الشهيد سيد قطب
نشأته
في قرية " موشا " من محافظة أسيوط ، ولد الشهيد سيد قطب - عام 1906 من أسرة متوسطة الحال ، وكان والده ليس بمقدوره المالي أن ينفق على ولده في حياته التعليمية .. دخل في بادئ الأمر " كُتاب القرية" و لكنه سرعان ما هجره لعدم اقتناعه بوسيلة التعليم فيه ، و التحق بمدرسة القرية الإلزامية ، و لم تمض سنوات أربع حتى حفظ القرآن الكريم ، و ألمّ بالكثير من الآداب المتعلقة بالحديث.
الدعوة و الداعية
بعد تخرجه في كلية دار العلوم سنة 1933م ؛ مارس هوايته المفضلة " كتابة الأدب و الشعر " . و في سنة 1948م و حتى أواخر عام 1950م ؛ بُعث الى أمريكا من قِبَل وزارة التعليم لدراسة النظم التربوية هناك ، و يعود الشهيد إلى مصر في عجب ودهشة .. إنه لم يجد شيئا جديدا ؛ بل إنه لا يجد بُدّاً من اللجوء إلى المنهج الإسلامي كأساس للتربية في مصر !! ، و بعد أن أعلن رأيه بصراحة واجهته كثير من الدعاوي تتهمه بالجمود و التأخر .
استطاع سيد قطب أن يُحرر مجلة " الفكر الجديد " . كان ذلك بعد انضمامه لـجماعة الإخوان المسلمين ، و بدأ الفكر الجديد يتحرك تجاه الوصول بالإسلام إلى الحكم الرشيد في الوطن الإسلامي ، و بذل الشهيد جهدا مشكورا في الدعوة ، و استطاع جذب أفكار الشباب إليه ؛ بل أصبح مثار إعجاب المفكرين في عصره .. إنه الداعية الذي مزج الحركة بالدعوة في تفان عجيب و إخلاص مجيد .
و في عام 1952م انتخب الشهيد عضوا في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان ، وعين رئيسا لقسم نشر الدعوة في المركز العام لـجماعة الإخوان المسلمين ، ثم رئيسا لتحرير مجلة " الإخوان المسلمين " وذلك في شهر يوليو عام 1954 م . وبعد شهر واحد أغلقت الجريدة , وذلك لمعارضتها المعاهدة الانجليزية المصرية التي عقدها عبد الناصر و ضباط الثورة مع الانجليز.
الابتلاء
دخل سيد قطب السجن بعد اغلاق الجريدة التي عارضت المعاهدة المصرية الانجليزية . وذلك حتى دخوله السجن كان الفكر لديه هو العمل على اقامة حكم اسلامي يفي بمتطلبات العصر ويحقق أمل الأمة المنشود في تطبيق الشريعة الاسلامية , ولكن بعد المذبحة المشهورة "بليمان طرة" تغير فكر الشهيد , انه من المؤكد أن هذه المذبحة حسمت الأمر داخل سيد قطب كانت بداية آخر تحولاته الفكرية الاسلامية , أصبح مقتنعا بأن النظام الذي يحكم لا يمت للاسلام بصلة , ولأنه نظام غير اسلا مي فلا بد أنه نظام جاهل , ولأنه نظام جاهل لابد من مقاومته ومحاربته وفرض الاسلام الصحيح عليه , هكذا استقر الأمر في كيانه , وهكذا انقلبت آخر اجتهاداته الاسلامية , وقد كان السجن بالنسبة لسيد قطب أمرا ليس بالصعب لأنه قضى وقتا طويلا في مستشفى السجن , ولكن الحق الذي لا يختلف عليه اثنان أن السجن هو السجن ولو كان في قفص من ذهب , لقد أتيح للشهيد سيد قطب في السجن فرصة الاطلاع والبحث والتأليف حتى انه كتب داخل السجن أخطر مؤلفاته : "معالم في الطريق " كان الداعية يتصل بالإخوان وهو داخل السجن عن طريق الزوار حتى إنه استطاع تهريب فصول كتابه عن طريق أخته حميدة , كما كتب العديد من الرسائل والوصايا داخل السجن وتم طبعها خارج السجن , وفي 13 يوليو عام 1955 م حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة 15 عاما مع الأشغال الشاقة , وكان فترة سجنه نحوا من عشر سنوات دامت حتى عام 1964 م بعدها تدخل الرئيس العراقي عبد السلا م عارف للإفراج عنه , ومضت هذه السنوات غنية بالإنتاج الفكري (للدعوة الإسلامية ) وكان من نتاجها أيضا مواصلة تفسيره "ظلال القرآن " . وفي عام 1965 م أعيد للسجن من جديد بتهمة تدبير مؤامرة لقلب نظام الحكم وكان الشهيد آنذاك قد بلغ سن الستين وكان مصابا بالذبحة الصدرية , بالاضافة الى مرض الكلى , وأمراض المعدة , ولكن لم تشفع له سنه , ولم يشفع له مرضه عند الظالمين وكلاب السلطة .
استشهاد بعد جهاد
أجمعت المصادر على أن الأستاذ سيد قطب ذاق ألوان من العذاب مع بقية الرفاق المجاهدين داخل السجن ..
قُدم الشهيد " سيد قطب " إلى المحكمة ، ولم تتوافر أدلة إتهام و لم تعط فرصة للدفاع . وقف الشهيد أمام هذه المحكمة التي كان يرأسها " محمد فؤاد الدجوي " ، طلب القاضي من الشهيد أن يذكر له الحقيقة - في قضية الإخوان - فقالل " سيد قطب " و قد كشف عن صدره و ظهره الممزق بالسياط أنياب الكلاب و عصى الحراس : أتريد الحقيقة ... هذه هي الحقيقة ‍‍‍‍‍!!
و في النهاية حُكم عليهه بالإعدام ... إعدام من ؟ أعدام رجل نادى بالحق و تبعه أهل الحق !! إعدام رجل فسر القرآن ... !
و لما سمع الحكم عليه بالإعدام ، قال : الحمد لله ، لقد عملت خمسة عشر عاما لنيل الشهادة .. و عندما طُلب منه الإعتذار مقابل إطلاق سراحه ؛ قال : لن أعتذر عن العمل مع الله !
طُلب منه كتابة كلمات يسترحم عبد الناصر قال : (( إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ؛ ليرفض أن يكتب حرفا يقر به حكم طاغية ... و قال ردا على الطلب : لماذا أسترحم ؟ إن سُجنت بحق فأنا أقبل حكم الحق ، و إن سجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل .. !!! )