الخطاط الصانع: يزيدني فخراً أن يكون من أساتذتي
بالخط صديق عمري الشاعر وليد الأعظمي

قال الخطاط الدولي المعروف عبدالله عبدالرزاق الصانع، خطاط كلمات الملوك السعوديين، مستشار التجمع العالمي لخطاطي المصحف الشريف، والمنتصر لرسول الله عالمياً: إنه عندما أراد البدء في كتابة ذكرياته مع شخصيات لها ثقل ديني أو فني أو ثقافي أو سياسي أو رياضي في داخل المملكة أو خارجها، فإني سأبدأ بأعز شخص في حياتي لا أنساه مادمت حياً، عرفته منذ خمسة وأربعين عاماً، لا ينقطع بيننا التواصل حتى أيام الحصار على العراق، وانقطاع هذه الدولة عن العالم، حيث تحملت الصعاب لأصل إليه ثلاث مرات، فما إن أصل إلى الأردن حتى أتصل به من هناك ليحجز لي شقة أنا وعائلتي في الأعظمية وقريباً من بيته قرب شارع «عشرين». إنه الشاعر الإسلامي والخطاط المبدع والأديب والكاتب والمؤرخ والناقد وخبير التراث والمخطوطات والداعية المجاهد ابن الأعظمية وكبير وجهائها ومدير جمعياتها الخيرية الحافظ لكتاب الله ورفيق والدي في الدعوة إلى الله في الأربعينيات أخي في العقيدة والأب الروحي لنا جميعاً الأستاذ وليد بن عبدالكريم بن إبراهيم بن مهدي الأعظمي العبيدي يرحمه الله تعالى، الذي ولد في الأعظمية عام 1930م، تعلم الخط والزخرفة على يد الخطاط التركي الشهير ماجد الزهدي، نال إجازة الخط من خطاط المسجد الحرام محمد إبراهيم، نال إجازة الخط من محمد طاهر الكردي خطاط الحرم المكي، حصل على إجازة الخط العربي من الشيخ أمين البخاري خطاط كسوة الكعبة، تعلم أصول قواعد الخط من الخطاط المعروف هاشم البغدادي، ولازمه عدة سنوات، تعلم القرآن وحفظه على يد الملا حميد الكردي، احتضنه الشيخ أحمد الصواف في الدعوة والشعر. من إندونيسيا شرقاً إلى المغرب غرباً يتغنى الشباب المسلم بقصائده، فسيرة الخطاط وليد تفيض أوراق الكتب في ذكرها وتمتلئ الرفوف عند حملها. تعرفت على الأخ وليد عام 1967م عندما كنت أدرس في بغداد الخط العربي في معهد الفنون الجميلة، حيث سكنت الأعظمية لطيب أهلها، وأثناء فراغي أذهب إلى المكتبة الإسلامية لأستزيد من معينها لاحظت قربها مكتب خط يحمل اسم «الخطاط وليد»، دخلت ذلك المكان وسلمت على صاحبه، وطلبت أن أتعلم على يديه قواعد الخط زيادة مما أتعلمه في المعهد على يد الأستاذ هاشم البغدادي صباحاً، والذي هو أستاذ الأخ وليد سابقاً، فوافق على الفور خصوصاً عندما عرف والدي الشيخ والداعية عبدالرزاق بن عبدالمحسن الصانع يرحمه الله، وكنت التقي بوليد في جامع الإمام الأعظم عندما أحضر دروس علم التجويد على يد الشيخ العلامة عبدالقادر الخطيب رئيس رابطة العلماء.. وكذلك أشاهد أخي وليد أحياناً يعتلي منصة الاحتفال السنوي بمناسبة المولد النبوي الشريف ليقول قصيدته الشهيرة بهذه المناسبة، ومطلعها هذان البيتان: المجد بيومك مــولده والفتح بك امتدت يده أحوال الخلق إذا اضطربت فالموقف أنت محمده إلى آخر القصيدة.. وعندما تخرجت ورجعت إلى المدينة المنورة لم أنقطع عن أستاذي وأخي أبداً، حيث كنا نتواصل إما بالرسائل أو تلفونياً أو بالزيارات المتبادلة، فقد كان يأتي للحج أو العمرة يرافقه زوجته، وكان يتصل بي أول ما يصل إلى الفندق؛ حيث أتشرف بخدمتهما أنا وزوجتي، وهكذا تتكرر اللقاءات الحميمة.. أما أنا، ففي عطلة الصيف أسافر إلى بغداد، وفي إحدى الزيارات اتصلت برجل الأعمال الشيخ عبدالوهاب بنيه المعروف بأعماله الخيرية وبنائه المساجد وأشهرها جامع «بنيه»، حيث قابلت هذا الشيخ قبل ذلك في مزرعة الشيخ الجليل عبدالعزيز الناصر، حيث كان لأبي أيمن الفضل الأكبر لهذا اللقاء، وقتها دعاني الشيخ عبدالوهاب لزيارته إلى بغداد ليطلعني على خطوط هاشم الأصلية بعد أن عرف أنني من تلاميذه، وأثناء تواجدي في بغداد وبعد اتصالي به دعاني إلى الغداء مع عائلتي فأخبرته وقتها بأني أسكن في شقة قرب بيت الأستاذ وليد الأعظمي، فطلب مني إحضاره معنا حيث يعرف الشيخ أن وليداً من تلامذة هاشم، فذهبنا إلى منزله بشارع الأميرات، وبعد الغداء قال الشيخ لنا: سأريكم ما لم تشاهدوه من قبل، وفعلاً رأينا من الخطوط التي لا تقدر بثمن، منها الجدارية، ومنها على الألواح، ومنها على الورق، وهذا أجمل ما شاهدناه من خطوط على الإطلاق. المسلم حذر فطن قبل الحرب في العراق وذلك عام 1978م، اتصل بي مجموعة من السعوديين الذي يسمعون عن الشاعر الإسلامي الكبير ويقرؤون شعره، ولم يروه فاتفقت معهم أن أقابلهم في بغداد، فأخذتهم إلى الأعظمية فذهبت وحدي إلى المكان العام الذي يجلس شاعرنا الكبير فيه؛ لأن عيون الأمن لا تفارق هذا الداعية، فطلب مني أن التقي معهم في أحد الأزقة، ومنها انطلقنا بسيارتهم إلى إحدى المزارع القريبة من بعقوبة، وهناك أخذ راحته مع الوفد أكثر من ساعتين شعراً ونثراً بعيداً عن خفافيش الليل. إن ما ذكرته في هذه السطور هو مختصر المختصر لهذا الشاعر، وذكرت فقط الجانب الذي يخصني ويخص قسماً من الخط العربي؛ لأني لو ذكرت عنه بالتفاصيل لا تسعها الكتب. ذكرى أليمة في أحد الأيام وصلني خبر حادث تعرض له أخي الشاعر بين الحدود العراقية الأردنية، فسافرت مسرعاً لأطمئن عليه، وقد خرج بعد أيام ولله الحمد، ولكن العصا لا تفارقه حتى توفي يوم السبت 1 المحرم 1425هـ عن عمر يناهز 74 عاماً، رحم الله شاعرنا وخطاطنا وأدخله فسيح جناته.. آمين.
http://magmj.com/index.jsp?inc=5&id=...15&version=174