الانتفاضة وإدارة الصراع/ مصطفى ابراهيم

26/2/2013

عاد المشهد الفلسطيني ليتصدر ساحة الفعل السياسي الاسرائيلي، وتناولت وسائل الاعلام العبرية ما يجري من مواجهات في الضفة الغربية بجدية وحذرت من انفجار كبير لن تستطيع السلطة الفلسطينية السيطرة على نيرانه، وسارع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو الى تحويل اموال الضرائب المحتجزة.
الرعب يدب في دولة الاحتلال خشية من تحول المواجهات الى انتفاضة شاملة، فمنذ عدة اشهر لم تصدق دولة الاحتلال ما حذرت منه أوساط امنية اسرائيلية رفيعة المستوى من امكان اندلاع الانتفاضة الثالثة، وها هي مقدمات الانتفاضة تتبلور امامنا وأمام نظر قادة دولة الاحتلال الذين اعتادوا خلال السنوات الماضية على تهدئة الامور بمنح السلطة الفلسطينية الهبات وبادرات حسن النية والوعود بإطلاق سراح بعض الاسرى. ها هي عذابات الاسرى توقظ الفعل الحقيقي للفلسطينيين والتعبير عن حال عدم الرضى الشعبي الفلسطيني المسيطر على الحالة الفلسطينية، الانتفاضة تتبلور ووقودها الفقراء وكثيرون غير راضين عن ما يجري، والكل يتساءل هل نحن امام انتفاضة شاملة ام احتجاجات غضب يتم شرائها بتحويل الاموال من اجل الرواتب و منح الاموال الغربية لتعيش السلطة عليها. بعض المسؤولين في السلطة سارعوا للقول بان متطرفين من الطرفين يضعان جدول اعمال يقوم على الكراهية والقتل، وان القيادة الفلسطينية لن تبادر الى انتفاضة ثالثة، و دولة الاحتلال مستمرة بإهانة الفلسطينيين وهي من تتحكم بمصيرهم، وكأن مفاتيح المشروع الوطني أصبحت بيد نتنياهو الذي طلب من السلطة تهدئة الاوضاع و يتصرف وفق رؤيته للاستمرار في تركيع الفلسطينيين. فهدف دولة الاحتلال كان ولا زال الاستمرار بمشروعها الاستيطاني والقضاء على أي امكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وهي مستمرة بفرض مزيد من الوقائع على الارض بالاستيطان وتهويد القدس والحصار وعزل المدن والقرى بالحواجز، لمنع الفلسطينيين من التواصل فيما بينهم. المستهجن حال السلطة وقيام عدد من المسؤولين فيها بالتحذير من اندلاع الانتفاضة، و قيامهم بتوجيه الاتهامات لدولة الاحتلال، وانها المسؤولة عن اثارة الفلسطينيين واستفزازهم وانها من تجرهم الى المواجهات، وكأن دولة الاحتلال دولة جارة وليست دولة احتلال، وهذا يؤشر لعدم تبلور رؤية او نضوج لدى السلطة للقيام بأي فعل يواجه الاحتلال وعنصريته وغطرسته، فالسلطة الفلسطينية وما انتجه اوسلو من بنى اجتماعية واقتصادية تابعة ومصلحية تقاوم أي فعل لمواجهة دولة الاحتلال. في دولة الاحتلال يفكرون بما يجري بجدية، ومنشغلون بالسؤال عن جدية السلطة، وهل هي من حضرت وشجعت لهذه الاحتجاجات؟ وهل هي معنية بالتصعيد والاستمرار بها وصولا الى انتفاضة شاملة؟ ام ان الامر يتعلق باحتجاجات تحت السيطرة لتسخين الضفة الغربية قبل زيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما الشهر القادم. ومع ذلك يظل الأمر مقلق، والطرفان يعيشان لحظات خشية من الانفجار الكامل، نتنياهو مرعوب من تطور الامور، وسيكون من الصعب السيطرة على الانفجار بعد سنوات من الهدوء والسيطرة الامنية الشاملة في الضفة الغربية، والانتفاضة ستجعل من الاحتلال مكلفا لدولة الاحتلال، وبالطبع ستعيق من اطماع الاحتلال ومشروعه التوسعي في الضفة. منذ سنوات والسلطة تنادي بالمقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال كوسيلة غير عنيفة ضد الاحتلال، و ربما تكون الظروف الان مناسبة لاندلاع انتفاضة ثالثة، لكن يبقى السؤال كيف نستطيع ادارة الانتفاضة و الصراع مع الاحتلال بطريقة حكيمة والاستفادة من تجارب الماضي، ونقلل من المخاطر وشبح الفوضى التي تحدث عنها الرئيس عباس. و هل نحن امام انتفاضة شعبية شاملة؟ و لماذا تخشى السلطة الفلسطينية من اندلاع الانتفاضة والخروج من حال اللافعل الى حال الفعل؟ ماذا تبقى للفلسطينيين ليخسروه في ظل استمرار الاحتلال؟ قيادة السلطة بدل من طمأنة دولة الاحتلال بان ما يجري ليس انتفاضة ثالثة، والقول إن ما يجري هو مجرد غضب يقوم به الفلسطينيين للتنفيس عنه بالمواجهات، كان عليها ان تكون مستعدة لهذه اللحظة بوضع تخطيط استراتيجي لمواجهة الاحتلال، وخوض المعركة كحركة وطنية تناضل من اجل الحرية والاستقلال. لكن واضح ان السلطة ومعها الفصائل الفلسطينية غير مستعدين لخوض معركة لمواجهة الاحتلال، بل أن السلطة تقوم بدور الوسيط وتطالب الفلسطينيين بالتهدئة وتخويف الناس من المغامرة والفوضى، والقول بأننا لا نريد خوض معركة ليست معركتنا. بالتأكيد هذا ليس تصرف قيادة تقود الشعب الفلسطيني للتحرر، وهي قيادة ذات رؤية قصيرة النظر وغير قائمة على تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني، وهي بهذه الحال من التيه والخوف وتراهن على زيارة اوباما ووعده بالضغط على نتنياهو للعودة لما يسمى العملية السياسية، مع ان الواقع في دولة الاحتلال لا يبشر بشيء سوى الاستمرار في مواصلة مشروعها الاستيطاني وهي غير جاهزة لتقديم أي تنازل للفلسطينيين.
Mustafamm2001@yahoo.com