للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر

الكيان الصهيوني والاستعمار الاستيطاني

د.غازي حسين

استغلت الحركة الصهيونية ألمانيا النازية لتنظيف ألمانيا وأوروبا من اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين. وتعاونت معها لتحقيق هذا الهدف. واستغلت جرائم النازية بعد القضاء عليها والنفوذ اليهودي في الولايات المتحدة لإجبار الأمم المتحدة الموافقة على تقسيم فلسطين.
ونص القرار على إقامة دولتين واحدة عربية والثانية يهودية على مساحة 56% من فلسطين العربية. ولكن المنظمات اليهودية الإرهابية المسلحة والجيش الإسرائيلي احتلوا 78% من مساحة فلسطين في الحرب التي أشعلوها عام 1948م، أي حوالي أربعة أخماس مساحة فلسطين.
وسيطرت "إسرائيل" على أراضي وأملاك وثروات العرب الذين أجبرتهم على الرحيل بالمجازر الجماعية والإرهاب والحرب النفسية، وشردتهم عن أراضيهم ومنازلهم. وأخذت تستورد مئات الآلاف من قطعان المستوطنين العنصريين المتوحشين وأحلّتهم محل عرب فلسطين سكان البلاد الأصليين وأصحابها الشرعيين. وأقامت مئات المستعمرات على أنقاض القرى الفلسطينية التي دمرتها ووصل عددها حوالي (500) قرية عربية أبادتها "إسرائيل" ومسحتها من الوجود. وسنت العديد من قوانين سلب الأراضي وابتدعت العديد من الأساليب والحيل والخدع لتسهيل مهمة اغتصاب الأراضي الفلسطينية وتهويدها ومن أبرزها: قانون أملاك الغائبين، وقوانين استملاك الأراضي، ومناطق الأمن لأغراض عسكرية وقوانين الطوارئ وقانونا العودة والجنسية. وقادت سياسة مصادرة الأراضي العربية وتهويدها إلى تحويل الفلاحين إلى عمال يعملون في الزراعة والصناعة التي أقامها اليهود على أراضيهم التي صودرت منهم. ولا تزال "إسرائيل" تمارس سياسة مصادرة الأراضي واغتصابها وتهويدها إلى اليوم لتجريد العرب من أسباب رزقهم وللتضييق عليهم لإجبارهم على الرحيل خارج وطنهم.
ووضعت "إسرائيل" وثيقة كينغ عام 1976 لتهويد الجليل وسلب ونهب ما تبقى من أراض في أيدي العرب في الجليل والنقب من أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، وهو ما أدى إلى اندلاع أحداث دموية مع انتفاضة الجليل في يوم الأرض في 30 آذار عام 1976 رداً على محاولات وخطط التهويد ومصادرة الأراضي العربية المتبقية بأيدي أصحابها الفلسطينيين.
يؤمن قادة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي بأطيافه كافة أن عملية الهجرة والاستيطان حق ديني مشروع لهم في الأرض التي وهبهم إياها يهوه، وذلك تبريراً لأطماعهم المادية والاستعمارية في الأرض والثروات والمقدسات العربية. وتهدف الهجرة اليهودية إلى بناء القاعدة الديمغرافية للمستعمرات اليهودية والاستعمار الاستيطاني وتزويد الدولة الاستيطانية بالطاقات البشرية لتقوية إمكانياتها في تهويد المزيد من الأرض وزيادة طاقاتها العسكرية والاقتصادية ولتقوية الامبريالية في الوطن العربي.
وتقوم المنظمات الصهيونية العالمية والكيان الصهيوني بتشجيع اليهود على الهجرة ونقلهم إلى فلسطين المحتلة وجمع الأموال اللازمة من التعويضات الألمانية والسويسرية والنمساوية والمساعدات الأميركية لاستيعابهم وإقامة المزيد من المستعمرات فوق الأراضي العربية المحتلة. فبناء مستعمرة يهودية في الأراضي العربية المحتلة يتطلب جلب المستوطنين ومصادرة الأرض وتوفير الأموال لإقامتها. فمصادرة الأرض والاستيلاء عليها وتهويدها تشكل الأساس المادي للاستعمار الاستيطاني ولممارسات وسياسات الدولة الاستيطانية. وتمارس "إسرائيل" الإرهاب والإبادة والعنصرية لخلق جو من الخوف والرعب لحمل العرب على النزوح المستمر، وبشكل خاص بإشعال الحروب العدوانية المستمرة وفرض اتفاقات الإذعان على بعض الدول العربية وعلى القيادة الفلسطينية عن طريق الراعي الأميركي المعادي للعرب والمسلمين. وتسوّق الاستيلاء على الأراضي العربية بحجج واهية وخرافات وأكاذيب توراتية وتلمودية كمقولة "أرض الميعاد" و"أرض الآباء والأجداد" وتحرير الأرض من الغزاة العرب وتمدين العرب المتخلفين، والرسالة الحضارية لليهود في بلاد الشرق المتخلف، الغارق في أحلام ألف ليلة وليلة.
