و أجهزة إعلامية و إدارية و تنظيمية 0 وجاء تأسيسها في إطار الجامعة العربية و موافقة الدول الأعضاء فيها , وذلك لتصاعد الخطر الإسرائيلي على فلسطين و المنطقة بعد تحويل مجرى نهر الأردن , واستجابة لرغبات الشعب الفلسطيني للنضال تحت لوائها لعودته إلى دياره و استعادة أرضه وممتلكاته المغتصبة تنفيذا للقرار 194 .
نص ميثاق المنظمة في مادته الأولى على أن فلسطين وطن عربي , وفي مادته الثالثة على أن الشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الأمة العربية و اعتبرت المادة الرابعة عشرة إن تحرير فلسطين واجب قومي بينما اعتبرت المادة الثامنة عشرةأن وعد بلفور و صك الانتداب وما ترتب عليهما باطل 0 ورفضت المادة الثانية و العشرون التعايش مع الاحتلال و العدوان و الاستعمار.
وأعطت سورية العمل الفلسطيني السياسي و العسكري و بشكل خاص منظمة التحرير و فصائل المقاومة دعما و تأييدا كاملين 0 وانطلقت حركة المقاومة مجددا منها في 1/1/1965 .
واحتلت إسرائيل في الحرب المفاجئة و العدوانية التي أشعلتها في الخامس من حزيران 1967الضفةالغربية بما فيها القدس و قطاع غزة و سيناء و الجولان .
و أخذت على الفور تعمل على تدمير أحياء و قرى و مخيمات لخدمة مخططاتها في تهويد القدس بشطريها المحتلين و أهم مناطق الضفة الغربية .
فقامت بتدمير حي المغاربة وطرد أربعة ألاف مقدسي من منازلهم بأوامر من وزير الحرب موشي ديان.
و قامت بمسح ثلاث قرى عربية من الوجود تشرف على اللطرون مدخل القدس الاستراتيجي وهي قرى : يالو , بيت نوبا , وعمواس , كما دمرت أربع قرى وهجرت سكانها وهي الجفتلك , بيت مرسيم , بيت عوا و حبله .
ودمرت اكبر المخيمات في منطقة أريحا ومنها مخيم عقبة جبر , و مخيم عين السلطان , كما جرى تدمير مخيمات في لبنان منها مخيم جسر الباشا ومخيم تل الزعتر و أخيرا مخيم نهر البارد .
و قامت إسرائيل بتدمير مخيم جنين عن بكرة أبيه .
و ترتكب الهولوكوست و إغلاق المعابر في قطاع غزة استمرارا للهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 65 عاماً .