المقاومة وشبكة الأمان العربية
بقلم : تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب مستقل - 22- 12 – 2012م
منذ عشرات السنين وشعبنا الفلسطيني يئن من بطش جلاديه الذين تنوعت أسماءهم بتنوع أرديتهم وبتعدد أقنعتهم ، فقد تعرض الفلسطينيون للاعتقال والترحيل في ليبيا ، فمعمر القذافي صاحب المقولة الشهيرة عام 1982 أثناء العدوان الصهيوني على لبنان حيث قال : ( أيها الفلسطينيون انتحروا ) ، وهو الذي قتل الفلسطينيين في ليبيا ، وشارك في قتل قيادات فلسطينية في المنافي ، وهو الذي ألقى بالفلسطينيين في الصحراء تحت الجوع والمرض عام 1995 وطرد 30.000 فلسطيني بملابسهم فقط ، كما تعرض الفلسطينيون للذبح في الأردن في أحراش جرش وعجلون والمخيمات ، وفي لبنان تعرض لمذابح تقشعر منها الأبدان بحق المدنيين العزل بأسوأ أشكال التطهير العرقي ، وفي العراق حيث رموا الفلسطينيين على الحدود شهورا من بعد التنكيل بهم في منطقة الشؤون في مدينة الحرية وبغداد والبصرة وغيرها ، كما يتعرض اليوم للذبح في سوريا باسم جبهة الصمود والتصدي وباسم المقاومة والممانعة ، وهم الذين ذبحوا شعبنا في مخيمي البدوي ونهر البارد وتل الزعتر ، وهم أصاحب شعار أمة عربية واحدة ... ذات رسالة خالدة ، وفي الكويت تعرض شعبنا الفلسطيني إلى الاعتقال والقتل والتشريد بعد غزو العراق وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991, حيث طردت الكويت وبلدان خليجية أخرى 250.000 ألف فلسطيني وعذبت وقتلت الكويت المئات منهم ؛ لتلتقي كل مصالح هؤلاء مع مصالح الصهاينة ... على أثر كل تلك المذابح والمعاناة والآلام والاعتقالات والتشريد ، تجسد بين الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم القاسم المشترك الأكبر الذي وحّد بينهم ألا وهو الدم ... ثم الدم ... ثم الدم ... فلا نصير لهم بعد الله عز وجل إلا الشعوب العربية والإسلامية من خلال الفطرة المتأصلة في كينونة تلك الشعوب نحو الجهاد من أجل تحرير فلسطين ... لقد خاب أمل الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية والإسلامية بأنظمتها الحاكمة ، كما خاب أملها بجميع الأحزاب الفاسدة الفاشلة من ليبرالية وعلمانية وماركسية وما شابه ذلل ، وما أفرزته تلك الأحزاب من ذل وهوان وضياع على أيدي تلك الأحزاب التي عملت من اجل مصالحها ، متقاطعة في كثير من المحاور مع أنظمة الحكم المستبدة تحت ستائر من الديمقراطية والوطنية والثورية وغير ذلك ، لتتقاطع في النهاية مع المصالح الدولية الأخرى على حساب مصالح الشعوب وكرامتها ... ونسمع اليوم ممن تبقى من النظام العربي الرسمي والذي في طريقه إلى الأفول والخلع الثوري بإذن الله ، نسمع عن شبكة أمان لمنح السلطة الوطنية الفلسطينية مائة مليون دولارا شهريا بعد نتائج اعتراف العالم بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة ، خاصة وقف المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية لدى دولة الكيان ... لم يف النظام العربي الرسمي بتعهداته حتى الآن ، حيث تم توزيع المبلغ المذكور على كل دولة عربية 10 مليون دولار، وأن يصل المبلغ في غضون 15 يوما للسلطة الوطنية الفلسطينية ،والنظام العربي الرسمي بذلك هو كعادته من قبل باستثناء الفتات الذي كان يقدمه للسلطة والذي لا يعيد وطنا ولا يحرر شعبا ، متأثرا بالضغوط الأمريكية ، في ذات الوقت الذي تستمد المقاومة الفلسطينية دعمها واستمرارية بقائها من خلال الحس الشعبي العربي والإسلامي ، وتطور بذلك الدعم بشكل ملحوظ أدهش العدو والخصم والصديق ، ذلك الحس الذي يشكل شبكة الأمان الأقوى ، والجدار الأكثر صلابة الذي تستند عليه المقاومة الفلسطينية في ديمومتها ... عشرات السنين من المقاومة بقيادة فصائلنا الفلسطينية معتمدة في كثير من دعمها على النظام العربي الرسمي ، لكي تنتهي كل تلك السنين الحافلة بالآلام والدموع والتشريد والقتل