قبر جدي..
اعتدت عند القيام بصلاة الفجر , أن اطل من خلال الشرفة على جديد عالمنا الطبيعي في الحي,وأنا ما زلت مرتدية ملابس الصلاة ,لأرتل قربها بعضا من القرآن في سري أو على كرسي قربها أتنسم رائحة هذا اليوم.
ومستمتعة بنسمات الفجر العليلة الطاهرة البكر والتي اجدد فيها هواء رئتي استعدادا لاستقبال يوم جديد...
ولا أدري ما الذي جمعني أنا وتلك المقبرة التي تطل عليها نافذتي بمودة غريبة,حيث ما كنت لأجد فيها أصلا إلا وحشة و خوفا من رائحة موت قادم وقابل!
وكلما وجدت من نفسي انحسارا نحو العبادات اليومية , دفعت بنفسي وجسدي لزيارتها ميدانيا وبرهبة العابد الناسك التقي...
لكنني قلما كنت أفعل ذلك ,و كثيرة هي المرات التي كنت أفاجأ ببعض الأمور غير المتوقعة فيها !, هل هو صدفة أم دفع رباني؟.
طالعني يومها ذاك الشاب الذي كان يبكي متجولا في أرجائها باحثا عن قبر والده...
كنت مارة من هناك أتلو سورة الفاتحة لكل الأموات علهم يستنشقون هواء الفرج , لأجده يسألني بعد أن يئس من إيجاد حارس المكان عن قبر ما, فقلت:
-إنه هنا يا ولدي ويبدو أن هناك صلة قرابة بيننا كما أرى من خلال الاسم ..كن بخير فلا فما ضاع في الأرض تتلقاه السماء فلا تقنط...
طالعني بإشارة تعجب ومضى ولم يعبأ بكلمة قرابة أبدا......بعد أن شكرني...!!
كم تاه من أطفال هنا كما تناهى لسمعي فوجدوا القبور ملجأ,وكان الحارس يجد الحل سريعاً,و يحفظ كل من في الحي فردا فردا..ومن كان يراه غريبا عن الحي يسأل عنه ويبحث.
هبطت سلم العمارة يومها لأذهب لبعض شؤوني , ولأستقل سيارة أجرة وجدتها سريعا والحمد لله, لكن السائق كان عصبي المزاج لسوء الحظ :
-انظري أخيه إلى هذا الشاب والفتاة قد هرب الحياء منهما ولم يجدا غير المقبرة يجلسون عليها,ألم يسمعون صراخ الموتى حينها؟وعلى فكرة هي محجبة مثلكم..
-عفوا أخي الكريم تضع على رأسها حجابا لكنها ليست محجبة!فلا تعمم أرجوك,قد بات البشر في زماننا نسيج وحدهم...
-ربما .ولو كنت مربية فاضلة ترشدينها وتوفري علينا تلك المناظر البشعة المنفرة.
-حسنا جدا..
عندما تقدمت ..كانا قد اختفيا..وقد لمحت طيفه بعدها...يسوس عراكا مع حارس المقبرة...ليجتمع الناس حوله...عندها نزلت من السيارة ,دخلت المقبرة,زرت جدي..
وكأن شيئا لم يكن...مررت بجانب الأصوات العالية.. بتجاهل كبير..لمحني..همس في أذني:
-ألسنا أقرباء؟
ريمه الخاني 19-12-2012