وقادت الهجرة اليهودية والاستيطان وترحيل العرب إلى إقامة أكبر غيتو يهودي إرهابي وعنصري في العالم، أي قيام كيان غريب ودخيل استيطاني واستعماري على الأرض العربية.
وأدت إلى احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين بأسرها، وفرض إرادته على شعبها ووضعه في معسكر اعتقال كبير وتجزئته والحيلولة دون تطوره وتقدمه وصهينته إن أمكن ذلك، وتحويله إلى خدم وعبيد لشعب الله المختار.
ويختلف الاستعمار الاستيطاني اليهودي عن الاستعمار البريطاني التقليدي في فلسطين بإقامة المستعمرات اليهودية. فالاستعمار البريطاني التقليدي كان يعمل على استغلال فلسطين وموقعها الاستراتيجي لخدمة أهدافه العسكرية والاقتصادية. أما الاستعمار الاستيطاني اليهودي فهو يعمل على تهويد الأرض وإبادة وترحيل العرب وتهويد المقدسات والاستيلاء على الأرض والمياه والثروات العربية. وبالتالي فهو يسعى للاستيلاء على أرض فلسطين دون سكانها العرب، فإن لم تكن الإبادة ممكنة، فالترحيل والعزل والإغلاق والاعتقال والحصار والاستغلال والاستعباد إلى أن يتحقق الاستعمار الاستيطاني.
ويقوم الاحتلال الإسرائيلي بخلق وقائع جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة معتمداً على القوة العسكرية والقوانين العنصرية، وتدمير الوجه الحضاري العربي الإسلامي للقرى والمدن العربية، بما فيها مدينتا القدس والخليل. ويصاحب الممارسات الإسرائيلية ارتكاب الهولوكوست على الشعب الفلسطيني لإبادته ومسحه من الوجود وارتكاب أقصى أنواع الإرهاب والعنصرية بحق المدنيين العزل، مما يجعل الاستعمار الاستيطاني اليهودي أبشع أنواع الاستعمار الاستيطاني في العالم.
لقد أدى الاستيطان الأوروبي في أميركا إلى إبادة الهنود الحمر وانقراضهم. وقارب سكان أستراليا الأصليين على الانقراض بسببه.
ويعيش حالياً نصف الشعب الفلسطيني في الشتات بسبب الكيان الاستيطاني اليهودي وبسبب الاستعمار الاستيطاني في فلسطين.
"فالهجرة الجماعية تمثّل نسيج العملية الاستيطانية والإطار الإيديولوجي للمستوطنين بما يتضمنه من مفاهيم وأساطير تقوم بوظيفة الدافع والحافز للهجرة والاستيطان، في حين تتكفل عملية السيطرة المنظمة بتوفير القاعدة المادية للاستيطان أي الأرض، وبتعبئة وتنظيم طاقات المستوطنين بفرض حسم الصراع بينهم وبين السكان الأصليين بالوصول إلى السلطة وإقامة الدولة الاستيطانية."(6)
وحققت الحركة الصهيونية العالمية بمساعدة الدول الاستعمارية الأركان الثلاثة لإقامة الكيان الاستيطاني الاستعماري وهي: أولاً: موجات الهجرة اليهودية أي القاعدة الديمغرافية. ثانياً: مصادرة الأراضي العربية والاستيلاء عليها وتهويدها أي تحقيق القاعدة الجغرافية. وثالثاً: إقامة الدولة الاستيطانية العدوانية والتوسعية أي تحقيق القاعدة السياسية والعسكرية. وتلا ذلك الاعتراف الدولي بالدولة الاستيطانية اليهودية والعمل على ترسيخ وجودها وتقويتها، بحيث تتفوق على جميع البلدان العربية.
