حين تم وضع اللبنات الأولى لإقامة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين عام ١٩٥٧ كان يقع في بقعة ريفية على بعد بضعة كيلومترات جنوب العاصمة، قبل أن تتوسع دمشق ويصبح المخيم جزءا أساسيا من مكوناتها الجغرافية والديمغرافية.
تشرف على المخيم الهيئة العامة للاجئين التي تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا، وقد خُصِّص لإيواء عشرات آلاف اللاجئين الذين اضطروا لمغادرة بلداتهم وقراهم عشية انتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين وإقامة دولة إسرائيل اثر الهزيمة التي لحقت بالجيوش العربية في حرب عام ١٩٤٨، أو ما يسمّى بالنكبة.



خلال سنوات قليلة، بات المخيم أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان والأردن، واصبح رمزاً للعودة، كما غدا يُعرف بـ "عاصمة الشتات الفلسطيني"، علما انه يوجد في سوريا وحدها خمسة عشر مخيما تتوزع على ست مدن.
واسهم صدور قانون سوري عام ١٩٥٦ ساوى اللاجئين الفلسطينيين بالمواطنين السوريين بإتاحة هامش كبير لهم من التحرك والانخراط في كافة مؤسسات الدولة.
منذ تسلم حزب البعث السلطة عام ١٩٦٣ مع ما حمله حينها من أيديولوجيّة ثوريّة حصلت حركات المقاومة الفلسطينية الوليدة على دعم رسمي ومكشوف، ما شجّع الآلاف من شبان مخيم اليرموك على الانضمام لتلك التنظيمات وفي مقدمتها حركة فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
قتل المئات من شبان المخيم خلال المعارك مع إسرائيل خصوصا خلال اجتياح لبنان عام ١٩٨٢. فقد كان هؤلاء يدخلون الأراضي اللبنانية بغطاء من الجيش السوري الذي كان يقوم بمهام قوات الردع العربية هناك.
بعد ذلك وإثر خلاف بين الرئيس السوري حينها حافظ الأسد وياسر عرفات تعرض اليرموك كما غيره من المخيمات الفلسطينية لضغوط أمنية كبيرة، حيث اعتقل الآلاف من اللاجئين بتهمة انتمائهم لحركة فتح، وصودرت مكاتب الحركة كما دعمت دمشق حركات انشقاق قام بها مسؤولون في فتح.
منذ ذلك الحين تراجع دور مخيم اليرموك في العمل المسلح وكذلك على مستوى الحراك السياسي، لصالح نشاط تجاري انعكس بنهضة اقتصادية لافتة في أنحائه، وأدى إلى استقطاب عشرات آلاف السوريين للعمل والسكن فيه، وبات تعداد سكان المخيم يقدَّر بنحو ٨٠٠ ألف شخص غالبيتهم سوريون من سكان الاحياء العشوائية التي اقيمت على اطرافه.
ورغم كسر الجمود في العلاقات الفلسطينية - السورية بعد وفاة كل من حافظ الأسد وياسر عرفات إلا أن مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ظلت ممنوعة من العمل في اليرموك، وهذا ما أتاح المجال واسعاً لنشاط حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين انتقلت قيادتاهما إلى دمشق نهاية عام ١٩٩٩.
وانتظم جزء كبير من شبان المخيم في الحركتين خصوصا حماس التي كان زعيمها خالد مشعل يقطن في مخيم اليرموك قبل أن ينتقل الى مكان آخر نتيجة تهديدات أمنية اثر اغتيالات طالت قيادات في الحركة داخل دمشق.
لا تعتبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين اليرموك مخيما ضمن تصنيفاتها، لكنها تقدم خدماتها التعليمية والصحية فيه، وتعتبر نسبة المتعلمين فيه من أعلى النسب ليس على مستوى سوريا فحسب، بل على المستوى العربي.
اثر بدء الانتفاضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد واتضاح التمايز بين حركة حماس والنظام السوري لرفضها دعمَ أسلوبه في التعامل مع الحراك الشعبي، ما حدا بقيادة الحركة لاحقا إلى مغادرة سوريا، ظل تمثيل اللاجئين الفلسطينيين غير محسوم سياسيا لجهة أو لأخرى.
واستغل تنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة (الذي انشق عن الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش ولاحقا أحمد سعدات الذي تعتقله إسرائيل) الداعم للنظام السوري لملء الفراغ في اليرموك ونشر عناصره لحماية المخيم ومنع الجيش السوري الحر من دخوله على ما يقول في بياناته.
إلا أن ذلك لم يحل دون استهدافه عدة مرات من قبل القوات الحكومية بعد نجاح الجيش الحر في دخول أطراف المخيم من جهة حي الحجر الأسود إلى الجنوب وحي التضامن إلى الغرب حيث تنشط مجموعات الجيش السوري الحر منذ شهور، وأدى ذلك إلى سقوط عشرات القتلى في مخيم اليرموك، فيما وثقت مصادر فلسطينية مقتل أكثر من ٧٠٠ فلسطيني منذ بدء الأزمة في سوريا.
في السادس عشر من ديسمبر/ كانون الثاني استُهدِف المخيم بصاروخين في غارة جويّة وذلك للمرة الأولى على الإطلاق.
انكر النظام السوري المسؤولية عن قتل وجرح العشرات جرّاء القصف الذي اتهم به تنظيم جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، لكن سكان المخيم بدأوا رحلة نزوح جديدة في اتجاهات متفرقة شبيهة بتلك التي قادت أجدادهم وآباءهم الى مخيم اليرموك.
بيبيسي