والاعتقال باستجداء الراتب الشهري ولقمة العيش لشعبنا في غزة والضفة الغربية ، ولكي يحرم من أدنى مقومات الحقوق المدنية في لبنان ، ولكي يعيش شعب فلسطين الرحيل تلو الرحيل ، في الوقت الذي لو استعانت تلك الفصائل مجتمعة ومن خلال وحدتها الإستراتيجية بالعمق العربي والإسلامي ، لربما لم تتكرر عمليات الترحيل تلك ، ولن نتعرض للعقاب الجماعي اليوم بسبب غياب الراتب ، ولم نمض حوالي عشرين عاما من مفاوضات لا فائدة منها ، ولم يتحول اليسار الفلسطيني إلى متحف التاريخ ، ولم تتحول بعض التنظيمات إلى الشيخوخة والعجز تنخر في عظامها الخلافات والفرقة والشقاق ... بل ربما لم يرحل شعبنا إلى التشيلي ، والبرازيل ، والأرجنتين ، وكندا ، وغيرها ... لقد كان من نتائج الحرب الأخيرة على غزة أن أحيت الروح القتالية لدى أهلنا في الضفة الغربية ، وأيقظت فيهم روح المقاومة من جديد ، فلم يفجر أحد شباب فلسطين في يوم عيد ميلاده حافة في قلب دولة الكيان من فراغ ، ولم يلطم شرطي فلسطيني جنديا صهيونيا على وجهه ويهرب من أمامه من فراغ ، وذلك خلال اشتباكات بين جنود الاحتلال وشبان فلسطينيين خلال عملية هدم لمنازل فلسطينيين في مدينة سلفيت بالضفة المحتلة. ، ولم يهرب الجنود الصهاينة أمام الشباب الفلسطيني في قرية كفر قدوم الذي لا يملك غير الحجارة من فراغ ، ولم يختبئ الصهاينة خلف أكوام القمامة في مدينة الخليل هروبا من شبابنا من فراغ أيضا ، وللجميع منا أن يتخيل كيف يكون حال جميع هؤلاء الشباب وقد احتضنتهم المقاومة الفلسطينية الباسلة ، فهل سنطلب حينئذ من النظام العربي شبكة أمان كما نطلب اليوم ؟ ... المقاومة بعمقها الشعبي والإسلامي ستحوِّل طرق المغتصبين إلى جهنم بإذن الله ، وستؤرق المغتصبين في مضاجعهم من دون استجداء النظام العربي الرسمي واللهث من ورائه ، ذلك النظام الذي يرفض أن يستخدم جزءا من موارده وإمكانياته كسلاح في وجه أمريكا والكيان ؛ من أجل أنبل واشرف قضية عرفها التاريخ ألا وهي القضية الفلسطينية ... ولنا أن نتخيل أن عشرين عاما من المفاوضات التي لم تسفر عن شيء ، لو أننا استثمرناها في الفعل المقاوم ، فهل سنعيش اليوم النتيجة ذاتها ؟ فالحرية تُنتزع ولا تُمنح ، ومن لا يملك قوته لا يملك قراره ، بدلا من معاناة شعبنا في حالة العقاب الجماعي الذي يعيشها اليوم بسبب سلوك قادته السياسي ، والعدو لا يعطي نصرا على طبق من ذهب ، ولا مقاومة من خلال فنادق الخمسة نجوم ، وانه لا يمكن للمفاوضين أن يحرروا شبرا واحدا من الأرض الفلسطينية المقدسة بهذا النمط السياسي الذي ينتهجونه ، بل الذي سيحررها بإذن الله تعالى هم أولئك الرجال الذين يملكون عقيدة القتال في وسط تل الربيع والقدس ، واسدود والمجدل ، وبئر السبع ، ومغتصبات هرتسيليا ويبنا وحولون .... كان قادتنا من قبل يطالبون بدولة ولو في عرض البحر ، واليوم وبعد حصولنا على دولة مراقب هل سنعيد حساباتنا من جديد بشأن المقاومة ؟ وهل سنجري عملية تقييم شاملة لأدائنا فنحل مشاكلنا حلا جذريا ؟ وهل سنوقف التعامل الأمني على الأقل في ظل انسداد الأفق السياسي ؟ فالاعتراف بالخطأ من شيم العظماء ، والتراجع ليس عيبا بل هو مهارة وذكاء ، فذلك خير لنا من أن نعيش تحت رحمة كيان الاحتلال ، أو شبكة الأمان العربية ، أو الرباعية الدولية أو غيرهم... ومن خلال كل ما سبق ، ومن خلال الاستمرار في نهج الكرامة وتلقين العدو درسا تلو الدرس ، فإنني أدعو المقاومة الفلسطينية إلى حماية شعبها ، والرد على كل خرق للتهدئة تقوم به دولة الكيان ، والتي كان آخرها إصابة خمسة فلسطينيين شرق جباليا ، فالعدو لا يفهم غير لغة الدم ، ودماء الفلسطينيين ليست ماءً ... لم أكتب هنا من منظور أيديولوجي ، ولم أتشرف بالانتماء لأي فصيل ثوري مقاتل وقد بلغت الستين من عمري ، وشاب شعري ، وانحنى ظهري ، وضعف بصري ...
وللحرية الحمراء بابٌ بكل يد مدرجة يُدقُ
Tahsen-aboase@hotmail.com