لقد انتهت ظاهرة الاستعمار التقليدي ومعظم ظواهر الاستعمار الاستيطاني كنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وروديسيا والبرتغال. وبالرغم من أن الاستعمار الاستيطاني نشأ في إطار الاستعمار التقليدي وأن الاستعمار التقليدي قد اندثر إلا أن "إسرائيل" هي دولة الاستعمار الاستيطاني الوحيدة المتبقية في العالم.
عندما قامت الدولة الاستيطانية اليهودية في فلسطين فتحت أبوابها على مصراعيها لهجرة يهود العالم فقط إليها. وأشعلت العديد من الحروب العدوانية للتوسع والاستيلاء على الأراضي العربية وتهويدها. وصعّدتْ من الهجرة اليهودية ومن طرد العرب وترحيلهم وإبادتهم واستعبادهم وكسر إرادتهم وإذلالهم واستغلالهم.
وشكل احتلال "إسرائيل" لفلسطين بأسرها عام 1967 نقطة تحول في متابعة الاستعمار الاستيطاني، وترحيل سكان فلسطين الأصليين في إطار الاحتلال وتسخير الجيش الإسرائيلي في ارتكاب المجازر والهولوكوست على الشعب الفلسطيني وعبر تبريرات يهودية وقحة وكاذبة ووحشية مغلَّفة بأطماع ومزاعم وخرافات دوّنها كتبة التوراة والتلمود.
ويؤمن حكام الكيان الصهيوني أن مستقبل المشروع الصهيوني يعتمد على الهجرة والترحيل والاستيطان، لذلك يصرون على عدم العودة لحدود ما قبل حرب حزيران العدوانية عام 1967 ويصرون على تهويد القدس والخليل والاستمرار في الاستيطان والتمسك به وعدم تفكيكه كما جرى في سيناء، حيث استغل تفكيك المستعمرات في سيناء لتعزيز وتكثيف الاستيطان في الضفة والقطاع والجولان.
وأنجزت "إسرائيل" أهم النشاطات الاستيطانية وفقاً للبرامج التي وضعها حزب العمل منذ عام 1969، وليس هناك خلاف جوهري بين العمل والليكود فيما يتعلق بالاستيطان وينحصر الخلاف في الأساليب فقط.
ووضعت طبيعة الكيان الصهيوني الاستيطانية والإرهابية وتأسيسه عن طريق الاستعمار والصهيونية في تناقض أساسي مع العرب سكان البلاد الأصليين ومع الدول العربية المجاورة لفلسطين بسبب سياساته العدوانية والتوسعية وممارساته للإرهاب والعنصرية والإبادة والتدمير كسياسة رسمية للهيمنة على المنطقة العربية.
وتبنى الكيان الصهيوني الديمقراطية البرلمانية للمستوطنين اليهود، "أبناء شعب الله المختار" والحكم العسكري الإرهابي والعنصري، والعنصرية في القوانين الإسرائيلية للمواطنين العرب سكان البلاد الأصليين وأصحابها الشرعيين.
ويخطط الكيان الصهيوني للقضاء على الشعب الفلسطيني بتجزئته وترحيله وإبادته وتوطينه خارج وطنه وجلب موجات جديدة من قطعان المستوطنين اليهود ومصادرة المزيد من الأراضي العربية.
كانت "إسرائيل" في الماضي تعمل لخدمة الاستعمارين البريطاني والفرنسي واليوم لخدمة الامبريالية الأميركية واليهودية العالمية. وبالتالي جعلت من نفسها عدوة لشعوب المنطقة ومصالحها واستقرارها وتطورها وازدهارها، مما يجعل الأمة العربية ترفض الاعتراف بها والتعايش معها. وترفض البيئة الإقليمية في المنطقة القبول "بإسرائيل" المغتصبة للأرض والحقوق العربية، والمعادية للعروبة والإسلام، والتي تشعل الحروب العدوانية وتعمل ليل نهار ضد شعوب المنطقة ومصالحها وسيادتها. ويلعب إيمان الشعب الإسرائيلي بالإرهاب والعنصرية والاستعمار الاستيطاني وتمسكه بالهجرة اليهودية والترانسفير وبالبغضاء والكراهية للعرب دوراً في تعزيز الرفض العربي أو القبول بالكيان الصهيوني. وتستجيب الحكومة والجيش والأحزاب والمنظمات لعدوانية وعنصرية الشعب الإسرائيلي وتعمل على:
أولاً: التمسك بالاحتلال وبالمستعمرات والاستعمار الاستيطاني والهجرة والترحيل.
