03/02/2013
عنصرية «إسرائيل»... قوانين وممارسات
د. غازي حسين
وافقت حكومة نتنياهو على أكبر عدد من القوانين العنصرية الموجهة ضد العرب داخل الكيان الصهيوني، ومنها القانون الذي يحظر على «الصندوق القومي» أن يبيع أو يؤجر أراضي تابعة لغير اليهود.
وجاء هذا القانون العنصري ليشطب قراراً سابقاً للمحكمة العليا الإسرائيلية وافقت فيه لغير اليهود على شراء وتأجير أراضٍ تعود للصندوق القومي على الرغم من أن هذه الأراضي جرى انتزاعها من أملاك الفلسطينيين.
وتلت هذا القانون مجموعة من القوانين العنصرية التي وافقت عليها الحكومة الاسرائيلية وبتأييد من حزب العمل، ومن أهم هذه القوانين:
* قانون يسمح بمحاكمة كل من يقوم بزيارة دولة في حالة عداء مع «إسرائيل» لمنع النواب العرب من زيارة سورية ولبنان.
* قانون يمنح «السلطات المحلية» اليهودية الحق في منع العرب من العيش في مناطق نفوذها.
* قانون يسمح بتقديم كل نائب للمحاكمة في حال انتقاده «إسرائيل» ويهوديتها.
* قانون المواطنة الذي يحظر على فلسطينيي 1948 العيش مع زوجاتهم أو أزواجهن في حال تزاوجوا من الضفة الغربية وقطاع غزة.
أقر الكنيست الحالي مجموعة من القوانين منها أحد عشر قانوناً عام 2008، وفي عام 2009 اثنا عشر قانوناً، وفي العام 2010 واحد وعشرون قانوناً يحتوي جميعها على فقرات عنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين وتتضمن الفصل العنصري بين اليهود والعرب والمناداة بترحيل الفلسطينيين، ومنها قانون طرد البدو من النقب الذين وجد أجدادهم منذ آلاف السنين على هذه البقعة من الأرض، وتشمل القوانين العنصرية الجديدة تحريم ومعاقبة مستخدمي تعبير النكبة، والقانون الذي نص على محو الأسماء العربية للعديد من البلدات والمدن والشوارع واستبدالها بأسماء عبرية.
وقال الصحفي الإسرائيلي إسحاق ليئور: إن هذه القوانين تؤكد أن الديمقراطية الإسرائيلية هي لليهود فقط، أما العرب فلهم قانون آخر يحدده جهاز الشاباك وبقية الأجهزة الأمنية وتنتهك هذه القوانين حقوق الأقليات والمساواة المدنية وحرية التفكير والتعبير والأديان الواردة في قرار التقسيم والذي بموجبه أقيم الكيان الصهيوني.
وهنا أتساءل: ألا يستحق إصدار هذه القوانين موقفاً عربياً ودولياً ومن الأمم المتحدة لمواجهة عنصرية الدولة الإسرائيلية.
إن واقع الأحداث في فلسطين يثبت بجلاء أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ما هي إلا عصابات من عتاة الاستعمار الاستيطاني والعنصرية في العالم، وتريد من الفلسطينيين أن يقدموا ولاء الطاعة العمياء لإسرائيل وأجهزتها الأمنية، وأن يستبدلوا مظاهر الحزن والحداد على نكبة 1948 باحتفالات بعيد «الاستقلال» وأن يشتركوا في حروب «إسرائيل» العدوانية ومجازرها الجماعية تجاه شعبهم في الضفة والقطاع وفي لبنان وسورية وغيرها.
فبأي حق أو منطق أخلاقي أو إنساني أو قانوني يصدر قانون يعاقب تذكر الآلام والأحزان والمآسي والويلات التي تمنع الإنسان من إحياء ذكرياته المؤلمة وذكريات طفولته في منزله داخل وطنه؟ إن هذه القوانين أخطر بكثير من قوانين نورنبيرغ العنصرية إبان العهد النازي في ألمانيا وتؤكد بجلاء أن الصهاينة أسوأ من النازيين وأسوأ بني البشر على الإطلاق.
يستنتج المحلل السياسي منذ صدور قانون العودة العنصري عام 1950 وحتى الموافقة على قانون «الولاء للدولة اليهودية» في 27/9/2009 أن تراكم القوانين والممارسات العنصرية لـ«إسرائيل» يؤكد على عنصرية إسرائيل والعنصرية في القوانين الإسرائيلية، ويرمي قادة الكيان الصهيوني من جراء ذلك إلى تعزيز «يهودية الدولة» وتحقيق المشروع الصهيوني على أنقاض الشعب الفلسطيني وعروبة فلسطين.
تحدث شارون عن يهودية الدولة في قمة العقبة عام 2003 وتولى الحديث عنها أولمرت وليفني وباراك ونتنياهو في شرم الشيخ والقصر الجمهوري في القاهرة إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وإلى أن أكد عليها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في كلمته أمام الكنيست في 15 أيار 2008 ولايزال نتنياهو يصر على الاعتراف الفلسطيني والعربي بها.
