خيوط ذهب في بروكار دمشقي

هل قدر لك يوما أن ترى البروكار الدمشقي ؟؟
دمشقية أنا حتى نقي عظامي و أحب أن أعرفك على تاريخي و ثقافة بني قومي
فلتمشِ معي يا صديق اللحظات في هذه الحارات العريقة حيث يعربش الياسمين على ردهات أرواحنا و تنتشر روائح العطر الزكية في حنايا القلب
هنا " مجنونة " نشرت شعرها القرمزي المجدول بالزهر بغير هوادة و بلا ترتيب فكانت فوضاها تسريحة لم تتقنها يد مصفف قط
و هنا طرقات مرصوفة بالنبض ، بالانتماء
و هنا مشربية تطل على الطريق و ربما تقبع خلفها جميلة في ميعة الصبا ترامق المارة و لا تلمحها عين إنسان
هنا رائحة الياسمين تعبق مع هبوب النسائم تمتزج برائحة القهوة المحمصة في الأحياء العتيقة
اسمع وقع خطاي و خطاك في القنوات العريقة ..تتهادى مع همساتنا و ضحكاتنا ، هنا مرت أمم من قبلنا ،
تكاد الأبواب أن تعانق بعضها و من صرير السقاطات تعرف أن هناك ثرثرة سرية تتقنها الأبواب
لعلها تتساءل فيما بينها عن يوميات بيوت دمشق القديمة و ما يدور على خشبات " ليواناتها " من أحداث مثيرة
تعرف الأبواب أن هناك نافورة في قلب " الديار " أكثر ثرثرة منها و أكثر شغبا و بـ "أنوثتها" الكامنة تطّلع على ما لا يستطيعه الباب "الذَكَر "أن يبلغه ...فوجهه دوما للخارج ليقابل بابا آخر
لا يفتح الباب على مصراعيه ففي مدينتي كل شيء يقدم بمقدار حفاظا على صحة حدقتي عينيك عندما تفتحهما فجأة على جمال لا يحد..
لو دلفت إلى هنا لاستقر في ذهنك يقينا أن واقعة زيارة التاريخ الأولى لمدينة ما بصم على بواباتها السبعة
عباءته صنعت بأيد ما إذ أن قانون الصدفة ساقط بالبراهين الدمشقية في مدينة صنعت للتاريخ تاريخا
والحكاية تقول أن أيدي الصناع كانت دمشقية
و قبل أن يكتسي التاريخ بالهدية الدمشقية آوته المدينة الياسمينية في ليوانها
قدمت له فنجان قهوة معطر بورق النارنج و مضمخ بمسك الشام
تعال يا صديق لحظاتي أحدثك أكثر ...
هنا في هذا "المربع" البروكار الدمشقي الثمين يصنع
حرير تعبت ديدان القز في استحلابه من أوراق التوت ليأتي مندغما مع خيوط الذهب و يستلقي هانئا على شرفة نول البروكار
ورق التوت كم صاحب المسيرة البشرية متلازما مع صفة الستر و إسباغ نعمة اللباس على الجسد الإنساني
هاهو يصبح نسيجا يجوب صيته الآفاق و يبلغ عرائس الهند و الصين و جميلات أوروبا ليتوج حفلات الزواج كإعلان عن الجمال عندما يمتزج بالإبداع و يتماهى معه في بوتقة واحدة
البروكار ليس مجرد نسيج يا صديقي و إنما هو ثقافة دمشقية نبلّغها للأجيال
هل تعرف لم حدثتك عن البروكار ؟
لأنني أحدثك عن الأصالة عندما تندمج مع الكرم
البروكار نسيج دمشقي أصيل يباركه سخاء الإنفاق عليه و الصبر الغامر لروح مبدعه عندما يبتكره يحدوه الأمل بوصول رسالة الجمال إلى كل صقع في الأرض
أما نسيجي أنا فهو بروكار إنساني يباركه عرق الذهب الخالص " أنت " يسري في عروقه