ثانياً: قمع المقاومة للاحتلال والاستعمار بحجة المحافظة على الأمن وتوفيره.
وثالثاً: إجبار القيادة الفلسطينية والدول العربية على الاعتراف بشرعية الاستعمار الاستيطاني. ورابعاً: كسر الإرادة العربية وإخضاع الدول العربية والهيمنة عليها.
استولت إسرائيل بعد الحرب العدوانية التي أشعلتها عام 1967 على الأراضي الفلسطينية التي كانت تحت إدارة الدولتين العربيتين الأردن ومصر، كما وضعت يدها بموجب "قانون الغائبين" على الأملاك الخاصة بالمواطنين الفلسطينيين الذين كانوا خارج فلسطين عند احتلالها. وأصدرت العديد من الأوامر العسكرية لمصادرة أراضي أخرى خاصة بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة وحظرت على أصحابها دخولها. وهكذا أصبحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسيطر على أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية وعلى
42% من أراضي قطاع غزة.
وأخذت تنادي بتوسيع حدودها وتوفير "الأمن" لمواطنيها لتبرير الاستعمار الاستيطاني وفرض حدود جديدة تماماً كما فعلت في الحرب العدوانية التي أشعلتها عام 1948 متجاوزة بذلك الحدود التي أقرها قرار التقسيم. وتهدف من جراء الاستيطان تجاوز الحدود التي عينتها اتفاقيات الهدنة عام 1949 بينها وبين الدول العربية المجاورة لفلسطين.
وأخذت تتحدث عن خطورة الضفة الغربية العسكرية "لإسرائيل" وبالأخص خطورتها على العمق الإسرائيلي "وكأنها حمل وديع يريد السلام ويعمل من أجله"، وأعلنت وجوب سيطرتها على المرتفعات المحاذية لنهر الأردن للحيلولة دون هجوم عربي مفترض عليها.
وأخذت تقيم في بادئ الأمر مستوطنات عسكرية في مناطق استراتيجية وإضفاء الطابع المدني عليها، وذلك للحيلولة دون تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 القاضي بانسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية إلى الحدود التي انطلقت منها في حربها العدوانية عام 1967.
وتجسدت استراتيجية الكيان الصهيوني تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة بمشروع يغال الون. وجرت ركائز وأسس ومنطلقات الاستيطان في السنوات العشر الأولى للاحتلال الإسرائيلي البغيض انطلاقاً من هذا المشروع.
ويتفق المتدينون والعلمانيون اليهود في الأطماع التي رسخها كتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الصهاينة بعودة جميع اليهود إلى أرض الميعاد المزعومة وإقامة إسرائيل الكبرى. وانطلاقاً من الأطماع اليهودية واستغلالاً للعاملين الديني والصهيوني أقامت "إسرائيل" أول مستوطنة دينية على مداخل مدينة الخليل وهي كريات أربع عام 1968، بقرار حكومي، كما وافقت فيما بعد بالاستيطان داخل الخليل وبالتحديد في قلب المدينة. وأخذت تعمل على تهويد المسجد الإبراهيمي ومدينة الخليل بمزاعم وأساطير دينية. ورفعت الأحزاب الدينية وحركة غوش ايمونيم والليكود شعار: "حق اليهود المطلق في استيطان أي بقعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة" تماماً كما فعلت "إسرائيل" في الأراضي التي احتلتها عام 1948.
وتختلق "إسرائيل" باستمرار المبررات والأكاذيب لتسويق سياساتها وممارساتها الإرهابية والعنصرية والاستيطانية. فكانت تستغل أي عملية من عمليات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتتخذها كذريعة لإقامة مستعمرات جديدة في قلب القدس والخليل أو نابلس.