ظهر للعالم أجمع أن حكومة نتنياهو والكنيست حالياً يعدان من أكثر الحكومات والبرلمانات عنصرية منذ تأسيس «إسرائيل» وحتى اليوم، وأصبح التنافس على تصعيد العنصرية وكراهية الفلسطينيين بين الوزراء ونواب الكنيست ورجال الفكر والسياسة والحاخامات الرافعة والسمة الأساسية للحصول على المناصب المهمة في الحكومة والجيش وأجهزة المخابرات والشارع الإسرائيلي ويبنون مستقبلهم الوظيفي على المزاودة في قتل الفلسطينيين والعرب والتنكيل بهم والتعبير عن كراهيتهم وازدرائهم لكل ما هو عربي، ويتباهى المرشحون في كل انتخابات تجري بماضيهم الإرهابي والعنصري تجاه العرب.
ويرمي التحريض على قتل العرب وترحيلهم وكراهيتهم للوصول إلى أهم المناصب في الدولة، فالعنصرية والتمييز العنصري وارتكاب جرائم الحرب ضد الإنسانية والافتراء على العرب والاستيلاء على أراضيهم وتهويد مقدساتهم ينتشر في أوساط الشارع الإسرائيلي كانتشار النار في الهشيم ويعمل حكام الكيان الصهيوني ككيان استعماري ونظام عنصري على فرض الولاء على السكان الأصليين وأصحاب فلسطين الشرعيين بعد أن صادرت أكثر من 90% من أراضي فلسطين وبعد أن حولتهم من أكثرية إلى أقلية في وطنهم.
ولقد أقر الكنيست العديد من القوانين العنصرية التي تقدمت بها حكومة نتنياهو وهي موجهة ضد عرب الداخل تحت ذريعة المحافظة على أمن «إسرائيل ومكافحة الإرهاب».
أصدر حاخامان يهوديان وهما يتسحاق شابيرا ويوسي اليتسور كتاباً يشرّعان فيه قتل غير اليهود، ويشمل الكتاب 230 صفحة تتضمن فتاوى أصدرها حاخامات تجيز قتل كل من هو غير يهودي حتى ولو كان طفلاً أو رضيعاً، وتعني الفتاوى الفلسطينيين بخاصة والعرب بعامة، وهي نصوص مأخوذة عن التلمود وكبار المرجعيات اليهودية.
يدعو الكتاب إلى قتل العرب حتى الأطفال والرضع لما يشكلونه من خطر على «إسرائيل» ووجودها.
يؤكد هذا الكتاب على صدقية تقرير غولدستون ولاسيما أن عقيدة الجيش الإسرائيلي تقوم على إبادة العرب تطبيقاً للتعاليم التي رسخها كتبة التلمود، والإرث الديني الذي خلفه كبار الحاخامات الذين يبيحون سفك دماء العرب في سبيل الحفاظ على الكيان الصهيوني.
ويبيح الكتاب العنصري الجديد لكل يهودي ممارسة قتل الفلسطينيين من دون انتظار أمر الجهات الرسمية.
إن مضمون الكتاب كما أشارت إليه الصحف الإسرائيلية والعربية هو «تحريض صريح وسافر على القتل والعنف».
وقال النائب طلب الصانع من الحزب الديمقراطي العربي بأنه تحريض أرعن ودموي لقتل العرب، ومؤشر خطير وتجاوز لكل الخطوط الحمراء.
وأضاف أن العنصرية عند اليهود ولاسيما عند اليمين المتطرف قد استفحلت ويجب التصدي لها فوراً.
ويبيح الكتاب سفك دماء المدنيين الذين يساعدون المقاتلين وقتل الأطفال والرضع إذا كان وجودهم يساعد على قتل اليهود، أو إنهم عندما يكبرون سيلحقون الضرر باليهود.
واستخلص النائب في الكنيست جمال زحالقة من الكتاب قائلاً: «ما يقوله مؤلفا الكتاب هو بالضبط ما تفعله «إسرائيل» بشكل رسمي، والفرق أن «إسرائيل» تحاول أن تسوغ جرائمها، أما مؤلفا الكتاب فهما يقولان لا حاجة للتسويغات وإن قتل العرب مطلوب ومرغوب به».
وأكد الحاخامان أن فتواهما العنصرية «تستند إلى نصوص تراثية توراتية واضحة ضد العرب والأجانب».
بدأت الحملة العنصرية الدينية أولاً في مدينة صفد، حيث يدرس طلاب عرب في كليات جامعية في المدينة العربية المحتلة، وأعلن حاخام المدينة شموئيل الياهو أنه ينبغي طرد العرب من صفد، وأفتى بحرمة تأجيرهم بيوتاً أو محلات أو أراضي، ووقع نحو 50 حاخاماً عريضة تؤيد فتوى حاخام صفد، ثم انضم إلى الفتوى 300 حاخام وهم جزء من زعماء الصهيونية في الكيان الصهيوني مثل رئيس مدرسة أورعتسيون ومركز مدارس بني عكيفا الحاخام حاييم تروكمان ورئيس مدرسة الون مورية الحاخام الياكيم لنفتون ورئيس مدرسة تل أبيب الحاخام زلمان ميلميد.
