سقوط آخر الأوهام\محمد حبش
>>>>>>>>>>
لم أكتب يوماً في قضية عامة بعين سلبية، وحاولت كل ما أستطيع أن ألمح في خطابه الأخير بارقة أمل تخفف العناء عن الناس، وترفع العذابات عن أهلنا المعذبين في الارض، هي ثقافتي الملعونة التي ترتكز على قاعدة إعذار المخالف، والتمس لأخيك سبعين عذراً، ولعله مجتهد مأجور، وهي ثقافة كتبت فيها طويلاً أصولاً وقواعد، والتي ترتكز إلى كلمة المسيح حين رأى جيفة قذرة في الأرض انفض عنها حواريوه، أما هو فقد تمسك بطول النظر إليها حتى خاطبوه وقالوا: يا روح الله ... ألا يزعجك مشهدها وريحها... قال لهم مبتسماً انظروا إلى بياض أسنانها.....
ولكن حتى ذلك البياض لم اتمكن من لمحه في هذا الخطاب المشؤوم، على الرغم من أن العناية كانت فائقة بالمشهد الأوبرالي للكلمة، وما يحيط بهذه القاعة من رمزية وأبهة وثقافة.....
كنت أبحث عن بقية من إنسانية تنطلق من خطاب الكارثة هذا لتشعر بعذابات الناس وآلامهم وقهرهم ومآسيهم، وهو يدرك تماماً أن الحل الذي يمكن أن يوقف كل هذا العذاب هو شيئ رخيص وتافه، وهو أن ترحل وتترك الناس يعيشون كما كانت سوريا خلال تاريخها الطويل.
هل يصدق بشار الأسد أن شعبه الذي يقاتله الآن في كل كور ودور وبلدة وقرية على امتداد سوريا هو خريج المعسكرات الأفغانية؟؟؟؟ قد تم إرسالهم إلى دمشق بأوامر أمريكية للقضاء على سوريا كما قاموا من قبل بالقضاء على الاتحاد السوفياتي؟؟؟؟
لماذا يستحمرون الناس؟ وهل اتهام كهذا يمكن أن يقنع أحداً، أو هل يمكن لخطاب أسود كهذا أن يقنع ثائراً واحداً بالعودة إلى داره؟؟
حين أنظر إليهم تغمرني المرارة والأسى، يحملون بنادقهم ويركضون، وهي نفس مشاعري تجاه معظم العناصر الذين يخدمون في جيشنا الوطني، أتامل في ملامحهم.. وجوههم تمتلئ بالحياة، شباب في سن العطاء.... أين كانوا قبل عامين... موظفون وطلاب وأصحاب محلات وحرف، من سقبا وحمورية وكفربطنا وداريا ودوما وتفتناز وكفرنبل وعندان ومارع والخالدية والرستن وتلبيسة ومن كل قرى وبلدات سوريا المختلفة، لم يكونوا في قندهار ولا في كابول ولا في جلال آباد، لم يكن في خاطر أحد منهم يوماً أن يمارس السياسة أو العنف أو يحمل بندقية على كتفه أو يطلق رصاصة على أحد..... ما الذي حولهم إلى خيار القتال... أنا على يقين أن أكثر من تسعين بالمائة من هؤلاء لم يحملوا السلاح يوماً، ومعظمهم يحمل مشاعر دينية بريئة طاهرة، لا تزيد عن محبة الشعائر، وكثير منهم لا يمارسون هذه الشعائر أصلاً، ولكنهم اندفعوا إلى مراكب الموت بعد الأهوال التي عصفت بهم عبر جيشنا الوطني الذي ألقى كل قنابله وصواريخه وبراميله وحرائقه على رؤوس أبناء الوطن.
هناك اليوم أكثر من خمسين ألف منشق من الجيش السوري ، ضباط وصف ضباط وعناصر، كانوا ذات يوم يهتفون للأسد، ولم يكن يخطر ببالهم أن الرجل الذي يهتفون له ولحزبه سيسحق قراهم وبلداتهم لدى أول صيحة للحرية، وحين يثورون لن يرى فيهم إلا مشردين أفغان موتورين تحركهم أمريكا كبيادق الشطرنج، ويرتمون في النهاية في أحضانها وأوامرها؟؟؟؟؟
خرجوا للقتال بأمر من أمريكا؟؟؟؟؟ لا أظن أنك تجهل أنهم خرجوا لأنك قتلت أمهاتهم وأخواتهم وأولادهم وجيرانهم، وخرجوا لأنهم شاهدوا من فنون الموت في سوريا ما لم يشاهدوه في أساطير الإجرام العالمي، وخرجوا لانهم فقدوا أي أمل في الحياة الكريمة، وأصبح الموت أكرم في عيونهم من الحياة تحت جنازير دبابات الجيش العربي السوري....
خرجوا للقتال بأوامر من أمريكا.... وكأنك لا تشاهد ما يصوره جنودك وشبيحتك عن عمد وتصميم ثم يبيعونه للقنوات الفضائية من مشاهد الموت والسحل والقتل والاغتصاب وتعذيب الأطفال والفتيات أمام عيون آبائهن وامهاتهن.......
خرجوا للقتال بأمر من أمريكا...... وكأنك لم تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم ولم تهتك أعراضهم ولم تقصف مخابزهم.....
خرجوا للقتال باوامر من أمريكا.... وكأنك لم ترسل طائراتك لتهدم بيوتهم فوق رؤوسهم ورؤوس أطفالهم، وتلقي على مساكنهم وبيوتهم حمم الموت الأزرق....
لم أكن في حياتي داعية قتال ولن أكون، ولكنني أدرك تماماً أن كلامنا في الحكمة والعقل والمنطق أصبح صرخة في واد أو نفخة في رماد.....
أنا الذي كرست حياتي للكتابة عن الأمل .... أقول بمرارة ... لا أمل......