فالمخططات الاستيطانية جاهزة لديها في الملفات تنتظر التنفيذ بمجرد أن تسنح الفرصة للبدء فيها. وبالتالي تبرر إقامة بعض المستوطنات بردود فعل على عمليات مقاومة الاحتلال، أو بحجة الأمن. ولكن الوقائع والأحداث أثبتت بجلاء أن المستعمرات اليهودية والمستعمرين اليهود لا يوفرون الأمن لهم "ولإسرائيل"، وإنما يشكلون الخطر الدائم على الهدوء والاستقرار في المنطقة. وأظهرت الوقائع والأحداث سقوط معزوفة الأمن الإسرائيلي، وأنها لا تغدو إلا أسطوانة كاذبة ومضللة وخادعة لتبرير التوسع والاستعمار الاستيطاني اليهودي. وأثبتت أن الشعب الفلسطيني وحده هو الذي بحاجة ماسة للأمن وتوفير الحماية الدولية لأطفاله ونسائه ورجاله في منازلهم وغرف نومهم.
إن المزاعم الدينية لا تعطي حقاً من الحقوق، ولا يمكن لها أن تضفي الشرعية على الاستيطان، فالحنين الديني لا يشكل على الإطلاق حقاً من الحقوق في القانون الدولي، لذلك تسقط المبررات الدينية والأمنية التي تكررها "إسرائيل" واليهودية العالمية ليل نهار. وثبت بجلاء أنها تتذرع بحجة الأمن لتحقيق الاستعمار الاستيطاني والامبريالية الاسرائيلية.
لقد أعلنت إسرائيل عن إنشاء (20) مستوطنة في سيناء ومنها "ياميت". ووضعت منازل متحركة وزودتها بخزانات للمياه لتوهم الأقمار الصناعية بأنها حقيقية. وقام السفاحان بيغن وشارون بتمثيلية جديدة، إذ اتفقا على إرسال منازل متحركة والإعلان عن أن "إسرائيل" قررت توسيع مستوطناتها في سيناء، كي يطالب السادات بوقف توسيعها ويوافق على بقاء مستعمرة ياميت. ولكن مصر رفضت رفضاً باتاً وجود أية مستوطنة في أراضيها. وبالفعل اضطرت "إسرائيل" إلى تفكيكها. وتابع الكيان الصهيوني استراتيجية الاستيلاء على الأرض العربية في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان واغتصابها وتهويدها بالقوة العسكرية وفرض الأمر الواقع الناتج عنها وعن الاحتلال لتوسيع حدود دولة اليهود، حيث أكد رعنان فايتس، رئيس قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية وعضو لجنة الترحيل هذه الحقيقة الصهيونية وقال: "إن مخططي الاستيطان اليهودي خلال الستين عاماً المنصرمة عملوا على أساس أن حدود المستقبل للدولة اليهودية يجب أن تعين من خلال أنظمة من المستوطنات السكانية، تبدأ كنقاط استراتيجية، وتأخذ بالتوسع على أكبر مساحة ممكنة من الأرض."
ويؤمن قادة الحركة الصهيونية العالمية والكيان الصهيوني أن مستقبل الصهيونية العالمية وهيمنتها على المنطقة والعالم يتوقف على سياسة الهجرة اليهودية إلى الكيان الصهيوني والاستيطان فيه وتقوية إسرائيل عسكرياً واقتصادياً لجعلها مركز اليهودية العالمية من أجل تحقيق بروتوكولات حكماء صهيون بالسيطرة على المنطقة العربية والعالم.
ويخططون لإنهاء الوجود العربي في فلسطين عن طريق التلويح بالخطر الديمغرافي العربي والتخلص منه عن طريق الترانسفير أي ترحيل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين بمختلف الوسائل، وبالتالي يجمع الشعب الإسرائيلي والصهيونية العالمية على ضرورة الاستمرار في تهجير اليهود إلى فلسطين وترحيل العرب منها وتعزيز المستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة واستقدام ثلاثة ملايين يهودي حتى عام 2020. ويربطون بين استمرار تدفق الهجرة اليهودية وتقوية إسرائيل وتفوقها العسكري وتعزيز المستعمرات والترانسفير لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية.
وترمي كافة الاتفاقات والمفاوضات والتسويات إلى تكريس الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والحروب العدوانية لشرعنة الاحتلال والاستيطان والاستعمار الاستيطاني، والمضي قدماً في تهويد الأرض والثروات والمقدسات العربية والإسلامية تمهيداً لتوسع جديد في المرحلة القادمة وربما يتم في شرق نهر الأردن.