ويمكن القول: إن حكومة نتنياهو والكنيست الحالية هي الأكثر عنصرية في تاريخ الكيان الصهيوني وجاءت فتوى الحاخامات الجديدة لتؤكد «أن النصوص التوراتية والفتاوى الدينية صريحة في رفضها تأجير أو بيع أرض أو بيوت لكل من ليس يهودياً».
ونشر موقع صحيفة يديعوت أحرونوت في 7 كانون الأول عام 2010 إعلاناً وقعه الحاخامات من جميع أنحاء «إسرائيل» أكد فيه أحد الحاخامات أن العنصرية «نشأت في التوراة».
فالحاخامات انطلقوا من التوراة للتحريض على العنصرية والتمييز العنصري.
واستخلصت «الغارديان» الصادرة في 8 كانون الأول 2010 «أن «إسرائيل» تسلم زمام الأمور إلى الفاشيين الدينيين وهم مستوطنون يبنون بصورة غير قانونية، إن ما يحدث هو نذير شؤم للمستقبل (مستقبل إسرائيل)».
إن قسماً كبيراً من الحاخامات هم موظفون ويتقاضون رواتبهم من الخزينة، وهنا تكمن خطورة مواقفهم العنصرية المؤيدة من الحكومة الإسرائيلية.
ووصلت وقاحة الحاخام الياكيم ليفتون القادم من وراء البحار (وهو أحد الموقعين على الفتوى) حداً قال فيه «إن العرب لا يريدون في الواقع جاراً يهودياً، كل ما يريدونه هو احتلال الأماكن والسيطرة على البلاد».
ويتناسى هذا الحاخام العنصري والمستعمر أن «إسرائيل»غريبة عن المنطقة دخيلة عليها وجاءت من وراء البحار، وسخرت الحروب العدوانية والمجازر الجماعية للاستيلاء على فلسطين العربية وتهويدها، بدعم وتأييد كاملين من الدول الغربية.
وأيدت حركة معياني هيشوعا الدينية على لسان مديرها العام الحاخام أفيحاي يوعرون «أن التوراة لن تتغير بسبب محاولات إسكات الحاخامات، هذا هو ديننا.
وعلقت هآرتس في افتتاحيتها في 19/12/2010 تقول: «إن هذه الفتاوى هي مجرد تعبير آخر عن التصعيد العنصري المستشري في أوساط العديد من الحاخامات الذين يتبوؤون وظائف رسمية».
وانضم الحاخام العنصري عوفيدا يوسيف إلى الفتوى العنصرية لحاخامات «إسرائيل» وقال: ممنوع بيع العرب حتى لو أعطوا الكثير من المال، لن نسمح لهم بالسيطرة علينا هنا.
وكان الحاخام عوفيديا يوسيف قد دعا في تموز 2001 إلى إبادة العرب بالصواريخ، وأضاف في صلاة السبت في كنيس في القدس المحتلة بمناسبة عيد الفصح اليهودي: «إن العرب يجب ألا نرأف بهم».
وقال عوفيديا إن العرب يتكاثرون في المدينة المقدسة كالنحل، وإن عليهم أن يذهبوا إلى الجحيم وحث أتباعه على قتل العرب وقال: «إن العرب صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعاً، ووصفهم بأنهم أسوأ من الأفاعي السامة، قائلاً إن الدين اليهودي يحث على التخلص من كل من يسكن فلسطين».
وتدل هذه التصريحات العنصرية المقيتة على الثقافة الدينية والسياسية المتغلغلة في أوساط الشعب الإسرائيلي وتداعياتها على شحنه لقتل العرب وإبادتهم حتى الأطفال والرضع منهم، وهي تأكيد للتعاليم التي رسخها كتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الصهاينة وقادة «إسرائيل» الموغلة بالحرق والتدمير والقتل والإبادة الجماعية للأغيار.
إن تصريحات الحاخامات اليهود وحكام «إسرائيل» تجاه غير اليهود أي الأغيار وبالتحديد العرب حالياً منافية للقيم والمفاهيم الإنسانية والأخلاقية والدينية (الإسلامية والمسيحية) ولاسيما أن حركة شاس التي يتزعمها الحاخام العنصري عوفيديا يوسيف شريكة في حكومة نتنياهو، ما يؤكد أن حكومة نتنياهو والشارع الإسرائيلي ووزير الداخلية إيلي يشاي، لا يختلفون عن الحاخامات الذين وقعوا الفتوى العنصرية الموجهة ضد العرب لكونهم عرباً، ويدل هذا التوجه على أن المشروع الصهيوني يقوم على التمييز والإقصاء والإبادة الجماعية والتطهير العرقي واغتصاب الحقوق والأرض والمياه والثروات العربية.