اخي الغالي الدكتور بوبكر:
لك تحية مباركة صباح هذا اليوم , وأود أن أضع اهتمامي على العبارات الآتية , لأرد عليها وهي :
تقول في سؤالك يا أخي:
1 ــ نجد خلف الساحة العربية اتجاهين ( مؤيد ومعارض )

والإجابة أنت تعرفها يا أخي وغيرنا يعرفها أيضاً , وأي نوع أدبي , وأي فكرة أدبية . وأي قصيدة أدبية , وأي مفردة عربية , وأي نحو وصرف وقرآن وسنة نبوية , لا تجد فيها تيارين أو أكثر أحدهما مؤيد والآخر معارض ؟ , والكل يريد التجديد , وحتى طالت ألسنتهم على تجديد اللغة العربية , وطالبوا باستبدال حروفها إلى الحروف اللاتينية لتسير لغتنا مع ركب التطور والحضارة المعاصرة حسب ادعائهم , كما طالبوا باستعمال اللهجة العامية , فهل نحن العرب , نسير على أهواء من يضع السم في الدسم ؟ , وأترك لك التفكير قليلاً لتعرف أن الشعر الذين يطالبون بتجديده ليس أغلى علينا من لغتنا , وحروفنا وسنتنا وقرآننا , فإذا تهاونا بشيء فإن يدهم ستطال شيئاَ أكبر وأعظم .
أما السؤال الآخر تقول فيه :
2 ــ ((واتجاه يقول بضرورة اعتبار النثر المسجوع بألوان مختلفة شعرا .... هذا الاتجاه يدعو إلى التجديد .))
وجوابي كما يلي :
إن السجع يا أخي قديم جداً وترعرع في عصر ما , لكن يبقى السجع سجعاً , والشعر شعراً والنثر نثراً , ولو كان السجع من الشعر في شيء , لسمعنا هذا الكلام من فطاحل اللغة العربية قديماً وحديثاً , ولن نجد أبلغ من الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال خطبته المسجوعة ( يا أهل العراق ) ولم نسمع في يوم من الأيام أن السجع قد يكون في يوم من الأيام شعراً , إلا في العقود القليلة الماضية , والتي كثر فيها مروجو الفتن والفساد والضلال ليقلبوا الموازين ويسيروا بنا كيفما شاءوا وكفيما أرادوا خدمة لفلاسفة كبار هم أعداء اللغة والتاريخ , والذي يصفق خلفهم جماهير دهماء .

وأنتقل إلى السؤال الذي تقول فيه ما يلي :
3 ــ الاتجاه الذي يدعو إلى التجديد ((يتهم الاتجاه الأول بالسكون والجمود , فيقيدها بالوزن والقافية , ويدعو إلى التمرد ))
والجواب يا أخي الدكتور كما يلي :
إنهم فعلاً يريدون التمرد , ولا يريدون التجديد , لأن التجديد لا يكون على هدم القديم وطمسه , بل يظل القديم على قدمه كأصل وجذع , والتجديد يكون بناء فوق الأساس . ونخشى يوماً , أن يأتي جيل آخر ليقول لنا , لماذا لا تجددون الترتيل والتجويد , ولماذا لا تغيرون نمط دينكم القديم إلى دين جديد يدعو إلى الحرية المطلقة , ليواكب عصر الديمقراطية في أمريكا وإسرائيل ؟ .
وننتقل إلى هذا السؤال الذي تقول فيه يا أخي :
4 ــ ((ويرى بأن ساحة القصيدة العمودية تشهد عزوفا انتاجا وإبداعا وتذوقا خاصة))
والجواب :
لا يا أخي الدكتور , إن القصيدة العمودية باقية كبقاء الشمس والقمر , لأن الشعر المتزن فطرة فطرها الله في مخلوقاته , والإنسان مفطور على الكلام المنتظم بوحدات إيقاعية لها رتابة خاصة , تماماً كما فطرها الله في هديل الحمام الإيقاعي , والذي يردد لحنه ليعرف الإنسان بأن للكلام اتزان خاص لا بدّ عنه , لأن الشعر الموزون أكثر تأثيراً من أي كلام آخر , هو سحر البيان , هو عزم وثورة , هو للحرب والسلم والصلح بين الناس , هو الشعر العمودي الذي به تطرب الكائنات عند سماعه , وهو الشعر المقرون بالموسيقى العذبة الساحرة , لينشد الشاعر شعره هائجاً مائجاً يصدح كالبلبل فوق الأفنان , وإن الشاعر يؤثر في النفوس فهو يهيم في كل لون وفي كل خلية من خلايا الكون , ولك أن تتخيل ماذا يعني أن يحجب القمري سجعه أو يتنازل النهر عن خريره أو يتخلى الفؤاد عن دقاته ... وإن خسر الشعر بعض مواقعه في هذه الأيام , فإن العيب ليس في الشعر وإنما في الشعراء , فقد فقدَ هؤلاء اتصالاتهم بالجماهير وبالحياة وابتعدوا عنها لاغترابهم وسلبياتهم وتهويماتهم ... وفقدوا اتصالهم بالشعر لابتعادهم عن روحه وعن موسيقاه وتحول الشعر بأيديهم إلى ألغاز وأحجيات بدعوى الحداثة ....


وأما السؤال التالي الذي تقول فيه :
5 ــ بعد تطور وسائل الإعلام والاتصالات في العالم المعاصر .
والجواب هو :
بالله عليك يا دكتور , ما علاقة الشعر وتنظيمه وموسيقاه وفنونه وعذوبة لفظه , بوسائل الإعلام والاتصالات , ؟ هل كل كلام العرب شعراً ؟ وهل لا يوجد لنا لغة إلا لغة الشعر فقط ؟ أم أنها وسيلة ومبرر للوصول إلى غاياتهم ؟
ألم يكن للأجانب شعراً منتظماً وموزوناً , فلماذا لا يبطلون اتزان أشعارهم
أنا أحفظ بعض قصائدهم الموزونة بوزن الشعر المقفى منذ الصغر , وهذا بعضه:

وير آر ماي كلاسز وير أو وير
أنْ ذي تيبــــــل أور إن ذي جير

أليست وير [معنى أين ) قافية تناظرها ( جير ( بمعنى كرسي ؟
القهر والموت للذين يعادون ديننا وشعرنا ولغتنا وقافيتنا .

وسؤالك يا دكتور الذي تقول فيه :
6 ــ ويتهم أصحاب الشعر الحر غيرهم بالتعصب للقديم ومنع الجديد من التطور والازدهار

وجوابي , لقد تمت الإجابة عليه قبل قليل .
وأشكر الدكتور بوبكر الذي أتاح للمثقف أن يقف على أمور هامة ليعرف أن أعداء الشعر العمودي هم أعداء لغتنا العربية , بل هم أعداء ديننا الحنيف , وشكراً لصبركم على هذا الشرح المطول .