ولا تزال استراتيجية الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني تقوم على:
1-تهجير أكبر عدد ممكن من يهود العالم.
2-إقامة المستعمرات اليهودية في جميع الأراضي العربية المحتلة.
3-ترحيل أكبر عدد ممكن من العرب بالإبادة والإرهاب والعنصرية.

لذلك تتحدث "إسرائيل" باستمرار عن خطر القنبلة الديمغرافية العربية في فلسطين لتحقيق الركائز الثلاث للاستراتيجية الصهيونية.
وتهدف الاستراتيجية الإسرائيلية الهيمنة على الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط كمقدمة للهيمنة على العالم من خلال هيمنة اللوبي اليهودي الأميركي على البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي والبنتاجون، ومن خلال هيمنة اللوبي اليهودي في برلين على ألمانيا وأوروبا. وبالتالي يحقق الكيان الصهيوني القرارات السرية للمؤتمر الصهيوني الأول في بازل والمعروفة ببروتوكولات حكماء صهيون.
ولا يزال الهدف الأساسي للاستراتيجية الإسرائيلية الهيمنة على الشرق الأوسط بالحرب والاحتلال أو بالتسوية والهيمنة الاقتصادية، واعتماد القوة العسكرية واتفاقيات الإذعان لإقامة إسرائيل العظمى والسيطرة على المياه والنفط والغاز والأسواق العربية.
وتعمل المنظمات اليهودية في العالم و"إسرائيل" والموساد على حث اليهود وتشجيعهم وإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين. وتبتكر الوسائل والإغراءات لتهجيرهم ومنها:
* تشجيع الزيارات والسياحة إلى فلسطين المحتلة وإغراء اليهود بالإقامة الدائمة.
* هجرة الشباب باستقدامهم لمدة سنتين لتعلم اللغة العبرية والتوسع في قبولهم في الجامعات.
* التعاقد مع العسكريين اليهود في الجيش الأميركي والدول الأوروبية للإقامة في فلسطين. وجلب الآلاف من الأطفال غير الشرعيين والأيتام من الدول الأوروبية وغيرها.
وتعتمد المنظمات الصهيونية على القيام بالأعمال الإرهابية ضد مؤسسات يهودية للتلويح لهم بخطر اللاسامية وحملهم على الهجرة للكيان الصهيوني، كإلقاء القنابل في المقاهي والمؤسسات اليهودية كما حصل في بغداد، ونسف بعض السفن الصغيرة المحملة باليهود كما حصل على الشواطئ المغربية لإجبار المغرب على فتح أبوابه أمام الهجرة اليهودية.
ويلعب الموساد دوراً في القيام ببعض المظاهر المعادية للسامية في ألمانيا وبقية الدول الأوروبية لإشاعة الخوف والقلق في الأوساط اليهودية كمقدمة لتهجيرها إلى "إسرائيل" وبالتالي تستخدم الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني الترغيب والترهيب لتهجير اليهود إلى فلسطين.
ويرفع قادة الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني شعار "أرض إسرائيل التاريخية" أو "أرض إسرائيل الكاملة" من النيل إلى الفرات، من مصادر نهر الليطاني وحتى سيناء ومن نهر النيل مروراً بالسعودية والكويت حتى نهر الفرات إلى بغداد والموصل ودمشق والجولان وإلى البحر الأبيض المتوسط. ويؤكدون باستمرار أن حدودهم هي الحدود الدينية الواردة في التوراة وحيث تصل أقدام جنود الجيش الإسرائيلي.
ويؤمنون بالمرحلية لتحقيق إقامة "إسرائيل الكبرى الجغرافية" أو "إسرائيل العظمى الاقتصادية" عن طريق تفوق "إسرائيل" العسكري على جميع البلدان العربية وإضعاف هذه البلدان عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وخلق المشاكل والحروب المستمرة لها عن طريق الولايات المتحدة والدول الأوروبية. فالاستعمار الاستيطاني لا يمكن إنجاحه إلا عن طريق احتلال الأراضي العربية واستقدام أكبر عدد ممكن من المهاجرين اليهود وإقامة المستعمرات اليهودية وإبادة وترحيل أكبر عدد ممكن من العرب والانتقال منه إلى الامبريالية الاسرائيلية في الوطن العربي.
وانطلاقاً من هذا الأساس الايديولوجي والديني والسياسي والعملي الصهيوني تشكل مشكلة تهجير اليهود إلى فلسطين وترحيل العرب منها وتهويد الأرض والمقدسات فيها القضية الأساسية في الفكر والممارسة الصهيونية وفي مخططات وحروب إسرائيل العدوانية والتوسعية.
ويقود تبلور "الهوية القومية" للمستوطنين اليهود إلى سحق الهوية الوطنية والقومية والدينية للسكان الأصليين.
وتحاول إسرائيل في الوقت نفسه تلافي أسباب الفشل التي أصابت الحملات الصليبية وقضت على الغزو الصليبي في فلسطين وبقية الأراضي السورية الأخرى، وبشكل خاص الحيلولة دون تعاظم القوة العربية، لأن تعاظم القوة العربية وانقطاع الاتصال بين الجماعات الاستيطانية الصليبية مع العالم الخارجي وعدم انخراطها في النسيج الاقتصادي في المنطقة أدى إلى القضاء على الغزو الصليبي.
ويتصف حالياً الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بظواهر ثلاث:
1) الاستمرار في تكثيف ظاهرة الاستعمار الاستيطاني القائمة على الهجرة اليهودية وترحيل العرب والاستيطان في الأراضي العربية المحتلة وتهويدها وتهويد المقدسات العربية والإسلامية.
2) ظاهرة الحروب العدوانية والاعتداءات المستمرة، وتدمير الاقتصادات العربية وسرقة الأرض والمياه والتربة والثروات العربية، والاستمرار في ممارسة الهولوكوست على الشعب العربي الفلسطيني.
3) ظاهرة الوكيل الاستعماري، وخدمة مصالح الامبريالية الأميركية في المنطقة ومعاداة العروبة والإسلام، حيث تعتبر "إسرائيل" نفسها الامتداد الطبيعي للاستعمار الغربي.
وتعمل على إصباغ الشرعية والاعتراف الفلسطيني والعربي بالاستعمار الاستيطاني والمشروع الصهيوني في الوطن العربي مقابل التوقف المؤقت عن الحروب العدوانية والتوسع الإقليمي. فالحروب والاعتداءات المستمرة على البلدان العربية تهدف إلى فرض التسوية بالإملاءات والشروط الإسرائيلية في اتفاقات الإذعان التي تسوقها الولايات المتحدة الأميركية، العدو الأساسي للعروبة والإسلام وقضية فلسطين، والحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني.
عارضت الولايات المتحدة بشكل لفظي الاستيطان منذ عام 1967 وأكدت رفضها أية خطوات تتخذ من جانب واحد لتغيير الوضع الراهن في الأراضي المحتلة، ومن ضمنها إقامة مستوطنات وتوسيع مستوطنات قائمة. وعارضت إدارة الرئيس بوش الأب الأنشطة الاستيطانية بوصفها عقبة في طريق السلام.
واتخذت الولايات المتحدة هذا الموقف تمشياً مع موقف مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية ومنها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، حيث تحظر المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة الاستيطان في الأراضي المحتلة وتنص على أنه: "لا يجوز لسلطة الاحتلال أن تنقل، وتهجّر قسماً من سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة من قبلها."
وتعني هذه المادة أنه لا يجوز لدولة الاحتلال الإسرائيلي أن تنقل مواطنيها أو مهاجرين يهوداً جدداً للسكن في الأراضي العربية المحتلة وإقامة المستوطنات اليهودية فيها.
ولكن إدارة الرئيس بوش الابن ضربت بموقف الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية والحق العربي بعرض الحائط وتبنت مخططات مجرم الحرب شارون الاستيطانية. وتدعم الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتبرره بوقاحة ووحشية منقطعة النظير بأكذوبة "الدفاع عن النفس". وبالتالي فقدت الولايات المتحدة صدقيتها وانحازت إلى ممارسة الكيان الصهيوني للإرهاب والإبادة والعنصرية والتمييز العنصري والاحتلال والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية. وتقود حالياً بالتعاون مع اليهودية العالمية محاربة العروبة والإسلام.


***